إدوارد سعيد: مثقف في الهرج
تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
ما تزال قضية فلسطين عندنا حقاً مضاعاً لا نعززه بمعرفة به من فوق علم دقيق بمن أضاعه. لن تجد “الجزيرة” أو “الحدث” تنتحي في سيل أخبارها بمختص بالتاريخ والثقافة ليلقي الضوء على قضايا تثيرها الحرب من جديد فوق نار شعواء. وددت طوال تتبعي للمعارك وخبرائها و”المعلقين على الأنباء” أن تأتي هذه القنوات بمن يناقش موضوع العداء للسامية الذي يقرض الآن في قماشة الديمقراطية الامريكية كما لم تُقرض منذ المكارثية.
في معرض نعيي للبروفسير إدوارد سعيد في 2003 عرضت لمساهمته في “تثقيف” المسألة الفلسطينية وتقعيدها في مخيال الغرب التاريخي والسياسي. فالقضية عنده ليست حقاً أندلسياً سليباً آخر. هي الغرب بطريقة أخرى.
قال الشيخ محمد فضل الله إننا لم نعلم عن اسرائيل كثير شيء على أننا لم نعرف سواها لنصف قرن من الزمان. فقد أعمانا حقنا الصريح في فلسطين عن الإحاطة الدقيقة بهذا العدو اللئيم. فالحق عندنا يعلو ولا يعلى عليه وما ضاع حق وراؤه مطالب. ولكن سيبقى السؤال إن كنا قد تصفحنا أوراق حقنا هذا لا كعقيدة وطنية وقومية ودينية مجردة، بل كثقافة نسربها إلى العالم فيصبح حقنا جزءاً من وعي العالم بذاته ومن احترامه لآدميته وغضبته للحق.
ولذا قال المرحوم إدوارد سعيد إن فلسطين هي قضية العالم. ولم تكن هذه القضية في أحسن حالاتها نبلاً ومصداقية مثل يوم أجازت الأمم المتحدة قراراً أدخل الصهيونية في العقائد المعادية للجنس البشري. مثلها مثل النازية ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ثم انحدرنا تدريجياً من هذه القمة إلى سفح انكمشت فيه القضية الي حجم عربي أو فدائي بالأحرى لا صدى مذكوراً له في جنبات العالم.
من المعلوم أن فلسطين شاغل عربي محرج وقديم. ولكني لا اعرف إن كنا جعلناها محوراً للتعليم المدرسي أو العام عندنا. وهو تعليم يتجاوز إلحاحنا على حقنا فيها لمعرفة أدق بالعالم الذي تمخض عن إسرائيل فولد مصيبة.
اقتحمتني هذه الأفكار المراجعة وأنا أقرأ كتاب المرحوم إدوارد سعيد “مسألة فلسطين” بعد وفاته في العام الماضي لأول مرة. وتحسرت على تباطؤي في قراءته. فقد قرات له “الاستشراق” و”الإمبريالية والثقافة” وغيرها من الكتب النظرية في وقتها. وقدرت أنني استبعدت كتبه عن فلسطين لأنني ربما اكتفيت بالمعلوم بالضرورة من حقنا المغتصب فيها.
وعلمت من الكتاب بعد قراءته لا عن هذا الحق المغتصب فحسب، بل عن منطقه الغلاب أيضاً الذي إن بلغ العالم بالحكمة والموعظة الحسنة لهدى العالم الي الأقوم. فمن رأي سعيد أن إسرائيل هي من عمل العالم والغرب بالطبع. فهي بالنسبة للغرب استثمار مزدوج. فمن جهة هي استثمار في الماضي في تلك الأرض المقدسة التي لم يهدأ للغرب بال وهي في يد العرب أو المسلمين. وهي من الجهة الأخرى استثمار في المستقبل. فالغرب اراد ان يجعلها وطناً لليهود ممن أخذوا بثقافته ومناهجه حتى تكون منارة غربية ديمقراطية في صحراء العرب المسكونة بالاستبداد الشرقي.
وهنا ينبه سعيد بذكاء الي “تحالف” عجيب بين الماضي والمستقبل لقتل الحاضر. ففي فلسطين، في قول سعيد، شحنة خيالية وعقائدية غربية ثقيلة حولت فلسطين من حقيقة إلى شبح ومن حضور إلى غياب. فإسرائيل عنده هي تأويل للماضي ورجم بالمستقبل ولم يحفل مهندسوها بالحاضر الفلسطيني. فهي في نظر سعيد التأويل الذي غطى على النص الذي هو الفلسطينيون. وقول سعيد هذا في عمومه معروف لدي معظمنا، ولكن بربك أنظر كيف أحكم سعيد تأطيره بحيث يسوغ لكل ذي نظر وفؤاد.
