محللون: مبادرة "الحرية والتغيير" لحل الأزمة السودانية "لم تأت بجديد"
تاريخ النشر: 26th, July 2023 GMT
شاهد المقال التالي من صحافة الصحافة العربية عن محللون مبادرة الحرية والتغيير لحل الأزمة السودانية لم تأت بجديد، ورأى مراقبون أن مبادرة الحرية والتغيير جاءت متأخرة جدا ولم تأت بجديد ولم تضع تصورا واضحا لحل الأزمة، علاوة على أنها لم تعول حتى اليوم على الداخل .،بحسب ما نشر سبوتنيك، تستمر تغطيتنا حيث نتابع معكم تفاصيل ومعلومات محللون: مبادرة "الحرية والتغيير" لحل الأزمة السودانية "لم تأت بجديد"، حيث يهتم الكثير بهذا الموضوع والان إلى التفاصيل فتابعونا.
ورأى مراقبون أن مبادرة الحرية والتغيير جاءت متأخرة جدا ولم تأت بجديد ولم تضع تصورا واضحا لحل الأزمة، علاوة على أنها لم تعول حتى اليوم على الداخل السوداني وإنما تخاطب المجتمع الإقليمي والدولي، الأمر الذي يجعل قدرتها ضعيفة في تقريب وجهات النظر حول هدف مشترك.ما مدى قبول تصور "الحرية والتغيير" لحل الأزمة في السودان؟بداية يقول، عثمان ميرغني، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، يبدو أنه لا توجد بنود معينة يمكن الاتفاق عليها فيما بين قوى الحرية والتغيير وهو ما ظهر في البيان الختامي أو المبادرة التي تم الإعلان عنها من القاهرة، إذ أن "الحرية والتغيير" تنظر إلى المبادرة التي أطلقتها على أنها واحدة من آليات إيجاد حلول سريعة للأزمة الحالية، بحسب قوله.الوضع الراهنوأضاف ميرغني في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "قوى الحرية والتغيير في الوقت الحالي لا تملك الأجندة التي يمكن أن تشكل مبادرة قادرة على التعامل مع الوضع الراهن، وما صدر عن قوى الحرية والتغيير لا يعدو توصيات لا أعتقد أنها تحتاج إلى خارطة طريق زمنية، لأنها لا تتعدى عناوين رئيسية أطلقت في الفضاء ولا تحمل آلية تنفيذية للتعامل أو خارطة محددة ومدى زمني".وتابع ميرغني: "لو طالعنا البنود التي صدرت عن الحرية والتغيير، في الأمس، نجد أنها لا تحمل تفاصيل حول ما يجب فعله خلال الفترة القادمة، هل هناك لجنة للتنفيذ كما فعلت الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) بتكوينها لجنة للاتصال بالقوى السياسية الأخرى، وإلى أي شيء تهدف تلك الخطوة، وهل سيتم إعادة تأسيس تحالف باسم جديد، أم أن تلك المبادرة عبارة عن عرض للقوى السياسية للانضمام لهذا المكون دون تحديد مشروع سياسي معين".إرادة للسلاموحول موقف تحالف الكتلة الديمقراطية من تلك المبادرة، يقول ميرغني: "الكتلة الديمقراطية تميل للتحالف مع المجلس المركزي للحرية والتغيير سواء باسم جديد أو اسمها القديم، وتميل أيضا إلى تعظيم المشتركات بين الأطراف السياسية والتركيز على نقاط الاتفاق وليس الخلاف، والتحالف الذي يضم الكتلة الديمقراطية هو تحالف منظم وهيكلي بخلاف تحالف قوى الحرية والتغيير الذي لا يحتوي على تلك الهياكل التنظيمية".وتابع المحلل السياسي، قائلا: "الوضع الراهن في السودان يشير إلى أن هناك إرادة للسلام من جميع الأطراف بما فيها الجيش والدعم السريع، والتعويل بصورة أكبر على الحلول السلمية وليس العسكرية، لكن لا يزال الطريق السريع الذي يؤدي إلى اتفاق سلام ووقف الحرب غير واضح المعالم في أذهان الجميع، الغالبية اليوم تحمل نوايا السلام لكن لا يعرفون كيفية تحقيقها، وهذا يرجع إلى أن الأطراف العسكرية غير قادرة على القيام بفعل حقيقي إلا إذا جاء عبر طرف ثالث يتم تبنيه من جانب تلك القوى السياسية العسكرية".استعادة الأوضاعمن جانبه يقول، وليد أبوزيد، المحلل السياسي السوداني: "من الواضح أن قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) تحاول استعادة الأوضاع التي كانت تعيشها في السابق بالنسبة للشعب السوداني والفاعلين الإقليميين".وأضاف أبو زيد في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "مبادرة الحرية والتغيير التي أطلقتها بالأمس لم تكن موفقة في التوقيت، كان يفترض أن تكون في وقت مبكر جدا من اندلاع المواجهات العسكرية في الخرطوم، في أبريل الماضي(نيسان)، وفي القاهرة".وتابع المحلل السياسي، بالقول: "لو جاء هذا الإعلان في بداية الأزمة ومن القاهرة أيضا، والتي تعد مركزا لكل الأحداث التي تجري في المجتمع السوداني، أعتقد أن المجلس المركزي للحرية والتغيير في أمس الحاجة إلى مخاطبة المجتمع السوداني وليس المجتمع الإقليمي، لكنهم حتى هذه اللحظة يعتمدون بشكل كبير على مخاطبة المجتمع الدولي والذي لم تكن فاعليته بالشكل المطلوب، منذ 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021، عندما تحرك الجيش واستولى على السلطة بالنسبة لهم".