الحرب وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
فكرة طرد الفلسطينيين انبثقت مع الحركة الصهيونية وتطورت مع مشروعها وظلت أولوية للقادة الصهاينة
رغم خطط التهجير الكثيرة إلى أصقاع العالم ما زالت سيناء بنظر قادة الكيان المكان النموذجي الأقرب والأكثر استيعاباً
حادث إطلاق فلسطيني النار في قنصلية الكيان في الباراجواي أغلق خطة التهجير إلى أمريكا اللاتينية
التهجير أهم أهداف الحرب على غزة، وآلة الحرب الصهيونية تعمل على تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للعيش
د.
محمود محارب*
استغلت إسرائيل عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في السابع من أكتوبر 2023م، لشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأعلنت أن هدفها من الحرب هو القضاء على حكم حماس وعلى قوتها العسكرية في القطاع، بيد أنها سعت في الوقت نفسه لتحقيق هدف آخر هو تهجير الفلسطينيين أو معظمهم من قطاع غزة إلى سيناء المصرية وإلى دول أخرى في المنطقة والعالم، وفي هذا السياق، قام الجيش الإسرائيلي بعملية تدمير شاملة للمدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية في القطاع، أتت على المباني السكنية ومختلف البنى التحتية التي تزود الخدمات الضرورية لحياة المواطنين المدنيين مثل الكهرباء والماء، وكذلك مختلف المؤسسات بما في ذلك المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنشآت الاقتصادية والصناعية وطرق المواصلات والحقول الزراعية … إلخ، وحتى منتصف مارس 2024م، استشهد أكثر من 31500 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى نحو 7000 مفقود، وجرح أكثر من 72000 معظمهم من النساء والأطفال، ولم تأتِ جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في القطاع لتحقيق أهداف عسكرية أو لإشباع غريزة الانتقام فحسب، وإنما أيضًا، وأساسًا، لتحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للعيش فيها، لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة منه.
جذور فكرة التهجير
انبثقت فكرة طرد الشعب الفلسطيني من أرضه من صلب الحركة الصهيونية، ورافقت تطور المشروع الصهيوني في فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم، ولا نكاد نجد قائدًا صهيونيًا لم ينادِ بطرد الفلسطينيين من وطنهم، وربط تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين بطرد الفلسطينيين منها، وقد تشكّل في ثلاثينيات القرن العشرين إجماع صهيوني، شمل الأحزاب والمؤسسات الصهيونية المختلفة، يدعو إلى تهجير الفلسطينيين من فلسطين. وأقامت الوكالة اليهودية وإسرائيل ثلاث لجان ترحيل (ترانسفير) لوضع الخطط العملية لتهجير الفلسطينيين من فلسطين وتوطينهم خارجها، خاصة سورية والعراق وشرق الأردن؛ الأولى في عام 1937م، والثانية في عام 1942م، والثالثة في عام 1948م، إلى جانب ذلك، وضعت منظمة الهاغاناه الصهيونية خططًا عسكرية في أربعينيات القرن العشرين طوّرتها إلى الخطة «د» (دالت) في مارس 1948م، وباشرت تنفيذها في بداية أبريل 1948م. وفي حرب 1948م، طردت المنظمات العسكرية الصهيونية والجيش الإسرائيلي نحو 800 ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم وقراهم.
شكّلت قضية اللاجئين الفلسطينيين حلقة مركزية في الصراع العربي – الإسرائيلي. ففي حين طالب الفلسطينيون والدول العربية ومعظم الدول في العالم بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، رفضت إسرائيل ذلك بشدة، كما رفضت تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي صدر في 11 ديسمبر 1948م، والذي دعا إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وسعت إسرائيل منذ تهجيرهم في حرب 1948م إلى توطينهم في الدول العربية، لا سيما سوريا والعراق وشرق الأردن، وفي دول أخرى في العالم، وقد أيدت الولايات المتحدة الأمريكية توطين أغلبية اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، وخاصة في سوريا والعراق وشرق الأردن وسيناء، وإعادة جزء قليل منهم فقط إلى ديارهم، وطرحت قبل حرب يونيو 1967م العديد من المشاريع في هذا الخصوص.
أثار وجود اللاجئين الفلسطينيين عمومًا، واللاجئين في قطاع غزة خصوصًا، قلق القيادات الإسرائيلية؛ فانشغلت منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي بوضع الخطط لتهجيرهم من القطاع وتوطينهم في سيناء أو في دول أخرى في المنطقة والعالم، وفي الفترة القصيرة التي احتلت فيها إسرائيل قطاع غزة، في العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م، وضعت خططًا لتهجير اللاجئين الفلسطينيين من القطاع، وخصّص وزير المالية الإسرائيلي حينئذ، ليفي إشكول، مبلغًا ماليًا أوليًا قدره نصف مليون دولار لتحقيق هذا الهدف.
وقد ظل وجود اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة يُقلق القيادة الإسرائيلية، ولا سيما أن تكاثرهم الطبيعي كان مرتفعًا، فقد ذكر إشكول، حينما صار رئيس الحكومة الإسرائيلية، في اجتماع له عام 1965م مع رئيس أركان الجيش الإسرائيل إسحاق رابين، أن اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة يتكاثرون بسرعة، وأن ذلك قد يقود إلى تفجّر الوضع، وسأل إشكول رابين عمّا يحدث إذا نظّم اللاجئون الفلسطينيون في قطاع غزة مسيرة كبيرة في مقدمتها النساء والأطفال إلى داخل حدود إسرائيل. فأجابه رابين بأن ذلك لن يحدث، ولكن إن حدث، فإن الجيش الإسرائيلي سيطلق النار عليهم ويقتل أول مئة منهم، فيعود جميع من في المسيرة إلى القطاع.
التهجير بعد حرب 1967م
بعد أن احتلت إسرائيل قطاع غزة في حرب 1967م، ساد إجماع في الحكومة الإسرائيلية على أن إسرائيل لن تنسحب من القطاع في أيّ حلّ مع الدول العربية، وستضمه رسميًا إليها بعد أن تطرد سكانه، أو أغلبيتهم منه، ولم تتسرع الحكومة في ضم القطاع إلى إسرائيل، كما ضمت القدس الشرقية فور احتلالها في حرب 1967م؛ وذلك لوجود أكثر من 400 ألف فلسطينيي فيه حينئذ، كان نحو 75% منهم من اللاجئين الذين هجّرتهم إسرائيل من ديارهم إليه في حرب 1948م. فقد كان من شأن ضم القطاع مع سكانه، علاوة على ضم القدس الشرقية، إضافة إلى وجود الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، أن يشكّل «خطرًا ديموغرافيًا» على إسرائيل وفق مفهوم الحكومة الإسرائيلية.
يتضح من الوثائق الإسرائيلية، وخاصة من محاضر اجتماعات الحكومة الإسرائيلية في 18 و19 يونيو 1967م، التي كُشف النقاب عنها في السنوات الأخيرة، أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة احتل الأولوية العليا؛ حيث ساد إجماع على ضرورة تهجيرهم إلى سيناء أو إلى الأردن، وقد شكّلت الحكومة الإسرائيلية العديد من اللجان، وخصصت لها الميزانيات لتحقيق هذا الهدف، ووضعت لجنة «مديري الوزارات» التي شكّلتها الحكومة الإسرائيلية الخطط لتهجير الفلسطينيين من القطاع، بالتعاون مع كبار المسؤولين في وزارة الأمن وقادة المؤسسة العسكرية والمخابرات العامة ومكتب رئيس الحكومة، وقد صاغت هذه اللجنة وثيقة بخصوص تهجير الفلسطينيين من المناطق المحتلة، وصدّق عليها وزير الأمن موشيه ديان في 13 أكتوبر 1967م، ومنحت الوثيقة تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى الأردن الأولوية العليا، من خلال اتباع سياسة منهجية شاملة تجاه القطاع، تضيّق الخناق على اقتصاده وتمنع إقامة المشاريع الاقتصادية وتحافظ على بطالة عالية فيه، وتسهّل عملية السفر إلى الأردن عن طريق الضفة الغربية في اتجاه واحد، وتقدّم المحفزات المختلفة للهجرة، وتزيد من مختلف أشكال البطش بسكانه، وفي نوفمبر 1967م، بدأت تظهر نتائج سياسة إسرائيل في الضغط على الفلسطينيين في قطاع غزة بمختلف الوسائل للهجرة إلى الأردن؛ ففي الفترة نوفمبر 1967م- يوليو 1968م، كان معدل الهجرة الشهري من القطاع إلى الأردن نحو 2800 شخص. ولم تتوقف هذه الهجرة إلا بعد أن تنبّهت الحكومة الأردنية لها، واتخذت قرارًا بوقفها، وذلك بمنع دخول سكان القطاع إلى الأردن عن طريق الضفة الغربية منعًا باتًا.
إلى جانب محاولات التهجير إلى الأردن، بذلت إسرائيل في تلك الفترة جهودًا أخرى لتهجير سكان القطاع إلى دول في أمريكا الجنوبية عن طريق محاولة الاتفاق مع أكثر من دولة هناك لقبول هجرة السكان إليها مقابل مبلغ مالي تدفعه إسرائيل عن كل مهاجر تستقبله الدولة، وفي مايو 1969م، اتفق جهاز الموساد مع حكومة البارغواي على أن تقبل هجرة 60 ألف فلسطيني من قطاع غزة إليها خلال أربع سنوات، وأن تمنحهم تأشيرة دخول للعمل فيها؛ ما يمكّنهم من الحصول على المواطنة فيها خلال خمس سنوات، وقد تمكنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بالترهيب والترغيب، من إرغام عدة مئات من سكان القطاع إلى الهجرة إلى البارغواي، وقدّمت لكل عائلة تذاكر سفر في اتجاه واحد ومبلغًا ماليًا ووعودًا كثيرة، ويبدو أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية قد أخلفت وعودها التي قطعتها لضحاياها الفلسطينيين، فقد دخل اثنان من المهجّرين من قطاع غزة القنصلية الإسرائيلية في البارغواي وطلبا مقابلة القنصل، وحينما تلكّأ في الاستجابة لطلبهما، أطلق أحدهما النار، فقتل شخصًا وأصاب آخر؛ ما وضع حدًّا لخطة التهجير الطموحة.