أعجبني أيضاً قول سعيد إن إسرائيل مستعمرة من نوع جديد. فالمعلوم عن الاستعمار بالضرورة أن الأهالي المستعمرين هم جزء من مشروعه الحضاري المزعوم. فهو يريد أن يأخذ بيدهم في مراقي التحديث والتمدين. خذ مثلاً مشروع الجزيرة. فهو قد قام لخدمة مصلحة إنجليزية معلومة، ولكن السودانيين كانوا مادة مهمة فيه. أما إسرائيل فهي مستعمرة ليس الأهالي (الفلسطينيون) في حسبانها. فليس في مشروعها إدخالهم في أي “حظوة” تمدينية كما قد فعل الإنجليزفينا كما تذيع صفوة البرجوازية الصغيرة.
فهي وطن لليهود، وبس. وقد حال ذلك دونها ودون الاستثمار في مستقبل الأهالي الذين استولت على ديارهم. كان الأوربيون قساة على الأهالي الذين ينكصون عن السير الي المستقبل المرسوم لهم متذرعين بالتراث ومتمسكين بالماضي. أما إسرائيل فتقسو على الفلسطينيين الذين ينقدون مشروعها الذي لا سند له سوي الماضي والحجة الإنجيلية. فهي في الاستعمار لا تشبه إلا روحها.
إن فقد سعيد لفقد والله. فقد خلق الله قلمه الذكي لمنعطف الهرج والخنا والتبذل العربي الراهن. وهو منعطف أصبح فيه التهافت على إسرائيل عادة علنية. وأصبح الاصطلاح معها حق شرعي. فأنت تسمع أليس من حقي أن اصطلح إذا اصطلح فلان. ومن يقرأ سعيد يعلم أن خصومة إسرائيل التي تاجها الظفر، باسم الله، لم تبدأ بعد.
الوسومعبد الله علي إبراهيمالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: عبد الله علي إبراهيم إدوارد سعید
إقرأ أيضاً:
الحوثي تضرب مطار بن غوريون بصاروخ فلسطين 2.. والاحتلال يزعم اعتراضه
أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله في اليمن تنفيذ "عملية نوعية" استهدفت مطار اللد بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي من نوع "فلسطين 2".
وقال العميد يحيي سريع، المتحدث العسكري باسم أنصار الله، إن "العملية حققت هدفها بنجاح وتسببت في هروب الملايين للملاجئ وأوقفت حركة الملاحة".
بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن تنفيذ عملية عسكرية استهدفت مطار اللد في منطقة يافا المحتلة وذلك بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع فلسطين2. pic.twitter.com/55YAQmnJir — العميد يحيى سريع (@army21yemen) July 6, 2025
وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن دفاعاته اعترضت صاروخا أطلق من اليمن وإنه تم تفعيل صفارات الإنذار في عدة مناطق بأنحاء البلاد.
والثلاثاء الماضي، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن سلاح الجو اعترض صاروخا أُطلق من اليمن بعد رصد إطلاقه.
ومنذ استئناف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة قبل أكثر من 100 يوم، أطلقت جماعة أنصار الله (الحوثيين) 53 صاروخا باليستيا باتجاه إسرائيل، وفق إذاعة الجيش الإسرائيلي.
وأكثر من مرة، توعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالرد على جماعة أنصار الله اليمنية قائلا إن "مصير اليمن هو مصير طهران".
والخميس الماضي، أكد زعيم جماعة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، أن تهديدات دولة الاحتلال واعتداءاتها لن تثني جماعته عن موقفها بل تزيدها عزما على مواصلة مهاجمة الاحتلال حتى توقف الأخيرة حرب الإبادة على قطاع غزة.
وقال الحوثي في كلمة متلفزة بثتها قناة "المسيرة" الفضائية التابعة للجماعة اليوم، إن "تهديدات العدو الإسرائيلي هذا الأسبوع واعتداءاته لا تثنينا أبدا عن موقفنا بل تزيدنا تصميما وعزما".
وأضاف أن "العدو الإسرائيلي نفذ 5 عمليات (هجمات) سابقة ضد اليمن، تخللتها 107 غارات جوية وقصف بحري، لكن ذلك لم يؤثر على موقفنا وزادتنا تصميما"، دون ذكر فترة زمنية محددة لتلك الهجمات.
وتابع: "نحن ثابتون في موقفنا، وسنواجه أي عدوان إسرائيلي مهما كان، ونحن على قناعة تامة بعدالة قضيتنا وصحة وضرورة موقفنا".
يأتي ذلك ردا على توعد وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليمن بما سماه "مصير إيران" التي تعرضت لعدوان إسرائيلي استمر 12 يوما، في يونيو/ حزيران الماضي.
ويؤكد الحوثيون استمرارهم في مهاجمة الاحتلال لحين إنهائها حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين بقطاع غزة منذ 21 شهرا.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشن دولة الاحتلال حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 192 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.