ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "أحبائي، تضع كنيستنا المقدسة اليوم الصليب المكرم أمام أعيننا لنسجد له ونتشدد به. ينتقل المؤمن عبر الصليب من المعاناة والآلام إلى الفرح ومعاينة وجه الله، لذا يقول الرسول بولس: «إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله» (1كو 1: 18).

ترفع الكنيسة الصليب اليوم في منتصف رحلة الصيام لتذكرنا بغاية الصوم التي هي معاينة وجه الله ومجده يوم القيامة، ولتشددنا في جهادنا حتى يكون لنا الصليب سلما سماوية نرتفع بها مع المصلوب إلى العلى، ونقوم معه فنبلغ السماوات. الصليب، الذي كان رمزا للموت والعار، أصبح، بموت المسيح عليه، حياة تزهر فرحا وخلاصا لكل مؤمن. نقرأ في إنجيل متى أن المسيح عندما أسلم روحه على الصليب «القبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين» (مت 27: 52-53). كذلك، نرتل في صلواتنا: «يا رب، إن صليبك هو حياة وقيامة لشعبك، وعليه اتكالنا. فنسبحك، يا إلهنا الناهض فارحمنا». لذلك نطوف اليوم بالصليب مزينا بالرياحين والأزهار التي ترمز بدورها إلى الحياة".

أضاف: "في إنجيل اليوم، يضعنا الرب يسوع أمام ملء حريتنا للإختيار بين أمرين: إما السير وراءه واتباعه هو «الطريق والحق والحياة» (يو 14: 6) حاملين الصليب، أو السير في طريق الموت الروحي بعيدا عنه. قال: «من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها». يعيش المؤمن وسط عالم مليء بالمغريات والملذات، إضافة إلى الضيقات والصعوبات المعيشية والحياتية. هل نحن مستعدون لحمل كل آلامنا بصبر وطول أناة، ناظرين بإيمان وثقة كبيرين إلى الذي جبلنا بيديه، متأكدين من أنه لن يتركنا نواجه بمفردنا؟ أم سنستسلم ونسير في الطرق المعوجة لتحقيق مكتسبات أرضية فانية؟ على الإنسان أن يحارب في سبيل تأمين مستلزمات حياته وعائلته، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها، إنما دون الرضوخ للمغريات المتعددة بل بملء الرجاء والإتكال على الرب القائل: «لا تهتموا قائلين: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن أطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه» (مت 6: 21-24). لذا، يرتفع الصليب في وسط الكنيسة ليذكرنا بأن الرب به غلب العالم".

وتابع: "في ظل التحديات اليومية، قد يتوانى المؤمن في حياته مع المسيح، وفي العيش وفق وصايا الله، في صلاة مستمرة وجهاد للمحافظة على حياة مسيحية مستقيمة هي صليبنا الشخصي الذي نحمله ونسير به وراء المسيح لنصل إلى الملكوت. نظن أن هذا حمل ثقيل، لكن الرب يقول لنا: «تعالوا إلي، يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم. إحملوا نيري عليكم وتعلموا مني... لأن نيري هين وحملي خفيف» (مت 11: 28-30). فكما حمل المسيح صليبه ليحقق القيامة، هكذا علينا أن نحمل صليبنا الشخصي بقبول وطاعة، على طريق جلجلة هذه الحياة الفانية، لتتحقق لنا القيامة العامة. الثقة والرجاء بالله يسهلان أي صعوبة، ومن دونهما يفقد الإنسان كل قوة، كأنه يحمل أثقال الجبال على كتفيه. يقول القديس كيرللس الأورشليمي: «إن أتاك من يقول إن الصليب وهم، إبتعد عنه، واهرب ممن يقولون إن المسيح لم يصلب إلا في الخيال. لأنه إن لم يصلب إلا في الخيال، بينما يأتي الخلاص من الصليب، إذا لما كان الخلاص هو أيضا إلا خيالا. وإن كان الصليب وهما، فالقيامة وهم أيضا. وإن كان المسيح لم يقم، فنحن بعد في خطايانا (1كو 15: 17). وإن كان الصليب مجرد خيال، فخيال أيضا هو الصعود. وإن كان الصعود خيالا، فخيال أيضا هو المجيء الثاني. هكذا يفقد كل شيء أساسه الراسخ. أما بالنسبة إليك، فليكن الصليب الأساس الأول الذي لا يتزعزع، وعليه شيد كل ما تبقى من الإيمان».

