2024 عام مفصلي أمام الشراكات الشاملة لكبح الهجرة غير النظامية
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
يرى الاتحاد الأوروبي أن عقد اتفاقات "شراكة شاملة" مع دول المنشأ للمهاجرين غير النظاميين هو الطريقة المثلى لاحتواء التدفقات الكبيرة للهجرة نحو السواحل الأوروبية.
ومع ذلك، تتوقع وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتيكس) أن يكون 2024 عاما صعبا، في ظل تطور تكتيكات مهربي البشر في البحر، واتساع رغبة الفرار الجماعي من مناطق النزاعات والأزمات الاقتصادية.
ينطلق الاتحاد الأوروبي في خططه من نموذج الاتفاق الموقع مع تركيا في 2016 والذي مكّن من خفض أعداد الوافدين إلى دول التكتل بصفة ملحوظة عقب التدفق الكبير والقياسي للاجئين (حوالي مليون لاجئ) في عام 2015 بسبب الأزمة في سوريا بشكل خاص.
وتشير بيانات وكالة حماية الحدود الأوروبية إلى ارتفاع كبير في معدلات الهجرة غير النظامية في 2023، مما يبرر مساعي الاتحاد الأوروبي لتعميم نموذج اتفاقات الشراكة، مع تسجيل عبور 420 ألف شخص خارج حدود بلدانهم، بجانب ارتفاع في وتيرة تدفق الفئات الضعيفة، بما في ذلك النساء والأطفال.
عائدات الموت
ووفق تقديرات المفوضية الأوروبية، فإن أكثر من 90% من المهاجرين غير النظاميين يعتمدون خدمات المهربين لاجتياز الحدود، وتقدر المفوضية أن شبكات التهريب تحقق أرباحا تتراوح بين 4.7 و6 مليارات يورو سنويا (1 يورو = 1.08 دولار) في جميع أنحاء العالم.
لكن كلفة تلك التدفقات في 2023 كانت الأكثر مأساوية منذ العام 2017 مع تسجيل وفاة وفقدان 3150 شخصا في البحر، من بينهم 161 طفلا و104 من النساء، بحسب بيانات منصة "مفقودين" التابعة للمنظمة الدولية للهجرة.
ولا تزال وتيرة الموت وفقدان المهاجرين مستمرة في 2024، على الرغم من تشديد مسؤولي المفوضية الأوروبية على تفادي المزيد من الوفيات في المقام الأول في مفاوضات الاتفاقيات الشاملة.
وتم إحصاء 396 شخصا من بين الضحايا والمفقودين منذ بداية 2024 وحتى منتصف مارس/آذار 2024، بحسب منصة "مفقودين".
ويتوقع محللو فرونتيكس في تقرير صدر مؤخرا أن تظل الهجرة غير النظامية بمثابة التحدي الكبير والمؤرق في عام 2024. ويحث التقرير إدارة الحدود الأوروبية على الاستعداد لمواجهة بيئة جيوسياسية معقدة هذا العام، مع احتمال زيادة الهجرة والجريمة عبر الحدود.
ويرجح التقرير أن تؤثر هذه التحديات على طرق الهجرة وسط وشرق البحر الأبيض المتوسط. ومن الممكن، وفق التقرير، أن يزيد الضغط على طرق الهجرة غرب البلقان.
الطريق البديل الى جزر الكناري
بعيدا عن تلك التقديرات، بدأت التحولات الفعلية من غرب أفريقيا، و"كانت تونس مثلا منطقة عبور رئيسية في 2023 لكنها لم تكن كذلك قبل هذا التاريخ، وحلت بديلا عن سواحل ليبيا التي شددت قبضتها الأمنية، وعن السواحل اليونانية شرق المتوسط. والآن تحولت موجات الهجرة إلى سواحل غرب أفريقيا نحو جزر الكناري كطريق بديل"، وفق الخبير رمضان بن عمر، وهو عضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يهتم بقضايا الهجرة واللجوء.
في شهري يناير/كانون الثاني وشباط/فبراير 2024، شهدت أعداد الوافدين غير النظاميين من غرب أفريقيا ارتفاعا قياسيا على أساس سنوي بلغت نسبته 541%، مع توافد أكثر من 12 ألف مهاجر -أغلبهم من مالي والسنغال وموريتانيا- على جزر الكناري، وفق فرونتيكس.
