كيف نجا الإسلام في البوسنة والهرسك؟
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
يفوق عمر الإسلام في البوسنة والهرسك 550 عاما، واجه خلالها المسلمون تحديات ومصاعب متفاوتة، شكّل بعضها تهديدا وجوديا مباشرا، وبعضها الآخر حرمانا من حرية ممارسة الشعائر أو سلبا لحقوقهم السياسية والاقتصادية.
لكنهم تمكنوا من التغلّب على تلك الظروف، واستمر بذلك الإسلام حيّا في تلك البلاد حتى يومنا هذا. فما التحديات التي واجهها مسلمو البوسنة؟ وكيف تغلّبوا عليها؟
يقول المفتي العام السابق لجمهورية البوسنة والهرسك، الدكتور مصطفى تسيريتش، للجزيرة نت إن الإسلام دخل إلى أوروبا من بابين، أولهما شبه الجزيرة الإيبيرية، واستمر فيها 8 قرون.
ويطلق الدكتور تسيريتش على البوسنة لقب "أندلس الحية"، ويشرح أن سبب إقبال البوسنيين على الإسلام هو "نقاش كبير في التاريخ، ظاهره أن الكنيسة الصربية البيزنطية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية كانتا تتنافسان على البوسنة، لكن البوشناق، الذين أطلقوا على أنفسهم "البوسنيين الطيبين"، ملّوا من هذا التنافس وجاؤوا بكنيستهم الخاصة المختلفة في كثير من الأمور عن الكنيستين البيزنطية والكاثوليكية، فأعلنت الكنيستان عليهم اللعنة"، لأنهم بدلوا عقائدهم وطقوسهم، مما شكّل حافزا أساسيا لقبول الإسلام حينما جاء العثمانيون.
وبحسب أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة سراييفو، أحمد عليباشيتش، كانت هناك عوامل محفزة جعلت الناس يعتنقون الإسلام. بداية، كان الوجود المسيحي، سواء الأرثوذكسي أو الكاثوليكي، سطحيا في البوسنة، فقد وصل عدد الكنائس والأديرة في تلك الحقبة إلى 80 فقط، في بلد يضم اليوم ما يزيد على 3 آلاف دار عبادة. ويوضح: "يمكنك أن تتخيّل في ذلك الوقت، لا وسائل نقل أو كتب متوفرة… هذا عدد قليل جدا، ويعني أن معظم الناس لا يرون الكهنة، ولا يذهبون إلى الكنيسة، ولا يشاركون في المناسبات الدينية".
إعلانويضيف خلال حديثه مع الجزيرة نت: "كان الناس في عزلة، وعندما أتى العثمانيون بقوة الإسلام والعلماء والطرق الصوفية والحكومة، اندهش كثيرون من تلك القوة. النقطة الأساسية أن المسيحية في البوسنة كانت ضعيفة، على عكس صربيا أو اليونان أو بلغاريا، حيث كانت توجد كنائس قوية جدا وتواصل دائم بين الكهنة والناس".
وتوضح أستاذة العلاقات الدولية في كلية سراييفو للعلوم والتكنولوجيا، جوادة غاريتش، للجزيرة نت أن عام 1463 هو العام الذي فتح فيه العثمانيون البوسنة. ولم يقبل البوسنيون الإسلام بشكل فوري، بل إن المملكة البوسنية، التي كانت قائمة حينها، واجهت العثمانيين باعتبارهم غزاة. وكانت في البوسنة حينها 3 كنائس هي: الأرثوذكسية والكاثوليكية والبوسنية (التي يطلق البعض عليها اسم البوغوميل). وكانت الكنيسة البوسنية بنظر الكنيستين الأخريين "كنيسة هرطقية"، وتعرض أتباعها للاضطهاد من الكنيسة الكاثوليكية وملوك المجر.
دخول تدريجي يدحض ادعاء "الإسلام بالقوة"ينفي عليباشيتش الادعاء القائل بأن العثمانيين فرضوا الإسلام بالقوة على البوسنيين. ويوضح أن انتشار الإسلام ببطء على مدار أكثر من 150 سنة، وعدم تشكيل المسلمين أي أغلبية في البوسنة خلال الوجود العثماني، يشكلان دحضا صريحا لهذا الادعاء.
