عائشة السريحية
فلسطين على امتداد التاريخ والحضارات كانت بؤرة للصراع الاستعماري، ووجود الصهاينة منذ خمسة وسبعين عامًا، ماهو إلّا بقايا الاستعمار الغربي، وإنشاء وكالة استعمارية، لإدارة وتنفيذ الخطط الاستراتيجية للاستعمار الشامل، ومخططًا بعيد المدى للتحكم بالشرق الأوسط، سواء بتجنيد قوى سياسية أو اقتصادية مؤثرة على القرارات السيادية لحكومات الشرق الأوسط وتمرير أجندات استعمارية كمشاريع ذات أبعاد حضارية واقتصادية، وتفكيك وتدمير الجيوش والقوى العربية من خلال زعزعة الأمن فيها والفتك بمقدراتها، أو تقسيم أراضيها وإشعال الفتن الطائفية والعرقية والجهوية.
المُتابع لما يحدث طيلة القرن الماضي، من أحداث سياسية وعسكرية واقتصادية في العالم الغربي والشرقي، يجد أن جميعها تسعى للسيطرة التامة على مفاصل الدول بكل أركانها، واستخدام الضغط والابتزاز السياسي، والاقتصادي، والأمني سواء أخذ الأمر وقتًا أو لم يأخذ، وفي الانفتاح المعلوماتي اليوم لم يعد باستطاعة أحد أن يخفى عليه الأجندة الصهيوغربية فالأخبار متاحة والمعلومات متاحة والتحليل متاح، والاستقراء لكل ذي عقل لبيب متاح.
وبالرغم من أن مواقف جامعة الدول العربية لم تستطع تجاوز الاعتراض، و اتخاذ أمرا حاسما يوقف الكيان المحتل، إلّا أن صفاقة هذا العدو استغلت صورة الوطن العربي كتقديمه كطرف ضعيف، لا تخشاه أو تقيم له وزنا، واستخدمت سلاح دعم أمريكا المطلق وغير المشروط كعامل تهديد لجميع دول المنطقة، بالرغم من قلقها من حزب الله في لبنان وجماعة أنصار الله في اليمن، وكذلك التحركات في سوريا والعراق، ضد أمريكا وإسرائيل كونهما طرفا مشتركا ضد المقاومة.
استشهاد عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، ليس فقط بالتفجيرات والقصف بل بالتجويع ومنع الغذاء والدواء، في قتل ممنهج تحت مرأى ومسمع الدول في العصر المتحضر أثبت مدى بشاعتهم وقبحهم أمام شعوب العالم.
ولكن هل فعلا انتصرت المقاومة؟
عودة لبداية ما استفتحت به هذا المقال عن نوع الصراع كونه غير عادل ولا اعتياديا، فإن النصر فيه لا يكون إلّا بالنقاط، وقد انتصرت فعلا المقاومة بالنقاط ومازالت رغم الألم والوجع والدم إلّا أن نقاطها تحقق انتصارا حقيقيا، وأهمها لغاية اليوم، هو أنها قد هدمت مخطط هدم المسجد الأقصى وتهويد القدس في صمت، في ظل انشغال الناس بأحداث أوكرانيا من جهة، والتطبيع مع الدول العربية من جهة أخرى، وبتكميم الأفواه في الداخل بالقتل أو الاعتقال، والعالم بالبروبغندا، ليتفاجئ العالم أن ما حدث قد حدث وأن عليهم بقبول الواقع الجديد، وإغلاق الملف الفلسطيني للأبد.
فجاء ماحدث في السابع من أكتوبر من رفض فعلي للاعتراض لما يخطط له العدو المحتل، لأن التقارير الأخبارية، والبكاء من الألم لم يكن ليسمع له أحد، وكان لابد من حركة تلفت أنظار العالم إليهم حتى وإن لم تعجب المتعاطفين مع إسرائيل، واستطاعت المقاومة أن تنعش بنقطة جديدة سجلتها في مرمى الاحتلال القضية الفلسطينية وإعادتها للسطح ولفت أنظار العالم إليها، ولكن ردة الفعل الانتقامية للصهيانة، إسرافًا في القتل والتدمير والبغي للانتقام لكبريائهم المزعوم كأعظم جيش وأقوى دولة، وحين تهشم كتهشم قلعة مبينة من الرمال بموجة صغيرة من البحر، جن جنون حكومتهم وتهافتت أدوات اللوبي الصهيوني في مراكز القوى في الدول الغربية، كالنائحات المستأجرات، لكن لم يعوا أن ما يفعلونه وإن لم يكن كله، كان هذه المرة على مرأى ومسمع شعوب العالم، الذي انتفض من أقصاه إلى أقصاه، فسارعوا للحرب الإعلامية وإغلاق الحسابات في الفيس بوك والانستغرام واليوتيوب، رغبة في إخفاء الحقيقة، إلا أن منصة إكس وبعض برامج التواصل الاجتماعي، كان بديلا فاعلا لنشر الحقيقة، وكذلك القنوات الإخبارية والصحف القوية التي سخرت كل إمكانتها لإيصال صوت الحقيقة، وكانت نقطة انتصار جديدة.