وقال: "شعبنا يفهم تماما معنى الصليب، لأنه يحمله منذ عقود، بسبب مسؤولين لا يفرقهم شيء عن القادة الذين حكموا على المسيح بالصلب ظلما وافتراء، خوفا من خسارة منصب. فكما غسل بيلاطس يديه وتبرأ من جريمته، هكذا يفعل قادة هذا البلد الذي أمعن به قادته فسادا واستغلالا وإجراما، وما كان منهم إلا أن غسلوا أيديهم من كل ما حل بالبلد لأن المسؤولية بالنسبة لهم كرسي ومجد أرضي فيما هي خدمة محبة ودفاع عن الحق والعدل والحرية والقانون، وبذل ذات من أجل الذين وضعوا تحت مسؤوليتهم. مؤسف جدا ومضر أن يبقى لبنان بلا رئيس لما يقارب السنتين، ومؤسف أكثر أن النواب، ممثلي الشعب، لا يبذلون الجهد الكافي من أجل تطبيق الدستور وانتخاب رئيس. لكن الموجع أن الدولة سائبة والإدارات معطلة وبعض المراكز شاغر والسادة الوزراء يستنسبون التعيينات ولو مخالفة للقوانين والأعراف. يستميتون للوصول إلى المركز وعند وصولهم يصبحون المحور عوض جعل المواطن وحقوقه محور عملهم. قد يتصل بهم متصل ولا يجيبون، وقد يطلب منهم مواطن حقا ولا يستجيبون. وقد يحجبون عن بعض المؤهلين لمركز ما هذا الحق إرضاء لإرادة عليا أو تلبية لمصلحة. ومن يدفع الثمن غالبا ما يكون مواطنا منضبطا لا يستجدي واسطة بل يتكل على كفاءته، أو طائفة تتصرف بروح وطنية بعيدة عن الطائفية والمحاصصة".

أضاف: "الحكم مسؤولية. المركز خدمة. الوظيفة، مهما علت، تطبيق للقانون، لكن عدم المساواة بين المواطنين أصبحت القاعدة لأن مكتسبات الأقوى تعلو على حقوق الأضعف. إنه صليب المواطن النزيه الضعيف في هذا البلد المقطوع الرأس ربما عن قصد، والقصد الواضح العبث بالبلد وما بقي فيه من منافع. لكن لا شيء أبدي ولا بد لهذا الليل أن ينتهي ولا بد أن يعاين شعبنا قيامة وطنه من هذا الواقع المرير الذي أرجعه قرونا إلى الوراء".

وختم: "لكي نتحمل الضيقات ليكن رجاؤنا بالله ثابتا ولنهتف دوما، كما في صلاة النوم الكبرى: «يا قوة الصليب الكريم المحيي الإلهية غير المقهورة التي لا تدرك، لا تخذلينا نحن الخطأة».

 

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الليل الذي لا ينام في غزة.. رعب وخوف وندوب نفسية لا تنمحي

 