وتؤيد غاريتش هذا النفي، مؤكدة أن التعداد السكاني الأول في عام 1879، الذي أجرته الإمبراطورية النمساوية المجرية بعد احتلالها للبوسنة، يظهر أن نسبة المسلمين كانت 38%، في حين شكّل الأرثوذكس 43% والكاثوليك 18%، إلى جانب الأقلية اليهودية (التي جاءت إلى البوسنة بعد سقوط الأندلس).
لكن "بمجرد أن اعتنق البوشناق الإسلام، أصبحوا مسلمين حقا، وكانوا مستعدين للتضحية وحتى لمغادرة منازلهم والهجرة حفاظا على إيمانهم، ولذلك تجد اليوم البوشناق في تونس والجزائر وفلسطين وسوريا والحجاز والأناضول"، وفق كلام عليباشيتش. ويشرح أن هناك 3 عوامل حالت دون تشكيل المسلمين أغلبية في البوسنة والهرسك، وهي: الحروب المتتالية، والطاعون، والهجرات التي رافقت تراجع الدولة العثمانية.
بعد هزيمة السلطنة العثمانية خلال حربها مع الإمبراطورية الروسية في (1877-1878)، عقد المستشار الألماني، أوتو فون بسمارك، مؤتمر برلين عام 1878، الذي مُنحت فيه البوسنة والهرسك للإمبراطورية النمساوية المجرية بحضور القوى الكبرى. وكان ذلك إيذانا ببدء حقبة غير مسبوقة على البوشناق المسلمين. فعندما احتلت الإمبراطورية النمساوية المجرية البوسنة، خضع المسلمون للمرة الأولى منذ اعتناقهم الإسلام لحكم غير إسلامي، وكان النقاش كبيرا: هل تجب الهجرة والعيش في ظل حكم إسلامي أم البقاء في البوسنة؟
وتوضح غاريتش أن المسلمين خشوا فقدان هويتهم والاضطرار للتخلي عن دينهم، خصوصا بعدما رأوا ما حدث في صربيا المجاورة، التي اعتمدت سياسة الطرد القسري للمسلمين وتدمير العمارة الإسلامية فور نيل استقلالها في مؤتمر برلين.
لكن اللافت أن الإمبراطورية النمساوية المجرية لم تعتمد هذه السياسة، وفق غاريتش، التي نشرت كتابها "الإيمان والولاء: البوشناق والإمبراطورية النمساوية المجرية" خلال عام 2024. وتشير إلى أن فتوى أصدرها مفتي مدينة توزلا، الإمام محمد توفيق أزباغيتش (أصبح لاحقا المفتي العام في البوسنة)، في عام 1886 تحت عنوان "رسالة في الهجرة"، كان لها بالغ الأهمية في ثني البوسنيين عن ترك بلادهم.
إعلانوفحوى هذه الفتوى أنه إذا كان الحكم الجديد غير المسلم صالحا ولا يجبر المسلمين على التخلي عن دينهم أو ممارسة شعائرهم أو ارتكاب أي محرّم، فلا عائق في أن يعيش المسلمون تحت هذا الحكم. كانت هذه الفتوى مهمة جدا لتقول للمسلمين: "ابقوا هنا، هذا بلدكم ووطنكم"، كما تقول غاريتش.
ويشير المفتي تسيريتش إلى فتوى أخرى ضد الهجرة من قبل الإمام محمد رشيد رضا، وذلك ردا على سؤال طالب بوسني من مدينة ترافنيك، فأجاب رضا: "لا هجرة بعد فتح مكة"، وذلك في مقابل فتاوى من إسطنبول بوجوب الهجرة. ومع أن كثيرين هاجروا من البوسنة، لكن غالبية البوشناق بقوا وعاشوا تحت حكم قيصر الإمبراطورية النمساوية المجرية.
تؤكد غاريتش أن تعامل الإمبراطورية النمساوية المجرية مع البوشناق كان ذكيا جدا. فهم لم يعتمدوا سياسة قسرية إكراهية على غرار جيرانهم الصرب، بل كانوا أكثر انفتاحا وأسسوا كلية للدراسات الإسلامية ومدرسة للقضاة الشرعيين وغيرها، ولم يلغوا المحاكم الشرعية بل أدخلوا قوانين مدنية جديدة مع المحافظة عليها. وحتى في العمارة، لم يبنوا مبنى البلدية في سراييفو، على سبيل المثال، وفق النمط الغربي الخالص، لكيلا يستفزوا المسلمين.