ظل تهجير الفلسطينيين في العقود الماضية يحتل أولوية عليا في ذهنية القادة الإسرائيليين، فوضعوا التصورات والخطط لتهجيرهم بطرائق شتى، فمثلًا، صرّح رابين في بداية عام 1973م بأن مشكلة اللاجئين في قطاع غزة يجب ألّا تُحلّ فيه، وإنما في شرق الأردن، وأن على إسرائيل توفير الظروف الملائمة، وخاصة الاقتصادية التي تحقق ذلك.
وفي عام 2010م، طرح الجنرال غيورا آيلاند، الذي ترأس في الفترة 2004 – 2006م مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعًا لتوطين أكثر من مليون فلسطيني من قطاع غزة في سيناء في إطار اتفاق تبادل أراضٍ بين مصر وإسرائيل وفلسطين كالتالي:
أولًا: تعطي مصر قطاع غزة أرضًا من سيناء مساحتها 720 كيلومترًا مربعًا في المنطقة المحاذية للقطاع، تمتد 24 كيلومترًا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، و34 كيلومترًا على الحدود المصرية مع قطاع غزة وإسرائيل.
ثانيًا: يتنازل الفلسطينيون، في مقابل حصولهم على 720 كيلومترًا مربعًا من سيناء، عن 720 كيلومترًا مربعًا من مساحة الضفة الغربية المحتلة لفائدة إسرائيل، في المناطق المقام عليها الكتل الاستيطانية اليهودية التي تعادل 12 % من مساحتها.
ثالثًا: في مقابل المساحة التي تعطيها مصر لقطاع غزة، تحصل مصر من إسرائيل على مساحة في جنوب غرب صحراء النقب قد تصل إلى 720 كيلومترًا مربعًا، ولكن قد تكون أصغر من ذلك، في حال قبلت مصر الإغراءات والامتيازات التي تحصل عليها من إسرائيل.
التهجير بعد السابع من أكتوبر 2023م
ما إن شنت إسرائيل حربها على الفلسطينيين في قطاع غزة، حتى ظهرت الدعوات الإسرائيلية لتهجيرهم إلى سيناء ودول أخرى في المنطقة والعالم، وقد ازدادت هذه الدعوات يومًا بعد آخر من قادة إسرائيليين داخل أحزاب الائتلاف الحكومي، وفي صفوف المعارضة السياسية، وفي وسائل الإعلام، وقادة الرأي العام، وفي العديد من مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وفي هذا السياق، دعا الجيش الإسرائيلي علنًا، في المرحلة الأولى من الحرب، جميع الفلسطينيين في محافظتَي غزة والشمال إلى مغادرة بيوتهم والتوجه إلى جنوب وادي غزة وجنوب القطاع، وفي المرحلة الثانية من الحرب، دعا جميع سكان محافظتي الوسطى وخانيونس إلى التوجه إلى رفح المحاذية للحدود مع سيناء.
وقد برز في الدعوة إلى التهجير رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي دعا علنًا، ونشط سرًا أيضًا منذ بداية الحرب، إلى تهجير فلسطينيي القطاع إلى سيناء. وطرح في بداية الحرب، إضافة إلى مسؤولين إسرائيليين آخرين، على العديد من قادة الدول الغربية تأييد سعي إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وفي هذا السياق، طلب نتنياهو من الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، ومن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في أثناء زيارتهم إسرائيل في بداية الحرب، الضغط على رئيس مصر عبد الفتاح السيسي لقبول تهجير مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء.
وثيقة رسمية إسرائيلية تدعو إلى التهجير
بعد مرور أقل من أسبوع على بدء حرب الإبادة الإسرائيلية، وضعت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية وثيقة رسمية دعت فيها إلى تهجير سكان القطاع إلى سيناء، ورأت أنه ينبغي للحكومة الإسرائيلية أن تحدد الهدف السياسي للحرب الذي تسعى لتحقيقه بخصوص المدنيين، وذلك إلى جانب تحقيق هدف الحرب العسكري المتمثل في القضاء على حكم حماس وقوتها العسكرية في القطاع، وذكرت الوثيقة أنه توجد أمام الحكومة الإسرائيلية ثلاثة خيارات، هي: أولًا: بقاء السكان في القطاع وعودة السلطة الفلسطينية إليه، ثانيًا: بقاء السكان في القطاع تحت حكم محلي جديد برعاية إسرائيل. ثالثًا، تهجير السكان من القطاع إلى سيناء.
رفضت الوثيقة الخيارين الأول والثاني، ورأت أن الخيار الأول يشكّل أكبر هزيمة لإسرائيل وانتصارًا للحركة الوطنية الفلسطينية؛ لأنه يُنهي الانقسام الفلسطيني بين الضفة والقطاع، ويقود إلى إنشاء دولة فلسطينية، وأكدت أن الخيار الثاني لا يوفّر أيّ مكسب استراتيجي لإسرائيل، بل إنه يشكّل عبئًا عليها بعد مرور عدة سنوات، وأوصت بتبنّي الخيار الثالث وهو تهجير السكان إلى سيناء وإلى دول أخرى في المنطقة والعالم، ورأت أن على إسرائيل دعوة السكان المدنيين إلى الهجرة إلى جنوب القطاع في رفح تمهيدًا لتهجيرهم إلى سيناء، وأن على إسرائيل إبقاء المحاور المرورية في اتجاه الجنوب مفتوحة عند قصفها القطاع، لإتاحة الفرصة لتهجير المدنيين إلى رفح.
وحثت الوثيقة الحكومة الإسرائيلية على تكثيف العمل على الصعيد الدولي، وخاصة لدى الولايات المتحدة والدول الغربية، لتوفير الشرعية الدولية لعملية التهجير إلى سيناء، وأن تبذل هذه الدول الجهود للضغط على القيادة المصرية لقبول تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مقابل تقديم الدعم الاقتصادي لمصر لحل أزمتها الاقتصادية، وكذلك التأثير في الولايات المتحدة لكي تضغط على العديد من الدول في الشرق الأوسط ودول غربية لاستيعاب جزء من سكان القطاع، وأشارت الوثيقة إلى أهمية الترويج إعلاميًا لمخطط التهجير، إقليميًا ودوليًا وفي صفوف الفلسطينيين أنفسهم في القطاع، وإلى ضرورة التشديد على الترويج الموجّه إلى الفلسطينيين بفقدان ديارهم واستحالة العودة إليها.
وبعد كشف النقاب عن الوثيقة، ظلت وزيرة الاستخبارات غيلا غمليئيل متمسكة بالتهجير، ففي مقال لها، نادت باستغلال الحرب على القطاع لتهجير الفلسطينيين منه إلى سيناء ودول أخرى في العالم، وأكدت أن إحدى المهمات التي تعمل عليها وزارتها هي الوضع في اليوم التالي للقضاء على حماس وحكمها في القطاع، وأن بقاء أكثر من مليونَي فلسطيني فيه أمر غير مقبول مهما كانت طبيعة السلطة التي ستحكمه، وأن الحل الوحيد هو تهجيرهم إلى سيناء ودول أخرى في المنطقة والعالم، لقد امتدت الدعوة إلى التهجير إلى فئات أخرى في المجتمع الإسرائيلي، من ضمنها مراكز الأبحاث.
فبعد مرور عشرة أيام على بدء الحرب، نشر رفائيل بن ليفي، الباحث في معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، مقالًا دعا فيه إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء ودول أخرى في العالم، ورفض بشدّة أيّ حل آخر يبقى فيه الفلسطينيون في القطاع، سواء تحت الاحتلال الإسرائيلي أو تحت حكم أيّ سلطة فلسطينية، وعبّر عن قناعته بأنه يجب أن تهجّر إسرائيل سكان القطاع إلى سيناء، وأن تدفع أيضًا إلى بلورة مبادرة دولية لاستيعاب المهجّرين في دول أخرى، وأن تضمّ قطاع غزة إليها بعد تهجير سكانه الفلسطينيين، وأضاف أنه من الطبيعي أن يعارض أعداء إسرائيل ومؤيدوهم في العالم تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، لأنهم يدركون أن ذلك سيكون انتصارًا ملموسًا لإسرائيل ونكبة جديدة للفلسطينيين، ولكن على الرغم من هذه المعارضة، فإنه ينبغي لإسرائيل أن تتمسك بهدف طرد الفلسطينيين من القطاع.
ونشر أمير فايتمن، أحد ناشطي حزب الليكود، ورقةً طرح فيها خطة مفصّلة لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر، ادّعى فيها أن اقتصاد مصر يعاني أزمة اقتصادية عميقة تهدد استقرار النظام المصري ومصالح العديد من الدول، وخاصة التي أعطت مصر قروضًا كبيرة، وأشار إلى أن النظام المصري يعارض حتى الآن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، ولكن في الإمكان التغلب على هذه المعارضة بوساطة تقديم إسرائيل المال لمصر بسخاء، المُرافق بالضغط الأمريكي، واقترح أن تكون إسرائيل سخية مع مصر، وتدفع لها نحو 30 – 40 مليار دولار لشراء بضع مئات آلاف الشقق في مصر في العديد من المدن التي تتوافر فيها الشقق، مثل مدينتي السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان، لتوطين الفلسطينيين الذين سيهجّرون من القطاع فيها، واستخلص أن الوقت الآن مناسب لتحقيق هذه الخطة الطموحة، وأنه «في إمكان قوة إسرائيل الاقتصادية التفاعل مع الضائقة الاقتصادية المصرية للدفع في تحقيق تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر».
