أدان مفتى الجمهورية فضيلةُ الدكتور شوقي علام، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، الهجوم الإرهابيَّ المسلَّح الذي وقع بقاعة كروكس سيتي هال بالقرب من العاصمة الروسية موسكو، والذي أسفر عن سقوط العشرات من الضحايا والمصابين.

زعزعة أمن واستقرار البلدان

وأكد مفتي الجمهورية، رفض الشريعة الإسلامية لأيِّ لون من ألوان الاعتداء على الإنسان باعتباره بنيان الله تعالى في أرضه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الإنسان بنيان الله في أرضه .

. ملعون من هدمه»، مشيرًا إلى أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية تسعى دائمًا لنشر الخراب والدمار في كل مكان وزعزعة أمن واستقرار البلدان.

وأوضح فضيلة المفتي أنَّ عمليات القتل والتدمير تعكس تعطُّش الجماعات والتنظيمات الإرهابية لإراقة دماء الأبرياء الآمنين في كل مكان.
وتوجَّه مفتي الجمهورية بخالص العزاء والمواساة لدولة روسيا؛ قيادةً وحكومةً وشعبًا، ولأسر ضحايا الهجوم الإرهابي، سائلًا المولى عزَّ وجلَّ أن يمنَّ على المصابين بالشفاء العاجل.

وأشار إلى أن أصحاب التدين الشكلي يرفضون التنوع، مشيرًا إلى أن الاختلاف سُنة كونية يقف العالم أمامه مبهورًا نظرًا لهذا التنوع والتعدد، وهو أمر مشروع لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، وفي قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}، فالاختلاف ليس شرًّا بل هو سنة كونية، وهذا التنوع مقصود في الخلق ومن ثم لا بد أن تتعدد الرؤى والأفكار.

وعن حكم إخراج زكاة الفطر من أول رمضان قال فضيلة مفتي الجمهورية: الذي نختاره للفتوى في هذا العصر، ونراه أوفقَ لمقاصد الشرع، وأرفقَ بمصالح الخلق، هو جوازُ إخراجِ زكاة الفطر مالًا مطلقًا، وهذا هو مذهب الحنفية، كما سبق، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، وفي زكاة الفطر يُخرج الإنسان عن نفسه وزوجته -وإن كان لها مال- وأولاده ووالديه الفقيرين.

وأشار مفتي الجمهورية، إلى استحباب الزيادة لمن أراد على مبلغ زكاة الفطر إن كان يراه زهيدًا، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية أخذت برأي الإمام أبي حنيفة في جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقودًا بدلًا من الحبوب؛ تيسيرًا على الفقراء في قضاء حاجاتهم ومطالبهم، والفتوى مستقرة على ذلك.

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الهجوم الإرهابي موسكو الضحايا والمصابين مفتی الجمهوریة زکاة الفطر إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل غير الأوكرانيون قواعد الحرب الجوية بعد حرق الطائرات الروسية؟

"لا تُعد الطائرات الحربية في مأمن لمجرد أن قواعدها الجوية بعيدة عن جبهة القتال. فالطائرات المسيرة المهاجمة قد تُطلق من شاحنة قرب سور القاعدة"، مركز راند، 2021.

وفي ساحات المعارك القديمة، كانت الجيوش تبني القلاع وتعتمد على ارتفاع الأسوار وسماكة الجدران. لكن مع تطور الأسلحة وتكتيكات الهجوم، كثيرا ما تحولت القلاع نفسها إلى مقابر لمن فيها. ومطلع يونيو/حزيران 2025، أعادت الطائرات المسيرة الأوكرانية في الأجواء الروسية سرد هذه القصة بلغة جديدة، لكن بمعنى قديم: ليس كل ما يبدو محصّنًا فهو آمن، ولا كل ما هو جاثم في قواعد جوية يقدر على النجاة من طنينٍ واهن.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا يتجنب بوتين إطلاق المارد النووي على أوكرانيا؟list 2 of 2"سر العنكبوت".. كيف تمكنت أوكرانيا من ضرب الطائرات في العمق الروسي؟end of list

وفي ذلك اليوم، لم يكن هناك صوت للطائرات القاذفة، ولا وميض للصواريخ بعيدة المدى، فقط صمت ثقيل خرقه أزيز منخفض سرعان ما تحول إلى كرات لهب تضرب 4 قواعد جوية روسية على الأقل تمتد على مساحات جغرافية شاسعة، من قاعدة أولينيا الجوية على بعد 150 كيلو مترا من الحدود الروسية الفنلندية، إلى مطار بيلايا في سيبيريا على بعد 4500 كيلو متر من الحدود الروسية الأوكرانية، فضلا عن قاعدتين جويتين بالقرب من العاصمة موسكو.