الأمن والاستقراروأشار أبو زيد إلى أنه "بعد الحرب تغيرت كل الأوضاع، ولأول مرة منذ استقلال السودان يفقد السودانيين أمنهم واستقرارهم حتى في عاصمتهم، حاليا هناك إشكالية كبيرة لدى المجلس المركزي بأنه قد يحوز على ثقة المجتمع الدولي لكن لن يحوز على ثقة المجتمع السوداني، كذا الكتلة الديمقراطية من وجهة نظري لا تحوز على ثقة المجتمع السوداني، اليوم هناك رأي واضح لدى السودانيين بأنه يحتاج للمصداقية ولأشخاص يكونوا مهمومين بقضاياه".لا جديدوأوضح أبو زيد أن "الإعلان الذي قدمته الحرية والتغيير في القاهرة بالأمس يحمل نفس الصياغة ونفس النصوص التي ملها الشعب ولا يحمل جديدا، وفي اعتقادي أنهم حتى هذه اللحظة لم يخاطبوا جذور الأزمة الحالية والناتجة عن عدم قبول الأطراف السودانية لبعضها بعضا".ودعت قوى الحرية والتغيير السودانية إلى "تشكيل جبهة مدنية موحدة من أجل إيقاف النزاع المستمر في السودان، منذ أبريل/ نيسان الماضي".وأعلنت "الحرية والتغيير"، في بيان لها عبر صفحتها على "فيسبوك"(أنشطة شركة "ميتا"، التي تضم شبكتي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام"، محظورة في روسيا، باعتبارها متطرفة)، إجازتها، خلال اجتماع لقياداتها عقد في القاهرة، لـ"الرؤية السياسية لإنهاء الحروب، وتأسيس الدولة السودانية الجديدة"، مشددةً على ضرورة "إطلاق عملية سياسية تؤدي لوقف الحرب فورًا، والاستجابة الفاعلة لحل الكارثة الإنسانية التي نتجت عن الحرب".وحثت "الحرية والتغيير" الجيش السوداني على إقناع الدعم السريع بتسليم أسلحتهم الثقيلة، مطالبةً بأن تشهد العملية السياسية مشاركة واسعة للقوى المدنية السودانية الداعمة لوقف الحرب والانتقال المدني الديمقراطي بصورة شاملة.ونبّهت قوى الحرية والتغيير، في بيانها، إلى أنها "بحثت قضية وحدة القوى المدنية الديمقراطية المناهضة للحرب"، معتبرةً ذلك "قضية ذات أولوية".كما شددت كذلك على "أهمية تنسيق الجهود وتوحيدها، والاتفاق على رؤية سياسية، وصيغ عمل وتنسيق مشترك، والتوافق على تصميم العملية السياسية وأطرافها وقضاياها وطرق إدارتها"، داعيةً إلى ضرورة تكامل مبادرة الولايات المتحدة والسعودية مع خارطة طريق الاتحاد الأفريقي و"إيغاد"، ومقررات مؤتمر دول الجوار و
185.208.78.254
اقرأ على الموقع الرسمي
وفي نهاية المقال نود ان نشير الى ان هذه هي تفاصيل محللون: مبادرة "الحرية والتغيير" لحل الأزمة السودانية "لم تأت بجديد" وتم نقلها من سبوتنيك نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكامله .
علما ان فريق التحرير في صحافة العرب بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
المصدر: صحافة العرب
كلمات دلالية: موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم جدول ترتيب حالة الطقس لحل الأزمة السودانیة قوى الحریة والتغییر المجلس المرکزی إلى أن
إقرأ أيضاً:
الطاهر بن عاشور.. تأصيل مقاصدي لقيمة الحرية والمساواة في الفكر الإسلامي (3)
في سياق سلسلة المقالات التي يكتبها الباحث المغربي في شؤون الفكر الإسلامي، محمد يتيم، خصيصاً لـ"عربي21"، والتي تسلط الضوء على مساهمات رموز وقادة الفكر الإسلامي المغاربة في تطوير وتجديد تجربة العمل الإسلامي الحركي في العالم العربي، يأتي هذا الجزء الرابع ليكمل ما بدأه في الحلقات السابقة.
فبعد أن تناول في الجزء الثالث معالم التجديد السياسي والفكري لدى الشيخ راشد الغنوشي، يتوقف يتيم في هذه الحلقة عند أحد كبار أعلام الفكر الإصلاحي المغاربي، العالم التونسي الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (1879–1973)، صاحب مشروع فكري عميق ومؤسس لرؤية مقاصدية تحررية في تفسير الشريعة.
ويكشف محمد يتيم في هذا المقال عن جملة من المبادئ والنظريات التي أصّل لها الشيخ ابن عاشور، وخصوصاً في باب الحرية والمساواة، حيث يعتبر أن الإسلام في جوهره "ينزع نحو الحرية"، وأن الحرية مقصدٌ أصيل من مقاصد الشريعة، لا يمكن فصله عن أصل المساواة وفطرة الإنسان.
كما يستعرض المقال كيف وظّف ابن عاشور أدواته الفقهية والأصولية والتفسيرية لبناء تصور متماسك يؤسس للعدالة، والمواطنة، وحقوق الإنسان، في إطار المرجعية الإسلامية، مبيناً أن التشريع الإسلامي لا يُفرّق في أصل الخلق والفطرة بين البشر، وأن القيود على الحرية ليست أصيلة بل طارئة ومشروطة بمقاصد معتبرة شرعاً.
يقدم هذا النص إسهاماً نوعياً في فهم البعد التحرري في فكر الطاهر بن عاشور، من خلال قراءة مغربية حركية ترى في هذا التراث الفقهي المقاصدي أرضية للتجديد الإسلامي المعاصر، وتثبيتاً لجسور التلاقي بين مدارس الإصلاح في المغرب الكبير.
