اشتباكات عنيفة بالخرطوم.. واشنطن تتحدث عن حصيلة إنسانية مروعة وحميدتي يدعو لتغيير قيادة الجيش للتوصل لاتفاق سلام
تاريخ النشر: 29th, July 2023 GMT
على وقع استمرار الاشتباكات العنيفة في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وصفت السفارة الأميركية في العاصمة السودانية المعاناة الإنسانية من الصراع المدمر في السودان "بالمروعة"، في حين دعا قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) -في أول ظهور له منذ أشهر- إلى تغيير قيادة الجيش السوداني من أجل التوصل إلى اتفاق سلام.
وأضافت السفارة الأميركية -في تغريدة- أن على أطراف الصراع ضمان تسهيل وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق ومحاسبة مرتكبي الجرائم.
كما حثت السفارة الأميركية الجيش السوداني والدعم السريع على ضمان احترام قواتهما حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وفي وقت سابق، أشاد السفير الأميركي بالسودان جون غودفري بمصادقة 75 منظمة مجتمع مدني في السودان على إعلان مبادئ يستهدف إنهاء الحرب في السودان وتحقيق التحول الديمقراطي.
وأضاف غودفري -في حسابه على تويتر- أنه بينما يتنافس الفرقاء على التدمير نحتفي بجهود الناشطين المدنيين الذين توحدوا من أجل سودان ينعم بالحرية والسلام.
وفي سياق التطورات، أعرب روبرت وود نائب المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي عن قلقه بشكل متزايد من التقارير التي تفيد بأن مجموعة فاغنر الروسية قد نقلت أنظمة الدفاع الجوي المحمولة "مانباد" إلى السودان عبر جمهورية أفريقيا الوسطى.
وأكد وود أهمية الرقابة على هذه الأسلحة ورصد الوضع الأمني في جمهورية أفريقيا الوسطى والمنطقة بشكل أوسع.
من ميدان المعركة متوسطاً جنوده .. قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو يخاطب جماهير الشعب السوداني العظيم#معركة_الديمقراطية #حراس_الثورة_المجيدة pic.twitter.com/N1XHPnRPyd
— Rapid Support Forces – قوات الدعم السريع (@RSFSudan) July 28, 2023
ظهور حميدتيمن جانبه، قال حميدتي -في تسجيل مصور نشرته أمس الجمعة الحسابات الرسمية لقوات الدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي وظهر فيه بين جنوده- إنه في حال تغيير قيادة الجيش يمكن التوصل لاتفاق خلال 72 ساعة.
وأضاف أنه يجري تدمير السودان، ويتعين التوجه نحو السلام، لكنه قال إن ذلك يستدعي أن يسلم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والقادة الآخرون أنفسهم، حسب تعبيره.
كما قال إن قيادة الجيش الحالية تعمل وفق توجيهات من وصفهم بفلول النظام السابق، مشيرا -تحديدا- إلى القياديين السابقين في حزب المؤتمر الوطني المنحل: أحمد هارون وعلي كرتي.
وتابع حميدتي أنه يعتذر لكل السودانيين والسودانيات بسبب الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، التي وصفها "باللعينة".
وقال قائد قوات الدعم السريع إن قواته لا تضم في صفوفها منفلتين، وإن "مهمتها تحقيق الديمقراطية للسودانيين".
وتواجه قوات الدعم السريع اتهامات من الجيش السوداني ومنظمات دولية بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
ولم تذكر قوات الدعم السريع تاريخ أو مكان تسجيل المقطع المصور لقائدها.
ويعد هذا ثاني ظهور علني لحميدتي بين قواته منذ اندلاع الصراع المسلح بينها وبين الجيش السوداني في أبريل/نيسان الماضي.
وكانت قوات الدعم السريع نشرت سابقا تسجيلات صوتية أو بيانات تحدث فيها حميدتي عن الأوضاع الراهنة.
اشتباكات عنيفة
وتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أمس الجمعة القصف في مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، وبحري، وأم درمان).
وأفاد مراسل الجزيرة بسماع دوي متقطع لأسلحة ثقيلة شمالي مدينة أم درمان، وسط اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأضاف المراسل أن الجيش استهدف تجمعات للدعم السريع بقصف مدفعي في منطقة بحري (شمالي الخرطوم). وأفادت مصادر محلية للجزيرة بأن الطائرات الحربية التابعة للجيش قصفت عددا من مواقع قوات الدعم السريع جنوبي الخرطوم وفي شرق النيل.