وخلال ساعات انتشرت صور مفاجئة، قاذفات محترقة، مدارج مدمّرة، ولم يكن الهجوم صاروخيًا، ولا منسوبًا إلى قوى عظمى، بل نُفِّذ بطائرات مسيرة صغيرة. وأعلن الرئيس الأوكراني بنفسه أن بلاده نفذت عملية تُدعى "شبكة العنكبوت" بنحو 117 طائرة مسيرة نُقلت إلى الأراضي الروسية بواسطة شاحنات، بعد تخطيط استمر عاما ونصف العام، وافتخر بأن الهجوم أسفر عن تدمير وإعطاب نحو 34% من الطائرات الإستراتيجية الروسية التي تحمل صواريخ كروز.

إعلان

ولقد حافظت روسيا منذ وراثتها للاتحاد السوفياتي على بنية عسكرية تقليدية ترى في القواعد الجوية حجر الزاوية لهيبتها الإستراتيجية. فبفضل قاذفاتها بعيدة المدى من طراز "تي يو-95″ (Tu-95) و"تي بيو-160" (Tu-160) والطائرات الإستراتيجية المزودة بصواريخ كروز، ظلت موسكو تبني جزءا كبيرا من ردعها النووي والتقليدي على قدراتها الجوية المنطلقة من عمق جغرافي محصّن. وافترضت عقيدة الدفاع الجوي الروسية أن العمق الإستراتيجي الواسع والتكامل بين الدفاعات الجوية كفيلان بتحصين هذه القواعد من أي تهديد جوي مباشر.

ولم تكن الضربة مفاجئة في مداها وجرأتها فحسب، بل في طبيعتها النوعية التي كشفت عن تحوّل عميق في منطق الحرب الجوية. فقد استخدمت أوكرانيا وسائل تكنولوجية زهيدة الكلفة لتدمير أهداف عالية الرمزية والمكانة، وأثبتت أن الدفاع الجوي الروسي، رغم سمعته البراقة وتسليحه المعقّد، لم يتطوّر لمواجهة التهديدات الجديدة.

ولم يكن ما جرى مجرد خرق أمني، بل هو انهيار مدو لنموذج الردع الجوي التقليدي، فقد تعرّض أمن القواعد الجوية الروسية لصفعة مدوية، لا لقلة تجهيزاتها، بل لأنها عجزت عن حماية نفسها من نمط حرب تجاوز المألوف، وكشف هشاشة الردع حين لا يُواكب التهديد.

وهنا تبدأ القصة الأعمق: لماذا بدت روسيا عاجزة عن حماية قواعدها؟ وهل ما جرى يُنذر بنهاية عصر "القاعدة الجوية المحصنة" في الحرب الحديثة؟

القاذفة الإستراتيجية الروسية من طراز توبوليف (تو-160) (رويترز) مركز راند والاستشراف المبكر

على امتداد القرن العشرين، مثّلت القواعد الجوية مراكز ثقل في العقائد العسكرية للقوى العظمى. فمن مطارات بيرل هاربر الأميركية -التي فجّرت الحرب في المحيط الهادي ودفعت واشنطن لخوض الحرب العالمية الثانية، إلى قواعد الناتو المحصّنة في أوروبا الغربية- كانت القواعد الجوية دوماً محاور ارتكاز تعزز القدرة على المبادرة، ونقل الحرب إلى أراضي الخصوم، وردعهم قبل أن يقتربوا من أراضي الدولة المدافعة.

إعلان

وقد أسهمت الثورة في الشؤون العسكرية منذ تسعينيات القرن الماضي، بما فيها الدقة العالية والتفوق الجوي للقوى الكبرى، في جعل القواعد الجوية من الأصول التي تُبنى حولها الإستراتيجية وليس مجرد كونها أدوات لوجستية لخدمة العمليات.