الإسلام ينزع نحو الحرية
من العلماء المغارب الذين أصلوا لفكرة الحرية نجد العلامة التونسي الشيخ الطاهربن عاشور رحمه الله (1).. وكان مما قرره عدد من المبادئ التي تؤكد ما سماه بـ "نزوع الإسلام نحو الحرية"، حيث يقرر عددا من المعطيات منها:
ـ أن الحرية من الفطرة، وإن دليل ذلك تمكين رب العالمين للخلق من مخالفة أوامره. إنه إذا كانت أوامر الله تبارك وتعالى، وهي واجبة الطاعة قطعاً، تجد من لا يطيعها معانداً غير مخطئ، فلا شك في حرية الإنسان، وحرية الإرادة الإنسانية .
ـ حرية تترتب عنها عدالة المسؤولية وعدالة الجزاء؛ لأنه كما يقول رجال القانون ورجال السياسة: لا حرية بغير مسؤولية، ومقتضى المسئولية إثابة المصيب ومعاقبة المخطئ؛ وهي فكرة معروفة في القانون باسم فكرة الجزاء، فبمقتضى العدالة الربانية التي أنشأت خلقاً قادراً على السمع والطاعة، أو السمع والمعصية، كانت المسئولية، وكان تحمل التبعة أو كان الجزاء.
الحرية وصف فطري نشأ عليه البشر، وبه تصرفوا في أول وجودهم على الأرض حتى حدثت بينهم المزاحمة فحدث التحجير، أي كثر الناس فقلت عليهم الموارد، أو كثر الجشع والطمع، فأراد أصحاب النفوس الضعيفة أن يستحوذوا على الثروة ويحرموا منها الآخرين، فحدثت المزاحمة فحدث التحجير.ـ أن الحق سبحانه حين أمر آدم وزوجه أن يهبطا إلى الأرض بعد أن حدث منهما في الجنة ما حدث، قال ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى.. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" وذلك جزاء على عمل مسئول قام به هذا الإنسان مخالفاً إرادة رب العالمين أو قانون رب العالمين، أمراً كان أو نهياً.
ـ أن الحرية وصف فطري نشأ عليه البشر، وبه تصرفوا في أول وجودهم على الأرض حتى حدثت بينهم المزاحمة فحدث التحجير، أي كثر الناس فقلت عليهم الموارد، أو كثر الجشع والطمع، فأراد أصحاب النفوس الضعيفة أن يستحوذوا على الثروة ويحرموا منها الآخرين، فحدثت المزاحمة فحدث التحجير.
ـ الأصل في الحرية أنها فطرية مطلقة، والاستثناء -الذي أحدثناه نحن بأنواع الفساد التي ابتكرناها عندما تكاثرنا في الأرض - هو أن تقيد هذه الحرية وتوضع عليها الصعاب والعقبات التي تمنع من الاستئثار بالثروات والاستئثار بالخيرات.
ـ يعتبر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الحرية ، خاطر غريزي في النفوس البشرية، فيها نماء القوى الإنسانية من تفكير وقول وعمل، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة في ميادين الابتكار والتدقيق حيث لا يستطيع الإنسان أن يكفر إلا وهو حر.
ـ لا يحق تقييد الحرية إلا بقيد يُدفع به عن صاحبها ضرر ثابت محقق أو يجلب به نفع ، حيث لا يقبل رضى المضرور أو المنتفع بإلغاء فائدة دفع الضرر وجلب النفع.
ـ إذا وجدنا رجلاً يريد أن يُلقي بنفسه في النهر، بقول الشيخ الطاهر بن عاشور ،وهو عالي المياه، مضطرب الأمواج، فإن حريته في قتل نفسه ليست مكفولة له بل هي ممنوعة مقيدة، وإذا رأينا رجلاً ينتحر بقطع شرايين يده، حريته في قطع هذه الشرايين ليست ممنوحة له بل هي حرية مقيدة.
ـ إذا رأينا رجلاً يريد أن يستولي على المال العام في غفلة أو تحت سمع الناس وبصرهم، حريته في الاستيلاء على المال ليست مكفولة له.
ـ يجوز أن تقيد الحرية بقيد يجلب نفعاً، فقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل على سعد بن أبي وقاص فسأله سعد – وهو مريض يعوده في مرضه – قال: يا رسول الله، إن لي مالاً، ولا ترثني إلا ابنة لي، أفأتصدق6 بكل مالي؟ قال: لا. قال: فبنصف مالي؟ قال: لا. قال: فبثلث مالي؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.
فهذه يقول الشيخ هي حرية التصرف في المال، فهو حر يفعل في ماله ما يشاء، لكن هناك حقوق ستأتي لم تستحق بعد، فليس للورثة حق في مال المورث وهو على قيد الحياة، وليس لهم فيه حق يفعل به ما يشاء،.
وعقب ابن عاشور على ذلك بقوله: لا يُقبل في الشرع رضاء المضرور أو رضاء المنتفع بإلغاء الضرر أو إلغاء النفع.
ـ تلازم قيمة الحرية مع قيمة المساواة : فالحرية حسب الشيخ الطاهر بن عاشور فرع مترتب على مبدأ المساواة، حيث يترتب على تقرير المساواة أن يكون هؤلاء المتساوون أحراراً، ولا يجوز أن يكون بعضهم أكثر حرية من بعض ولا أن يكون بعضهم أقل حرية من بعض(2).