ونشر يوآف سوريك، محرر مجلة هشيلواح، ورقة حاجّ فيها بأنه يجب أن تتخلص إسرائيل من الفرضيات السابقة التي قادت إلى السابع من أكتوبر، وأن يكون لديها «وضوح أخلاقي» بشأن الأهداف التي تسعى لتحقيقها، ويتضح من ورقته أن الأخلاق التي يدعو إليها ما هي إلا أخلاق القتلة وكبار المجرمين في التاريخ الإنساني؛ فقد ذكر أن هذه الأهداف يجب أن تستند إلى المبادئ التالية: أولًا: يجب أن يكون القتل الجماعي جزءًا من تحقيق الانتصار على العدو، أما القتل الجماعي الذي لا يكون كذلك فهو ليس أخلاقيًا؛ أي إنه يحقّ لإسرائيل أن ترتكب جرائم القتل الجماعي ضد الفلسطينيين، ما دام ذلك يخدم تحقيق الانتصار، ثانيًا: إبقاء سكان قطاع غزة فيه سياسة غير أخلاقية، ثالثًا: ترحيل سكان القطاع المدنيين غير المتورطين في الحرب إلى دول في المنطقة والعالم عمل أخلاقي، وينبغي توطينهم في العديد من الدول في المنطقة والعالم وإلغاء منظمة غوث وتشغيل لاجئين فلسطين في الشرق الأدنى «الأونروا»، وأكد أنه ينبغي عدم السماح للفلسطينيين الذين هجّرهم الجيش الإسرائيلي من شمال قطاع غزة إلى جنوبه بالعودة إلى بيوتهم، وأضاف أن «العدل والانتقام» هما ضرورة استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل؛ فقد تلقّى الردع الإسرائيلي في السابع من أكتوبر ضربة قوية، ولن يُسترد إلا بدفع الفلسطينيين ثمنًا باهظًا جدًا يغيّر الواقع، وإذا لم تستعِد إسرائيل الردع فإنها ستبدأ في الانحدار أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، ورأى أنه يجب إعادة بناء غزة بعد تهجير الفلسطينيين كمدينة إسرائيلية.
ولم يكن مؤسس حركة «إم ترتسو» (إذا أردتم)، رونين شوفال، أقل تطرفًا من سوريك. فقد أكّد في مقال له أنه يجب أن يكون واضحًا للغرب عمومًا، ولإسرائيل خصوصًا، أن بقاء السكان الفلسطينيين وبقاء «نظام قاتل» في قطاع غزة عمل غير أخلاقي، وأن نقل السكان الفلسطينيين غير المنخرطين في الحرب إلى خارج القطاع عمل أخلاقي، وأضاف أنه يجب «محو القتلة من الوجود» بوساطة حرب شاملة على القطاع، وفي هذه الحرب، يُمنح السكان المدنيون غير المنخرطين في الحرب ممرًا آمنًا في اتجاه مصر، ويجب أن يقتل الجيش الإسرائيلي كل من يبقى في القطاع بعد أن يوجّه إليهم إنذارًا بالاستسلام ومغادرته.
ولم تقتصر الدعوة إلى التهجير على اليمين المتطرف واليمين الفاشي في إسرائيل، ولا على أحزاب الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو، وإنما امتدت إلى أعضاء كنيست في قيادة المعارضة الإسرائيلية، فقد طالب عضو الكنيست القيادي في حزب «يوجد مستقبل»، رام بن باراك، الذي يعدّ الرجل الثاني في هذا الحزب، وكان قد أعلن عن نيته الترشح لمنافسة يائير لبيد على رئاسة الحزب، في مقال مشترك له ولعضو الكنيست داني دانون القيادي في حزب الليكود، نشراه في صحيفة «وول ستريت جورنال»، بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الدول الغربية ودول أخرى في العالم.
وناشدا الدول الغربية والمنظمات الدولية، ذات الخبرة في معالجة قضايا اللاجئين، بوضع مشروع دولي يجري من خلاله تهجير واسع النطاق للفلسطينيين من قطاع غزة إلى الدول الغربية ومختلف الدول الأخرى في العالم التي تقبل استقبالهم.
وكشف دانون النقاب عن أن إسرائيل بذلت جهدًا على الصعيد الدولي لتهجير سكان القطاع، وادّعى أن العديد من الدول في أمريكا الجنوبية وأفريقيا أعربت عن استعدادها لاستيعاب لاجئين منه، وأن بعضها «طلب مالًا وأمورًا أخرى» مقابل الموافقة على استيعابهم، وحاول دانون تبرير تهجير الفلسطينيين من القطاع بأنه أمر طبيعي يحدث في الحروب، وأنه ليس مخططًا إسرائيليًا أصيلًا سعت إسرائيل دومًا لتحقيقه، فقد ذكر أنه «في كل حرب تحدث هجرة، انظر إلى ما حدث في سوريا، مليون ونصف المليون انتقلوا إلى الأردن، وثلاثة ملايين انتقلوا إلى تركيا، وانتقل كذلك عدة ملايين إلى أوروبا»، وأضاف أن إسرائيل ستتواصل مع دول في المنطقة والعالم لحضّها على قبول هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة إليها، وأنها لن تتحدث معها عن أرقام عالية «كي لا تخيفها، وحتى إذا قبلت كل دولة عشرة آلاف إلى عشرين ألفًا من قطاع غزة، فإن هذا رقم معتبر»، وطرح دانون مسألة التهجير في اجتماع كتلة حزب الليكود في الكنيست، وقال نتنياهو فيه إنه يشجع تهجير الفلسطينيين من القطاع، ولكن المشكلة تكمن في إيجاد دول توافق على قبولهم فيها.
وفي سياق السعي الإسرائيلي للتهجير، قدّم عضو الكنيست عن حزب الليكود، موشيه بسال، في 4 ديسمبر 2023م، اقتراح قانون في الكنيست لتشجيع تهجير الفلسطينيين من القطاع. وجاء في نص القانون المقترح أن حكومة إسرائيل تتصل بدول في العالم لحثّها على استيعاب مهاجرين فلسطينيين من القطاع، وأنها ستدفع لكل مهاجر من القطاع ستة آلاف دولار، وتدفع عشرة آلاف دولار للدولة المستقبلة عن كل مهاجر تستوعبه فيها.
اجتماع شعبي يدعو إلى التهجير
في سياق الدعوة إلى التهجير ووضعها على قمة أجندة الرأي العام الإسرائيلي، بادرت أحزاب اليمين المتطرف واليمين الفاشي الحاكم في إسرائيل إلى عقد اجتماع شعبي كبير في أواخر يناير 2024م، في مباني الأمة في القدس الغربية، شارك فيه آلاف الإسرائيليين، ودعا قادة أحزاب الائتلاف الحكومي الذين شاركوا في الاجتماع إلى طرد الفلسطينيين من قطاع غزة وتجديد الاستيطان اليهودي فيه، وقد شارك في الاجتماع 15عضو كنيست، و12 وزيرًا من أحزاب الليكود والقوة اليهودية والصهيونية الدينية و»يهدوت هتوراه» الحريدي، إلى جانب قادة حركات الاستيطان اليهودي، وقّعوا فيه على ميثاق للاستيطان في قطاع غزة.
لقد هيمنت دعوة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة على هذا الاجتماع؛ فقد طالب الوزراء وأعضاء الكنيست الذين تحدثوا فيه، وسط هتافات الجمهور «ترانسفير ترانسفير»، بتهجير الفلسطينيين من القطاع وإعادة الاستيطان في مدنه وتحويلها إلى مدن يهودية بعد طرد الفلسطينيين منها، ولم يتميّز هذا الاجتماع الشعبي بمشاركة العديد من وزراء وأعضاء كنيست من قادة حزب الليكود فحسب، الذين نادوا في خطاباتهم بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، تمامًا كما نادى قادة الحزبَين الفاشيين الشريكين في الائتلاف الحكومي، القوة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير والصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وإنما أيضًا بمشاركة رئيس حزب يهدوت هتوراه، يتسحاك غولدنوف، الذي ألقى خطابًا ذكّر فيه بأنه يقف ضد التنازل عن أيّ جزء من «أرض إسرائيل» وأنه يدعم تجديد الاستيطان اليهودي في جميع أراضي قطاع غزة.
خاتمة
إلى جانب تحقيق هدف الحرب المعلن وهو القضاء على حكم حماس وعلى قوتها العسكرية في قطاع غزة، تحاول إسرائيل في هذه الحرب تهجير الفلسطينيين أو معظمهم من قطاع غزة إلى سيناء، وجاءت حرب الإبادة وتدمير القطاع وتحويله إلى منطقة غير صالحة للعيش فيها، لتخدم على نحو مباشر استراتيجية إسرائيل في التهجير، ولتحقيق ذلك، تعمل علنًا وسرًا للاتفاق مع العديد من الدول في العالم لاستقبال أكبر عدد من الفلسطينيين للهجرة إليها مقابل تقديم المال لها، سواء عن طريق رفح أو بوساطة ميناء يجري إنشاؤه أو عن طريق إسرائيل نفسها.
