جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-23@04:11:42 GMT

انتصرت غزة بالنقاط

تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT

انتصرت غزة بالنقاط

 

عائشة السريحية

فلسطين على امتداد التاريخ والحضارات كانت بؤرة للصراع الاستعماري، ووجود الصهاينة منذ خمسة وسبعين عامًا، ماهو إلّا بقايا الاستعمار الغربي، وإنشاء وكالة استعمارية، لإدارة وتنفيذ الخطط الاستراتيجية للاستعمار الشامل، ومخططًا بعيد المدى للتحكم بالشرق الأوسط، سواء بتجنيد قوى سياسية أو اقتصادية مؤثرة على القرارات السيادية لحكومات الشرق الأوسط وتمرير أجندات استعمارية كمشاريع ذات أبعاد حضارية واقتصادية، وتفكيك وتدمير الجيوش والقوى العربية من خلال زعزعة الأمن فيها والفتك بمقدراتها، أو تقسيم أراضيها وإشعال الفتن الطائفية والعرقية والجهوية.

المُتابع لما يحدث طيلة القرن الماضي، من أحداث سياسية وعسكرية واقتصادية في العالم الغربي والشرقي، يجد أن جميعها تسعى للسيطرة التامة على مفاصل الدول بكل أركانها، واستخدام الضغط والابتزاز السياسي، والاقتصادي، والأمني سواء أخذ الأمر وقتًا أو لم يأخذ، وفي الانفتاح المعلوماتي اليوم لم يعد باستطاعة أحد أن يخفى عليه الأجندة الصهيوغربية فالأخبار متاحة والمعلومات متاحة والتحليل متاح، والاستقراء لكل ذي عقل لبيب متاح.

وبالرغم من أن مواقف جامعة الدول العربية لم تستطع تجاوز الاعتراض، و اتخاذ أمرا حاسما يوقف الكيان المحتل، إلّا أن صفاقة هذا العدو استغلت صورة الوطن العربي كتقديمه كطرف ضعيف، لا تخشاه أو تقيم له وزنا، واستخدمت سلاح دعم أمريكا المطلق وغير المشروط كعامل تهديد لجميع دول المنطقة، بالرغم من قلقها من حزب الله في لبنان وجماعة أنصار الله في اليمن، وكذلك التحركات في سوريا والعراق، ضد أمريكا وإسرائيل كونهما طرفا مشتركا ضد المقاومة.

استشهاد عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، ليس فقط بالتفجيرات والقصف بل بالتجويع ومنع الغذاء والدواء، في قتل ممنهج تحت مرأى ومسمع الدول في العصر المتحضر أثبت مدى بشاعتهم وقبحهم أمام شعوب العالم.

ولكن هل فعلا انتصرت المقاومة؟

عودة لبداية ما استفتحت به هذا المقال عن نوع الصراع كونه غير عادل ولا اعتياديا، فإن النصر فيه لا يكون إلّا بالنقاط، وقد انتصرت فعلا المقاومة بالنقاط ومازالت رغم الألم والوجع والدم إلّا أن نقاطها تحقق انتصارا حقيقيا، وأهمها لغاية اليوم، هو أنها قد هدمت مخطط هدم المسجد الأقصى وتهويد القدس في صمت، في ظل انشغال الناس بأحداث أوكرانيا من جهة، والتطبيع مع الدول العربية من جهة أخرى، وبتكميم الأفواه في الداخل بالقتل أو الاعتقال، والعالم بالبروبغندا، ليتفاجئ العالم أن ما حدث قد حدث وأن عليهم بقبول الواقع الجديد، وإغلاق الملف الفلسطيني للأبد.

فجاء ماحدث في السابع من أكتوبر من رفض فعلي للاعتراض لما يخطط له العدو المحتل، لأن التقارير الأخبارية، والبكاء من الألم لم يكن ليسمع له أحد، وكان لابد من حركة تلفت أنظار العالم إليهم حتى وإن لم تعجب المتعاطفين مع إسرائيل، واستطاعت المقاومة أن تنعش بنقطة جديدة سجلتها في مرمى الاحتلال القضية الفلسطينية وإعادتها للسطح ولفت أنظار العالم إليها، ولكن ردة الفعل الانتقامية للصهيانة، إسرافًا في القتل والتدمير والبغي للانتقام لكبريائهم المزعوم كأعظم جيش وأقوى دولة، وحين تهشم كتهشم قلعة مبينة من الرمال بموجة صغيرة من البحر، جن جنون حكومتهم وتهافتت أدوات اللوبي الصهيوني في مراكز القوى في الدول الغربية، كالنائحات المستأجرات، لكن لم يعوا أن ما يفعلونه وإن لم يكن كله، كان هذه المرة على مرأى ومسمع شعوب العالم، الذي انتفض من أقصاه إلى أقصاه، فسارعوا للحرب الإعلامية وإغلاق الحسابات في الفيس بوك والانستغرام واليوتيوب، رغبة في إخفاء الحقيقة، إلا أن منصة إكس وبعض برامج التواصل الاجتماعي، كان بديلا فاعلا لنشر الحقيقة، وكذلك القنوات الإخبارية والصحف القوية التي سخرت كل إمكانتها لإيصال صوت الحقيقة، وكانت نقطة انتصار جديدة.