ـ إن عموم الشريعة يقتضى المساواة، والمساواة تقتضي الحرية. فكل المقيمين في أرض الإسلام، أو في ظل الحكومة الإسلامية، يُحكمون بقانون واحد، هو عموم الشريعة، وإذا كانوا يُحكمون بقانون واحد، فهم متساوون في أداء الواجبات والحصول على الحقوق، وإذا تساووا وجب أن تُكفل لهم الحرية حتى يستطيعوا أن يحصلوا المنافع ويدفعوا المضار. وينطبق هذا على غير المؤمنين بحكم المشاركة في الدار، فما دمنا متشاركين في الدار فنحن متساوون في الحقوق والواجبات، وهذا يجعل الجميع سواء في الحقوق ويؤكد وبناءً على هذا الأصل الأصيل، وهو أن الإسلام دين الفطرة، فالتشريع يفرض التساوي بينهم ، والفطرة هي فطرة الله التي فطر الناس عليها ، الفطرة هي أصل خلق الله الذي خلق عليه الكون والمخلوقات كلهم، إنسان وغير إنسان، فهذه الفطرة اقتضت المساواة في أشياء، واقتضت عدم المساواة في أشياء. كل ما ساوت فيه الفطرة بين الناس فهم فيه سواء، وكل ما فرقت فيه الفطرة بين الناس فهم ليسوا فيه سواء، ولا يُخل هذا بأصل المبدأ؛ لأن المساواة بين من تتساوى أحوالهم (هذا عند الشرعيين. (3)
أما عند القانونيين فإن المساواة حالة يجب توفيرها لمن تساوت مراكزهم القانونية، فمن كان في مركز قانوني واحد؛ مثل طلاب الجامعة فكلهم متساوون، ولكن طلاب السنة الرابعة لا يتساوون مع طلاب السنة الأولى؛ لأنهم يدرسون مواد مختلفة، وطلاب كلية الحقوق لا يتساوون مع طلاب كلية الهندسة؛ لأن كلية الهندسة خمس سنوات وكلية الحقوق أربع سنوات، إنما يتساوى طلاب الهندسة فيما بينهم، وطلاب الطب فيما بينهم، وطلاب الحقوق فيما بينهم لتساوي مراكزهم القانونية، وتختلف كل مجموعة من هؤلاء مع المجموعات الأخرى لاختلاف المراكز القانونية.
فهذا هو الذي يقرره الطاهر بن عاشور بقوله: إن كل ما شهدت الفطرة يتفاوت البشرية فيه فالتشريع بمعزل عن فرض أحكام متساوية فيه؛ لأن المساواة في الشريعة ناظرة إلى أصل خلقة الله سبحانه وتعالى للإنسان.
لا يحق تقييد الحرية إلا بقيد يُدفع به عن صاحبها ضرر ثابت محقق أو يجلب به نفع ، حيث لا يقبل رضى المضرور أو المنتفع بإلغاء فائدة دفع الضرر وجلب النفع.ويقرر تأكيد ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور كلكم لآدم وآد من تراب، وقد قال هنا: كلكم ولم يقل: المسلمين، لم يقل: المؤمنين، لم يقل: أهل الجزيرة، لم يقل: أهل المدينة، بل قال: كلكم، كل البشر؛ لأن أول الحديث: لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود حتى قال: كلكم لآدم وآدم من تراب.
وقد قال: إن هناك أحكاماً مع ذلك لا يتساوى فيها المسلم مع غير المسلم، كالميراث بين المسلم وغير المسلم من أقرباء وهنا تحضر قاعدة تساوي المراكز القانونية، فالمركز القانوني لغير المسلمينه واحد،. والمركز القانوني للمسلمين واحد، لا نستطيع أن نحمل صاحب المركز القانوني غير الإسلامي على منافع ومصالح صاحب المركز القانوني الإسلامي، والعكس بالعكس؛ لأن المراكز القانونية مختلفة والمثال: الميراث والقصاص وقبول الشهادة على اختلاف بين العلماء.
وترجع هذه الأمور كلها ـ التي بها خلاف في المساواة ـ حسب الشيخ بن عاشور كلها إلى نظر الفقيه في التقنين. وهذه الفكرة مرجعها إلى فكرة الحرية نفسها، فالفقيه حر بحسب عقله الذي تكون على مر السنين أن ينظر في مصادر التشريع وموارده ويقرر أن الحكم الذي اقتنع به هو (أ)، وفقيه ثان يقول (ب)، وفقيه ثالث يقول (ج)، هذا كله على قدر المساواة بين الفقهاء. ويضيف الشيخ بن عاشور: جميع هذه الفروع الذي تتقرر فيها أحكام تنافي مبدأ المساواة لأسباب يقررها الفقهاء ترجع إلى نظر الفقيه في الفروع. أي لا يرجعها إلى أصل من أصول الإسلامي يقرر عدم المساواة، إنما هو أصل من أصولالفطرة التي تقرر المساواة بين المتماثلين، والتفرقة بين غير المتماثلين، وهذا ما توصلنا إليه في العلوم القانونية والسياسية في القرن العشرين ونسير عليه حتى الآن.
ويقرر أيضا: "أما معرفة عدم مساواة غير المسلم للمسلم في بعض الأحكام في المعاملات كلها فقول النبي صلى الله عليه وسلم: لهم ما لنا وعليهم ما علينا. (..)، ولكن له أصل ثابت: سُنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب (4) ومنه استنبط العلماء هذه القاعدة لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولسيدنا علي رضي الله عنه له قول في هذا المعنى حيث يقول: "من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا، وديته كديتنا" ومن هذا الكلام الذي قاله سيدنا علي رضي الله عنه ومن حديث: سُنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب أخذ العلماء قاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا."
المساواة بين المسلم وغير المسلم
يذهب ابن عاشور للقول بأن هذه المساواة بين المسلم وغير المسلم حاصلة من العلم بأصل المساواة بين الخاضعين لحكومة واحدة "وهنا بدأ الحديث عن السياسة بعد أن كنا نتحدث عن الفقه والأصول وأصل الخلقة وأصل الفطرة.