دراسة نشرت في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: تهجیر الفلسطینیین من قطاع غزة تهجیر الفلسطینیین من القطاع الفلسطینیین فی قطاع غزة اللاجئین الفلسطینیین الحکومة الإسرائیلیة لتهجیر الفلسطینیین طرد الفلسطینیین من العدید من الدول فی الجیش الإسرائیلی الائتلاف الحکومی السابع من أکتوبر القطاع إلى سیناء الفلسطینیین إلى کیلومتر ا مربع ا سکان القطاع إلى من قطاع غزة إلى الدول العربیة الدول الغربیة من القطاع إلى رئیس الحکومة على إسرائیل التهجیر إلى حزب اللیکود تهجیر سکان إلى الأردن فلسطینی من إسرائیل فی إلى تهجیر معظمهم من فی القطاع فی بدایة إلى جانب وأضاف أن فی اتجاه أنه یجب إلى دول عن طریق أکثر من دول فی فی حرب یجب أن فی هذا بعد أن فی عام
إقرأ أيضاً:
"أنياب" إسرائيل "تنهش" الفلسطينيين في غزة والضفة عبر تحويل كلاب أوروبية لسلاح حرب (تحقيق استقصائي)
يكشف التحقيق عن استخدام إسرائيل الكلاب المُدرّبة، التي تُصدّرها دول أوروبية إلى إسرائيل، كسلاح ضد المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة والضفة الغربية، والتجاهل الواضح للمعايير الأخلاقية والقانونية من قِبل شركات أوروبية متخصصة في تدريب الكلاب وبيعها إلى إسرائيل.
في أحد أحياء غزة الشرقية، حيث البيوت متهالكة تنطق جدرانها بالخوف؛ جلس الحاج عمر يوسف، رجل سبعيني، يروي ما جرى له كمن نجا من عاصفة لا ترحم. لم يكن ذلك مجرد اعتقال أو اقتحام عادي، بل كان، كما وصفه، « مطاردة جسدية ونفسية من قبل كلب عسكري مدرب ».
يسرد الحاج عمر تفاصيل ذلك الهجوم الذي لا يفارق ذاكرته: « بينما كنت جالساً على سطح البيت شبه المدمر، ظهرت دبابة من جهة الورشة المجاورة، تتحرك بسرعة جنونية، ولفت من خلف البيت. حاولت النزول، لكني تفاجأت بجنود يتسلّلون من خلف المنزل… دخلوا دفعة واحدة، كتيبة كاملة من ستة أفراد ».
سرعان ما أطلقوا كلباً ضخماً على سطح البيت، مزوداً بكاميرا مثبّتة على رأسه. وأمروا الكلب بالعبرية: « تبّيتوه؛ أي أمسكه »، ثم وقفوا يتابعون المشهد من شاشة بيد أحدهم.
هجوم الكلبهاجم الكلب الضخم الرجلَ السبعيني؛ عضه من ذراعه، فمزق ثيابه. ومن قوة الهجمة، وصلت أنياب الكلب إلى عظم الحاج عمر. وعن ردة فعل الجنود يقول عمر: « صرخت، قلت يا خوي، يا خوي، الكلب عضني! إيدي! لكنهم لم يبالوا ».
لم يتوقف الكلب عند هذا الحد؛ بل جرّه من الطابق الثالث إلى الطابق الأرضي، حيث كان بالانتظار ضابط إسرائيلي.
يضيف الحاج عمر: « أمسك المدرب الكلب، وضعه بين رجليه، وأعطاه قطعة حلوى كمكافأة؛ كأنهم يقولون له: جبت الأسد، مش بني آدم. لم يفهموا أنهم اصطادوا إنساناً ».
أُجبر عمر، وهو ينزف، على الدخول إلى مطبخ منزله. وهناك طلبوا منه خلع ملابسه كاملة. وعندما استغاث من شدة النزيف والألم، لم يستجيبوا له: « قلت له بدي دكتور، دمي بينزف، فأجاب الضابط: شوي بنوديك… واضح إنهم أرادوا فقط نجاح الكلب في مهمته ».
بعدها، تم سحبه من بيت إلى بيت عبر فتحات في الجدران. يصف الحاج عمر تلك الليلة بالقول: « من داري إلى دار جاري، ومن دار ثالثة، طول الليل، وأنا أصرخ من الألم ».
ليلة كاملة من النزيفاستمر النزيف حتى الساعة السابعة صباحاً، من دون أي إسعاف. ثم، بطريقة ساخرة، قدم له أحد الجنود منشفة بيضاء: « هاي فوطة السلام ».
وحدة عوكيتس.. التاريخ والتطورفي عام 1939، أُسّست وحدة « عوكيتس » السرية للكلاب البوليسية والعسكرية المُدربة، التي تعني « العضّة » بالعبرية، والمعروفة أيضاً بالوحدة 7142 كجزء من منظمة « الهاغاناه »، لكنّها تفككت عام 1954.
وفي عام 1974، عقب سلسلة من الهجمات التي استهدفت إسرائيل في أوائل السبعينيات، أُنشئت وحدة في قاعدة سيركين (شمال غربي كفار سيركين، في المنطقة الوسطى من إسرائيل)، وبدأت الوحدة بـأحد عشر مجنداً وتوسعت لاحقاً لتضم المئات.
حتى عام 1988، عملت « عوكيتس » بسرية تامة، قبل أن تصبح جزءاً معلناً من العمليات العسكرية الإسرائيلية. وتعتمد « عوكيتس » -اعتماداً شبه كامل- على الكلاب العسكرية المستوردة من أوروبا، حيث يتم جلب 99 في المئة منها من شركات متخصصة في تربية الكلاب. وتشمل السلالات المستخدمة كلب « المالينو » البلجيكي، إلى جانب عدد أقل من كلاب الراعي الألماني، واللبرادور البريطانية.
يتقدم سنوياً للانضمام إلى وحدة « عوكيتس » نحو 300 جندي، ويُنتقى منهم 25 جندياً فقط، بعد اجتيازهم اختبارات صارمة. وللوحدة مناصرون على هيئة منظمات غير حكومية، في دول مثل الولايات المتحدة، تقوم بجمع التبرعات لصالح الوحدة تحت مسمى « الأصدقاء الأميركيون لعوكيتس« ؛ وهي منظمة مخصصة لبناء جسر قوي من الدعم والتضامن بين المجتمع الأميركي ووحدة عوكيتس، وأيضاً مؤسسة عوكيتس في إسرائيل. كما يتلقى موقعها الإلكتروني التبرعات.
وفقاً لرئيس دراسات الحرب الحضرية بمعهد الحرب الحديثة (في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت بنيويورك) جون سبنسر، فإن الجيش الإسرائيلي أبلغه خلال جولة ميدانية داخل معسكر وحدة عوكيتس بأن الوحدة تشتري نحو 70 كلباً سنوياً؛ 99 في المئة منها تأتي من أوروبا تقريباً. وتحرص عوكيتس على أن تكون الكلاب المستوردة بعمر عام واحد، لضمان تحقيق التوازن بين النّضج البدني والمرونة في التدريب.
ويبلغ سعر كل جرو منها نحو 10 آلاف دولار أميركي، وربما أكثر، بحسب المراسل الحربي للقناة الثانية عشرة الإسرائيلية.
تُخضِع السلطات الإسرائيلية هذه الكلاب لبرنامج تدريبي مكثف، يمتد لعامين، بهدف تأهيلها لأداء مهام متعددة؛ من بينها الهجمات القتالية، وكشف المتفجرات، واستكشاف الأنفاق.
تعمل وحدة عوكيتس في فرق صغيرة، تتألف الفرقة الواحدة من قائد ونائب وقائدينِ مع كلبيهما. يخدم الجنود في الوحدة من ثلاث إلى أربع سنوات، في حين يخدم كل كلب من ستّ إلى ثماني سنوات.
في 3 يناير 2025، كشفت تقارير عسكرية إسرائيلية أن الوحدة فقدت 42 كلباً عسكرياً منذ بداية الحرب على غزة، ما يؤكد حجم التوظيف المكثف لهذه الكلاب في العمليات القتالية، بصرف النظر عن خطورة الموقف أو الخسائر التي تتكبدها. وكانت كلاب ثلاثة قد قُتلت خلال عملية « الرصاص المصبوب » بقطاع غزة، في يناير 2009.
يشير الدكتور تارسيس بريتو، زميل ما بعد الدكتوراه في كلية لندن للاقتصاد، إلى أوجه التشابه بين استخدام الكلاب العسكرية في إسرائيل، والممارسات الاستعمارية التاريخية قائلاً: « على مدى قرون، استُخدمت الكلاب البوليسية كسلاح لفرض السلطة الاستعمارية، من الأميركيتين إلى قمع ثورات الاستعباد في هايتي، واليوم يستمر هذا الإرث القاتم في فلسطين، حيث ترمز هذه الممارسة إلى كل من الهيمنة ونزع الإنسانية ».
ويفسر البعد النفسي لاستخدام الكلاب في هذا السياق بالقول، إن الخوف من التعرض للهجوم من كلب، يستحضر مخاوف غريزية عميقة من الافتراس؛ وهي استراتيجية يستخدمها « مطلقو الكلاب » لنشر الرعب وتعزيز الخضوع.
المالينو البلجيكي: السلالة المفضلة لوحدة « عوكيتس »وحدة « عوكيتس » تفضل كلب المالينو البلجيكي على سلالات أخرى؛ نظراً لقدراته الفائقة في الأداء الميداني. في الأصل، تمت تربية المالينو ككلب رعي في بلجيكا، لكنّه أثبت كفاءته في العديد من الأدوار العسكرية والأمنية.