وتعد هذه الزيادة الإجمالية الأعلى منذ بدء الوكالة الأوروبية في جمع البيانات عام 2011. ويأتي الإعلان عنها بعد أيام فقط من توقيع المفوضية الأوروبية اتفاق الشراكة الشاملة مع موريتانيا بتمويلات تصل إلى 500 مليون يورو، بالإضافة إلى تمويلات بقيمة 210 ملايين يورو موجهة لدعم جهود استقبال اللاجئين وفرص التشغيل للشباب والبنية التحتية ودعم الأمن والاستقرار.
وتساور الشكوك المنظمات الحقوقية بشأن مدى فعالية الاتفاق في الحد من التدفقات على المدى المتوسط، كونه ليس الاتفاق الأول من نوعه الذي تبرمه أوروبا وموريتانيا. فقد وقع الطرفان برنامج تعاون على مدى ثلاث سنوات في 2021 وينتهي في سبتمبر/أيلول 2024، يتضمن تمويلات لدعم قدرات الأجهزة الأمنية والقضائية في مكافحة عصابات مهربي البشر.
كما ترتبط موريتانيا أيضا بـ"اتفاقية مدريد" الموقعة منذ 2003 مع إسبانيا (تم تجديدها في 2019)، وتنص على اعتراض المهاجرين من شواطئ نواذيبو العاصمة الاقتصادية لموريتانيا نحو جزر الكناري. لكن الزيادات في أعداد الوافدين هربا من الفقر تسير عكس الأهداف المسطرة للاتفاقيات.
وعلى العموم، لا يلقى اتفاق الشراكة ترحيبا من الطبقة السياسية والمجتمع المدني، فهناك مخاوف من أن يمهد لإدماج وتوطين فعلي لعشرات الآلاف من الوافدين من دول غرب أفريقيا، بما يهدد التركيبة السكانية للمجتمعات المحلية ويلقي بتداعيات إضافية على اقتصاد البلاد.
ويعتقد هؤلاء في بيان احتجاجي مشترك أن "الاتفاق لا يشكل فقط تهديدا إقليميا لموريتانيا ولكن أيضا للمصالح العليا للأمة"، لافتين إلى أن "التورط في هذا الاتفاق لا يمكن تحمل تبعاته، كما من شأنه أن يدفع البلاد إلى عدم الاستقرار".
وحذرت حركة "كفانا" المدنيّة من تحويل موريتانيا إلى "وطن بديل للمهاجرين غير النظاميين"، وطالبت بإلغاء الاتفاق.
نجاح "مؤقت وخادع"
تؤشر الزيادة في تدفقات المهاجرين عبر سواحل المحيط الأطلسي على تغير متوقع للطرق البحرية لتهريب البشر، مع تشديد تونس القيود الأمنية على أنشطة القوارب على طول سواحلها، ولا سيما بصفاقس التي تعد منصة عبور رئيسية نحو سواحل الجزر الإيطالية.
نجح الحرس البحري التونسي في خفض موجات الهجرة المنطلقة من السواحل بشكل كبير مع بداية 2024، مقارنة بتدفقات 2023 القياسية التي شهدت وصول أكثر من 150 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية. ثلثا هذه الأعداد قدموا من سواحل تونس.
وأوضحت بيانات فرونتيكس هبوط أعداد الوافدين عبر المنطقة الوسطى للبحر الأبيض المتوسط، التي تضم بالأساس سواحل تونس وليبيا، بنحو 70% في الشهرين الأولين لعام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
وينظر إلى هذه البيانات في الاتحاد الأوروبي كمؤشر على فعالية مذكرة التفاهم الممهدة لاتفاق الشراكة، التي وقعتها المفوضية الأوروبية مع تونس في يوليو/تموز 2023، وهي تشمل تمويلات بـ105 ملايين يورو موجهة لقطاع الحرس البحري و150 مليون يورو لدعم موازنة الدولة.
ويقول الخبير بن عمر للجزيرة نت "مكنت الصبغة الأمنية للشراكة من الحدّ من موجات الهجرة، لكن هذا النجاح مؤقت وخادع. ومن المتوقع أن تشهد أعداد المهاجرين طفرة في الأشهر القادمة -مع استقرار عامل المناخ- لا سيما من قبل التونسيين بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وحالة الإحباط العامة وتزايد قيود السلطة على الحريات".
ومن أسباب الزيادة المتوقعة أيضا، وفق الخبير بن عمر، أن مواقع هجرة التونسيين على سواحل البلاد تختلف عن مواقع هجرة الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. كما أن مهربي البشر ليسوا هم أنفسهم، والتكتيكات المتبعة مختلفة. ويضاف إلى ذلك تركيز السلطات الأمنية بصفة كبرى على مكافحة هجرة مواطني جنوب الصحراء.
