سياسة بايدن في حرب غزة تضر أمريكا وتفيد الصين
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
من جديد، ركز قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن في الخامس والعشرين من مارس على الهوة الواسعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وذلك فيما يتعلق بالحرب التي تقوم بها إسرائيل على غزة، وبسرعة أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن إدارة بايدن لا تعتبر القرار «ملزما»، وهو الأمر الذي وقفت الصين بمعارضته فورا، وقد أشارت إلى ميثاق الأمم المتحدة.
وبعد حوالي ستة أشهر من الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فمن الواضح أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط لا تشكل ضررا على مصالحها في المنطقة فقط، بل ستشكل للصين فرصة وفائدة جيوسياسية كبيرة، رغم أن الصين بعيدة عن المشاركة الجوهرية من أجل تحقيق السلام، ولكن في واشنطن فإن التحدي الرئيسي للسياسة الخارجية هو منافسة الصين، إلا أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تعمل على ترجيح أولويات الصين الاستراتيجية.
وفي مقابلة أجريت مع أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية -الذي استقال بسبب سياسة بلاده تجاه غزة- تساءل المسؤول عن سبب اعتبار أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل مهم جدا، بل وأهم من مسألة منافسة الصين، وحقوق الإنسان، والتعامل مع أزمة تغير المناخ!؟
وإذا كانت الولايات المتحدة تتبنى موقفا جادا في موضوع التنافس مع الصين، فعليها إعادة النظر في سياستها، وإعادة النظر في علاقتها مع إسرائيل، وعليها أن تتبنى موقفا أوسع في الشرق الأوسط.
وكما هو الحال في حرب أوكرانيا، التي أبعدت الولايات المتحدة عن الصين، كذلك هو الحال في حرب غزة، وهاتين الحربين تركتا نطاقا واسعا للصين للتركيز على مناطق التوتر في كل من المحيط الهندي والمحيط الهادي، مثل علاقتها مع تايوان، وبحر الصين الجنوبي، لذلك في إطار الصراع الجيوسياسي تأتي حرب غزة بمثابة نعمة للصين لممارسة نفوذها.
لقد كانت بيكين راضية بالجلوس مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تبعد نفسها عن عشرات الدول غير الغربية التي تهاجم الولايات المتحدة بشدة لدعمها الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي الوقت نفسه لم تشارك الصين في أي جهود وساطة في عملية إحلال السلام، ولكنها إلى جانب ذلك كانت ساعية إلى الانضمام إلى دول محددة مثل جنوب أفريقيا، والبرازيل من خلال الدعوة إلى حل الدولتين، كما انضمت إلى رفض إدانة حماس ودعم جهود وقف إطلاق النار.
وهذا ما أثار الكثير من الحديث حول موقف الصين، منهم «مارك ليونارد» مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الذي قال: إن الصين بموقفها هذا «استغلت المشاعر العالمية المعادية لإسرائيل من أجل رفع مكانتها في الجنوب العالمي».
في خضم الحكم الأولي الصادر من محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بقضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، قالت افتتاحية في إحدى الصحف الصينية: «إن الأوامر يجب أن تدفع بعض الدول الكبرى أيضا نحو عدم صرف النظر عما تقوم به إسرائيل في غزة»، وهي إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالعودة إلى الوراء، حينما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض «الفيتو» اعتراضا على قرار مجلس الأمن في ديسمبر الماضي الذي يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية، أعرب السفير الصيني لدى الولايات المتحدة «تشانج جون» عن «خيبة أمل كبيرة جدا» من استخدام الولايات المتحدة حق النقض، كما شارك في تقديم مشروع القرار ذاته الذي تقدمت به دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب ما يقارب 100 دولة بما فيهم الصين، وهذا دليل على موقف أغلب المجتمع الدولي، وقال السفير «تشانج»: «كل ذلك يوضح -أكثر من مرة- ماهية المعايير المزدوجة».
وقد ألقت تهمة «المعايير المزدوجة» بصدى واسع لدى الكثير من الدول غير الغربية، ويظهر ذلك جليا في ضوء ردة فعل واشنطن على الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أدانت الولايات المتحدة بشدة الانتهاكات التي تقوم بها روسيا للقانون الدولي في أوكرانيا، وكانت وزارة العدل الأمريكية قد اتهمت أفرادا عسكريين روس بارتكاب جرائم حرب.
وبالمقابل تقول واشنطن: إن إسرائيل لم تقم بأية انتهاكات للقانون الدولي، رغم أن عدد القتلى من العاملين في مجال المساعدات الإنسانية في غزة قد وصل إلى حوالي 200 قتيل، إلى جانب الاعتداءات الصارخة على المرافق الطبية والمستشفيات والحد من وصول المساعدات التي يحتاجها أهالي غزة بشكل كبير.
لذلك فمن الأكيد أن قرار إدارة بايدن الذي يرمي إلى أن إسرائيل ملزمة بمذكرة الأمن القومي، والتي تنص على أن الدول التي تتلقى أسلحة أمريكية يجب عليها ألا تنتهك القانون الدولي أو تمنع المساعدات الإنسانية، من الأكيد أن يضاعف سخط دول الجنوب العالمي حيث ترى هذا النفاق.
