صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-02@08:48:42 GMT

استعادة «صوت السودان»

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT

استعادة «صوت السودان»

عثمان ميرغني

لم يكن غريباً أن تخرج مظاهرات شعبية عفوية في أمدرمان أو بورتسودان للاحتفال باستعادة الجيش لمقر الإذاعة والتلفزيون الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع 11 شهراً، فأسكتت صوت السودان الذي كان ينطلق من هناك عبر إذاعة أمدرمان وشاشة التلفزيون القومي. استعادة السيطرة على هذا المعلم المهم لم تكن مجرد استعادة مساحة من بضعة آلاف من الأمتار، ومبان ومعدات وأجهزة إرسال، بل كانت نصراً ذا دلالة رمزية كبيرة للغاية لما يمثله مبنى الإذاعة والتلفزيون في وجدان السودانيين وذاكرتهم.

كل من شاهد مقطع الفيديو القصير الذي جرى تداوله على نطاق واسع بين السودانيين، أول من أمس، ويصور مبنى مكتبة أرشيف الإذاعة والتلفزيون الذي لم تصبه أضرار تذكر، أعرب عن فرحة كبيرة ممزوجة بالارتياح بسبب القلق والمخاوف على ذاكرة السودانيين المخزونة في الكم الهائل من الأشرطة المسموعة والمرئية، والتراث الهائل، في هذا الأرشيف. والحديث هنا ليس فقط عن تسجيلات الأغاني، بل أيضاً عن مختلف البرامج والمقابلات على تنوعها، والتوثيق لأحداث ومحطات مهمة في حياة البلد والناس.

معركة استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون لم تكن سهلة بأي مقياس، بل كثيرة التعقيدات. فلو أن الجيش استخدم القصف بالطيران والمدفعية الثقيلة لكان قد اتهم بتدمير المبنى بكل ما يحتويه من أرشيف يصعب تعويضه. كذلك كان هناك كلام لم يؤكد رسمياً عن أن قوات الدعم السريع احتفظت بعدد من المعتقلين من الفنيين والعاملين وغيرهم داخل المبنى بوصفهم رهائن، ومحاولة إنقاذهم أحياء لابد أن تكون هماً وهاجساً وعاملاً يؤخذ في الحسبان في أي هجوم على المبنى لتحريره. لهذا اعتمد الجيش سياسة النفس الطويل والحصار للمنطقة تدريجياً خوفاً من خسائر لا يريدها، وهي السياسة التي حققت نجاحاً مشهوداً عندما أجبرت قوات الدعم السريع المتحصنة بالمبنى على محاولة الهرب، فسهلت اصطيادها في كمين محكم أوقع فيها خسائر كبيرة للغاية وثقتها مقاطع الفيديو المنتشرة عن العملية.

خصوم الجيش حاولوا التقليل من أهمية هذا الانتصار بكل السبل، بل وسخروا منه من خلال ترديد كلام من شاكلة إن جيشاً عمره مائة عام يحتفل بتحرير بيت وشارع عرضه 40 متراً، أو بأسئلة من نوع: هل تعادل استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون خسارة ولاية كاملة مثل الجزيرة؟

الحقيقة أن هؤلاء يديرون معركة سياسية وحرباً نفسية ولديهم أجندتهم وحساباتهم، وسيواصلون التقليل من أي تقدم يحققه الجيش، بل إنهم يتمنون هزيمته، وإن تظاهروا بغير ذلك.

الجيش كان عليه أن يقاتل لاستعادة مقر الإذاعة والتلفزيون، بينما قوات الدعم السريع لم تستول عليه بمعركة أو حتى بأدنى مستويات القتال. فهي أصلاً كانت موجودة في حراسة المبنى، وفي صبيحة الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي غيرت فقط من طبيعة وجودها فيه من قوة حراسة إلى قوة احتلال للموقع، وهو ما حدث في العديد من المواقع والمنشآت الحيوية في العاصمة صبيحة ذلك اليوم.

معركة استعادة الإذاعة كانت معركة طويلة، مرت بمراحل مختلفة تطلبت أن يستعيد الجيش خلالها أحياء أمدرمان القديمة، ويؤمن طريق الوصول إلى مقر سلاح المهندسين الذي ظل محاصراً عدة أشهر. وعندما تحققت هذه الأهداف بدأت الخطوة الأخيرة لإحكام الطوق حول مبنى الإذاعة والتلفزيون تمهيداً لاقتحامه، أو إجبار المتحصنين داخله على الخروج منه. الغريب أن بعض الناس حاول الانتقاص من العملية العسكرية بقوله إن الجيش لم يستعد المبنى بالقتال المباشر، وإنما بالاعتماد أساساً على المسيّرات، وكأنما المسيّرات ليست جزءاً أساسياً في استراتيجيات الحروب الحديثة!

