كيف أجتهد في ليلة القدر وأنا حائض؟، وما هي كيفية قيام الحائض والنفساء ليلة القدر؟، أمور شرعية أوضحتها دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي.

كيف أجتهد في ليلة القدر وأنا حائض؟

وقالت الإفتاء: بخصوص السؤال عن الحائض والنفساء فإن الحيض والنفاس يترتب عليهما أحكام شرعية حيث إنه يحرم بهما ما يحرم بالجنابة مِن: الصلاةِ، وقراءةِ القرآن، ومسِّ المصحف وحملِه، والطوافِ، واللبثِ في المسجد، والجماعِ، والصومِ -ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة-، والمرورِ مِن المسجد إلا إذا أُمِنَ التلويث؛ كما قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 19، ط.

دار الفكر).

وفي هذه الحالة، فإن الله- عزَّ وجلَّ- قد جعل للمرأة من أبواب الخير والطاعات ما يمكنها أن تتقرب بها إليه في هذه المدة التي تمكثها حائضة أو نفساء، حتى إنها لَتُثَابُ على الطاعات التي منعها منها العذرُ مرتين؛ مرةً لامتثالها أمر الله سبحانه وتعالى بالترك، ومرةً كما لو كانت تفعلها في حال الخلو من العذر؛ لأنها مبتلاةٌ في هذا الأمر بما هو خارج عن إرادتها.

وعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «أَنَفِسْتِ؟» -يَعْنِي الْحَيْضَةَ قَالَتْ- قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي» متفقٌ عليه.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: «وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ» متفقٌ عليه.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"؛ فأفاد الحديثان أن الله تبارك وتعالى يثيب العبد على نيته الصادقة على العمل ما دام منعه منه عذرٌ.

وَعَنْ أَبِي بُردَةَ قال: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 136، ط. دار المعرفة) في شرح هذا الحديث: [وهو في حقِّ مَن كان يعمل طاعةً فَمُنِعَ منها، وكانت نيته -لولا المانعُ- أن يدومَ عليها] اهـ.

وقال العلامة المناوي في "فيض القدير" (6/ 175، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [قال عياض: هذا يدل على أن مَن نوى شيئًا من أفعال الخير ولم يفعله لعذرٍ يكون بمنزلةٍ من عمله] اهـ.

وإذا عُلِم ذلك ظهر أن إحياء ليلة القدر في حقِّ ذوات الحيض والنفاس يكون أولًا بعدم فعل ما منعهنَّ الشرع الشريف منه في هذه الحال خاصة إذا قصدن امتثال أمر الشرع في تركه؛ حيث قال العلامة القليوبي في "حاشيته على شرح المنهاج للمحلي" (1/ 114، ط. دار الفكر): [وتثاب الحائض على ترك ما حَرُمَ عليها إذا قصدت امتثال الشارع في تركه لا على العزم على الفعل لولا الحيض بخلاف المريض لأنه أهل لما عزم عليه حالة عزمه] اهـ.

دعاء ‏الليلة الوترية الثالثة من العشر الأواخر‏.. أدركها بـ7 كلمات حتى الفجر العشر الأواخر.. صلاة العشاء والتراويح ليلة 25 رمضان في رحاب الأزهر |بث مباشر

وما عدا ذلك فيمكنهنَّ أن يُحْيِينَ الليلة بما شِئْنَ من الطاعات والقربات لله عزَّ وجلَّ، فَيَغْتَنِمْنَ الليلة بالإكثار من الذكر، والاستغفار، والتسبيح، والتهليل، والتكبير، والصلاة على النبي الأمين، والتصدق، وسماع القرآن والإنصات إليه، والدعاء، حتى إن مِن العلماء مَن جعل الدعاء في ليلة القدر أفضل من الصلاة فيها.

قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (8/ 433، ط. دار الكتب العلمية): [والمستحب: الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر، والمستحب: أن يكثر من هذا الدعاء "الَّلهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي"] اهـ.

قال شمس الدين السفاريني في "كشف اللثام شرح عمدة الأحكام" (4/ 49، ط. أوقاف الكويت): [قال سفيان الثوري: الدعاءُ في تلك الليلة أحبُّ إليَّ من الصلاة] اهـ.

