17 مارس، 2024

بغداد/المسلة الحدث:

محمد صالح صدقيان

أسفرت نتائج الإنتخابات التي جرت في إيران يوم الجمعة في الأول من آذار/مارس الجاري عن نتائج جاءت مُعبرةً عن حراك الداخل الإيراني من جهة وما ينتظر إيران وشعبها من تحديات في المرحلة المقبلة من جهة ثانية.

حدّدت الإنتخابات الخارطة السياسية للبرلمان الإيراني في دورته الثانية عشرة؛ فيما تم انتخاب أعضاء مجلس خبراء القيادة الإيرانية في دورته السادسة.

هذه الإنتخابات كانت لافتة للإنتباه إن في تركيبتها السياسية أو لجهة دوافع الناخبين واتجاهاتهم السياسية حيث سجّلت المشاركة فيها نسبة 41% في عموم المناطق الإيرانية، فيما كانت نسبة المشاركة في العاصمة طهران 24%، وهي أقل نسبة مشاركة منذ تاريخ إنتصار الثورة الإيرانية حتى الآن، في الوقت الذي لامست فيه الأصوات الباطلة في طهران عتبة الـ 500 ألف صوت (27%) مقابل حصول المرشح الأول محمود نبويان علی 450 ألف صوت. وبلغ مجموع المشاركين في الإنتخابات في عموم المناطق الإيرانية 25 مليون ناخب من مجموع 61 مليون ناخب تقريباً.

وقد خيّمت عوامل داخلية وأخری خارجية علی الناخب الإيراني بشكل خاص وعلی العملية الانتخابية بشكل عام، لعل أبرزها داخلياً الهموم الإقتصادية والمعيشية التي تثقل كاهل أغلبية المواطنين الإيرانيين، وبعضها ناتج عن تداعيات العقوبات الإقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة علی إيران منذ عقود من الزمن، وبعضها الآخر له أسبابه الداخلية مثل سوء الإدارة والفساد الإداري والارتباك الإقتصادي، وهذا كله يترك تأثيراته المباشرة علی الأحوال النفسية والحياتية للناخبين الإيرانيين؛ فيما شكّلت الحريات العامة عاملاً آخر أثّر أيضاً علی سلوك الناخبين. أما الملف الخارجي، فإنه لم يكن بعيداً عن توجهات الناخب الإيراني بسبب انعكاساته وتداعياته علی الحياة الإقتصادية والإجتماعية كالعلاقة مع الدول الغربية وتحديداً أمريكا؛ فضلاً عن تداعيات الانخراط الإيراني الكبير في عدد من الملفات الإقليمية واستشعار الناخب بوجود تأثير كبير لذلك علی حياته المعيشية ومتطلباته المختلفة.

الإصلاحيون ينكفئون

لقد امتازت الإنتخابات الاخيرة برفض التيار الإصلاحي تقديم قوائم انتخابية كما كان يفعل في الإنتخابات السابقة بسبب ما قاله حول عدم وجود مرشحين رئيسيين له بعد أن رفض مجلس صيانة الدستور أهلية غالبية المرشحين الإصلاحيين؛ في حين ترأس النائب المحافظ المعتدل علي مطهري نجل المفكر الاسلامي الراحل مرتضی مطهري قائمة نيابية يتيمة بعنوان “صوت الشعب” لم يُكتب لها النجاح من ألفها إلی يائها.

أما التيار الأصولي الذي خاض الإنتخابات وحده تقريباً، فقد توزع علی أربع قوائم رئيسية عكست تنافساً حاداً في الخطاب والممارسة بين المُصنفين بالاعتدال أو التشدد من أقصی اليمين إلی أقصی اليسار في هذا التيار الذي لطالما كان سابقاً يخوض الإنتخابات بقائمة موحدة تُعبّر عن توجه التيار الأصولي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً لكن هذه المرة تعذر ذلك بسبب الخلافات الحادة ضمن المعسكر الواحد، وهو الأمر الذي جعل المرشد الإيراني الأعلی علي خامنئي يُطلق دعوة للكف عن المهاترات والمناكفات السياسية والشخصية التي تفسد أجواء الإنتخابات التي تُعبر عن ارادة المواطنين في المشاركة بصنع القرار عبر مؤسساتهم الدستورية المختلفة.