ويضيف قائلا: "إن المساواة لا تلاحظ، ولا يمكن إدراكها، ولا يتوقف العمل بها إلا على وجود حكومة واحدة في المجتمع، لأنه إذا تعددت الحكومات فسوف تتصارع وتحدث فتنة، أو تكون هناك فئة باغية وفئة مبغيِّ عليها، لكن إذا وجدت حكومة يصلح بها المجتمع، هي التي تستطيع أن تقرر قاعدة يحكم بمقتضى المساواة، حينما تأتي قضية أمام العميد يحكم بمقتضى المساواة، حينما تأتي قضية في اتحاد الطلبة يحكم المشرف على اتحاد الطلبة بمقتضى المساواة، فالإسلام قرر القاعدة ونفذها، نفذها عن طريق الحكام أو القضاة على مر التاريخ الإسلامي.
يقرر ابن عاشورأيضا ما يلي: "إذا ثبت أن الأصل في الخلقة هو المساواة، فإنه يترتب عن ذلك أن تكون المساواة مقصداً من مقاصد الشريعة الكلية الثابتة، وإذا كان المتساوون أحراراً، فالحرية مقصد كالمساواة". (5)
لقد رتب الشبخ الطاهر بن عاشور على أصل المساواة أصل الحرية، إن الحرية عنده مبدأ متفرع عن مبدأ المساواة، فتقرير الشريعة المساواة يترتب عليه تقرير المساواة أن يكون الناس المتساوون أحراراً، ولا يجوز أن يكون في الخلقة، أو أصل وجودنا من فطرة واحدة فطر الله الناس عليها، يترتب عليه أصل الحرية الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الكبرى الكلية، بعضهم أكثر حرية من بعض ولا أن يكون بعضهم أقل حرية من بعض7. حيث إن كل واحد يستطيع أن يتصرف في نفسه مثلما يريد، لكن لا يقتلها، يتصرف في نفسه كما يريد، لكن لا يفضل الجهل على العلم، إذا كان بيده أن يتعلم، ويتصرف في نفسه كما يريد، ولكن لا يجلس عاطلاً لا يستطيع أن يقوت نفسه وعياله ومن يجب أن يقوتهم، هذا كله لا يجوز، وهذا كله ليس من طبيعة المساواة، من طبيعة المساواة ومن طبيعة الحرية.
الحرية مقصد كالمساواة، مستشهدا بما قرره الإمام أبو حنيفة من أن لا حجر على أحد، باستثناء ثلاثة أشخاص لأسباب متعلقة بغيرهم لا بهم، وسفيه المال الذي قرر كل الناس أن تحجر عليه وكل القوانين أن تحجر عليه، يقول أبو حنيفة: لا نحجر عليه.ويرى ابن عاشور أن الحرية في اللسان العربي جاءت بمعنيين، أولهما ضد العبودية أي ضد الرق. وأقول: إن هذا المعنى أصبح والحمد لله تاريخياً، لم يعد في أي بلد من بلاد المسلمين إلا بلد واحدة مسكينة، بقية البلاد كلها خلت من الرق والاسترقاق ومن أسواق الرقيق وكل ذلك.
الشارع متشوف للحرية
من القواعد الإسلامية التي قررها ابن عاشور في التعامل مع الرقيق، وهي قواعد كثيرة هناك "قاعدة: الشارع متشوف إلى الحرية"، فإذا ثبت أن الأصل في الخلقة هو المساواة، فإنه يترتب على ذلك حسي الطاهر بن عاشور "أن تكون المساواة مقصداً من مقاصد الشريعة الكلية الثابتة، وإذا كان المتساوون أحراراً، فالحرية مقصد كالمساواة، مستشهدا بما قرره الإمام أبو حنيفة من أن لا حجر على أحد، باستثناء ثلاثة أشخاص لأسباب متعلقة بغيرهم لا بهم، وسفيه المال الذي قرر كل الناس أن تحجر عليه وكل القوانين أن تحجر عليه، يقول أبو حنيفة: لا نحجر عليه.
يقول: لأن حريته في التصرف في ماله أعلى من حق غيره المحتمل، لأنه من الممكن عندما يأتيه الموت ألا يكون عنده ورثة ويكونوا قد ماتوا قبله، فحريته وهو حي في التصرف في ماله أعلى من حق الغير المحتمل في المال الذي يُمنع من التصرف فيه. وأيضاً السفر، الإقامة، البقاء، الخروج، كل ذلك عند أبي حنيفة لا يجوز منع الناس منه، لكن عند الفقهاء الآخرين يوجد استثناءات.
المراجع
1 ـ محمد الطاهر بن عاشور هو أب محمد الفاضل بن عاشورهو أحد أبرز علماء الدين التونسيين في القرن 20)، ولقد ترك مكتبة غنية بالكتب والمراجع لا زالت موجودة إلى الآن ومتاحة لجميع الباحثين، وحفيده محمد العزيز بن عاشور من أهم ما كتب : تفسير التحريروالتنوير.
2 ـ محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ، ص 391. لناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر 2004
3 ـ المرجع السابق، ص 163
4 ـ مقاصد الشريعة الإسلامية، ، ص 390
5 ـ محمد الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الدار التونسية للتوزيع، تونس، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط2، (د.ت) ص 162. وا
6 ـ محمد الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الدار التونسية للتوزيع، تونس.في سياق سلسلة المقالات التي يكتبها الباحث المغربي في شؤون الفكر الإسلامي، محمد يتيم، خصيصاً لـ"عربي21"، والتي تسلط الضوء على مساهمات رموز وقادة الفكر الإسلامي المغاربة في تطوير وتجديد تجربة العمل الإسلامي الحركي في العالم العربي، يأتي هذا الجزء الرابع ليكمل ما بدأه في الحلقات السابقة.
فبعد أن تناول في الجزء الثالث معالم التجديد السياسي والفكري لدى الشيخ راشد الغنوشي، يتوقف يتيم في هذه الحلقة عند أحد كبار أعلام الفكر الإصلاحي المغاربي، العالم التونسي الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (1879–1973)، صاحب مشروع فكري عميق ومؤسس لرؤية مقاصدية تحررية في تفسير الشريعة.
