بحكم التاريخ وعمق الجغرافيا.. مصر حاضرة لحل أزمة السودان الجريح
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
بحكم التاريخ وعمق الجغرافيا.. كانت مصر حاضرة منذ اللحظة الأولى في الأزمة التي شهدها السودان الجريح نتيجة الاشتباكات التي شهدتها البلاد بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع ... / أزمة / أنهت على الأخضر الذي لطالما عرفت به الخرطوم كسلة غذاء للعرب وأخرى أنهت على اليابس الذي كتب له الشعراء أبياتا في حب هذا البلد الطيب.
ومنذ اندلاع الأزمة السودانية منتصف إبريل عام ألفان وثلاثة وعشرون، تواصلت مصر مع طرفي الأزمة السودانية لوضع رؤية لحل الأزمة تتضمن التوصل لوقف شامل ومستدام للإطلاق النار وعدم السماح بالتدخلات الخارجية في البلاد والحفاظ على مؤسسات الدولة والسماح لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمناطق المتضررة نتيجة الاشتباكات.
السودانولأن استقرار السودان يُعد أحد أهم مرتكزات الأمن القومى المصرى، اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدة مرات مع الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني لبحث سبل إنهاء الأزمة، كما طالب الرئيس المصري في عدة مناسبات طرفي الأزمة بتغليب لغة الحوار والتوافق الوطني وإعلاء المصالح العليا للشعب السوداني والحيلولة دون الدخول فى نفق الحرب الأهلية المظلم.
ولأن مصر هي قلب العروبة النابض، احتضنت القاهرة قمة دول جوار السودان في الثالث عشر من يوليو عام ألفان وثلاثة وعشرون، وذلك لبحث سُبل إنهاء الصراع وحقن دماء الشعب والحفاظ على مُقدرات الدولة السودانية، كما عقد فى سبتمبر عام ألفان وثلاثة وعشرون الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان بمقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك لبحث سبل إنهاء الأزمة.
الجهود المصرية لحل الأزمة السودانية شملت أيضا استضافة القاهرة مؤتمر "القضايا الإنسانية في السودان" في نوفمبر عام ألفان وثلاثة وعشرون بحضور أكثر من أربعمائة مشارك ممثلين عن قطاع كبير من منظمات المجتمع السوداني لبحث الأزمة، وهو الاجتماع الذي عُقد بعد أيام فقط من اجتماعات ائتلاف "قوى الحرية والتغيير" في السودان التي أقيمت في القاهرة وجرى خلالها التوافق على الدعوة إلى "توسيع مظلة القوى الداعمة لإيقاف الحرب في السودان.
إنسانيا.. لم تتوان مصر لحظة واحدة على مساعدة السودان الجريح في أزمته الإنسانية التي شهدها نتيجة الاشتباكات بين قوات الجيش والدعم السريع، فمنذ اللحظة الأولى من الأزمة سيرت مصر قوافل برية وأقامت جسور جوية وبحرية لنقل آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني الذي يعاني من ويلات الاقتتال الداخلي منذ عام.
التحرك المصري لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني بدء منذ اليوم الأول من الأزمة، حيث أقامت مصر مركزاً للإغاثة الإنسانية على الحدود مع السودان عبر "منفذ أرقين البري" لتقديم كافة أوجه الدعم للشعب سواء عبر إدخال مساعدات إنسانية أو تقديم خدمات الإغاثة للفارين من الصراع، كما أرسلت مصر عدة سفن بحرية للسودان على متنها آلاف الأطنان من المساعدات، كما وصلت المساعدات المصرية للسودان عبر الجو أيضا وذلك عبر جسر جوي أمر به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
كما كانت مصر ضمن الدول التي كانت تعمل على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، كما أن مصر كانت قبلة العالم والضمير الإنساني في إيصال مساعدتهم الإنسانية للشعب السوداني.