هذا التشظي السياسي أدی إلی توزع الأصوات الأمر الذي جعل فقط 14 مرشحاً من مجموع مرشحي دائرة طهران يتمكنون من الفوز في هذه الإنتخابات، فيما أُرجئ انتخاب 16 آخرين إلى الدورة الثانية، وهي ظاهرة لم تشهد الإنتخابات الإيرانية مثيلاً لها من قبل ولها دلالة واضحة على حقيقة المشهد السياسي الإيراني حالياً.

المتشددون المحافظون يتقدمون

وفي النتائج؛ لم يستطع رئيس مجلس الشوری (البرلمان) محمد باقر قاليباف الذي ترأس إحدی القوائم الرئيسية للتيار الأصولي من الفوز بالرقم واحد في العاصمة طهران بل حلّ في المرتبة الرابعة في عدد الأصوات، مما جعل عديد المراقبين يعتقدون بأنه لن يتمكن من الفوز برئاسة البرلمان في دورته الجديدة مقابل الفائز الأول محمود نبويان الذي حرق ذات يوم من العام 2015 “الاتفاق النووي” أمام منصة رئاسة البرلمان، أو حميد رسائي الذي يقف إلی أقصی اليسار في التيار المتشدد؛ في الوقت الذي مُني بالخسارة كلٌ من محمد باقر نوبخت معاون الرئيس الإيراني السابق والنائب المحافظ البارز محمد رضا باهنر القريب من رئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني.

وفي حقيقة الأمر أن هذه النتائج كانت متوقعة إلی حد بعيد بسبب عزوف الوسط الشعبي المعتدل والإصلاحي عن التوجه إلى صناديق الإقتراع، وتبلغ نسبة هذه الشريحة حوالي 60% من عموم من يحق لهم التصويت؛ فيما شارك الوسط الأصولي بكثافة وهؤلاء يُشكّلون حوالي 40% من إجمالي الناخبين. أما أعداد الأصوات الباطلة والتي تجاوزت أصوات الفائز الرقم واحد في طهران، فإنها تدل علی أن نسبة كبيرة من المواطنين لا تعارض النظام السياسي بقدر ما تعارض أداء الأجهزة التنفيذية واخفاقها في حل مشاكل المواطنين الإقتصادية والإجتماعية ولا سيما فئة الشباب التي تشكو من قلة فرص العمل.

وأمام هذه النتائج يبدو واضحاً أن المعتدلين في التيار الأصولي لم يُكتب لهم الحظ والنجاح في الاستحواذ علی غالبية المقاعد البرلمانية حيث تراجعوا لمصلحة المتشددين في حزب بايداري (“الصحوه”) المتشدد في ملفات داخلية وخارجية عديدة، فهو يعارض بشدة اعطاء المزيد من الحريات العامة خصوصاً تلك المتعلقة بالمرأة ويدعو المواطنين إلی تحمل الأعباء الإقتصادية من أجل الحفاظ على استقلالية القرار السياسي الإيراني.

ويظهر جلياً من خلال نتائج الإنتخابات الأخيرة أننا أمام مرحلة جديدة من التشدد في المواقف في مواجهة تحديات إيرانية سواء على مستوى الإقليم أو خارجه وهي تستشرف أيضاً نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

يبقی ملف إنتخابات مجلس خبراء القيادة الإيرانية في دورته الجديدة التي تستمر لمدة ثماني سنوات، ولنا معه حديث قريب.. إن شاء الله. ([email protected]

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: نتائج الإنتخابات فی دورته

إقرأ أيضاً:

دولة الاحتلال تشدد على نزع سلاح حماس بعد عرض الحركة تجميده مقابل هدنة طويلة

أكد مسؤول إسرائيلي رفيع الخميس أن نزع سلاح حركة حماس يعد بندا جوهريا في اتفاق الهدنة المبرم بوساطة أمريكية، وذلك بعد يوم واحد من المقترح الذي طرحه القيادي في الحركة خالد مشعل بشأن تجميد السلاح مقابل هدنة طويلة الأمد مع الاحتلال الإسرائيلي.

وجاء الموقف الإسرائيلي في وقت تدخل فيه الهدنة حيز التنفيذ منذ العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد حرب استمرت عامين اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومنذ بدء سريان وقف إطلاق النار، يقوم الاحتلال بخرق الاتفاق يوميا.