من جانبها، قالت قوات الدعم السريع إن وفدها ما زال موجودا في مدينة جدة السعودية، وإن تمسكها بهذا المنبر هو تعبير صادق عن التزامها بتعهداتها أمام الوساطة السعودية الأميركية، وفق تعبيرها.
واتهمت قوات الدعم السريع من سمّتهم "الانقلابيين" بعرقلة أي جهود لوقف الحرب وحل الأزمة.
في المقابل، أكدت القوات المسلحة رغبتها في التوصل إلى اتفاق فاعل وعادل يوقف ما سمته "العدائيات"، ويمهد لمناقشة قضايا ما بعد الحرب.
وأشار بيان صادر عن مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة إلى أن وفد التفاوض عاد إلى السودان الأربعاء الماضي للتشاور، مع الاستعداد لمواصلة المباحثات "متى تم استئنافها بعد تذليل المعوقات".
وأوضح البيان أن "الخلاف حول نقاط جوهرية -مثل إخلاء المتمردين منازل المواطنين بكافة العاصمة، وإخلاء المرافق العامة- أدى إلى عدم التوصل لاتفاق وقف العدائيات وعودة وفدنا للخرطوم".
كارثة إنسانيةوفي ظل استمرار التصعيد، قال كارل سكاو نائب المدير التنفيذي ورئيس العمليات في برنامج الأغذية العالمي إن الوضع في العاصمة السودانية الخرطوم وولايات دارفور يكشف عن كارثة إنسانية واسعة النطاق، حيث إن السكان معزولون إلى حد كبير عن المساعدات، وإن هناك انهيارا كاملا للخدمات.
وحذر ساكو -في تصريحات له- من خطر حدوث أزمة إقليمية ناتجة عن هذا الأمر، داعيا إلى عدم تجاهل ذلك وإيلاء الاهتمام الواجب للأوضاع الإنسانية في السودان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی قیادة الجیش فی السودان
إقرأ أيضاً:
WP: الفاشر تعيش كارثة إنسانية وصمت العالم يفتح الباب لأسوأ مأساة في السودان
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً قالت فيه إن العالم يتعرّف على أهوال مدينة الفاشر من خلال الصمت والغياب، لا من خلال أدلة ملموسة، إذ لم تتمكن أي وسيلة إعلامية مستقلة من الوصول إلى المدينة السودانية الواقعة في ولاية شمال دارفور، والتي سقطت في أواخر تشرين الأول/أكتوبر بعد أكثر من 500 يوم من الحصار.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أحياء مدمرة، وأراضي ملطخة بالدماء، وآثار مقابر جماعية.
واختفى المرضى الذين كانوا يعالجون في المستشفيات والعيادات التي استهدفها المقاتلون، فيما وصل الأطفال الفارون من الفاشر إلى مخيمات النازحين من دون آبائهم أو ذويهم.
وروى عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة شهادات عن مجازر وعمليات اغتصاب واسعة النطاق ارتكبتها ميليشيات قوات الدعم السريع، إحدى الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية المدمرة في السودان.
ومنذ اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023، عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على إقليم دارفور الشاسع غرب البلاد، وجسد استيلاؤها على الفاشر عملية تقسيم فعلي بين الشرق والغرب، في حين استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم في وسط البلاد.
وأدت الحرب الأهلية إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بعدما نزح نحو 14 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، وتفشت المجاعة والأمراض، ومنها الكوليرا، في مناطق واسعة، خصوصا الفاشر ومحيطها، حيث وصف شهود عيان كيف عاش السكان المحاصرون على علف الحيوانات والأعشاب الضارة.
كما ترافقت الأزمة مع العنف الممنهج الذي تمارسه قوات الدعم السريع ضد جماعات عرقية وقبلية غير عربية في دارفور، ويقدر عدد المفقودين من الفاشر بنحو 150,000 شخص، فيما يشير باحثون إلى أنّ نحو 60,000 منهم قتلوا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الشهر الماضي فقط.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، قال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر ييل للأبحاث الإنسانية، لشبكة "سي إن إن" الشهر الماضي: "نشهد وتيرة قتل لا يضاهيها إلا الإبادة الجماعية في رواندا".
ويتابع المختبر تداعيات ما يجري، مضيفا: "نحن بصدد كارثة بشرية قد تتجاوز في غضون أسبوع عدد ضحايا غزة خلال عامين. هذه هي سرعة القتل التي نشهدها بناء على ما نراه من أكوام الجثث على الأرض".