ولكن مع دخول الحروب المعاصرة في طور اللامركزية واللا تناظر، أصبحت القواعد الجوية أهدافًا مكشوفة على مدار الساعة، تحت تهديد مستمر من مسيّرات صغيرة ورخيصة قادرة على إحراج إمبراطوريات دفاعية تتكلف مليارات الدولارات.

ودفع هذا التحول مراكز التفكير العسكري، وعلى رأسها مركز راند التابع للقوات الجوية الأميركية، إلى دراسة احتماليات انهيار الدفاعات الجوية التقليدية، والتحديات الكامنة في الدفاع عن القواعد الجوية عبر دراسة نقاط ضعفها، وإعادة التفكير في تموضعها وهيكليتها وتوزيعها.

وتبرز خلاصة مكثفة تُجمع عليها دراسات راند العديدة التي تناولت الموضوع، وهي أن الاعتماد على قواعد جوية مركزية وكبيرة وثابتة يمثل مخاطرة إستراتيجية. فهذه القواعد، رغم قدرتها على تشغيل عدد كبير من الطائرات وتوفير لوجستيات عالية الكفاءة، تتحول إلى أهداف مثالية لهجوم من الأعداء يستخدم وسائل دقيقة أو يصعب رصدها، مثل المسيّرات الصغيرة أو الصواريخ منخفضة التوقيع الراداري.

وإحدى أكثر الطروحات إثارة في دراسات راند تتمثل في التحذير من التهديدات "من الداخل" سواء أكانت عبر نشر طائرات مسيرة في مناطق قريبة من القواعد الجوية، أو من خلال استخدام مدنيين أو مقاتلين غير نظاميين لإطلاق هجمات مباغتة.

ففي تقرير بعنوان "الدفاع عن القواعد الجوية في عصر الطائرات المسيّرة الصغيرة" صدر عام 2021، حذر الخبراء من أن صغر حجم الطائرات المسيرة وانخفاض تكلفتها يجعلها أداة مثالية للهجوم داخل العمق، لا سيما إذا جرى إطلاقها من مسافات قريبة يصعب على الدفاعات التقليدية التعامل معها.

وفي تقرير آخر صدر عام 2020 بعنوان "الدفاع عن القواعد الجوية: إعادة التفكير في بيئة التهديدات" يحذّر مركز راند من أن منطق "الكتلة الفعّالة" الذي لطالما حكم تشغيل القواعد الجوية الكبرى لم يعد ملائمًا في بيئة قتالية باتت مشبعة بأنظمة الاستشعار الدقيقة والقدرات الهجومية بعيدة المدى.

ففي زمن يمكن فيه لصاروخ واحد أن يشلّ مدرجًا أو يدمّر حظيرة طائرات رئيسية داخل قاعدة مترامية، تتحول وفرة الإمكانات إلى مكمن هشاشة، ويغدو الاعتماد على قاعدة واحدة ضخمة نقطة ضعف إستراتيجية فادحة، لا مصدرًا للقوة.

إعلان

وبالتالي دعا التقرير إلى المزج بين الدفاع النشط بواسطة أنظمة الدفاع الجوي، والدفاع السلبي بواسطة إخفاء الطائرات، وتوزيعها، واستخدام منشآت مموهة، وهو ما لم تفعله روسيا حسب المقاطع المصورة التي تظهر الهجوم الأوكراني، حيث تظهر الطائرات الروسية جاثمة على مدارج الطيران دون حماية أو تمويه.

وكل ما قيل في أدبيات راند بدا وكأنه توقع نظري بعيد، حتى جاء الهجوم الأوكراني الأخير ليثبت -على نحو صادم- أن أكثر التهديدات احتمالا لم يعد افتراضًا أكاديميًا، بل أصبح واقعًا ميدانيًا يعيد تشكيل خرائط القوة في الحرب المعاصرة.

رسائل الهجوم الأوكراني على القواعد الجوية الروسية

لم يكن الهجوم الأوكراني في يونيو/حزيران 2025 على 5 قواعد جوية تعتبر أعمدة أساسية في منظومة الردع والقدرة الجوية الروسية، مجرد تصعيد تكتيكي، بل يمكن اعتباره تحولا نوعيا في نمط الحرب التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا منذ عام 2022. إذ شكّل هذا الهجوم أول محاولة متكاملة لتقويض الردع الجوي الروسي داخل العمق الإستراتيجي، باستخدام وسائل غير تقليدية، في استعراض بالغ الجرأة والتخطيط المحكم.