في تقرير منشور بتاريخ 31 يناير 2024، أفادت صحيفة « يديعوت أحرونوت » بأن وزارة الدفاع الإسرائيلية بدأت عملية كبيرة لشراء كلاب مدربة من أوروبا، لتعويض إخفاق كلاب وحدة « عوكيتس » في تنفيذ مهامها خلال حرب غزة.
ووفقاً للصحيفة، وجّه مدير المشتريات في وزارة الدفاع الإسرائيلية بشراء الكلاب، خاصة من سلالة المالينو، من هولندا وألمانيا، على أن تبدأ العملية خلال الأشهر المقبلة.
إسرائيل لا تميزفي 30 يوليوز 2024، كان منزل عائلة بهار في حي الشجاعية بغزة محاصراً بالدبابات الإسرائيلية. عاشت العائلة في رعب لأيّام. وفي اليوم السابع، اقتحمت القوات الإسرائيلية المنزل، وأطلقت كلبين عسكريين مدرّبين نظرياً، لكنّ المداهمة انتهت بمقتل الشاب محمد بهار (25 عاماً) -المصاب بمتلازمة داون- بأنياب ومخالب أحد الكلبين.
تتحدث نبيلة بهار عن مقتل ابنها محمد، بصوت يختلط فيه الحزن بالغضب. لم يكن ابنها الراحل في الأصل قادراً على الكلام بشكل طبيعي، ولم يكن -بسبب مرضه- يستوعب ما يدور من حوله كالآخرين.
تقول الأم: « اقتحم الجنود المنزل كالمجانين، كالوحوش، حتى مسيّرات الكواد كابتر دخلت إلى المطبخ، ومعهم كلب عسكري إلى الصالون، وهجم على محمد وعضّه من صدره… كان كلباً ضخماً، لونه بين البني والأسود، يشبه الذئب المفترس، وبدأ ينهش ابني من دون توقف ».
أطبق الكلب الضخم فكيه على يد محمد، وبدأ بسحب ذراعه من الكتف، ورغم إعاقته، حاول الدفاع عن نفسه، واستطاع أن ينطق ببضع كلمات ما كان يجيدها سابقاً؛ كان يصيح بالكلب: « وَلا… ابعد وَلا »، لكنّ الكلب لم يبتعد وواصل نهشه، وفق الأم.
تقول والدة محمد إن ابنها مسح على الكلب قائلاً: « خَلَص يا حبيبي خَلَص »، ومع ذلك، استمر الكلب في « افتراس » ذراعه الذي ينزف بغزارة، وانهار الشاب مغشياً عليه.
لم يكترث الجنود، بحسب نبيلة، بتوسلها لإنقاذه؛ صاحت فيهم: « بدي اسعف ابني… ابني دمه راح ». ادّعى الجنود أنهم أحضروا طبيباً عسكرياً لعلاجه، لكنهم لم يسمحوا لها برؤيته.
تضيف الأم: « كنت أسمع صوت محمد يطلب ميه… قلت للجنود خلوه يشرب، لكنهم رجّعوا القنينة، ما رضيوش! قلبي حسّ إنها نهايته، ولما شفت الجندي أشر بإيده، عرفت إن ابني استُشهد ».
بعد دقائق، أخبرها الجنود أن ابنها فارق الحياة.
ليلة رعب في جنينبحلول فجر الاثنين 3 يوليوز 2023، تعرضت فاطمة صالح (58 عاماً) -المقيمة في مخيم جنين للاجئين (يقع ضمن حدود بلدية جنين وهو المخيم الأقصى شمالا في الضفة الغربية)- لاعتداء حين أطلقت القوات الإسرائيلية خلال مداهمة عسكرية، كلباً مدرباً هاجمها داخل منزلها.
تروي فاطمة تفاصيل اللحظة الأولى للهجوم، قائلة: « كان ضخماً، أسود اللون، اندفع نحوي بسرعة، وقبل أن أتمكن من الحركة، انقض على يدي اليمنى، وأحكم فكيه عليها بقوة مذهلة، صرخت طلباً للمساعدة؛ لكنّ الجنود كانوا يتضاحكون، ولم يكترثوا ».
استمر الكلب في مهاجمتها وعضّها مراراً، وكانت تحاول يائسة تحرير يدها من بين فكّيه. ومع تصاعد الألم والنزيف، توسلت إلى الجنود للتدخل، لكنّ رد فعلهم كان صادماً، فتركوا الكلب يمزق لحم يدها، وفق روايتها.
استمر هجوم الكلب لأكثر من 15 دقيقة، وهي تصرخ طلباً للمساعدة، والجنود يتعاملون مع المشهد بلا مبالاة. بدا هذا التجاهل في حد ذاته نمطاً ممنهجاً من القمع.
تصف فاطمة اللحظات التالية للهجوم بقولها: « بعد 15 دقيقة، دخل أحد الجنود وحاول إبعاد الكلب، لكنّ الكلب دفعه بقوة وأسقطه أرضاً، وجاء جندي آخر وهو يصرخ، حاملاً سكيناً، ظننت أنه سيقطع يدي، لكنه أخفق أيضاً في إبعاد الكلب. ثم تدخل جندي ثالث تمكّن أخيراً من انتزاع الكلب عن يدي بعد 20 دقيقة من العضّ والنزف والصراخ« .
كانت إصابة فاطمة خطيرة، تطلبت إجراء عدة عمليات جراحية ورعاية طبية مكثفة. لم يكن الضرر جسدياً فقط، بعد تدمير عصب أصابع يدها؛ فالصدمة النفسية جراء هذا الحادث المروع لا تزال تلاحقها.
كابوس في مخيم بلاطةفي الرابع من فبراير 2024، تحول الصباح الروتيني لأماني (42 عاماً) وأطفالها الأربعة، في مخيم بلاطة للاجئين بنابلس، إلى كابوس. عند الساعة 6:45 صباحاً، داهمت القوات الإسرائيلية منزلها، وأطلقت كلباً بوليسياً ضخماً، ما أدى إلى إصابة طفلها الأصغر بجروح خطيرة، بالإضافة إلى صدمة نفسية طويلة الأمد للطفل والأسرة.
عندما سمعت الباب الأمامي يُفتح ببطء، صرخت أماني: « نحن هنا! » حتى توضح للجنود أنهم مدنيون.
لكنّ نداءها لم يمنع الكارثة. فبعد لحظات، أطلق مباشرة جندي كلباً كبيراً دون كمامة، نحو غرفة النوم، فانقضّ على طفلها الأصغر (إبراهيم)، البالغ من العمر ثلاث سنوات، وعضّه أسفل ظهره.
وبينما كانت الأم تكافح لإنقاذ طفلها، اكتفى الجنود بمراقبة المشهد، من دون تدخل لإنقاذ الطفل. وتضيف: « كنت أصرخ، يا جنود، يا ناس، الحقوني مات الولد، الكلب أخذ الولد ».
بعد دقائق، قرر الجنود تقييد الكلب أخيراً، لكنّ الطفل كان قد تعرض لإصابات بالغة.
تم تسليم الطفل فاقداً للوعي إلى طواقم الإسعاف، التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني. نُقل على وجه السرعة إلى مستشفى رفيديا في نابلس، حيث خضع لعملية جراحية طارئة.
أفاد الأطباء بأن الطفل تعرض لإصابات داخلية وخارجية عميقة، تطلبت 42 غرزة جراحية، كما اضطر إلى تلقي 21 حقنة مضادة للسموم، نتيجة « عضات » الكلب.
تأثير الصدمة يلازم إبراهيم حتى في منامه. تقول الأم: « قبل يومين، صحاني من النوم بيصرخ: يما، الكلب إجا… هيو عند راسي! ».
ليلة من الألم في جباليا
في ماي 2024، تعرّضت دولت عبد الله الطناني، البالغة من العمر 69 عاماً، لهجمة شرسة من كلب بوليسي أطلقته القوات الإسرائيلية داخل منزلها بمخيم جباليا للاجئين بقطاع غزة.
توثق شهادتها -المدعومة بمقطع فيديو مسرّب من كاميرا مثبتة على ظهر الكلب المهاجم، والذي انتشر حول العالم- دليلاً دامغاً على وحشية استخدام الحيوانات كأدوات للترهيب.
أثناء توغل القوات الإسرائيلية في جباليا، رفضت دولت الطناني مغادرة منزلها، رغم القصف العنيف على المنطقة، كما انضم إليها جارها وقريبها وابنه في المنزل ذاته.
عند العاشرة مساء، اقتحمت القوات الإسرائيلية المنزل، وما هي إلا لحظات حتى اندفع كلب شرطي داخل الغرفة، حيث كانت دولت مستلقية على فراشها.
تصف تلك اللحظة قائلة: « غرس الكلب أنيابه في كتفي وذراعي، شعرت بأسنانه تمزق لحمي حتى وصلت إلى العظم. صرت أصرخ وأصوت من كل قلبي لما راحت إيدي ».
كان قريب لها (يُدعى جبر) في بيتها عند الهجوم. وفي محاولة لإنقاذها، تدّخل جبر، مستخدماً عكازه الطبي، وضرب الكلب محاولاً إبعاده عنها، لكنّه كان شرساً يواصل هجومه بلا هوادة.
ورغم نزيفها الحاد، لم تتلقَّ دولت الطناني أي مساعدة طبية، رغم مناشدات العائلة للجنود. تصف معاناتها بالقول: « لا أستطيع رفع يدي من وقتها ».
في واقعة أخرى بحي المنارة بخان يونس في قطاع غزة، كانت تحرير علي حسني العريان (34 عاماً)، تنتظر مولودها بعد حرمانها لسنوات. تتذكر تحرير المشهد « المروِّع » عندما اقتحم الجنود منزلها فجأة، واندفع الكلب البوليسي -الذي يرافقهم- إلى الداخل وهاجمها غارساً أنيابه في ساقها لمدة عشر دقائق متواصلة. ومع ألمها وصراخها وتوسلاتها، حاول الجنود أنفسهم إبعاد الكلب عنها، لكن من دون جدوى. وفي المحاولة الرابعة، أفلتها الكلب.