ولا تخفي غاريتش أن المسؤولين عن تلك السياسات هدفوا حينها إلى توجيه البوسنيين نحو أوروبا الوسطى وإبعادهم عن شيخ الإسلام في إسطنبول، لكن هذا كان لصالح المسلمين في النهاية، لأنهم باتوا مسؤولين عن إدارة شؤونهم الخاصة، بل وصل الأمر إلى أن يتمكّن المسلمون من إدارة الأوقاف الخاصة بهم بعد عراقيل وتحديات من قبل مسؤولي الإمبراطورية.
وبلغت ذروة انتقال ولاء البوشناق من السلطان العثماني إلى القيصر الكاثوليكي خلال الحرب العالمية الأولى، التي انطلقت شرارتها من سراييفو باغتيال الطالب غافريلو برنسيب (صربي من البوسنة) ولي عهد النمسا في أحد شوارع المدينة الرئيسية عام 1914.
لكن المسلمين، وبعد أن قاوموا الاحتلال النمساوي المجري في سنواته الأولى، كان لهم فوج خاص داخل جيش الإمبراطورية. وكان لهذا الفوج، بحسب غاريتش، زي مميز وأئمة محليون، وحرية إقامة الصلوات وغيرها من الشعائر، بل مطبخ خاص لتقديم الأكل الحلال وفق التعاليم الإسلامية. وقاتلوا إلى جانب الإمبراطورية خلال الحرب، حينما أدركوا أن دينهم وإيمانهم ليسا في خطر تحت هذا الحكم.
وفي هذا السياق، يؤكد الأستاذ عليباشيتش أن الحقبة النمساوية المجرية في البوسنة ليست مجرد تاريخ بحت، بل عِبر يمكن الاستفادة منها في واقع المسلمين داخل أوروبا اليوم. ويشكّل تحوّل المسلمين من رافضين للإمبراطورية إلى موالين لها تجربة ومثالا لما يمكن أن يكون عليه وضعهم اليوم.
ويقول: "تعلّمنا تلك الحقبة كيف سيقيّم المسلمون أوروبا وكيف سيتأقلمون فيها أو ينعزلون في المجتمعات المحلية بناء على كيفية معاملة أوروبا لهم". ويوضح أن "المسلمين في البوسنة لم يكونوا استثنائيين، بل كانوا كباقي المسلمين في مختلف الولايات العثمانية، لديهم نفس وجهات النظر تجاه الثقافة الأوروبية والحداثة، لكن بعدما عاشوا ورأوا دولة تحترم القانون وحرية الدين، تغيّرت نظرتهم تجاهها".
ومن الأحداث التي تركت أثرا بالغا على تاريخ المسلمين في البوسنة خلال العهد النمساوي المجري هو تأسيس المشيخة الإسلامية في عام 1882. ويقول المفتي تسيريتش إن لقب "رئيس العلماء" أُطلق على المفتي العام في البوسنة، وهو لقب لم يكن موجودا سوى في فلسطين. أما آلية اختيار "رئيس العلماء" فكانت تتم على خطوات هدفت لإرضاء جميع الأطراف، وفق شرح عليباشيتش: مجلس علماء محلي يقترح 3 أسماء، يختار القيصر واحدا منها ويرسله إلى "شيخ الإسلام" في إسطنبول، ثم يُعيَّن "رئيس العلماء" في منشور.
خلال الحرب العالمية الثانية، فقد المسلمون في البوسنة أكثر من 8% من تعدادهم الكلي جراء الاحتلال النازي ومجازر القوات الصربية المتطرفة الملقبة بـ"تشيتنيك". وعقب انتهاء الحرب، دخل المسلمون في البوسنة والهرسك حقبة جديدة تمثلت في الحكم الاشتراكي ليوغوسلافيا، التي ضمت كلا من: صربيا، وكرواتيا، والبوسنة والهرسك، وسلوفينيا، والجبل الأسود، ومقدونيا.