ويكشف محمد يتيم في هذا المقال عن جملة من المبادئ والنظريات التي أصّل لها الشيخ ابن عاشور، وخصوصاً في باب الحرية والمساواة، حيث يعتبر أن الإسلام في جوهره "ينزع نحو الحرية"، وأن الحرية مقصدٌ أصيل من مقاصد الشريعة، لا يمكن فصله عن أصل المساواة وفطرة الإنسان.
كما يستعرض المقال كيف وظّف ابن عاشور أدواته الفقهية والأصولية والتفسيرية لبناء تصور متماسك يؤسس للعدالة، والمواطنة، وحقوق الإنسان، في إطار المرجعية الإسلامية، مبيناً أن التشريع الإسلامي لا يُفرّق في أصل الخلق والفطرة بين البشر، وأن القيود على الحرية ليست أصيلة بل طارئة ومشروطة بمقاصد معتبرة شرعاً.
يقدم هذا النص إسهاماً نوعياً في فهم البعد التحرري في فكر الطاهر بن عاشور، من خلال قراءة مغربية حركية ترى في هذا التراث الفقهي المقاصدي أرضية للتجديد الإسلامي المعاصر، وتثبيتاً لجسور التلاقي بين مدارس الإصلاح في المغرب الكبير.
الإسلام ينزع نحو الحرية
من العلماء المغارب الذي أصلوا لفكرة الحرية نجد العلامة التونسي الشيخ الطاهربن عاشور رحمه الله (1).. وكان مما قرره عدد من المبادئ التي تؤكد ما سماه بـ "نزوع الإسلام نحو الحرية"، حيث يقرر عددا من المعطيات منها:
ـ أن الحرية من الفطرة، وإن دليل ذلك تمكين رب العالمين للخلق من مخالفة أوامره. ,انه إذا كانت أوامر الله تبارك وتعالى، وهي واجبة الطاعة قطعاً، تجد من لا يطيعها معانداً غير مخطئ، فلا شك في حرية الإنسان، وحرية الإرادة الإنسانية.
ـ حرية تترتب عنها عدالة المسؤولية وعدالة الجزاء؛ لأنه كما يقول رجال القانون ورجال السياسة: لا حرية بغير مسؤولية، ومقتضى المسئولية إثابة المصيب ومعاقبة المخطئ؛ وهي فكرة معروفة في القانون باسم فكرة الجزاء، فبمقتضى العدالة الربانية التي أنشأت خلقاً قادراً على السمع والطاعة، أو السمع والمعصية، كانت المسئولية، وكان تحمل التبعة أو كان الجزاء.
ـ أن الحق سبحانه حين أمر آدم وزوجه أن يهبطا إلى الأرض بعد أن حدث منهما في الجنة ما حدث ، قال ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى.. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" وذلك جزاء على عمل مسئول قام به هذا الإنسان مخالفاً إرادة رب العالمين أو قانون رب العالمين، أمراً كان أو نهياً.
ـ أن الحرية وصف فطري نشأ عليه البشر، وبه تصرفوا في أول وجودهم على الأرض حتى حدثت بينهم المزاحمة فحدث التحجير، أي كثر الناس فقلت عليهم الموارد، أو كثر الجشع والطمع، فأراد أصحاب النفوس الضعيفة أن يستحوذوا على الثروة ويحرموا منها الآخرين، فحدثت المزاحمة فحدث التحجير.
ـ الأصل في الحرية أنها فطرية مطلقة، والاستثناء -الذي أحدثناه نحن بأنواع الفساد التي ابتكرناها عندما تكاثرنا في الأرض - هو أن تقيد هذه الحرية وتوضع عليها الصعاب والعقبات التي تمنع من الاستئثار بالثروات والاستئثار بالخيرات.
ـ يعتبر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الحرية ، خاطر غريزي في النفوس البشرية، فيها نماء القوى الإنسانية من تفكير وقول وعمل، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة في ميادين الابتكار والتدقيق حيث لا يستطيع الإنسان أن يكفر إلا وهو حر.
ـ لا يحق تقييد الحرية إلا بقيد يُدفع به عن صاحبها ضر ثابت محقق أو يجلب به نفع ، حيث لا يقبل رضى المضرور أو المنتفع بإلغاء فائدة دفع الضرر وجلب النفع.
- إذا وجدنا رجلاً يريد أن يُلقي بنفسه في النهر، بقول الشيخ الطاهر بن عاشور ،وهو عالي المياه، مضطرب الأمواج، فإن حريته في قتل نفسه ليست مكفولة له بل هي ممنوعة مقيدة، وإذا رأينا رجلاً ينتحر بقطع شرايين يده، حريته في قطع هذه الشرايين ليست ممنوحة له بل هي حرية مقيدة.
ـ إذا رأينا رجلاً يريد أن يستولي على المال العام في غفلة أو تحت سمع الناس وبصرهم، حريته في الاستيلاء على المال ليست مكفولة له،.
ـ يجوز أن تقيد الحرية بقيد يجلب نفعاً، فقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل على سعد بن أبي وقاص فسأله سعد ـ وهو مريض يعوده في مرضه – قال: يا رسول الله، إن لي مالاً، ولا ترثني إلا ابنة لي، أفأتصدق6 بكل مالي؟ قال: لا. قال: فبنصف مالي؟ قال: لا. قال: فبثلث مالي؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.
فهذه يقول الشيخ هي حرية التصرف في المال، فهو حر يفعل في ماله ما يشاء، لكن هناك حقوق ستأتي لم تستحق بعد، فليس للورثة حق في مال المورث وهو على قيد الحياة، وليس لهم فيه حق يفعل به ما يشاء.