ماذا بعد؟

عملية استعادة الإذاعة والتلفزيون على أهميتها لا تشكل سوى خطوة في طريق طويلة من المعارك لاستكمال القليل المتبقي من تحرير أمدرمان، ثم الانطلاق لاستعادة السيطرة على مدينتي الخرطوم وبحري اللتين تدور فيهما معارك يتوقع أن تشتد وتتوسع في قابل الأيام، بالتوازي مع معركة منتظرة أيضاً في إقليم الجزيرة الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن يومها يشهد انتهاكات واسعة أقضت مضاجع السودانيين.

من المنظور العسكري فإن استعادة الإذاعة تعني إكمال سيطرة الجيش على المنطقة من قاعدة وادي سيدنا إلى سلاح المهندسين مروراً بأحياء أمدرمان القديمة ومحلية كرري وتأمين الطريق الممتدة على الشريط المتاخم لنهر النيل، ما يسهل حركة القوات ويؤمن طرق الإمداد. فمقر الإذاعة والتلفزيون كان يمثل قاعدة عسكرية مهمة لقوات الدعم السريع، ومستودعاً مهماً للأسلحة والعتاد، ومنه كانت تشن عمليات القصف المدفعي لكثير من أحياء أمدرمان، وبخسارته تكون قد فقدت شرياناً مهماً لعملياتها، وباتت الطريق مفتوحة أمام الجيش لكي ينطلق بهجمات عبر جسري النيل الأبيض والفتيحاب نحو الخرطوم التي ستكون الهدف المقبل مع مدينة بحري. فكل التصريحات والاستعدادات والتحركات تنبئ بأن هذه المعركة باتت وشيكة، وكذلك معركة ولاية الجزيرة.

استعادة مباني الإذاعة والتلفزيون التي تضم أيضاً المسرح القومي، إلى جانب رمزيتها في وجدان السودانيين فإنها تكمل أيضاً خطوات استعادة الحياة في منطقة أمدرمان التي شهدت أخيراً حملة لتنظيف سوقها القديمة وإصلاح خطوط الكهرباء تهيئة لعودة أهلها إليها. فعودة الناس إلى بيوتهم وأحيائهم هي المعنى الحقيقي لعودة الحياة إلى المدينة وإزالة الحزن الذي غلفها وكان بادياً في صمت كثير من الشوارع المهجورة، والبيوت المفتوحة على مصاريعها بعد أن استبيحت ونهبت. ومع هذه العودة سيعود أيضاً «صوت السودان» لينطلق مرة أخرى من مقره أو «الحوش» كما يحلو لمن عملوا فيه تسميته.

الوسومعثمان ميرغني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: عثمان ميرغني مقر الإذاعة والتلفزیون قوات الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

تدمير المساعدات الغذائية.. السودان يفضح جرائم الدعم السريع

أصدرت وزارة الخارجية السودانية، اليوم الجمعة بيانً فضحت فيه الانتهاكات التي ارتكبتها  الدعم السريع ضد المدنيين خلال الساعات الماضية.

جرائم الدعم السريع

وسلطت الخارجية السودانية الضوء على جرائم وانتهاكات مليشيا الدعم السريع المتمردة، ضد القانون الدولي الإنساني، خلال الساعات الماضية، مشيرة إلى قصفت مستودعات برنامج الغذاء العالمي بمدينة الفاشر أمس، فضلا عن استهداف مستشفى الضمان بمدينة الأبيض اليوم.

رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يرحب بتعيين الطيب إدريس رئيسا لوزراء السودانالسودان .. ميليشيا الدعم السريع تقصف مستشفيين في ولاية شمال كردفانالسودان.. ميليشيا الدعم السريع تقصف أحياء سكنية في مدينة الأبيضعباس بخيت: لا معلومات بشأن وجود علاقات سرية بين السودان وإسرائيل

وقالت البيان إن مليشيا الجنجويد الإرهابية ارتكبت خلال الساعات الماضية سلسلة جرائم انسانية شنيعة طالت أهداف مدنية خالصة وراح ضحيتها مواطنون أبرياء.

وأوضح البيان أنه في مدينة الفاشر قصفت المليشيا الإرهابية أمس مستودعات برنامج الغذاء العالمي، وأحرقتها تماما بما فيها من مواد غذائية. 