مشعل: لا نقبل بنزع السلاح
وفي مقابلة تلفزيونية الأربعاء، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج خالد مشعل إن فكرة نزع السلاح مرفوضة كليا من جانب المقاومة الفلسطينية، مضيفا أن الحركة تطرح مقاربة مختلفة تقوم على “الاحتفاظ بالسلاح أو تجميده” من دون استخدامه، شريطة التوصل إلى هدنة طويلة المدى تشكل ضمانة لعدم عودة الحرب الإسرائيلية على غزة.

وأوضح مشعل أن المقاومة "تستطيع صياغة صورة واضحة تضمن عدم التصعيد"، مشيرا إلى أن السلاح يمكن أن يبقى محفوظا “دون استعمال أو استعراض”، بالتوازي مع تقديم ضمانات متبادلة تضمن استقرار الهدنة.

لكن المسؤول الإسرائيلي الذي تحدث لوكالة "فرانس برس" مفضلا عدم كشف اسمه، شدد على أن الخطة المكونة من 20 نقطة التي تشرف عليها تل أبيب “لا تتيح أي مستقبل لحماس”، مؤكدا بشكل قاطع أن سلاح الحركة سينزع وأن “غزة ستكون منزوعة السلاح”.

ويأتي ذلك بعد تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد الماضي، قال فيها إن الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار “قريب جدا”، رغم أنها ستكون “أكثر صعوبة”، بحسب تعبيره. وأوضح نتنياهو أن هذه المرحلة تتضمن “نزع سلاح حماس وإخلاء غزة من السلاح”.


المرحلة الأولى
وخلال المرحلة الأولى من الاتفاق، أطلق سراح 47 أسير من أصل 48، بينهم 20 شخصا على قيد الحياة، فيما أفرج الاحتلال عن عدة مئات من الأسرى الفلسطينيين من سجونها. 

وتنص المرحلة المقبلة على انسحاب الجيش الإسرائيلي من مواقع انتشار واسعة داخل القطاع، وتسليم الحكم لسلطة انتقالية، إلى جانب نشر قوة استقرار دولية.

وبحسب الخطة، لن تبدأ المرحلة التالية إلا بعد إعادة جميع الأسرى الأحياء ورفات القتلى.

حصار مستمر وتدمير واسع
ورغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإن الأوضاع الإنسانية في غزة لم تشهد تحسنا ملموسا، بسبب القيود الإسرائيلية المشددة على دخول شاحنات المساعدات، في مخالفة واضحة للبروتوكول الإنساني الذي تتضمنه الهدنة.

وعلى مدى عامين من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال٬ تعرضت عشرات آلاف الخيام للقصف المباشر أو للضرر الناجم عن الهجمات على محيطها، فيما تلفت خيام أخرى نتيجة الحر الشديد صيفا والرياح والأمطار شتاء.

وأنهى اتفاق وقف إطلاق النار حربا وصفت بأنها حرب إبادة جماعية شنها الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واستمرت عامين كاملين. وأسفرت الحرب عن استشهاد أكثر من 70 ألف فلسطيني وإصابة 171 ألفا آخرين، إلى جانب دمار هائل طال 90 بالمئة من البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، وسط تقديرات أولية للخسائر المادية تجاوزت 70 مليار دولار.

مقالات مشابهة

  • الدولار يقترب من 130 ألف تومان .. العملة الإيرانية تواصل تسجيل الأرقام القياسية
  • الهند تشدد قيود مكافحة تلوث الهواء في دلهي
  • المعلوف على لوائح التيار؟
  • مركز غزة يكشف عن فقدان 1700 فلسطيني بصرهم فيما 5 آلاف مهددون جراء العدوان
  • مؤسستها: السلطات الإيرانية تُلقي القبض على الفائزة بجائزة نوبل للسلام نرجس محمدي
  • ما أسباب الانهيار غير المسبوق للعملة الإيرانية؟
  • ما الذي تم من تطوير بمستشفى قصر العيني وأهم التحديات؟..رئيس جامعة القاهرة يجيب
  • دولة الاحتلال تشدد على نزع سلاح حماس بعد عرض الحركة تجميده مقابل هدنة طويلة
  • عمليات المنيا: العملية الإنتخابية تسير دون معوقات خلال الفترة المسائية
  • مصادر تكشف كيف حقق البنتاغون فيما إذا كان هيغسيث قد أضر بالأمن القومي بقضية سيغنال