ولعل حادثة إحراق الطيار الأمريكي أرون بوشنيل نفسه اعتراضًا على المذابح والإبادة الجماعية وانتصارًا للقضية الفلسطينية العادلة، كانت بمثابة نقطة انتصار أيضًا للمقاومة فلم نر أبدا اعتراض بهذا الحجم المؤثر في أمريكا، وكذلك التلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل مجموعة من الدول الغربية منها إيرلندا التي ينحدر منها الرئيس الأمريكي جو بايدن ويتفاخر بذلك، وستتبعها دول جديدة خلال المرحلة المقبلة، وكان استخدام الفيتو الأمريكي ضد كل قرارات إيقاف المجازر الدموية في حق الفلسطينيين الأبرياء وإدخال الغذاء والدواء، قد عزل أمريكا عن العالم فباتت شريكة في الجريمة وظهرت بمظهر قبيح هدد قوتها ومكانتها العالمية، خصوصا أن دول الغرب وإن كانت مصلحتهم تصب في بقاء إسرائيل في خاصرة الدول العربية، إلّا أنها لم تعد تستطيع تبرير ما يحدث أمام شعوبها، والشعوب تعني رأي عام، والرأي العام يعني أصوات انتخابية ومعادلات سياسية تتفوق على المصالح الخارجية والأطماع الاستعمارية، بل هدد الفيتو الأمريكي بقاء المنظمات والمكونات الدولية وأظهر مدى هشاشتها وضعفها بل وانتهاء صلاحيتها إن ظل الوضع على ما هو عليه.
مما أفضى لنقطة انتصار جديدة للمقاومة وجرى تمرير قرار في مجلس الأمن بوقف إطلاق النار دون استخدام أمريكا للفيتو لمنعه، حتى وإن لم يكن تحت البند السابع، وكان ذلك رسالة لحكومة الاحتلال الصهيوني للتجاوب مع خطة أمريكا طويلة الأمد والتي يتضمنها عدم اجتياح رفح لمعرفة البيت الأبيض بالكارثة الإنسانية التي ستتفاقم في ظل عدم قدرتها على تبرير ما تفعل من دعم لا مشروط لتسهيل عمليات القتل والتدمير في غزة وبسلاح وتمويل أمريكي أمام شعبها.
وبمجمل النقاط المذكورة.. نعم انتصرت المقاومة عالميًا وتشظت الصورة لما يدعى إسرائيل في العالم وأصبحت منبوذة، محتلة ومجرمة في ذاكرة كل الشعوب الغربي منها قبل الشرقي، وحتى إجندات التطبيع لم تعد تلقى ترحيبًا من قبل الشعوب ولا الرأي العام في الدول العربية؛ بل زاد حنق وغليان الشارع ضد كل ما هو صهيوني.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عصابات إسرائيل وعملاؤها يسرقون مساعدات أهل غزة
لم يخطر ببال أحد من المراقبين أو حتى أشد الكارهين للعصابة الصهيونية أن تقوم بكل هذا الإجرام المعقد الذي يفوق خيال البشر.
ولأن الجيش الإسرائيلي فشل في مواجهة رجال المقاومة على الأرض وفشلت كل أسلحته الأكثر حداثة في العالم في تحقيق النصر المطلق على المقاومة فقد لجأ إلى استخدام أحط الأسلحة وهو التجويع ضد المدنيين لممارسة أقصى درجات الضغط على المقاومة.
ولم يكتف بتدمير البيوت والمراكز الطبية وخطوط المياه والكهرباء وتدمير مخازن الأدوية والأغذية وقتل الأطباء ورجال الدفاع المدني حتى لا ينقذوا جريحا أو ينقبوا تحت ركام المنازل لاستخراج المستغيثين، ولكن العصابة أيضا ابتكرت أساليب شيطانية لإغلاق كل منافذ الحياة أمام شعبنا في غزة.
ومن بين هذه الأساليب خلق عصابات إجرامية في القطاع تتعاون مع جيش وتجار إسرائيل لسرقة مواد الإغاثة على حدود إسرائيل وقبل دخولها غزة وعلى الرغم من أن هذه المساعدات تدخل تحت الضغوط الدولية وبنسب لا تزيد على 5% من احتياجات الشعب في غزه، إلا أن العصابة الصهيونية لم تسمح بوصول هذه الكميات متناهية الصغر الى الجوعى وبدلا منهم سلمتها لعصابات إجرامية مقابل الخيانة والعمالة.