وأشار البيان إلى أن الميليشيا الإرهابية استهدفت اليوم مستشفى الضمان بمدينة الأبيض حيث قتلت 16 من المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج، إضافة لإصابة من عدد آخر من بين رواد المستشفى وطاقمها الطبي. 

ونوهت الخارجية السودانية إلى أن المليشيا الإجرامية هاجمت أمس الأول الأربعاء سوقا شعبيا بمدينة الخوي بواسطة المسيرات وقتلت ثمانية مدنيين، إلي جانب استهداف حي سكني في مدينة الدبيبات، جنوب كردفان وقتل إثنين من المواطنين.

وأكد البيان أن هذه الجرائم الكبري المتتالية في أقل من 72 ساعة تمثل تجسيدا لنمط الاستهداف المتعمد والممنهج من المليشيا الإرهابية للمدنيين والمؤسسات الإنسانية والمدنية والمرافق الحيوية، بهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر في الأرواح ومنع تقديم الخدمات الضرورية من طعام ومياه وعلاج وكهرباء. 

ولفت البيان إلى أن الميليشيا استهدفت جميع المستشفيات العاملة في الفاشر وأخرجت معظمها من الخدمة، وقضت على معسكر زمزم للنازحين بمن فيه بعد أن ظل عرضة للقصف المتواصل بالمدفعية الثقيلة بعيدة المدى طوال عام كامل، لتشن بعدها هجوما بريا علي المخيم واسعا قتلت فيه مئات من النازحين، وأخذت من بقي منهم رهائن. 

ونوهت إلى أن تقارير ذكرت أن المليشيا الإرهابية رحلت أكثر من 300 من النساء النازحات بمخيم زمزم رهينات إلي نيالا بينما تواصل حصارها علي المدينة وتمنع وصول الأغذية لها وتحرق مستودعات الأغذية بها، بغرض فرض الموت البطيء على سكانها، كما ظلت تفعل في معسكرات الاعتقال والتعذيب للمدنيين التي كشف عنها بعد تحرير العاصمة.

جدل بشأن استخدام أسلحة كيميائية في السودانتدمير مرافق السودان

كذلك ظلت المرافق الحيوية في مدينة الأبيض عرضة لهجوم المليشيا بواسطة المسيرات، إذ شمل ذلك المستشفيات والمدارس والأحياء والأسواق وحتى سجن المدينة الذي قتلت أكثر من 40 من نزلائه في وقت سابق من هذا الشهر.

كما أدت عشرات الهجمات من المليشيا على محطات الكهرباء والمياه في مختلف أنحاء البلاد إلى انتشار الأوبئة بسبب إنعدام مياه الشرب الصالحة في بعض المناطق.

تقع مسؤولية هذه الجرائم علي الراعية الإقليمية للمليشيا الإرهابية، مصدر المسيرات الاستراتيجية التي ترتكب بواسطتها تلك الجرائم وتمويل المرتزقة، الذين يشكلون قوام المليشيا بمن فيهم من يديرون المسيرات . إلا أن القوى الغربية الحليفة لراعية المليشيا تتحمل كذلك نصيبا كبيرا من المسؤولية لما توفره لها من حماية في المنابر الدولية وتساهلها مع جرائم المليشيا.

طباعة شارك قتل المرضى تدمير المساعدات الغذائية الخارجية السودانية جرائم الدعم السريع وزارة الخارجية السودانية ميلشيا الدعم السريع الدعم السريع القانون الدولي الإنساني برنامج الغذاء العالمي مدينة الفاشر مليشيا الجنجويد الإرهابية مليشيا الجنجويد

مقالات مشابهة

  • الفاعل مجهول.. 3 مسيّرات تقصف مواقع للدعم السريع غرب السودان
  • قصف مواقع للدعم السريع ووفيات بالكوليرا غرب السودان
  • توثيق لحقوق الإنسان: نستنكر بأشد العبارات الهجوم الإجرامي الذي شنته ميليشيا الدعم السريع على مستشفى “الضمان”
  • تدمير المساعدات الغذائية.. السودان يفضح جرائم الدعم السريع
  • الدعم السريع تقصف مشفى وتقتل العشرات وسط السودان
  • ستة قتلى بقصف مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع على مستشفى في السودان
  • الجيش السوداني يُنقذ 71 طفلاً من قبضة الدعم السريع
  • السودان.. خروج مستشفى الأُبَيِّضْ عن الخدمة بهجوم لـ"الدعم السريع"
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلا من “الدعم السريع”
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلًا زجّت بهم قوات الدعم السريع في القتال