ورغم تحقيق نتائج ملموسة في خفض أعداد المهاجرين الواصلين إلى سواحل إيطاليا، فإنه ليس واضحا إلى أي مدى سيصمد اتفاق الشراكة، لجهة أن مذكرة التفاهم الأولى تضمنت تعهدات مالية بقيمة 900 مليون يورو موجهة للاستثمار لإنعاش الاقتصاد التونسي، لكن تم ربطها باتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي حول برنامج قرض بقيمة 1.9 مليار دولار. ولا يزال هذا الاتفاق معلقا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022 بسبب خلافات حول حزمة الإصلاحات المطلوبة.
مسار متعثر على حساب الديمقراطية
مر اتفاق الشراكة أيضا بمسار متعثر وبخلافات في وجهات النظر بين الجانبين بشأن صرف التعهدات المالية التي تحتاجها تونس بشدة لتوفير سيولة لخزينة الدولة.
وفي خطوة تصعيدية، رفضت تونس تمويلا بقيمة 60 مليون يورو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لأنه لا يستجيب لبنود المذكرة.
لكن تم تجاوز هذا التصعيد في مارس/آذار 2024 بصرف الاتحاد 150 مليون يورو لدعم موازنة تونس في إطار تطبيق بنود المذكرة، وتحديدا ضمن برنامج دعم الإصلاحات الاقتصادية الكلية الذي أطلق عليه اسم "بارم" والمُصادق عليه من طرف الاتحاد الأوروبي وتونس خلال ديسمبر/كانون الأول 2023.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن "الاتحاد الأوروبي يحافظ على التزامه تجاه تونس ويصرف 150 مليون يورو لدعم الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار المالي. هذه خطوة مهمة في التفاهم المشترك الذي توصلنا إليه العام الماضي، وإنجاز كبير لشراكتنا".
بالنسبة للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، فإن الاتفاق لا يجد قبولا لديهما، ليس فقط بسبب التضييق على مبدأ حرية التنقل، ولكن أيضا للمسار الذي اتبعه.
ويرى الخبير رمضان بن عمر، في حديث للجزيرة نت، أن "مثل هذه الاتفاقات تأتي في سياقات سياسية محددة. وفي تونس مثلا لم يمر الاتفاق بمؤسسات دستورية مثل البرلمان ولكنه حصل رأسا مع رئاسة الجمهورية".
ويضيف الخبير في ملاحظته أن "الاتفاق أعطى مشروعية لقمع النظام للمعارضة السياسية، ومن جهة أخرى أعطى مشروعية لموت المهاجرين قبالة السواحل التونسية وأعمال العنف والممارسات العنصرية التي طالت مهاجرين في عدد من المدن".
المال لتحفيز مصر
وقع الاتحاد الأوروبي اتفاق شراكة مماثلا مع مصر في 17 مارس/آذار 2024، لكن في سياق مختلف حيث تمكنت مصر -على عكس تونس- من توسيع اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي إلى 8 مليارات دولار من 3 مليارات دولار، تم توقيعه في ديسمبر/كانون الأول 2022.
تبلغ القيمة الإجمالية للتمويلات الأوروبية في اتفاق الشراكة 7.4 مليارات يورو بهدف إنعاش اقتصاد مصر المتعثر. من بين تلك التمويلات 200 مليون يورو موجهة لجهود مكافحة الهجرة غير النظامية.
وفي مسعى لتفادي صعوبات مماثلة في تطبيق المذكرة مع تونس، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في المفوضية الأوروبية أن تمويلا طارئا قدره مليار يورو من ضمن الأموال المخصصة سيصرف هذا العام لمصر، في حين ستحتاج 4 مليارات يورو أخرى موافقة البرلمان الأوروبي.
يأتي الاتفاق في وقت كشفت فيه بيانات الوكالة الأوروبية لحماية الحدود (فرونتيكس) عن ارتفاع تدفقات الهجرة عبر الطرق البحرية شرق الاتحاد الأوروبي بنسبة 117% في الشهرين الأولين من عام 2024، مقارنة بالفترة نفسها من 2023.
ومع أن مصر نجحت في كبح موجات الهجرة غير النظامية بشكل كبير منذ 2016، فإن نسبة المصريين الوافدين عبر سواحل ليبيا والواصلين إلى سواحل اليونان لا تزال في مستوى عال تحت وطأة الأزمة الاقتصادية.
والمصريون من بين الجنسيات الثلاث الأكثر تدفقا على السواحل الشرقية للاتحاد الأوروبي، إلى جانب الأفغان والسوريين، وفق فرونتيكس.