ولعل حادثة إحراق الطيار الأمريكي أرون بوشنيل نفسه اعتراضًا على المذابح والإبادة الجماعية وانتصارًا للقضية الفلسطينية العادلة، كانت بمثابة نقطة انتصار أيضًا للمقاومة فلم نر أبدا اعتراض بهذا الحجم المؤثر في أمريكا، وكذلك التلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل مجموعة من الدول الغربية منها إيرلندا التي ينحدر منها الرئيس الأمريكي جو بايدن ويتفاخر بذلك، وستتبعها دول جديدة خلال المرحلة المقبلة، وكان استخدام الفيتو الأمريكي ضد كل قرارات إيقاف المجازر الدموية في حق الفلسطينيين الأبرياء وإدخال الغذاء والدواء، قد عزل أمريكا عن العالم فباتت شريكة في الجريمة وظهرت بمظهر قبيح هدد قوتها ومكانتها العالمية، خصوصا أن دول الغرب وإن كانت مصلحتهم تصب في بقاء إسرائيل في خاصرة الدول العربية، إلّا أنها لم تعد تستطيع تبرير ما يحدث أمام شعوبها، والشعوب تعني رأي عام، والرأي العام يعني أصوات انتخابية ومعادلات سياسية تتفوق على المصالح الخارجية والأطماع الاستعمارية، بل هدد الفيتو الأمريكي بقاء المنظمات والمكونات الدولية وأظهر مدى هشاشتها وضعفها بل وانتهاء صلاحيتها إن ظل الوضع على ما هو عليه.

مما أفضى لنقطة انتصار جديدة للمقاومة وجرى تمرير قرار في مجلس الأمن بوقف إطلاق النار دون استخدام أمريكا للفيتو لمنعه، حتى وإن لم يكن تحت البند السابع، وكان ذلك رسالة لحكومة الاحتلال الصهيوني للتجاوب مع خطة أمريكا طويلة الأمد والتي يتضمنها عدم اجتياح رفح لمعرفة البيت الأبيض بالكارثة الإنسانية التي ستتفاقم في ظل عدم قدرتها على تبرير ما تفعل من دعم لا مشروط لتسهيل عمليات القتل والتدمير في غزة وبسلاح وتمويل أمريكي أمام شعبها.

وبمجمل النقاط المذكورة.. نعم انتصرت المقاومة عالميًا وتشظت الصورة لما يدعى إسرائيل في العالم وأصبحت منبوذة، محتلة ومجرمة في ذاكرة كل الشعوب الغربي منها قبل الشرقي، وحتى إجندات التطبيع لم تعد تلقى ترحيبًا من قبل الشعوب ولا الرأي العام في الدول العربية؛ بل زاد حنق وغليان الشارع ضد كل ما هو صهيوني.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الصين وجامعة الدول العربية.. شراكة متنامية نحو العصر الجديد

 

تشو شيوان **

في خطوة تحمل أبعادًا دبلوماسية واستراتيجية لافتة، وجَّه الرئيس الصيني شي جين بينغ، السبت الماضي رسالة تهنئة إلى الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية، بمناسبة انعقاد القمة الرابعة والثلاثين للجامعة في بغداد، ولم تكن هذه الرسالة مجرد إجراء بروتوكولي اعتيادي؛ بل عكست بشكل واضح تنامي الاهتمام الصيني المتزايد بالعالم العربي، فقد تضمنت الرسالة إشادة بالدور التاريخي لجامعة الدول العربية على مدى ثمانية عقود، وتأكيدًا على دورها في ترسيخ الوحدة والتعبير عن مصالح الدول العربية، إلى جانب دفع جهود السلام والتنمية في المنطقة.

وأجد أن هذه الرسالة الصادرة عن زعيم دولة تُعد من أبرز القوى العالمية، تُثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقة بين الصين والجامعة العربية، ومدى قدرة هذه الشراكة على إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية في السنوات المقبلة.

تُعد العلاقة بين جمهورية الصين الشعبية وجامعة الدول العربية محورًا استراتيجيًا ذا أهمية متزايدة في المشهد الجيوسياسي العالمي؛ فمنذ سنوات عديدة، حرص الرئيس الصيني شي جين بينغ على إرساء دعائم شراكة قوية ومستقرة مع الدول العربية، تجسدت في العديد من المبادرات والزيارات رفيعة المستوى، وكان التعبير عن هذه العلاقة من خلال التهاني المنتظمة التي يرسلها الرئيس الصيني إلى جامعة الدول العربية بمناسبات مختلفة، ليس مجرد بروتوكول دبلوماسي؛ بل هو مؤشر على التزام الصين الراسخ بتعزيز هذه الشراكة واستمراريتها.