واعتمد الهجوم الأوكراني على مزيج متقن من الطائرات المسيّرة صغيرة الحجم التي تم تهريبها إلى داخل روسيا، وإطلاقها بواسطة شاحنات مموهة من مسافات قريبة للغاية من محيط القواعد المستهدفة، وضمن موجات هجوم متزامنة لإرباك الدفاعات الجوية الروسية.

ورغم الجدل حول حجم الإصابات: هل هي 41 طائرة روسية كما تقول الاستخبارات العسكرية أوكرانية؟ أم الأمر يقتصر على 13 طائرة وفق ما أوردته واشنطن بوست نقلا عن صور أقمار صناعية ومقاطع فيديو؟ فقد أرسلت أوكرانيا عدة رسائل بواسطة الهجوم المذكور، من أبرزها أن المعركة لم تعد حدودية، بل دخلت عمق روسيا، حيث يُفترض أن تكون المناطق الأكثر تحصينًا، كما أثبتت أنه في الحرب يمكن موازنة تفوق الخصم عبر تكتيكات مرنة تُبطل معادلات التوازن القديمة.

إعلان

وربما كانت الخسارة الأهم هي النفسية والسياسية، فقد اهتزت صورة السماء المحمية التي روّجت لها موسكو، لا أمام أوكرانيا فقط، بل أمام حلف الناتو وكذلك الدول الصديقة التي تراقب قدرة روسيا على الدفاع عن نفسها.

وتلك المعاني أكدت عليها دراسة نشرها مركز راند عام 2022 بعنوان "القوة الجوية تحت الحصار" حيث ركزت على أن ضرب القواعد الجوية لا يُقصد به فقط تدمير الطائرات، بل أيضًا هزّ معنويات الخصم، وتفكيك ثقته في سيطرته الجوية، وتقويض ثقة الجنود والقادة في قدرة الدولة على حمايتهم، وهو ما فعلته أوكرانيا بمهارة. فقد تداولت وسائل الإعلام مشاهد الحريق داخل الأراضي الروسية، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع الانفجارات، مما حول العملية من إنجاز عسكري إلى صفعة مدوية لهيبة الردع الروسي.

ولقد أثبت الهجوم الأوكراني أن الحماية لا تكمن فقط في العمق الجغرافي أو في كثافة الدفاعات، بل في المرونة والتفكير غير النمطي. ولعلّ هذا ما يجعل الهجوم يُقرأ، لا كعملية عسكرية وأمنية ناجحة فحسب، بل كإعادة تشكيل عميقة لعقيدة الردع في زمن الحرب اللامتناظرة.

رئيس هيئة الأمن الأوكرانية فاسيل ماليوك وهو ينظر إلى خريطة تُظهر قاعدة جوية عسكرية روسية في 1 يونيو/حزيران 2025. (الفرنسية) كيف تفسر دراسات راند ما حدث؟

لو تحدث خبراء مركز راند عن الهجوم الأوكراني على القواعد الجوية الروسية، فسيقولون "لقد تحقق السيناريو الذي حذرنا منه، لكن في روسيا هذه المرة، لا في المحيط الهادي أو الخليج." فقد قدّمت العملية الأوكرانية تطبيقًا شبه مثالي لما أشارت إليه دراساتهم حول هشاشة القواعد الجوية الكبرى في بيئة القتال الحديثة.

ففي دراسة "الدفاع عن القواعد الجوية في عصر الطائرات المسيّرة الصغيرة" ورد تحذير واضح يقول "التكلفة الهجومية للمسيّرات تنخفض باطراد، بينما تظل تكلفة الدفاع قائمة على أنظمة باهظة. العدو الذكي سيهاجمك بأدوات رخيصة تُنهك دفاعاتك المكلفة".

إعلان

وأضافت دراسة أخرى أن "القاعدة الكبيرة هدف يمكن رصده ومراقبته بالأقمار الصناعية، وتعطيله بصاروخ، وتحييده بأداة غير مكلفة. وكلما كبُرت، ازدادت هشاشتها أمام عدو غير متماثل". وهذا ما جسّده الهجوم الأوكراني حرفيًا.