الشراكة أفضل طريقة
وفي حين يقول الاتحاد الأوروبي إن شراكته الموسعة مع مصر تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والحريات، فإن تحركاته لتقديم التمويل مقابل فرض قيود على الهجرة في بلدان أخرى، منها تونس، واجهت عقبات وانتقادات.
وعلقت منظمة هيومن رايتس ووتش على الخطة بأنها لا تختلف عن "اتفاقيات الاتحاد الأوروبي المعيبة مع تونس وموريتانيا، إذ تضع وقف تدفق المهاجرين مقابل تجاهل الانتهاكات".
وأعربت أيضا رئيسة لجنة تلقي الشكاوى في الاتحاد الأوروبي إميلي أورايلي عن قلقها إزاء فحوى الاتفاق الجديد والغموض الذي يكتنف بعض بنوده، مشيرة إلى أنه لا يوفر ضمانات لحقوق الإنسان.
ويقول الخبير بن عمر للجزيرة نت "يناقض الاتحاد الأوروبي نفسه، فمن جهة يسوق لشراكات تقوم على التعاون والتنمية والاستثمار، ومن جهة أخرى يربط تلك الشراكات بتقييم تدفقات الهجرة".
وفي تقدير الخبير، فإن مثل هذه الاتفاقات لطالما أظهرت عدم صمودها في السابق، بدليل أن الاتفاق الأول مع تركيا مر بفترات متباينة رغم نجاحه في تقليص أعداد المهاجرين.
ومع ذلك، فإن من المتوقع أن يواصل التكتل الأوروبي جهوده لوقف الهجرة غير النظامية من الشرق الأوسط وأفريقيا، خاصة وأن الهجرة تشكل مصدر قلق رئيسي للناخبين في الفترة التي تسبق انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.
وقالت زعيمة حزب "أخوة إيطاليا" اليميني المتطرف ورئيسة الوزراء جورجيا ميلوني إن مثل هذه الاتفاقيات هي "أفضل طريقة للتصدي لتدفق المهاجرين".
وتعول أحزاب اليمين المتطرف في أرجاء أوروبا -والتي بنت خطاباتها في الانتخابات الوطنية على معاداة هجرة الأجانب مثل حزب "أخوة إيطاليا"- على إحداث اختراق تاريخي في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا العام وضمان أكبر عدد من المقاعد لها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الهجرة غیر النظامیة المفوضیة الأوروبیة الاتحاد الأوروبی أعداد الوافدین غیر النظامیین اتفاق الشراکة موجات الهجرة جزر الکناری غرب أفریقیا ملیون یورو من بین بن عمر
إقرأ أيضاً:
بريطانيا تعيد بناء علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي لما بعد بريكست
لندن "أ ف ب": أبرمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اليوم اتفاقا غير مسبوق يحدد ملامح علاقات أوثق بينهما في مجالي الدفاع والتجارة ويفتح فصلا جديدا بعد خروج المملكة المتحدة المثير للجدل من التكتل قبل خمس سنوات.
وقال ستارمر إن الاتفاق الذي وصفه بأنه منصف، "يمثل بداية عصر جديد في علاقتنا ... نحن نتفق على شراكة استراتيجية جديدة تناسب متطلبات زمننا".
وقال ستارمر خلال مؤتمر صحافي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إنه "اتفاق جيد للطرفين".
ومن المفترض أن تؤدي شراكة الدفاع إلى إجراء محادثات أمنية بشكل أكثر انتظاما، واحتمال مشاركة بريطانيا في بعثات عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي، فضلا عن إمكانية استفادة لندن الكاملة من صندوق دفاع بقيمة 150 مليار يورو (167 مليار دولار) اتفقت دول التكتل على إنشائه.
واتفق الجانبان على رفع القيود المفروضة على الصادرات البريطانية إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، مقابل تمديد بريطانيا حقوق الصيد للاتحاد الأوروبي في مياهها الإقليمية لمدة 12 عاما إضافيا.
وأضاف ستارمر أن المملكة المتحدة ستجني "فوائد حقيقية وملموسة" في مجالات مثل "الأمن والهجرة غير النظامية وأسعار الطاقة والمنتجات الزراعية والغذائية والتجارة"، بالإضافة إلى "خفض الفواتير وتوفير فرص العمل وحماية حدودنا".
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية "هذا يوم مهم لأننا نطوي الصفحة ونفتح فصلا جديدا. هذا أمر بالغ الأهمية في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، لأننا نتشارك في الرؤية والقيم نفسها".