تضيف: « أثناء مهاجمتي، فقدت الشعور بساقي، لم أكن أعرف ما إذا كنت أنزف أم أن الكلب كان يمزق لحمي. وعندما انتهى كل شيء، جلست على الأريكة، ورأيت دمي ولحمي على الأرض ».
بسبب عضات الكلب، أصيبت تحرير بمضاعفات صحية خطيرة، تسبّبت في فقدانها الجنين. بدموع تخنق صوتها، تقول: « خسرت الطفل الذي انتظرته ست سنوات ».
تصف تحرير حجم الكلب الكبير وشراسته: « هذا كلب اسماً فقط، لكن هيئته ليست كذلك. كان طويلاً وعريضاً، لم يكن بالإمكان دفعه أو ركله، كان يلزم رافعة لتخليصي منه ».
وفي هذا السياق، يسلط الدكتور ريتشارد فولك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية، الضوء على إساءة استخدام إسرائيل للكلاب الشرطية والعسكرية ضد الفلسطينيين، واصفاً الأمر بأنه انتهاك جسيم للقانون الدولي، ويُعد « خرقاً واضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تقوم على مبدأ أساسي، هو حماية السكان المدنيين ».
ويشير فولك إلى أن الاستخدام المنهجي للكلاب الهجومية، يُعدّ جزءاً من استراتيجية إسرائيلية أوسع، تهدف إلى نزع إنسانية الفلسطينيين، مؤكداً أن استخدام هذه الأساليب لترويع السكان المدنيين هو « انتهاك خطير للغاية، وقد تم توظيفه على نحو وحشي عبر السنين، ليس فقط منذ الإبادة الجماعية في غزة، بل يعود إلى فترة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ».
تؤكد إرشادات منظمة العفو الدولية أن استعمال الكلاب البوليسية ينطوي على مخاطر جسيمة، وغالباً ما يكون ذا نتائج عكسية. وتحذر المنظمة في توجيهاتها من أنه « بمجرد إطلاقها (الكلاب) من دون قيود أو كمامات، تصبح السيطرة عليها شبه مستحيلة ».
« تواطؤ » بلا حدود: الدور الغربي في تمكين العنففي السياق ذاته، بدت سارة لي ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، حازمة في موقفها بشأن مشروعية استخدام الكلاب الشرطية في الأراضي المحتلة، فتقول: « القواعد واحدة، سواء كان السلاح كلب هجوم، أم طائرة مسيّرة، أم صاروخاً؛ القانون الإنساني الدولي يحظر استخدام القوة العسكرية ضد المدنيين ».
« لا فرق بين الكلب الهجومي والصاروخ، استهداف المدنيين محظور دولياً » (سارة لي ويتسن)وتشدد ويتسن أن « استهداف المدنيين، سواء بشكل مباشر أو عشوائي، يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ». مشيرة إلى أن هذا الحظر لا يقتصر على الأسلحة التقليدية، بل يمتد ليشمل الحيوانات المدربة على الهجوم.
في ظل تصاعد استخدام الكلاب العسكرية والشرطية كأدوات قمع ضد الفلسطينيين، تثار تساؤلات جوهرية حول دور الشركات الغربية في تصدير هذه الكلاب إلى إسرائيل، وما إذا كان ذلك يجعلها شريكة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وبهذا الصدد، يثير باتريك ويلكن، الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية في منظمة العفو الدولية، مخاوف جدية بشأن مسؤولية الدول المصدِّرة لهذه الكلاب، مؤكداً أن الالتزام القانوني والأخلاقي يقع على عاتق المُصدِّرين، لضمان عدم استخدام منتجاتهم في انتهاك حقوق الإنسان.
ويشير ويلكن إلى التشابه الكبير بين قوانين تصدير الأسلحة التجارية، والمعايير الأخلاقية المرتبطة بتصدير الكلاب الشرطية؛ فإذا استُخدمت الكلاب في إيذاء الأفراد أو تهديدهم، فإن المصدِّرين والشركات ملزمون حينئذ باتخاذ تدابير لتخفيف المخاطر، بموجب المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
ويؤكد ويلكن أن الشركات والدول التي ترخّص هذه الصادرات، تتحمل مسؤولية قانونية محتملة في دعم « الاحتلال الإسرائيلي »، باعتباره غير قانوني بموجب القانون الدولي. وأضاف أن هناك خطراً واضحاً بأن هذه الصادرات تسهم في تعزيز ممارسات تنتهك القانون الدولي وحقوق الإنسان، وعلى الشركات والدول أن تُقيّم بجدية ما إذا كانت أنشطتها مرتبطة بأفعال غير قانونية ترتكبها إسرائيل.
من جانبها، تسلط سارة لي ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة DAWN، الضوء على الأبعاد القانونية والأخلاقية لتصدير الكلاب المدربة إلى إسرائيل. وتقول بوضوح: « إذا كان المصدِّرون على دراية بأن هذه الكلاب تُستخدم في انتهاك للقانون الدولي، فهم متواطئون ». لكنّها تشدد على أن المشكلة أوسع من مجرد تصدير الكلاب، مضيفة: « الكلاب ليست سوى جزء صغير من المشهد، يتم إرسال أسلحة بمليارات الدولارات إلى إسرائيل، ما يُمكّنها من ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية ».
من خلال قانون الحق في الحصول على المعلومات، تواصلنا مع حكومات بلجيكا، وهولندا، وألمانيا، والتشيك، وبريطانيا، طالبين منهم تزويدنا بسجلات تصدير الحيوانات الحية المُصنفة كلاباً عاملة أو عسكرية إلى إسرائيل، في الفترة الزمنية من 2008 إلى 2024، وتفاصيل الأطراف المشاركة في عمليات التصدير والاستيراد، وبيانات التراخيص والتصاريح بهذه الصادرات. بالإضافة إلى سجلات المناقشات والقيود المرتبطة باعتبارات حقوق الإنسان، وأي اتصالات داخلية أو وثائق متعلقة بممارسات الامتثال أو المخاوف الأخلاقية؛ لكنّ طلباتنا قوبلت بالمراوغة وإنكار تصدير هذه الكلاب إلى إسرائيل.
كان أحد ردود وكالة صحة الحيوان والنبات البريطانية (APHA) -التي يتم تصدير الكلاب عبرها- يفيد بأنه « يمكن للوكالة أن تُقدم بيانات عن عدد الكلاب المُصدَّرة إلى إسرائيل كحيوانات أليفة، ولكنّ المعلومات التي يطلب من المُصدِّر تقديمها في طلبه على شهادة صحة التصدير عبر الإنترنت، تقتصر فقط على الأنواع، لذلك ليس لدى الوكالة (APHA) معلومات حول ما إذا كان سيتم تصنيفها على أنها عاملة أو عسكرية أو شرطية ».
عاودنا الطلب لتزويدنا بالعدد، فكان ردهم « نظراً لسياسة الاحتفاظ ببيانات الوكالة (APHA)، لا يمكننا تقديم البيانات إلا من تاريخ شباط/فبراير 2022… وقد تم تصدير 294 كلباً إلى إسرائيل كحيوانات أليفة، من تاريخ 01/02/2022 إلى 31/12/2024 ».
أما بلجيكا، فكان رد الوكالة الفيدرالية لسلامة سلسلة الغذاء (FASFC): « يؤسفنا أن نخبرك أننا غير قادرين على إرسال هذه المعلومات إليك، علماً أن تحليل هذه المعلومات يتطلب جهود عشرة موظفين بدوام كامل لفترة طويلة ».
تواصلنا مع وزارة التجارة والصناعة في التشيك، حول بيانات تصدير الكلاب البوليسية إلى إسرائيل (2008-2024)، فكان ردها أن نتوجه بالأسئلة إلى وزارة الزراعة، ومن ثم قمنا بمراسلة هيئة الفحص الزراعي والغذائي التشيكية، لكنّنا لم نتلقَّ أي رد منها حتى الآن. كما تواصلنا مع الإدارة البيطرية الحكومية لتزويدنا بأعداد الشهادات البيطرية للكلاب المُصدَّرة لإسرائيل خلال الأعوام الماضية، لكنّنا لم نتلقَّ أي رد أيضاً.
في حين أنكرت وزارة الداخلية في التشييك تصدير أي كلاب بوليسية لإسرائيل: « نفيدكم بأن معلوماتكم كاذبة! يُمنع منعاً باتاً تصدير الكلاب البوليسية إلى أي دولة، وهو أمر مستحيل، أي ادعاء آخر هو ادعاء كاذب ».
لكن بالرجوع إلى بيانات نشرتها الصحف الإسرائيلية، نجد أن إسرائيل استلمت من التشيك 20 كلباً في غشت 2016. ووصل أيضاً إلى إسرائيل، في دجنبر 2018، 28 كلباً قادماً من التشيك.
كما تواصلنا مع مصلحة الجمارك في ألمانيا، وكان ردها: « لا تتوفر لدى الجمارك أي إحصائيات تصدير محددة بهذا الشأن، كما أرجو تفهمكم أنه لأسباب تتعلق بحماية البيانات، لا يمكن تقديم تفاصيل عن كل حالة جمركية على حدة ».