كما أكد مركز راند مرارًا أن الدفاع النشط كالمدفعية المضادة للطائرات أو أنظمة الدفاع الجوي لا يمكنها وحدها ردع هجمات غير متماثلة تأتي من عدة محاور باستخدام أدوات هجومية بسيطة. فأين كانت أنظمة "إس-400" أو بانتسير الروسية عندما تسللت المسيّرات؟ بعضها رُصد بعد الهجوم فقط، والبعض الآخر لم يُفعّل لعدم وجود إنذار كافٍ، فأوكرانيا لم تطلق المسيّرات من كييف، بل من مسافات قريبة جدًا من القواعد الجوية الروسية، وفي بعض الأحيان من مناطق لا تخضع لمراقبة عسكرية فعالة.

ولقد اختارت روسيا لأسباب -تتعلق بالعقيدة والتقاليد والهياكل البيروقراطية– أن تبقي قواعدها الجوية أشبه ما تكون بقلاع إسمنتية مكشوفة للعين. وهنا، يظهر الخلل في فهم "الردع" فحين يُبنى على الاستعراض، لا على حسابات التطور التقني، يصبح هشًا أمام خصم يمتلك الإرادة والمبادرة، حتى ولو لم يمتلك الميزانية ولا القوة الكاملة.

هجوم لا يحسم الصراع

يثبت الهجوم الأوكراني أن منطق الحرب تغيّر. فلم يعد التفوق في عدد الطائرات أو حجم القواعد أو تطور الرادارات كافيًا. بل المهم هو التفكير الابتكاري المصمم على تقويض قواعد اللعبة. وأوضح أن الردع الجوي كما عرفناه خلال قرن كامل ينهار أمام الجميع، ويُستبدل بمنطق جديد يخلط التكنولوجيا المنخفضة بالضربات الدقيقة.

إن الهجوم على القواعد الجوية الإستراتيجية في عمق البلاد رغم خطورته، لكنه لا يغيّر موازين القوى العسكرية بين ليلة وضحاها، فهو يحدث تآكلًا بطيئًا في ثقة روسيا بمفاهيم الردع والعمق الإستراتيجي، وقد يساهم في إعادة رسم العقيدة العسكرية الروسية نفسها في مرحلة ما بعد الحرب.

إعلان

وفي المقابل لدى موسكو خيارات عديدة للرد، من قبيل تكثيف الضربات الصاروخية على المدن والمطارات والقواعد العسكرية الأوكرانية والبنية التحتية، كرد انتقامي يهدف إلى إظهار أن كلفة استهداف العمق الروسي موجعة، أو حتى تنفيذ هجمات نوعية في العمق الأوكراني تستهدف مراكز قيادة أو مستشارين عسكريين أجانب.

وما بعد هذا الهجوم، لا يخص روسيا فقط، بل يشمل كل دولة تعتمد بشكل كبير على قوتها الجوية وقواعدها الثابتة. فإذا كانت القاذفات الإستراتيجية الروسية قد ضُربت في عمق العمق، فما الذي يمنع تكرار السيناريو أو محاكاته في مواقع أخرى؟

وفي الختام، لم تعد السيطرة على السماء تعني فقط التحليق عاليًا بطائرات أسرع من الصوت، أو نشر بطاريات الدفاع الجوي على امتداد الجبهات. لقد أصبحت السماء نفسها ميدانًا متغيرًا، تتحكم فيه رقائق إلكترونية وطائرات مسيرة. وفي هذا الميدان الجديد لم يعد السؤال: من يسيطر على السماء؟ بل من يُدرك أن السماء تغيّرت؟

مقالات مشابهة

  • هل غير الأوكرانيون قواعد الحرب الجوية بعد حرق الطائرات الروسية؟
  • مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بعيد الأضحى
  • رسالة مهمة من مفتي الجمهورية للمتخاصمين قبل عيد الأضحى 2025
  • مفتي الجمهورية يحسم جدل حكم صلاة العيد للنساء في الشارع
  • مفتي الجمهورية يوجه رسالة مهمة لحجاج بيت الله الحرام- فيديو
  • البابا تواضروس يهنئ مفتي الجمهورية بعيد الأضحى
  • مفتي الجمهورية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بـ عيد الأضحى المبارك
  • مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بعيد الأضحى
  • مفتي الجمهورية: بناء الوعي لدى الشباب ليس خيارا بل ضرورة وطنية
  • رئيس الجمهورية استقبل هيل وساويرس وتسلّم دعوة بوتين لقمة موسكو