وعقب ابن عاشور على ذلك بقوله: لا يُقبل في الشرع رضاء المضرور أو رضاء المنتفع بإلغاء الضرر أو إلغاء النفع.
ـ تلازم قيمة الحرية مع قيمة المساواة : فالحرية حسب الشيخ الطاهر بن عاشور فرع مترتب على مبدأ المساواة، حيث يترتب على تقرير المساواة أن يكون هؤلاء المتساوون أحراراً، ولا يجوز أن يكون بعضهم أكثر حرية من بعض ولا أن يكون بعضهم أقل حرية من بعض(2)
ـ إن عموم الشريعة يقتضى المساواة، والمساواة تقتضي الحرية. فكل المقيمين في أرض الإسلام، أو في ظل الحكومة الإسلامية، يُحكمون بقانون واحد، هو عموم الشريعة، وإذا كانوا يُحكمون بقانون واحد، فهم متساوون في أداء الواجبات والحصول على الحقوق، وإذا تساووا وجب أن تُكفل لهم الحرية حتى يستطيعوا أن يحصلوا المنافع ويدفعوا المضار. وينطبق هذا على غير المؤمنين بحكم المشاركة في الدار، فما دمنا متشاركين في الدار فنحن متساوون في الحقوق والواجبات، وهذا يجعل الجميع سواء في الحقوق ويؤكد وبناءً على هذا الأصل الأصيل، وهو أن الإسلام دين الفطرة، فالتشريع يفرض التساوي بينهم، والفطرة هي فطرة الله التي فطر الناس عليها ، الفطرة هي أصل خلق الله الذي خلق عليه الكون والمخلوقات كلهم، إنسان وغير إنسان، فهذه الفطرة اقتضت المساواة في أشياء، واقتضت عدم المساواة في أشياء. كل ما ساوت فيه الفطرة بين الناس فهم فيه سواء، وكل ما فرقت فيه الفطرة بين الناس فهم ليسوا فيه سواء، ولا يُخل هذا بأصل المبدأ؛ لأن المساواة بين من تتساوى أحوالهم (هذا عند الشرعيين(.3)
أما عند القانونيين فإن المساواة حالة يجب توفيرها لمن تساوت مراكزهم القانونية، فمن كان في مركز قانوني واحد؛ مثل طلاب الجامعة فكلهم متساوون، ولكن طلاب السنة الرابعة لا يتساوون مع طلاب السنة الأولى؛ لأنهم يدرسون مواد مختلفة، وطلاب كلية الحقوق لا يتساوون مع طلاب كلية الهندسة؛ لأن كلية الهندسة خمس سنوات وكلية الحقوق أربع سنوات، إنما يتساوى طلاب الهندسة
فيما بينهم، وطلاب الطب فيما بينهم، وطلاب الحقوق فيما بينهم لتساوي مراكزهم القانونية، وتختلف كل مجموعة من هؤلاء مع المجموعات الأخرى لاختلاف المراكز القانونية.
فهذا هو الذي يقرره الطاهر بن عاشور بقوله: إن كل ما شهدت الفطرة يتفاوت البشرية فيه فالتشريع بمعزل عن فرض أحكام متساوية فيه؛ لأن المساواة في الشريعة ناظرة إلى أصل خلقة الله سبحانه وتعالى للإنسان.
ويقرر تأكيد ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور كلكم لآدم وآد من تراب، وقد قال هنا: كلكم ولم يقل: المسلمين، لم يقل: المؤمنين، لم يقل: أهل الجزيرة، لم يقل: أهل المدينة، بل قال: كلكم، كل البشر؛ لأن أول الحديث: لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود حتى قال: كلكم لآدم وآدم من تراب.
وقد قال: إن هناك أحكاماً مع ذلك لا يتساوى فيها المسلم مع غير المسلم، كالميراث بين المسلم وغير المسلم من أقرباء وهنا تحضر قاعدة تساوي المراكز القانونية، فالمركز القانوني لغير المسلمينه واحد،. والمركز القانوني للمسلمين واحد، لا نستطيع أن نحمل صاحب المركز القانوني غير الإسلامي على منافع ومصالح صاحب المركز القانوني الإسلامي، والعكس بالعكس؛ لأن المراكز القانونية مختلفة والمثال: الميراث والقصاص وقبول الشهادة على اختلاف بين العلماء
وترجع هذه الأمور كلها ـ التي بها خلاف في المساواة ـ حسب الشيخ بن عاشور كلها إلى نظر الفقيه في التقنين. وهذه الفكرة مرجعها إلى فكرة الحرية نفسها، فالفقيه حر بحسب عقله الذي تكون على مر السنين أن ينظر في مصادر التشريع وموارده ويقرر أن الحكم الذي اقتنع به هو (أ)، وفقيه ثان يقول (ب)، وفقيه ثالث يقول (ج)، هذا كله على قدر المساواة بين الفقهاء. ويضيف الشيخ بن عاشور: جميع هذه الفروع الذي تتقرر فيها أحكام تنافي مبدأ المساواة لأسباب يقررها الفقهاء ترجع إلى نظر الفقيه في الفروع. أي لا يرجعها إلى أصل من أصول الإسلامي يقرر عدم المساواة، إنما هو أصل من أصولالفطرة التي تقرر المساواة بين المتماثلين، والتفرقة بين غير المتماثلين، وهذا ما توصلنا إليه في العلوم القانونية والسياسية في القرن العشرين ونسير عليه حتى الآن.
ويقرر أيضا: "أما معرفة عدم مساواة غير المسلم للمسلم في بعض الأحكام في المعاملات كلها فقول النبي صلى الله عليه وسلم: لهم ما لنا وعليهم ما علينا. (..)، ولكن له أصل ثابت: سُنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب (4) ومنه استنبط العلماء هذه القاعدة لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولسيدنا علي رضي الله عنه له قول في هذا المعنى حيث يقول: "من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا، وديته كديتنا" ومن هذا الكلام الذي قاله سيدنا علي رضي الله عنه ومن حديث: سُنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب أخذ العلماء قاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا."