كما تواصلنا مع وزارة الأغذية والزراعة الألمانية، وكان ردها: « ليس لدينا أي بيانات حول هذا الموضوع ». وردت وزارة الداخلية والمجتمع الاتحادية (BMI) أيضاً بالقول: « لا توجد لدينا أي معلومات عن تصدير الكلاب البوليسية أو العسكرية من ألمانيا إلى إسرائيل أو عن الأطراف المعنية، وبناءً على ذلك، لا توجد معلومات عن استخدام هذه الكلاب في إسرائيل، كما لا توجد أي تقارير أو معلومات داخلية حول هذه المسألة ». وحول احتمالية تصديرها إلى إسرائيل، طُلب منا مراسلة وزارة الدفاع الألمانية، التي ردت علينا بالقول: « لقد أبلغتكم وزارة الداخلية بالرد سابقاً ».
وفي رد رسمي من « إنجلبرت أوفيوس »، مالك شركة Diensthunde.eu الألمانية، على أسئلتنا بشأن تصدير شركته كلاباً عسكرية إلى إسرائيل، أكد أن شركته صدّرت كلاباً من نوع المالينو البلجيكي والراعي الألماني إلى إسرائيل، وأن دور شركته يقتصر على تدريب وتصدير كلاب الكشف عن المتفجرات والمخدرات فقط، دون تدريب أو تصدير كلاب للحماية أو الاستخدام الهجومي. وبيّن أنه في الفترة بين عامي 2020 و2024، زوّدت شركته مؤسسات إسرائيلية أو جهات مرتبطة بها، بأعداد محدودة من الكلاب المُدرَّبة عبر وسطاء معتمدين، ووفقاً للقوانين الألمانية.
كما نفى أوفيوس وجود عقود مباشرة مع وزارة الدفاع أو الشرطة الإسرائيلية، وأشار إلى عدم وجود تعليمات حكومية بوقف التصدير. وأوضح أن الشركة لا تحتفظ بحق السيطرة على استخدام الكلاب بعد التصدير، لكنّها تؤكد أهمية « الرفق بالحيوان »، مضيفاً: « كلابنا غير مدربة على الهجوم أو إنفاذ القانون، لذا نعتقد أن عملنا لا يرتبط بمثل هذه الادعاءات باستخدام كلابنا في أي أعمال تسبّبت بأذى للمدنيين ».
تواصلنا أيضاً مع مديرية التجارة بالمفوضية الأوروبية، لتزويدنا ببيانات تصدير الكلاب البوليسية من دول الاتحاد الأوروبي، فردت بالقول: « لا توجد أي مستندات تتوافق مع طلبكم ».
ومع تصاعد المؤشرات والتقارير عن استخدام الكلاب الهجومية ضد الفلسطينيين، وجّه الدكتور ريتشارد فولك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية، انتقادات حادة للدول الغربية التي تزوّد إسرائيل بهذه الكلاب المُدرَّبة.
يقول فولك: « من منظور القانون الدولي العام، ليس لديّ أدنى شك في أن الشركات المُصدِّرة لهذه الكلاب تتحمل مسؤولية التواطؤ، لأنها على دراية تامة بكيفية استخدامها. هناك الكثير من المعلومات التي تكشف تورط هولندا في هذه الممارسة، من خلال تدريب هذه الكلاب ثم بيعها لإسرائيل ».
شركات هولندية في قلب « الفضيحة »الدكتور ريتشارد فولك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية، أكد تورط الشركات الهولندية، مثل شركة Four Winds K9، في تصدير الكلاب الهجومية لإسرائيل؛ وعلى إثر ذلك تعرضت الشركة لانتقادات واحتجاجات واسعة: « اعترفت هذه الشركة -بشكل غير مباشر- بمسؤوليتها عندما قامت بتسوية مالية (11 ألف يورو) مع أحد الضحايا الفلسطينيين (حمزة هاشم، 16 عاماً وقت الهجوم عليه عام 2015)، الذين تعرضوا لهجوم من قبل الكلاب المُصاحبة للشرطة الإسرائيلية. حاولوا تصويرها على أنها بادرة حسن نية وليست التزاماً قانونياً، لكن هذا ليس دفاعاً قانونياً، هذه التسوية تُعدّ دليلاً على المعرفة والتواطؤ ».
رغم محاولات الشركة الهولندية إخفاء علاقتها بإسرائيل، تكشف الأدلة عن شراكة طويلة مع الجيش الإسرائيلي. يتضح ذلك من الخطاب المُرسَل من الشركة عام 2017 إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية، بشأن قضية حمزة هاشم. ورد في الخطاب ما يلي: « وبناء على العلاقة التي تربطنا منذ ما يقارب 25 عاماً، نأمل ونتوقع من حكومتكم تقديم الدعم اللازم لحل هذه القضية ».
كما كشف توني بويين، مالك شركة Four Winds K9، أن شركته زودت إسرائيل بعشرات الكلاب المُدرَّبة لأكثر من 23 عاماً، وفق تقرير نشرته صحيفة NRC الهولندية عام 2015.
وأثارت النائبة السابقة في البرلمان الهولندي، وسيلة حشاشي (حزب D66)، تحت قبة البرلمان الهولندي، في تشرين الأول/أكتوبر 2015، مسألة تصدير شركات هولندية كلاباً بوليسية إلى إسرائيل. وتقول: « لم أتلقَّ إجابات واضحة، وبعد شهور، وصلني رد مكتوب من الوزير؛ رسالة طويلة مليئة بالبيروقراطية، لكنّها لم تقترب من جوهر المسألة، وهذا بحد ذاته يكشف كل شيء ».
نسخة من رد وزيرة التجارة الخارجية الهولندية ( هنا)
نص الجلسةفي 25 يناير 2025، طلبنا من مصلحة الجمارك الهولندية تزويدنا بأعداد الكلاب البوليسية المُصدَّرة من هولندا إلى إسرائيل، في الفترة من 2010 إلى 2024، لكنّنا تلقينا في 5 فبراير 2025 رداً يفيد بعدم وجود بند تصدير تحت مسمّى « كلاب عسكرية » أو « شرطية »، وإنما فئة « الحيوانات الحية » تحت رمز 01061900.
وأضافت مصلحة الجمارك الهولندية: « لا يمكننا، بشكل عام، تزويدك بتفاصيل المصدرين والمستوردين بسبب لوائح الخصوصية الصارمة. لا يمكننا التعليق على الحالات الفردية ومشاركة أي أسماء أو عناوين، ولا تراخيص أو تصاريح معتمدة، بالإضافة إلى ذلك، لا توجد متطلبات تصريح/ترخيص لتصدير الكلاب، بما في ذلك الكلاب العاملة. كما أن الكلاب غير مدرجة في القائمة العسكرية المشتركة للاتحاد الأوروبي، وقائمة الاستخدام المزدوج المشتركة للاتحاد الأوروبي؛ وبالتالي فهي غير مصنفة على أنها سلع استراتيجية تتطلب تصريحاً/ترخيصاً ».
الرد نفسه تلقيناه من وزارة التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي الهولندية، التي أضافت أنه رغم وجود تحركات سابقة لاستكشاف إمكانية تصنيف الكلاب ضمن المواد الخاضعة للرقابة، يتطلب تحقيق ذلك اتفاقيات دولية لم يتم التوصل إليها بعد.
لكنّ مركز الأبحاث الهولندي، المعني بالشركات المتعددة الجنسيات (SOMO)، تمكّن من الحصول على معلومات من هيئة سلامة الأغذية والمنتجات الاستهلاكية الهولندية (NVWA)، تكشف النقاب عن صادرات الكلاب البوليسية والعسكرية إلى إسرائيل، بين أكتوبر 2023 وفبراير 2025. أصدرت الهيئة خلال هذه الفترة عدداً إجمالياً بلغ 110 شهادات بيطرية، تُعد وثائق إلزامية لتصدير الكلاب من شركات هولندية متخصصة في تدريب الكلاب العسكرية والشرطية إلى إسرائيل.
ومن بين هذه الشهادات، نالت شركة Four Winds K9، النصيب الأكبر بإجمالي 100 شهادة. أما Police Dogs Centre Holland فقد حصلت على أربع شهادات، في حين أُصدرت ست شهادات أخرى لصالح شركة K10 Working Dogs. تكشف هذه الأرقام عن استمرار التعاون بين القطاع الأمني الهولندي والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية وتوسعه.
حلّلنا البيانات المالية لشركة Four Winds K9 BV، المُسجَّلة في غرفة التجارة الهولندية عام 2017. تَبيّن تحقيق الشركة نمواً مطرداً في أصولها المالية، على مدار سبع سنوات، كما أظهر تحليل البيانات أيضاً مؤشرات مقلقة وغامضة على الجانبين التشغيلي والمالي. فقد ارتفع إجمالي أصول الشركة من 473 ألفاً و173 يورو في عام 2017، إلى 2.18 مليون يورو عام 2023، ما يمثل تضاعفاً يقارب خمس مرات. غير أن مراجعة لبياناتها المالية كشفت عن قفزات غير مبررة في الذمم المدينة، أبرزها بين عامي 2022 و2023 (من 592,692 إلى 750,626 يورو). يوحي الارتفاع الحادّ في المطلوبات قصيرة الأجل وتراجع السيولة في عام 2023 بوجود ضغوط حقيقية على التدفقات النقدية. هذه المؤشرات مجتمعة تستدعي تدقيقاً معمّقاً، ليس فقط في ممارسات Four Winds K9 المالية، بل أيضاً في طبيعة عملياتها الدولية المرتبطة بنقل الكلاب إلى وجهات مثيرة للجدل، من بينها إسرائيل.