إعلانويوضح تسيريتش أن الكثير من البوشناق كانوا مع الجنرال تيتو، الذي حكم يوغوسلافيا منذ نشأتها عام 1945 حتى وفاته عام 1980، لأنه كان السبيل الوحيد لوقف عمليات القتل. ويضيف: "تيتو، بكل ما فيه من نقص، كان بالنسبة لنا، كما نستطيع أن نقول الآن، مصلحة تاريخية. لماذا؟ لأننا دائما كمسلمين في البوسنة والبلقان عموما كنا بين مصلحة روحية أو مصلحة جسدية. فعندما كانت لدينا الحرية الروحية وكنا نستطيع أن نمارس ديننا، كانوا يضربوننا بالجسد وبالديموغرافيا. تيتو حرمنا من الروحانيات، لكنه وسّع لنا المساحة الديموغرافية، فزاد عدد البوشناق. هذه نقطة أساسية مهمة".
وتشير غاريتش إلى أن السنوات الـ15 الأولى كانت في غاية الصعوبة، لأنها تمحورت حول تثبيت أسس الحكم الاشتراكي، فحدثت عمليات تطهير واسعة وتخلّص من المعارضين، وأُغلقت المنظمات غير الحكومية وجميع المدارس الدينية في جميع أنحاء يوغوسلافيا، وتم الإبقاء فقط على المدرسة الدينية في سراييفو والمدرسة الدينية في بريشتينا (عاصمة كوسوفو). وكان هناك قانون يمنع ارتداء الملابس التقليدية للمسلمين، واعتُبر الحجاب بشكل عام "علامة على التخلف". كما أُغلقت الطرق الصوفية ومُنعت، وأُمّمَت ممتلكات الأوقاف وحُظرت المحاكم الشرعية، حتى إنه كان يتوجّب على أئمة المساجد عرض نصوص خطب أيام الجمعة على الشرطة قبل إلقائها على المنبر.
ورغم ما في هذه السنوات من صعوبة، فإن عليباشيتش يقول إنه يجب النظر إلى تلك الحقبة من زاويتين. فلا يمكن بالطبع نفي الحظر الواسع للممارسات والشعائر الدينية، لكن المسلمين حصلوا على الأمن، وهو عامل جوهري.
ومع تأسيس حركة عدم الانحياز، وانفتاح يوغوسلافيا أكثر على الدول العربية والإسلامية، بدأت أوضاع المسلمين تتحسن في سبعينيات القرن الماضي. يذكر عليباشيتش أن النظام الاشتراكي لم يعد صارما كما كان من قبل، فسُمح ببناء المساجد وأُعيد فتح كلية الدراسات الإسلامية، وذروة ذلك كان في تعديل الدستور، حيث اعتُبر المسلمون من الأمم المؤسِّسة ليوغوسلافيا، بعدما كان عليهم في السابق التعريف عن أنفسهم ضمن فئات أخرى.
مع وفاة تيتو، بدأ تأثير التيارات القومية المتطرفة يزداد حضورا في يوغوسلافيا ليبلغ أوجه في التسعينيات. أعلنت سلوفينيا بداية استقلالها ثم كرواتيا، لتهاجمها صربيا عسكريا وتحتل أجزاء منها. ثم مع إعلان البوسنة والهرسك الاستقلال، بدأ صرب البوسنة، بدعم مباشر من صربيا التي ورثت عتاد الجيش اليوغوسلافي القوي، حرب إبادة ضد البوشناق المسلمين.
يقول المفتي تسيريتش إن البوشناق أدركوا بعد ذلك أن "الهدف كان تقسيم البوسنة بين كرواتيا وصربيا (يشير إلى اتفاق سري بين رئيسي صربيا وكرواتيا لتقسيم البوسنة بينهما)، وأن الكروات كانوا يناورون ويتواصلون معنا، لكننا لم نكن جاهزين للحرب، ولم نتوقعها، لم نتوقع أبدا حدوث إبادة جماعية أو تطهير عرقي".
ويؤكد تسيريتش، الذي كان في ماليزيا وعاد في منتصف عام 1993 إلى البوسنة خلال الحرب، ثم تولى منصب المفتي العام للبوسنة والهرسك وعاش تفاصيل الحرب الدقيقة، أن المسلمين دفعوا ثمنا باهظا جدا خلال الحرب من إبادة وتشريد وتهجير. ويقول: "لكن إذا أردنا الآن أن نقيّم ما حدث، نقول إنه لم يكن لدينا طريق آخر. لأول مرة في تاريخنا الحديث، اتخذنا القرار أن نحارب من أجل أنفسنا، أن نناضل بكل ما لدينا، وبالتضحية". وكان لانتصار المسلمين في الحرب، بحسب تسيريتش، 3 أوجه: أخلاقي، وقانوني، وعسكري.