المساواة بين المسلم وغير المسلم
يذهب ابن عاشور للقول بأن هذه المساواة بين المسلم وغير المسلم حاصلة من العلم بأصل المساواة بين الخاضعين لحكومة واحدة "وهنا بدأ الحديث عن السياسة بعد أن كنا نتحدث عن الفقه والأصول وأصل الخلقة وأصل الفطرة.
ويضيف قائلا: "إن المساواة لا تلاحظ، ولا يمكن إدراكها، ولا يتوقف العمل بها إلا على وجود حكومة واحدة في المجتمع، لأنه إذا تعددت الحكومات فسوف تتصارع وتحدث فتنة، أو تكون هناك فئة باغية وفئة مبغيِّ عليها، لكن إذا وجدت حكومة يصلح بها المجتمع، هي التي تستطيع أن تقرر قاعدة يحكم بمقتضى المساواة، حينما تأتي قضية أمام العميد يحكم بمقتضى المساواة، حينما تأتي قضية في اتحاد الطلبة يحكم المشرف على اتحاد الطلبة بمقتضى المساواة، فالإسلام قرر القاعدة ونفذها، نفذها عن طريق الحكام أو القضاة على مر التاريخ الإسلامي.
يقرر ابن عاشورأيضا ما يلي: "إذا ثبت أن الأصل في الخلقة هو المساواة، فإنهيترتب عن ذلك أن تكون المساواة مقصداً من مقاصد الشريعة الكلية الثابتة، وإذا كان المتساوون أحراراً، فالحرية مقصد كالمساواة". (5)
لقد رتب الشبخ الطاهر بن عاشور على أصل المساواة أصل الحرية، إن الحرية عنده مبدأ متفرع عن مبدأ المساواة، فتقرير الشريعة المساواة يترتب عليه تقرير المساواة أن يكون الناس المتساوون أحراراً، ولا يجوز أن يكون في الخلقة، أو أصل وجودنا من فطرة واحدة فطر الله الناس عليها، يترتب عليه أصل الحرية الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة الكبرى الكلية، بعضهم أكثر حرية من بعض ولا أن يكون بعضهم أقل حرية من بعض، حيث أن كل واحد يستطيع أن يتصرف في نفسه مثلما يريد، لكن لا يقتلها، يتصرف في نفسه كما يريد، لكن لا يفضل الجهل على العلم، إذا كان بيده أن يتعلم، ويتصرف في نفسه كما يريد، ولكن لا يجلس عاطلاً لا يستطيع أن يقوت نفسه وعياله ومن يجب أن يقوتهم، هذا كله لا يجوز، وهذا كله ليس من طبيعة المساواة، من طبيعة المساواة ومن طبيعة الحرية
ويرى ابن عاشور أن الحرية في اللسان العربي جاءت بمعنيين، أولهما ضد العبودية أي ضد الرق. وأقول: إن هذا المعنى أصبح والحمد لله تاريخياً، لم يعد في أي بلد من بلاد المسلمين إلا بلد واحدة مسكينة، بقية البلاد كلها خلت من الرق والاسترقاق ومن أسواق الرقيق وكل ذلك
الشارع متشوف للحرية
من القواعد الإسلامية التي قررها ابن عاشور في التعامل مع الرقيق، وهي قواعد كثيرة هناك " قاعدة: الشارع متشوف إلى الحرية"، فإذا ثبت أن الأصل في الخلقة هو المساواة، فإنه يترتب على ذلك حسي الطاهر بن عاشور "أن تكون المساواة مقصداً من مقاصد الشريعة الكلية الثابتة، وإذا كان المتساوون أحراراً، فالحرية مقصد كالمساواة، مستشهدا بما قرره الإمام أبو حنيفة من أن لا حجر على أحد، باستثناء ثلاثة أشخاص لأسباب متعلقة بغيرهم لا بهم، وسفيه المال الذي قرر كل الناس أن تحجر عليه وكل القوانين أن تحجر عليه، يقول أبو حنيفة: لا نحجر عليه.
يقول: لأن حريته في التصرف في ماله أعلى من حق غيره المحتمل، لأنه من الممكن عندما يأتيه الموت ألا يكون عنده ورثة ويكونوا قد ماتوا قبله، فحريته وهو حي في التصرف في ماله أعلى من حق الغير المحتمل في المال الذي يُمنع من التصرف فيه.وأيضاً السفر، الإقامة، البقاء، الخروج، كل ذلك عند أبي حنيفة لا يجوز منع الناس منه، لكن عند الفقهاء الآخرين يوجد استثناءات.
المراجع
1 ـ محمد الطاهر بن عاشور هو أب محمد الفاضل بن عاشورهو أحد أبرز علماء الدين التونسيين في القرن 20)، ولقد ترك مكتبة غنية بالكتب والمراجع لا زالت موجودة إلى الآن ومتاحة لجميع الباحثين، وحفيده محمد العزيز بن عاشور من أهم ما كتب : تفسير التحريروالتنوير.
2 ـ محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ، ص 391. لناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر 2004
3 ـ المرجع السابق، ص 163
4 ـ مقاصد الشريعة الإسلامية، ، ص 390
5 ـ محمد الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الدار التونسية للتوزيع، تونس، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط2، (د.ت) ص 162. وا
6 ـ محمد الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الدار التونسية للتوزيع، تونس.
إقرأ أيضا: بين المشرق والمغرب.. جدل الوحدة والتمايز في التجربة الحركية الإسلامية (1)
إقرأ أيضا: الغنوشي بين الإسلام والديمقراطية.. حين يكتب المفكر شهادة حداثةٍ شرعية (2)