قبل الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، قامت الصين بتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ويعتقد العديد من المراقبين أن السبب الرئيسي وراء استمرار الولايات المتحدة في الضغط هو من أجل التوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي، وهو ما سحب الرياض بقوة أكبر إلى فلك واشنطن وبعيدًا عن بكين.
في العام الماضي وحده، قامت الصين بوساطة في التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران، وأدرجت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران ومصر في كتلة «البريكس»؛ كما عززت العلاقات التجارية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبخاصة في منطقة الخليج العربي، وفي الوقت الحالي، تستغل الصين أزمة غزة لتعزيز دورها في المنطقة. فعندما قام وزراء الخارجية العرب بجولة في دول مجلس الأمن في نوفمبر في محاولة لإنهاء الحرب في غزة، اختاروا الذهاب إلى الصين أولًا.
لم تجبر الأزمة الإنسانية الصادمة والخطيرة في غزة بعد إدارة بايدن على إعادة التفكير في نهجها تجاه إسرائيل وفلسطين والمنطقة الأوسع. ومن المحتمل أن يكون الوضع الحالي في غزة دافعا كافيا لحث الولايات المتحدة على إعادة النظر في دعمها طويل الأمد لإسرائيل وسياستها العسكرية الأوسع في المنطقة. ولكن الأمر يتعلق أيضًا بالمصالح الجيوسياسية الصعبة، إذ يحد النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة في التعامل مع الصراع في غزة قدرتها على المنافسة مع الصين على الساحة العالمية.
يتماشى تكييف المساعدات المقدمة لإسرائيل وإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل مع المصالح الأمريكية، وسيكون ذلك أمرًا ذكيًا من الناحية الاستراتيجية. وعلى نطاق أوسع، يتعين على الولايات المتحدة إعادة النظر في موقفها العسكري في المنطقة، وقبل حدوث الحرب في غزة، كانت القوات الأمريكية في المنطقة تتعرض لوابل من الهجمات، وذلك لأسباب تتعلق بإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن التقوقع العسكري قد يشكل خطوة أولى جيدة في المساعدة في إصلاح صورة أمريكا الممزقة واستعادة العلاقات مع الأطراف الإقليمية الرئيسية، مما سيعزز مصالح الولايات المتحدة في منافستها مع الصين.
آدم جالاجر محلل سياسي مهتم بالسياسات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
نقلا عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة إعادة النظر فی الشرق الأوسط فی المنطقة فی غزة
إقرأ أيضاً:
"أكسيوس": السياسة التجارية الأمريكية زادت شعبية الصين عالميا
ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي أن تحليلات شركة "مورنينغ كونسلت" أوضحت أن السياسة التجارية الأمريكية عززت مكانة الصين على الساحة العالمية على حساب الولايات المتحدة.
وأشار "أكسيوس" إلى أن تدهور سمعة الولايات المتحدة يكلفها بالفعل خسائر اقتصادية، بدءا من انخفاض أعداد الزوار الأجانب النافرين من سياسة البيت الأبيض وصولا إلى تراجع قيمة الدولار. بالإضافة إلى تقلص فرص التجارة والاستثمار للشركات الأمريكية العاملة في الخارج، حيث يتجنب المستهلكون منتجاتها وفرص العمل التي توفرها، حسب تحليلات "مورنينغ كونسلت".
بالإضافة إلى أن تدهور سمعة الولايات الأمريكية يثير المخاوف في مشروع قانون الضرائب الذي قد يقلل الطلب على الأصول الأمريكية، كذلك خسائر حظر الطلاب الأجانب الدارسين في الولايات المتحدة.
ووفقا لتحليلات "مورنينغ كونسلت"، فإن شعبية أمريكا كانت قد بدأت في التحسن قليلا بعد أن وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خفض الرسوم الجمركية على الصين في أوائل مايو الماضي، إلا أن ترامب صرح يوم الجمعة الفائت بأن الصين "انتهكت الصفقة بشكل كامل"، مما أشعل فتيل التوتر الهش من جديد.
وبحسب بيانات شهر مايو الماضي الحصرية التي قدمتها "مورنينغ كونسلت" لـ "أكسيوس"، بلغ صافي تقييم التأييد للصين 8.8 في نهاية مايو، مقارنة بـ 1.5 للولايات المتحدة.
يذكر أنه في يناير 2024، كان تقييم أمريكا فوق 20 بينما كانت الصين في المنطقة السلبية.
كانت سمعة الولايات المتحدة إيجابية إلى حد كبير العام الماضي، لكنها تراجعت بشدة بعد تولي الرئيس ترامب منصبه.
ومنذ يناير2025، تُظهر الغالبية العظمى من الدول تدهورا في النظرة تجاه أمريكا وتحسنًا في النظرة تجاه الصين في نفس الوقت، ولكن "فقط في روسيا تحسنت النظرة تجاه أمريكا بشكل ملحوظ"، حسب "أكسيوس".
في المقابل، كان تقييم الصين سلبيا منذ أكتوبر 2020 عندما بدأت "مورنينغ كونسلت" تتبعه، لكنه بدأ يتحسن بعد انتخابات نوفمبر الماضي. وجاء معظم التحسن منذ مارس الماضي، بما في ذلك ارتفاع حاد بعد إعلانات ترامب حول التعريفات الجمركية