إنَّ استمرارية إرسال الرئيس شي جين بينغ للتهاني إلى جامعة الدول العربية؛ سواء بمناسبة انعقاد القمم العربية، أو الاحتفالات بالمناسبات المُهمة، يؤكد على عدة نقاط جوهرية أولها: الاعتراف بأهمية جامعة الدول العربية؛ حيث تُدرك الصين جيدًا الدور المحوري الذي تؤديه جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية تمثل صوتًا جماعيًا للعالم العربي. وهذا الاعتراف يعكس احترام الصين للسيادة العربية ووحدتها، ورغبتها في التعامل مع المنطقة ككتلة مؤثرة في الشؤون الدولية.

ثانيًا: بناء الثقة وتعزيز التواصل؛ إذ تُساهم هذه التهاني في بناء جسور من الثقة والتفاهم المتبادل؛ ففي عالم تتسم فيه العلاقات الدولية بالتقلب، تبعث مثل هذه الإشارات برسالة واضحة من الصين مفادها الاهتمام والرغبة في الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة ومستمرة. ويأتي التأكيد على استمرارية السياسة الصينية في هذا النهج من أرسال الرسائل لجامعة الدول العربية هي جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية الصينية طويلة الأمد تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والصين لا تنظر لهذه العلاقة كعلاقة عابرة، إنما علاقة عابرة بمفهوم آخر، وأقصد هنا عابرة للحدود والتقاليد ومتجاوزة للصعوبات؛ حيث إن الصين تميد يد العون وتعزم على مد شركات طويلة الأمد مع دول الشرق الأوسط والدول العربية.

أما عن علاقة الصين بجامعة الدول العربية بشكل عام، فقد شهدت تطورًا ملحوظًا على مختلف الصعد، وفيما يخص التعاون الاقتصادي والتجاري: تُعد الصين الشريك التجاري الأكبر للعديد من الدول العربية. وقد تعزز هذا التعاون بشكل كبير من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، التي تقدم فرصًا استثمارية هائلة في البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا. وتُظهر القمم الصينية-العربية التي تُعقد بانتظام، حرص الجانبين على توسيع نطاق هذا التعاون ليشمل مجالات جديدة ومتنوعة.

وفيما يخص التنسيق السياسي والدبلوماسي: تتشاور الصين مع جامعة الدول العربية بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مثل القضية الفلسطينية، والأزمات في سوريا واليمن وليبيا. وتدعم الصين حلولًا سياسية لهذه الأزمات، وتؤكد على أهمية احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وقد تجلى هذا التنسيق في التصويت المشترك في المحافل الدولية وفي المواقف المتقاربة تجاه العديد من التحديات العالمية.

أما التبادل الثقافي والشعبي: تُولي الصين اهتمامًا كبيرًا لتعزيز التبادل الثقافي والشعبي مع الدول العربية. ويشمل ذلك برامج المنح الدراسية، ومعاهد كونفوشيوس، والمعارض الفنية والثقافية، بهدف زيادة التفاهم المتبادل بين الشعبين، وفيما يخص التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب: تتعاون الصين مع الدول العربية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وتبادل الخبرات والمعلومات، إدراكًا منها لتهديد هذه الظواهر على الأمن الإقليمي والدولي.

في الختام.. يمكننا القول تُشير استمرارية تهاني الرئيس شي جين بينغ لجامعة الدول العربية، والتطور الشامل في العلاقات بين الصين والعالم العربي، إلى بناء شراكة استراتيجية متعددة الأوجه. وهذه الشراكة لا تقتصر على المصالح الاقتصادية فحسب، بل تمتد لتشمل التفاهم السياسي، والتعاون الثقافي، والتنسيق الأمني. ومع استمرار الصين في تعزيز دورها العالمي، من المتوقع أن تزداد أهمية هذه العلاقة، لتُصبح نموذجًا للتعاون بين الدول النامية والقوى الصاعدة في سعيها نحو عالم أكثر استقرارًا وازدهارًا.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • جامعة الدول العربية تكرّم ولي عهد الفجيرة بجائزة يوم الاستدامة العربي
  • أمريكا اللاتينية واتخاذ الخيارات الصحيحة
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تحيي الشعب اليمني وتدعو قادة الأمة العربية والإسلامية للخروج من حالة الصمت المريب
  • سلامة بحث مع بعثة جامعة الدول العربية في سبل التعاون الثقافي المشترك
  • "متضخّمة وتحتضر".. وزير الصحة الأمريكي يدعو الدول إلى الانسحاب من الصحة العالميّة
  • الصين وجامعة الدول العربية.. شراكة متنامية نحو العصر الجديد
  • روبيو: أمريكا طلبت من بعض الدول إيواء سكان غزة مؤقتًا.. هل كانت ليبيا بينها؟
  • حماس: قناة العربية تضلل الرأي العام وتشوّه المقاومة
  • حماس”: ما ورد في قناة “العربية” محاولة رخيصة لتشويه صورة المقاومة
  • لماذا “فشلت” القمة العربية في بغداد؟