تحديات راهنةأنهى اتفاق "دايتون" عام 1995 الحرب في البوسنة والهرسك، وأسس لنظام فدرالي مكون من كيانين: فدرالية البوسنة والهرسك ذات الأغلبية البوشناقية والكرواتية، وجمهورية صرب البوسنة (ريبابليكا صربسكا) ذات الأغلبية الصربية، عدا عن مقاطعة برتشكو الصغيرة. ويجادل كثيرون في البوسنة بأن اتفاق "دايتون" كان السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، لكنه ليس الاتفاق الأمثل لبناء دولة.
يقول عليباشيتش إن الصعوبة الأبرز تتمثل في "دولة يصعب إدارتها"، ولكن هذا كان أفضل ما يمكن الحصول عليه. ويقسّم تحديات البوسنة اليوم إلى 3 مستويات مختلفة لكنها مترابطة تدعم بعضها بعضا، هي: الانقسامات العرقية، خصوصا من قبل الصرب الذين يحولون أي قضية إلى نزاع عرقي، والفساد، والتنمية الاقتصادية. ويضيف: "السياسات العرقية تمثل أرضا خصبة للفساد، وهو ما يحول دون وجود تنمية اقتصادية".
إعلانوفي هذا السياق، يشدّد تسيريتش على أهمية أن تكون البوسنة جزءا من الأمن العام في أوروبا وعضوا في حلف الناتو، باعتبار أن هذا يثبت السلام والاستقرار، فقضية البوسنة، وفق رأيه، لم تكن يوما قضية محلية بحتة، بل تتأثر بالعوامل والأدوار الخارجية إيجابا وسلبا.
أما غاريتش، فتضيف تحديا من نوع آخر يتعلق بالصوت النسائي ضمن عملية صنع القرار في المجتمع المسلم في البوسنة: "لدينا نساء متعلمات في مجالات مختلفة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمستوى الذي يتم فيه اتخاذ القرارات، لا يزال هذا مجالا يهيمن عليه الرجال". وتتساءل: "لماذا لا تكون لدينا امرأة عضوة في مجلس المفتين؟ لماذا لا تكون لدينا امرأة بوسنية ملتزمة سفيرة تمثّل بلادها حول العالم؟".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات فی البوسنة والهرسک المفتی العام المسلمین فی خلال الحرب من قبل فی عام
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: الإسلام نهي عن عموم اختراق خصوصية الآخرين بغير علمهم
قالت دار الإفتاء المصرية إن الإسلام حرص على توقير الغير بشكل عام واحترام خصوصية الإنسان، وهو أمر داخل في مقصد حفظ العرض، وهو أحد المقاصد الكبرى للشريعة.
وتابعت عبر صفحتها الرسمية على فيس بوك: وشرع الله عزَّ وجلَّ لأجل ذلك من الأحكام والتشريعات ما يحفظ به للإنسان حقه في الخصوصية، في هيئته وصورته، وهذا ليس مقصورًا على أن يخترق الإنسان سترًا مسدلًا أو أن ينظر إلى عورةٍ، بل هو نهيٌ عن عموم اختراق خصوصية الآخرين بغير علمهم وبغير ضرورة لذلك.
وذكرت أن من مظاهر توقير الغير واحترامه: "البدءٌ بالسلام"؛ فالسنة في البدء بالسلام أن يسلم الصغير على الكبير، والمارُّ على القاعد، والقليل على الكثير؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم عن أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ»
واستطردت: على الشباب أن يحسنوا معاملة غيرهم من كبار السن حتى إذا ما انتهى أحدهم إلى هذه المرحلة العمريَّة وجد من يقدِّره ويحترمه؛ فعن رسول الله ﷺ أنه قال: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» أخرجه الترمذي، أي يجد من يكرمه حين يكبر كما كان يفعل مع كبار السن وهو صغير
حسن معاملة الآخرين في الإسلام
يجب غلق الباب أمام دعاة الفتنة وذلك بتقبُّل الآخر والتعايش معه بالتسامح والمحبة؛ لأن الإسلام يقرر أن الناس كلهم من أصل واحد، وأنهم خُلقوا من نفس واحدة، وأنهم جُعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، والمتدين تدينًا صحيحًا هو الذي يؤمن بأن البشر جميعًا تجمعهم رابطة الأخوة الإنسانية، فهو يقبل الطرف الآخر ولا يُقصيه.
وقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن الإسلام دعا إلى حسن معاملة الآخرين، وذلك في معاملتهم بلطف ومودة والاستماع إليهم وتقدير وجهة نظرهم، وشملت دعوته في ذلك الرجل والمرأة، والغني والفقير، بل الإنسان والحيوان.
وأضاف علي جمعة، في منشور له، أنه لحسن معاملة الآخر فوائد كثيرة في المجتمع، لعل من أهمها نشر الأخلاق الحميدة بين الناس كاليسر والصفح والسماحة وطلاقة الوجه، كما أنها أيضاً تزيد من المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، ويمكن تقسيم حسن المعاملة على محاور مختلفة.
وأشار إلى أن هناك حسن المعاملة مع الله سبحانه وتعالى هو الذي يورث التقوى والورع بين العباد، وهناك حسن المعاملة مع الناس وهو الذي يكسب المرء ثقة الآخرين فيه وثقته مع نفسه، ويأتي هذا المحور تحت معنى قوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (البخاري)، هناك حسن المعاملة مع المرأة، وهي التي تعبر عن رقي دين الإسلام وعالمية رسالته، وهي التي تأتي تحت قوله: «واستوصوا بالنساء خيرا» (البخاري).
وتابع: "إلا أن من المحاور الرئيسية في حسن المعاملة في عصرنا هذا محوران هما:
حسن معاملة الحيوان وهي تدل عن رحمة الإسلام بجميع المخلوقات وتجلب الخير والبركة والرشاد للأمة جامعة.
وحسن المعاملة مع العمال والمستخدمين وهي التي تدفعهم إلى الإخلاص والمحافظة على الأموال وسلامتها، ومن ثم تنشر في المجتمع روح من السلام والألفة بين طبقاته المختلفة فتحافظ على كيانه وتقوي أواصر وحدته".
ووردت أمثلة كثيرة في السنة النبوية الشريفة تحث على الرأفة بالحيوان كأحد المحاور المهمة لفضيلة حسن المعاملة، فعن أبي هريرة عن النبي قال: «إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم» (أخرجه أبو داود في سننه) وفيه الأمر بحسن معاملة الحيوان ورحمته، مع ذكر وبيان للسبب الذي يحض على هذا، وهو أن الحيوان مسخر بأمر الله، وأنه يساعد الإنسان في قطع المسافات الطويلة لقضاء الحاجات، وأظهر لأصحابه بديلا لإرهاق الحيوان والجلوس على ظهره للتسامر، وهو الأرض.
وعن ابن عباس قال: نهى رسول الله عن التحريش بين البهائم (أبو داود). والتحريش هو الإغراء والتحريض، والتحريش بين الطيور والحيوانات يتخذ لعبة في بلدان كثيرة، وفيه إيذاء للحيوان واستخدامه في غير ما خلق له، وفي هذه اللعبة يقوم العابثون بالحيوان أو الطير بإعطائه عقاقير وكيماويات تجعله يثور ويشرس على مثله كي تزداد متعة المشاهدة، وهو نوع من العدوانية وسوء الخلق، يربي النفس على التوحش والتلذذ بتعذيب الآخرين وآلامهم.
وعن ابن عباس أن النبي قال: «لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا» (مسلم)، فالرسول حريص أن يربي أصحابه على احترام الحيوان والرفق به لأن صلاح النفس ومنهجها القويم في المحبة والاحترام للمخلوقات واحد، سواء كان هذا المخلوق جمادا أو حيوانا أو إنسانا حقيرا أم شريفا، فالالتزام بالمنهج واحد، وهو احترام المخلوقات تقديرا لخالقها الواحد؛ لأن الاستهانة ببعض الخلق وإن كان حيوانا نذير بفساد في النفس يدعوها للاستهانة ببقية المخلوقات وعدم توقير خالقها.