الثورة /وكالات

لا الليل ولا النهار في غزة يمكن أن يحتويا على لحظة من أمن أو راحة، وسط حرب الإبادة الصهيونية المستمرة على قطاع غزة منذ ما يقرب من عشرين شهراً.
ورغم أن شبح القتل يحوم فوق غزة ليل نهار، إلا أن انهيار ضوء النهار معلناً عن بدء ظلمة الليل، تعد بداية كابوس أصعب وأشد على الغزيين الرازحين تحت حمم الموت، فوساوس القتل وخيالات الرعب تلاحق الآباء والأمهات وحتى الأطفال، ما يجعل ساعات الليل أشد وطأة وأبطأ مسيراً.
كل هذا خلف آثاراً نفسية صعبة على الأهالي والأطفال في قطاع غزة، تظهر أعراضها ومؤشراتها بوضوح، حيث يمكن ملاحظتها في كل مكان في قطاع غزة.
الحصول على مياه آمنة للشرب في غزة مهمة شبه مستحيلة
الظلام واستيقاظ الخوف
“نحن لا ننام الليل، نحن نتظاهر بالنوم، بينما آذاننا ترقب كل صوت لطائرة استطلاع أو أخرى حربية، أو صوت إطلاق نار أو قذيفة أو قصف من طيران حربي، نحن نغلق أعيننا بينما في الحقيقة قلوبنا وآذاننا ووعينا مستيقظ تماما رغم الإرهاق والتعب الجسدي والعقلي”، هكذا وصفت الأم “أم رامي” حالها مع الليل في غزة.
“أم رامي” معلمة نزحت من مدينة رفح، وتعيش مع أطفالها في خيمة غرب مدينة دير البلح، توضح لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” أن تعب النهار والمجهود المضاعف التي يبذله الجميع خلال النهار يستوجب أن يكون النوم في الليل سريعا وعميقاً، لكن الحال أن العكس هو الواقع المعاش.
خان يونس.. أوامر تهجير إسرائيلية تفاقم مأساة الإبادة
تضحك وتبكي “أم رامي” في نفس الوقت، وتقول: “أنا أنظر لأطفالي كل ليلة وهم نيام بجواري متراصين داخل الخيمة، ولا أعلم إن كانوا سيستيقظون أم سيكونون من ضحايا هذه الليلة، نحن نعيش في ترقب وقلق وخوف مستمر جعل النوم يجافي عيوننا وقلوبنا وعقولنا”.
أم “أبو محمد” وهو أب لثلاثة أطفال، فيصف حالته مع دخول ساعات الليل لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” ويقول:” صدقني أن قلبي ينقبض مع بدء ساعات الظلام، لا أحب الليل، صحيح أن النهار ليس أكثر أمناً، لكن الليل أكثر رهبة وخوفا وقلقاً”.
“العتمة، وصوت القصف وصوت الطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع”، كلها تشكل عناصر تجعل من الليل بالنسبة لـ”أبو محمد” فترة ينتظر أن تنتهي بنور الصباح، مشيراً إلى أن أطفاله يلتصقون به وبأمهم طوال الليل بعكس ما كانوا عليه قبل الحرب حيث كان لكل واحد منهم مكانه المستقل للنوم بعيدا عن الآخر.
ليل غزة المخيف المظلم القاسي، والزنانة التي لا تكف عن الطنين، حتى صار ليل غزة يعني القصف والموت والدمار، فأين أمة العرب؟ أين المسلمون؟ أين الموحدون؟ إلى متى؟
“لا يتوقف عقلي عن تكرار الوساوس، وتخيل مشاهد القتل والموت التي قد نتعرض لها، أدفعها بذكر الله والصلاة على النبي وتكرار عدد كبير من الأذكار، لكن أصدقك القول رغم كل هذا يبقى الليل مرعبا ومخيفاً بشكل لن يتصوره إلا من يعيشه هنا في غزة” يقول “أبو محمد”.
الأطفال الأكثر تأثرا
منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، ترى أن جميع الأطفال في قطاع غزة بحاجة إلى دعم في مجال الصحة النفسية.
وقال “جوناثان كريكس” مدير الاتصالات بمكتب يونيسيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في تصريحات سابقة، إن الأطفال تظهر عليهم أعراض مثل مستويات عالية للغاية من القلق المستمر، وفقدان الشهية. ولا يستطيعون النوم، أو يمرون بنوبات اهتياج عاطفي أو يفزعون في كل مرة يسمعون فيها صوت القصف”.
وبين أم “يونيسيف” كانت تقدر قبل الحرب أن 500 ألف طفل في قطاع غزة بحاجة إلى خدمات الصحة النفسية والدعم نفسي، مبينا أن تقديراتهم اليوم تؤكد أن جميع الأطفال بحاجة إلى هذا الدعم، أي أكثر من مليون طفل.

لا بد من العلاج
استشارية الطب النفسي الدكتورة وئام وائل، تقول إن اضطرابات الكرب الحاد وكرب ما بعد الصدمة، المرتبطين بالحروب، قد تتحول إلى اضطرابات أسوأ إذا لم تُعالَج.
وتوضح الدكتورة وئام في حديث سابق مع موقع TRT عربي أن أبحاثاً علمية تشير إلى إمكانية الإصابة باضطرابات ذهانية حادة أو مزمنة بسبب التعرض لضغوط الحروب، حتى من دون استعداد وراثي، إذا لم تُعالج.
وتلفت إلى مشكلات الدعم النفسي للأطفال الفلسطينيين، من توفير الأدوية وصعوبة توافر العلاجات السلوكية والمعرفية أو علاجات الصدمات التي تحتاج إلى وقت طويل، غير أنها تحتاج إلى فِرَق طبية مدربة تدريبات خاصة.

مقالات مشابهة

  • مدير مطار صنعاء: تم نقل الفوج الأول من حجاج بيت الله الذي يضم 247 حاجا عبر مطار صنعاء الدولي
  • ما الذي يعنيه رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟
  • المشروب الذي رافق الأتراك منذ ألف عام.. ما سره؟
  • الليل الذي لا ينام في غزة.. رعب وخوف وندوب نفسية لا تنمحي
  • عدد ركعات صلاة الضحى.. اعرف سر رقم 360 الذي يعادلها
  • عبد المسيح: آن الأوان لخطوة من حزب الله مماثلة لخطوة الرئيس الفلسطيني
  • غلاكسي إس 25 إدج.. ما الذي ضحت به سامسونغ من أجل التصميم الأنيق؟
  • في فتح مكة.. النبي يضرب أروع الأمثلة في الرحمة والتسامح
  • رئيس هيئة الأركان المشتركة يستقبل وفدا من الصليب الأحمر
  • حماس: نحذّر من الواقع المأساوي الذي يهدد حياة آلاف الأسرى الفلسطينيين