وأشار دبلوماسيون أوروبيون إلى أن الاتفاق جاء بعد مفاوضات جرت خلال الليل وتم خلالها تجاوز الخلافات في قضايا رئيسية.
استسلام
وقالت المملكة المتحدة إن الاتفاق الاقتصادي الجديد مع الاتحاد الأوروبي يخفف من إجراءات التفتيش الجمركي على المنتجات الغذائية والنباتية، بما يسمح "من جديد بحرية تدفق السلع".
وأضافت رئاسة الحكومة البريطانية (داونينغ ستريت) في بيان أن هذا الاتفاق سيضيف "ما يقرب من 9 مليارات جنيه إسترليني" (12 مليار دولار) إلى الاقتصاد البريطاني بحلول عام 2040.
رأت حكومة العمال بزعامة ستارمر أن الاتفاق الذي أبرمته حكومة المحافظين السابقة "لا يخدم مصالح أي طرف".
لكن ستارمر، الذي تولى رئاسة الوزراء عقب انتخابات يوليو الماضي رسم عدة خطوط حمراء قال إنه لن يتجاوزها.
وبقيت نقاط شائكة حول بعض مطالب الاتحاد الأوروبي، فيما ينتقد المحافظون خطوة "إعادة تنظيم" العلاقات باعتبارها "استسلاما".
ووقع الجانبان اتفاق "الشراكة الأمنية والدفاعية" في ختام الاجتماع الذي ضم الاثنين إلى ستارمر وفون دير لايين، رئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد كايا كالاس.
وتم التوقيع كذلك على بيان مشترك بشأن التضامن الأوروبي ووثيقة تفاهم بشأن قضايا تتراوح من التجارة إلى الصيد وتنقل الشباب.
بموجب الاتفاق النهائي، تُبقي بريطانيا مياهها مفتوحة أمام الصيادين الأوروبيين لمدة 12 عامًا بعد انتهاء صلاحية الاتفاق الحالي في عام 2026، مقابل تخفيف دول الاتحاد السبع والعشرين القيود البيروقراطية على واردات السلع الغذائية من المملكة المتحدة إلى أجل غير مسمى.
ومن شأن الاتفاق "أن يؤدي إلى تنفيذ الغالبية العظمى من عمليات نقل الحيوانات ومنتجاتها والنباتات ومنتجاتها بين بريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى الشهادات أو إجراءات الرقابة المعمول بها حاليا".
وفيما يتعلق بمسألة تنقل الشباب، اتفق المفاوضون على صياغة عامة تُؤجل المساومة إلى وقت لاحق. وتخشى لندن أن يُؤدي أي برنامج لتنقل الشباب إلى عودة حرية التنقل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
ورفض ستارمر العودة إلى حرية الحركة الكاملة، لكنه منفتح على برنامج تنقل يتيح لبعض الشباب البريطانيين والأوروبيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا الدراسة والعمل في المملكة المتحدة وبالعكس.
وستارمر، الذي تعهّد بمواجهة تصاعد الهجرة غير النظامية، يتعامل مع هذا الملف بحذر في ظل صعود حزب "إصلاح المملكة المتحدة" (ريفورم يو كي) اليميني المتشدد، المناهض للهجرة والاتحاد الأوروبي، بقيادة نايجل فاراج.
ظل روسيا وترامب
وتأتي المحادثات في وقت يسعى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لزيادة التسلح في مواجهة التهديد من روسيا والمخاوف من تراجع الولايات المتحدة عن المساهمة في حماية أوروبا في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن العديد من التفاصيل المتعلقة بالشراكة الدفاعية ستترك لتنجز لاحقا.
وستتطلب إزالة القيود أمام المملكة المتحدة وصناعتها الدفاعية للاستفادة من برامج الاتحاد الأوروبي مثلا، اتفاقا إضافيا.
وترتبط بريطانيا أصلًا بعلاقات دفاعية متشابكة مع 23 من دول الاتحاد الأوروبي من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لذلك تعد شراكة الدفاع الجزء الأسهل من الاتفاقات المطروحة.
وقالت أوليفيا أوسوليفان، مديرة برنامج المملكة المتحدة في العالم بمركز تشاتام هاوس للأبحاث لوكالة فرانس برس إن الاتفاق هو "الخطوة التالية نحو تعاون أوثق... لكنه لا يمثل حلا للعديد من القضايا العالقة".
بقلم بيتر هاتشينسون وجيروم كارتيلييه في بروكسل