وقالت الصحيفة إن المنطقة لا تزال تعاني أيضا من صدمات سابقة، ففي لاهاي، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية الثلاثاء حكماً بالسجن 20 عاما على علي محمد علي عبد الرحمن، قائد ميليشيا الجنجويد السودانية سيئة السمعة، بعد إدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت تحت إشرافه قبل أكثر من عقدين خلال حملة مكافحة التمرد في دارفور.
وتعد الجنجويد النواة الأولى لقوات الدعم السريع، لكنها كانت آنذاك تنفذ أوامر الحكومة المركزية في الخرطوم بقيادة الرئيس عمر البشير.
وذكر الكاتب إشارات متكررة إلى العنف الإبادي الحالي، قائلاً إن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع مصورة لمقاتلين وقادة في قوات الدعم السريع وهم يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بقتل واغتصاب المدنيين من مختلف القبائل.
وسابقةً لسقوط الفاشر، شهدت مدينة الجنينة في غرب دارفور أيضا مجزرة واسعة، حيث قتلت قوات الدعم السريع وحلفاؤها نحو 15,000 شخص، وارتكبت عملية تطهير عرقي بحق شعب المساليت من أصول أفريقية سوداء.
وأشار المقال إلى أنّ الفاشر تحتل مكانة محورية في سجل الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين، إذ سبق أن شنّت قوات المتمردين في نيسان/أبريل 2003 غارة على منشأة عسكرية رئيسية في المدينة، ما مهّد لحملة القمع الوحشية التي دعمتها الحكومة وما تلاها من فظائع.
وأكد الكاتب أن أوجه التشابه واضحة، فنقل عن توم فليتشر، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، قوله في إحاطة لسفراء الأمم المتحدة نهاية تشرين الأول/أكتوبر: "إن ما يحدث في الفاشر يُذكّرنا بالأهوال التي عانت منها دارفور قبل عشرين عاماً. لكننا نشهد اليوم رد فعل عالمي مختلفا تماما، رد فعل استسلام. إنها أيضاً أزمة لامبالاة".
وأضاف أن محللين شددوا مراراً على أنّ المأساة الحالية كانت متوقعة، ففي بيان صدر عام 2023 عند اندلاع الحرب الأهلية، قال تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لشرق وجنوب أفريقيا: "لا يزال المدنيون في دارفور اليوم تحت رحمة قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور ومناطق أخرى من السودان، من المخزي أن يعيش الناس في السودان في خوف كل يوم".
ولفت إلى أن الجيش السوداني أيضاً متهم بارتكاب فظائع، لا سيما بالقصف العشوائي للمناطق المدنية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كما يُزعم أنّ قوات الدعم السريع قتلت عشرات المدنيين بطائرات مسيرة في منطقة كردفان جنوب وسط البلاد، التي أصبحت أحدث بؤرة توتر في حرب فشلت القوى الخارجية في كبحها.
وأضافت مجموعة الأزمات الدولية في موجزها السياسي أن السودان يقف اليوم أمام مأزق سياسي لا يستطيع أي من الطرفين كسره عسكريا، في ظل تزايد جرأة قوات الدعم السريع وترسخ وجود الجيش، وبعد أن اشترط الجيش وحلفاؤه انسحاب قوات الدعم السريع من الفاشر كشرط مسبق للمفاوضات، بات أقل استعداداً للدخول في محادثات بعد الهزيمة.
وشددت المجموعة على أنّ تجنب تقسيم دائم بين الشرق والغرب يتطلب دبلوماسية عاجلة ومبتكرة من جانب "الرباعية" بقيادة الولايات المتحدة، والتي تضم مصر والسعودية والإمارات.
وختم المقال بالإشارة إلى أن المسار الدبلوماسي لا يزال ضعيفاً رغم تدخل الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، في ظل اعتقاد العديد من الدول بأن لها نفوذا ومصالح مهمة في الصراع، وأشار إلى أنّ الإمارات، على سبيل المثال، يُعتقد أنها دعمت ومكّنت قوات الدعم السريع عبر قنوات مختلفة، رغم نفي المسؤولين الإماراتيين بشدة.
واختتم بما كتبه جاويد عبد المنعم، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: "يتم تمكين الموت والدمار بسبب امتناع العديد من الحكومات عن استخدام نفوذها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف قتل الناس أو منع وصول المساعدات الإنسانية، إذ تكتفي بإصدار بيانات قلق سلبية، بينما تقدم هي وحلفاؤها الدعم المالي والسياسي، والأسلحة التي تدمر وتشوه وتقتل".