كما يكشف موقع الشركة عن توسع عملياتها خارج أوروبا، حيث قامت بتسجيل شركة أخرى في نيجيريا باسم United Winds K9 Nigeria، وفي عام 2015، أنشأت فرعاً في إقليم كردستان العراق تحت اسم United K9 Kurdistan. كما سجلت الشركة فرعاً لها في الإمارات عام 2018، باسم Four Winds Diagnose K9 (فور ويندز دياغنوس كي 9 سولوشين ذ.م.م)؛ ما يكشف عن توسع عملياتها في الشرق الأوسط.
حاولنا التواصل مع شركة Four Winds K9، وسألناهم عن دور شركاتهم خارج هولندا في تصدير الكلاب إلى أسرائيل، لكنّنا لم نتلقَّ رداً حتى تاريخ نشر التحقيق، كما أرسلنا إلى Police Dogs Centre Holland للتعليق حول إرسالها كلاباً بوليسية إلى الجيش الإسرائيلي، وأيضاً أرسلنا إلى K10 Working Dogs للتعليق، لكنّنا لم نتلقَّ أي رد حتى تاريخ النشر.
قدمت النائبة كريستين تونسن (عن حزب حماية الحيوان PvdD) بتاريخ 11 سبتمبر 2024، طلب استجواب لوزير الدفاع الهولندي، بشأن تصدير الكلاب القتالية من شركات هولندية إلى الجيش الإسرائيلي، مستشهدة بالحوادث الموثقة في غزة، التي تشمل مقتل محمد بهار، المصاب بمتلازمة داون، والهجوم على دولت الطناني، بواسطة كلاب عسكرية إسرائيلية.
في ردها على هذا الاستجواب بتاريخ 4 أكتوبر 2024، أعلنت وزيرة التجارة الخارجية والتنمية الهولندية، رينيت كليفر، عن معرفتها بهذه الحوادث، لكنّها تجنبت الربط المباشر بين الكلاب المستخدمة وتلك المُصدَّرة من هولندا، مشيرة إلى أن الكلاب المدربة لا تُصنّف ضمن السلع الاستراتيجية أو الخاضعة للرقابة المزدوجة الاستخدام، بموجب لوائح الاتحاد الأوروبي.
في حديثها معنا، ذكرت النائبة تونسن أن الكلاب المصدَّرة لا تُعامل قانونياً كأسلحة أو منتجات ذات استخدام مزدوج، بل يتم تصنيفها حيوانات أليفة؛ ما يسمح بتصديرها من دون رقابة فعلية. وتضيف: « حين نبدأ بمعاملة هذه الكلاب كأسلحة، ستتغير القوانين تلقائياً… الاستمرار بتصنيفها حيوانات أليفة يجعلنا متواطئين في جرائم الحرب ».
وأشارت النائبة الهولندية إلى أن القانون الهولندي يفرض رقابة صارمة على تصدير الأسلحة، متسائلة في الوقت ذاته عن سبب عدم معاملة هذه الكلاب بالجدية نفسها.
وفي مقارنة صارخة، انتقدت النائبة كريستين تونسن (عن حزب حماية الحيوان PvdD) المعايير المزدوجة التي يتعامل بها الغرب مع الجرائم في أوكرانيا وفلسطين: « هناك محيط من التناقض بين موقف أوروبا من جرائم بوتين، وموقفها من جرائم نتنياهو… كيف يمكن لهولندا، التي توجد بها محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، أن تغض الطرف عن دورها في هذه الانتهاكات؟ هذا أمر مخزٍ ».
الاتحاد الأوروبي والمسؤولية القانونيةوعلى الرغم من أن الشركات الأوروبية والمسؤولين الأوروبيين يحاولون نفي أو إخفاء تصدير كلاب بوليسية لإسرائيل، فإن سارة لي ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة DAWN، تشير إلى إمكانية مساءلة المسؤولين الأوروبيين: « المسؤولون الأوروبيون الذين يساعدون إسرائيل على ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لنظام روما الأساسي، قد يجدون أنفسهم متهمين وملاحقين قضائياً أمام المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة التواطؤ والمساعدة في ارتكاب الجرائم ».
دائرة من العنف لا تنتهيانتقادات كثيرة تطال « استراتيجية إسرائيل » في إطلاق كلاب شرسة، من دون كمامات، على المدنيين الفلسطينيين أثناء اقتحام البيوت، واللامبالاة تجاه سلوكهم، أو ربما تدريبهم على التعامل بشراسة مع ضحاياهم.
ألانا ليندسي ستيفنسون، الخبيرة في سلوك الكلاب، تقول إن بعض برامج التدريب تعتمد على أساليب قاسية مثل « التدوير الجوي » (Helicoptering)؛ وهي تقنية يتم فيها خنق الكلب حتى الخضوع. وتوضح: « بعض أساليب التدريب تجعل الكلاب تربط الألم بالخوف، فيُستخدم العقاب الجسدي لجعلها تنفذ الأوامر تحت تهديد مستمر، إنه تدريب يقوم على السيطرة، وليس على الرحمة ».
كشف مسح أُجري عام 2008، شمل 303 من مدربي الكلاب العسكرية البلجيكية، أنّ الأساليب التدريبية القاسية لم تكن فعالة بقدر أساليب التعزيز الإيجابي، بل قد تشكل تهديداً لرفاهية الكلاب. وأظهر المسح أن أكثر الأساليب العقابية استخداماً تمثلت في شد الطوق، ورفع الكلاب عبر سلاسل الخنق؛ وهي ممارسات تُستخدم لفرض الهيمنة على الكلاب بدلاً من بناء الثقة.
وتضيف ألانا ليندسي ستيفنسون، الخبيرة في سلوك الكلاب: « بمجرد أن يتعلم الكلب أن العدوان يؤدي إلى مكافأة؛ فإنه لا يستطيع إيقاف هذا السلوك. يصبح محاصراً في حلقة مغلقة لا يمكن كسرها إلا بإخراجه تماماً من البيئة التي تعزز هذا النمط السلوكي ».
قوانين غير نافذةوكما في حالة استخدام إسرائيل الكلاب البوليسية على نطاق واسع في الأراضي الفلسطينية؛ يثير نشر الكلاب الشرطية والعسكرية في مناطق النزاع تساؤلات خطيرة عن الثغرات في القانون الدولي وآليات إنفاذه. فرغم وجود معاهدات دولية مثل « معاهدة تجارة الأسلحة » (ATT)، ولوائح الاتحاد الأوروبي التي تحظر تصدير أي معدات أو موارد تُستخدم في انتهاكات حقوق الإنسان، فإن الواقع يكشف عن تراخٍ واضح في تطبيق هذه القوانين.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي يفرض قيوداً واضحة على تصدير السلع ذات الاستخدام العسكري، إلى الدول التي ترتكب انتهاكات جسيمة تتعلق بحقوق الإنسان؛ تكشف تقارير عن استمرار شركات أوروبية في تصدير الكلاب المدربة إلى إسرائيل، من دون أي محاسبة حقيقية.
???? القوانين الأوروبية والدولية ضد التعذيب: هل تشمل تصدير الكلاب العسكرية؟يؤكد باتريك ويلكن، الباحث في منظمة العفو الدولية، قوة هذه القوانين على الورق، لكن تنفيذها غير كافٍ بشكل مؤسف؛ لذا يجب على الشركات والحكومات ضمان الامتثال الصارم لمنع التواطؤ مع مثل هذه الانتهاكات، وفق ويلكن.
« وتنظر الدولة الطرف المصدرة أيضاً فيما إذا كانت هناك تدابير يمكن اتخاذها للتخفيف من المخاطر المحددة في (أ) أو (ب) من الفقرة 1، مثل تدابير بناء الثقة أو البرامج التي تم تطويرها والاتفاق عليها بشكل مشترك من قبل الدول المصدرة والمستوردة ».
المادة 7 من معاهدة تجارة الأسلحة.
تواصلنا مع المفوضية الأوروبية، لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، ودائرة العمل الخارجي الأوروبية بالاتحاد الأوروبي (EEAS) للتعليق على تصدير الكلاب الأوروبية إلى إسرائيل، واستخدامها في هذه الانتهاكات، لكننا لم نتلقَ رداً حتى تاريخ النشر.
وفي تقريرها الصادر بتاريخ 24 غشت 2023، دعت أليس جيل إدواردز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب، إلى حظر بعض السلع التي تُستخدم في الانتهاكات، لكنها لم تشر إلى الكلاب العسكرية أو الشرطية.
وعند التواصل معها للتعليق على هذه الفجوة القانونية، طلبت إدواردز أدلة توثيقية تثبت استخدام الكلاب في الهجمات ضد الفلسطينيين، كما أبدت اهتمامها بمراجعة التحقيق بعد نشره، للنظر في إمكانية استخدامه في مساءلة إسرائيل.
يقترح باتريك ويلكن، الباحث في منظمة العفو الدولية، توسيع الأطر القانونية الحالية لتشمل الكلاب العسكرية بشكل واضح. ويضيف: « رغم خضوع الأسلحة التقليدية لتنظيم قانوني دقيق، لا تزال أدوات إنفاذ القانون -مثل الكلاب- خارج نطاق الرقابة المشددة، ما يستدعي إدراجها ضمن معاهدات دولية تضبط استخدامها، وتمنع توظيفها في انتهاكات حقوق الإنسان ».
لم تعد بيوت الفلسطينيين آمنة على أهلها من أنياب الكلاب المُدرّبة، حيث لم تمنع القوانين الدولية هذه الكلاب « المفترسة » من أن تنهش أجساد الفلسطينين داخل منازلهم، التي باتت تحت الحصار كمراكز الحبس والاعتقال.
شارك في التحقيق: عزيزة نوفل (الضفة الغربية) وظريفة حسن (غزة)
أُنجز هذا التحقيق بدعم من أريج
كلمات دلالية غزة، الضفة الغربية، إسرائيل