صناعة الأزمةوحفلت وسائل إعلام دولية بتقارير موثقة حول سرقة وتلاعب منظمين بمساعدات الغذاء والدواء التي تصل إلى القطاع. وتشير تحقيقات ميدانية وشهادات شهود عيان إلى تورط عصابات إجرامية مدعومة من جهات إسرائيلية، بالتعاون مع ميليشيات فلسطينية محلية، في نهب هذه المساعدات وبيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية، مما يسهم في تعميق أزمة تجويع الشعب الفلسطيني.
عصابة أبو شبابوفقًا لمصادر أمنية فلسطينية ودولية، تقوم مجموعات إجرامية تعمل تحت حماية الجيش الإسرائيلي باختطاف شاحنات المساعدات عند معابر مثل "كرم أبو سالم" وتحويل مسارها إلى مستودعات سرية داخل الأراضي المحتلة، حيث يتم بيعها لاحقًا بالاتفاق مع ضباط وتجار إسرائيليين.
وفي الشهر الجاري كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن وثائق تثبت تورط ضباط إسرائيليين في تحصيل رشاوى من هذه العصابات مقابل غض الطرف عن سرقة المساعدات وتقديم تسهيلات وحماية لأفراد العصابة لمنع وصول المقاومة إليهم إضافة إلى امدادهم بالمعلومات والأسلحة.
ويقود ياسر أبو شباب العصابة الإجرامية الكبرى في قطاع غزة التي تتخذ من المناطق الحدودية مع إسرائيل قاعدة لعملياتها، حيث تقوم الميليشيا بتهريب المساعدات المسروقة عبر أنفاق سرية، وبيعها بأسعار مرتفعة جدا لتجار محليين تفوق قدرة المواطنين.
وقامت المليشيا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين الذين يحتجون على انعدام المساعدات، كما حدث في مخيم رفح في مايو 2025
و أصدرت حركة حماس بيانًا رسميًا يوم 20 يوليو 2025، اتهمت فيه مليشيا ياسر أبو شباب بالعمل كـ"ذراع تنفيذية" لعصابات إسرائيلية منظمة.
وأشارت إلى وثائق تثبت تلقي المليشيا تمويلًا وإرشادات أمنية مباشرة من ضباط في الجيش الإسرائيلي مقابل:1- ضمان عدم وصول المساعدات الغذائية إلى المناطق التي تقول إسرائيل أنها موالية للمقاومة.
2- تزويد إسرائيل بمعلومات أمنية عن أنشطة المقاومة في مقابل حصص من المساعدات المسروقة.
وفي تصريح نادر للإذاعة الإسرائيلية (راديو الجيش) يوم 10 يوليو 2025، قال ياسر أبو شباب: نحن نتعاون مع من يضمن بقاءنا وإسرائيل ليست عدوة لنا.
كما نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية (15 يوليو 2025) تحقيقًا استند إلى تسريبات من ضباط إسرائيليين أكدوا أن أبو شباب مدرج في قائمة "الشركاء الموثوقين" لدى وحدة التنسيق المدني الإسرائيلية. وأكدت ان الجيش الإسرائيلي يغض الطرف عن سرقة شاحنات المساعدات في المعابر مقابل معلومات استخبارية عن أنفاق المقاومة.
وقد صنفت الأمم المتحدة أبو شباب في تقرير سري كـعقبة أمام العمل الإنساني ودعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على "الشبكات الإجرامية العابرة للحدود".
وأفاد المراسلون وشهود عيان أن السلع المسروقة تباع في أسواق رفح بواسطة الميليشيا رغم أنها تحمل أختام مساعدات الاتحاد الأوروبي، فيما أكد الناشط الغزاوي محمد أبو عيسى أن المليشيا تهدد العاملين في المنظمات الدولية بالسلاح إذا كشفوا الفساد.
ويبقى أن سرقة المساعدات ليست أعمالًا فردية، بل هي مخطط منهجي تُديره إسرائيل بمشاركة مليشيات محلية لتحقيق أهداف سياسية:
1- تجويع السكان لدفعهم للهجرة.
2- تدمير شرعية الفصائل عبر تصويرها كفاسدة.
3- الامعان في إذلال الشعب الفلسطيني والقضاء عليه وخاصة قتل الأطفال ومصادرة مستقبل أجيال كامله من شباب ورجال ونساء غزة.
إنها جرائم تفوق الخيال لكنها تحدث الآن في غزة أمام العالم.
اقرأ أيضاًمئات الأطنان من المساعدات تعبر رفح: خمسة أفواج من الشاحنات إلى غزة (فيديو)
صرخة الخبز في غزة: الأسواق تحوّلت إلى ساحات تجويع وعقاب جماعي