قال علاء الدين الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 293، ط. دار الفكر): [(ولا بأس) لحائض وجنب (بقراءة أدعية ومسها وحملها وذكر الله تعالى، وتسبيح) وزيارة قبور] اهـ.

وقال الإمام اللخمي المالكي في "التبصرة" (1/ 216، ط. أوقاف قطر) في الحيض: [ولا يمنع ذكر الله سبحانه بالتسبيح والاستغفار وإن كثر] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 357، ط. دار الفكر): [وأجمع العلماء على جواز التسبيح والتهليل وسائر الأذكار غير القرآن للحائض والنفساء] اهـ.

وقال موفق الدين ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 106، ط. مكتبة القاهرة) في الجنب والحائض والنفساء: [فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى] اهـ.

وأفضل ما يدعو به المسلم في ليلة القدر العفو والمغفرة من الله عزَّ وجلَّ؛ فعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟" قَالَ: «تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» أخرجه الأئمة: أحمد في "مسنده"، وابن ماجه والترمذي في "السنن" وقال: "هذا حديث حسن صحيح".

ويجوز للمرأة الحائض أو النفساء إذا رغبت في قراءة القرآن إحياءً لليلة القدر أن تتخير بين أن تقرأ القرآن بعينها وبإمراره على قلبها لا لسانها وصوتها على مذهب مَن أجاز ذلك، أو أن تقرأه بلسانها وصوتها لا على التعبد والتلاوة، بل على الذكر والدعاء على مذهب مَن أجازه؛ تطبيقًا لما هو مقرر شرعًا أنه "لَا يُنكَر المُخْتَلَفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنكَرُ المُجْمَعُ عَلَيْهِ"، و"مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيءٍ مِنَ الخِلَافِ فَلْيُقَلِّدْ مَنْ أَجَازَ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي (ص: 158، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية الباجوري على شرح ابن القاسم" (1/ 41، ط. الحلبي).

قال الإمام النووي في "المجموع" (2/ 357): [فأما إجراء القراءة على القلب من غير تحريك اللسان والنظر في المصحف وإمرار ما فيه في القلب: فجائزٌ بلا خلاف، وأجمع العلماء على جواز التسبيح والتهليل وسائر الأذكار غير القرآن للحائض والنفساء] اهـ.

وقال شمس الدين الخطيب الشربيني في "الإقناع" (1/ 100، ط. دار الفكر): [أما إذا قرأ شيئًا منه لا على قصد القرآن: فيجوز] اهـ.

ويزيد على ذلك: أن المرأة الحائض أو النفساء يمكن أن تُحَوِّلَ كل ما تقوم به من عادات طيبة في خدمة بيتها وأهلها -من نحو إعداد طعام سحور وإفطار، ومساعدة لأهل البيت على القيام والتروايح، وتهيئة الأسباب لهم ونحوها- إلى عبادة؛ لأن العادة تَتَحَوَّل بالنية إلى عبادة؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وشددت بناء على ذلك: فإنَّ ذواتِ الحيض والنفاس يمكنهنَّ أن يُحْيِينَ ليلة القدر بترك ما منعهنَّ الشرع الشريف منه حال العذر إذا قصدن الامتثال في الترك، ثم يفعلن ما تيسر لهنَّ من الطاعات والقربات، فيغتنمنَ الليلة بالإكثار من الذكر، والاستغفار، والتسبيح، والتهليل، والتكبير، والصلاة على النبي الأمين، والتصدق، والدعاء بالمأثور وغيره، وسماع القرآن والإنصات إليه، وقراءته بالعين لا باللسان على الذكر لا التعبد، وأن يَنوِينَ الطاعة والعبادة بما يُقَدِّمْنَه لبيوتهنَّ وأهلهنَّ وبما يعينهم على الطاعة في تلك الليلة فيَحصُل لهنَّ الأجر والثواب، ويزيد على ذلك أنهنَّ يُثَبْنَ عما كان يمكن أن يفعلن ما لم يمنعهنَّ العذر؛ لأنهنَّ مُبْتَلَياتٌ بأمر خارجٍ عن استطاعتهنَّ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ليلة القدر إحياء ليلة القدر الدعاء في ليلة القدر فی لیلة القدر قال الإمام دار الفکر اهـ وقال م د ین ة ى الله

إقرأ أيضاً:

أعمال الحجاج في أيام التشريق .. دار الإفتاء تكشف عنها

نشرت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي، بيانًا، يوضح ما ينبغي على الحاج القيام به خلال أيام التشريق، المعروفة أيضًا بأيام منى، والتي تأتي بعد يوم النحر.

وأوضحت الإفتاء، أن من أبرز الأعمال في هذه الأيام، هو رمي الجمرات الثلاث، كل واحدة بـ 7 حصيات متتابعة، مع التكبير عند كل حصاة.

ويبدأ الحاج برمي الجمرة الصغرى، وهي الأبعد عن مكة، ثم الوسطى، وأخيرًا الكبرى، المعروفة بجمرة العقبة. ويُسن الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى مستقبلًا القبلة، ولا يُسن الوقوف بعد الجمرة الأخيرة.

وأشارت دار الإفتاء إلى أنه من الجائز رمي الجمرات قبل الزوال أو بعده، وفقًا لرأي عدد من السلف والخلف. 

وأضافت أنه في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، أي ثاني أيام التشريق، يجوز للحاج أن يتعجل ويغادر منى قبل غروب الشمس، أما من اختار البقاء؛ فيستحب له أن يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر أيضًا، واستشهدت الإفتاء بقول الله- تعالى-: ﴿واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه﴾ [البقرة: 203].

هل التوكيل في بعض مناسك الحج جائز؟.. الإفتاء توضح الشروطهل يجوز لي الحج عن غيري وما حكم أداء فريضة عن الميت؟.. الأزهر للفتوى يجيبهل يجوز الذهاب للحج يوم عرفة مباشرة دون حضور يوم التروية؟.. علي جمعة يجيبهل يجوز تأجيل الذهاب للحج رغم الاستطاعة؟ .. الأزهر للفتوى يجيب

سبب تسمية أيام التشريق بهذا الاسم

في سياق متصل، تناول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في خواطره عن سورة البقرة سبب تسمية هذه الأيام بـ"أيام التشريق".

 وأوضح أن الذكر ملازم لكل شعائر الحج، وأن أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر.

وبيّن الشعراوي أن التسمية تعود إلى ما كان يفعله الحجاج قديمًا، حيث كانوا يُشرقون لحوم الأضاحي في الشمس لتجفيفها، أي ينشرونها لتجف تحت أشعة الشمس، ومن هنا جاءت التسمية المرتبطة بالشروق.

وأكد الشعراوي أن المقصود بـ"الأيام المعدودات" هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر، موضحًا أن قول الله- تعالى-: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى}، يعني أن الله- سبحانه وتعالى- جعل الخيار للحاج بين أن يغادر بعد يومين أو يبقى لليوم الثالث، بشرط التقوى.

وختم الشعراوي تفسيره بالتأكيد أن العبرة ليست بعدد الأيام، بل بالنية والإخلاص في العبادة، قائلاً إن الله ختم الآية بقوله: {واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون}، ليذكّر الحاج أن من لبّى هذا الحشد العظيم في الدنيا بإرادته، فالله قادر على أن يحشره في الآخرة بغير اختياره.

طباعة شارك أيام التشريق الحجاج دار الإفتاء الشعراوي يوم النحر

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف يكرم 171 حافظا وحافظة للقرآن بمدارس العمرية
  • جدّي ما بيعرف الدولار وأنا ما بعرف الليرة.. العملة التي قسّمت العائلة
  • جدول أعمال يوم عرفة لغير الحاج 
  • أعمال الحجاج في أيام التشريق .. دار الإفتاء تكشف عنها
  • دون إنفاق المال.. 10 أعمال من سنة النبي ثوابها كأجر الصدقة
  • «ابني من غير أب.. وأنا من غير روح» .. أرملة إبراهيم شيكا تبكيه في ذكرى الأربعين
  • عاجل- نتنياهو: قطر تساعد حماس وأنا هاجمتها مرارًا وتكرارًا
  • أفضل أعمال العشر من ذي الحجة .. ماذا كان يفعل النبي؟
  • الأزهر يطلق مشروعه الصيفي لحُفّاظ القرآن بمناطق الجمهورية
  • قلت لمراتي أنت طالق وأنا بهزر معاها.. فما حكم ذلك؟.. أمين الفتوى يجيب