وعلى الصعيد الإنسانى أيضا لم تتخل مصر عن أشقاءها بل فتحت أبوابها للشعب السودانى الفار من جحيم الحرب وويلاته، حيث أعلنت مصر استقبالها مئات الآلاف من النازحين السودانيين منذ بدء الأزمة وحتى الآن، وبذلك تكون مصر في المرتبة الأولى في استقبال النازحين والفارين من ويلات الاشتباكات.
من الروابط التاريخية إلى الحدود الإنسانية .. تتحرك مصر لاحتواء الأزمة السودانية حتى لا تدخل في نفق مظلم كأغلب حال دول المنطقة .. تحرك نابع من سياسة مصر الثابتة الداعمة للسودان أرضا وشعبا .. ولوقف حمام الدماء الذي يدفع ثمنه السودانيين نتيجة الاشتباكات بين قوات الجيش والدعم السريع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السودان الأزمة السودانية مصر المساعدات الانسانية السيسي المساعدات الإنسانیة الأزمة السودانیة نتیجة الاشتباکات للشعب السودانی
إقرأ أيضاً:
وزير المالية السوداني: وقف الحرب أولا وشعبنا سيحكم نفسه بنفسه
وفي حلقة جديدة من بودكاست "ذوو الشأن"، سلط الدكتور جبريل إبراهيم، الذي يترأس حركة العدل والمساواة، الضوء على مسيرته الحافلة بالتحولات، من قرية طينية نائية على الحدود التشادية إلى أروقة السياسة والاقتصاد في السودان، مرورا بتجربة دراسية وعملية غنية في اليابان والسعودية ولندن.
وتناول الوزير السوداني الأوضاع الاقتصادية الراهنة، معترفا بصعوبتها جراء الحرب، لكنه نفى وجود مجاعة شاملة، مشيرا إلى وفرة الإنتاج الزراعي ومشكلة رئيسية في إيصال الغذاء للمتضررين، كما تطرق إلى جذور الصراع في دارفور، وخلفيات تأسيس حركة العدل والمساواة، وموقفه من حمل السلاح.
بدأ الدكتور جبريل إبراهيم حديثه مستذكرا طفولته في قرية صغيرة قرب الطينة، المحاذية لتشاد، حيث الحياة القاسية وشظف العيش. وقال "الناس تتنقل نصف اليوم للوصول إلى مصادر المياه، وتعُود نصف اليوم الآخر"، واصفا كيف قاده إعجابه بمظهر أخيه الأكبر الأنيق إلى الالتحاق بالمدرسة.
وروى كيف تنقل بين المدارس الداخلية من الطينة إلى الفاشر، ثم إلى جامعة الخرطوم، مواصلا "انزياحا شرقا" أوصله إلى اليابان، التي يسميها البعض "بلاد الوقواق"، موضحا أن اسمها الحقيقي "واكوكو" يعني "بلاد السلام".
إعلانوأمضى إبراهيم 7 سنوات في اليابان، حيث درس الاقتصاد وأتقن اللغة اليابانية، التي بدأت تتآكل بمرور الزمن، على حد قوله. وعن تجربته هناك، ذكر كيف كان الأفارقة منظرا غريبا لليابانيين، خاصة في القرى، حيث كان الأطفال يتجمعون حولهم.
تكوين ورؤى اقتصاديةوبعد اليابان، انتقل وزير المالية للعمل في السعودية لمدة 4 سنوات، مدرسا للاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قبل أن يعود إلى السودان حيث كُلف بتأسيس شركة "عزة" للنقل الجوي، وهو الاسم المستعار الذي كان يُطلق على السودان إبان الاستعمار.
ثم غادر إلى تشاد ومنها إلى الإمارات، قبل أن يستقر في لندن لاجئا بعد أن طلبت الحكومة السودانية آنذاك تسليمه، وأوضح أن اتهامه بدعم الثورة في دارفور كان السبب وراء طلب تسليمه.
وعن الأوضاع الاقتصادية الحالية، أقر إبراهيم بصعوبتها، مشيرا إلى أن معظم النشاط الاقتصادي ومصادر إيرادات الدولة كانت متمركزة في العاصمة الخرطوم التي تضررت بشدة، وأكد أن الدولة لم تصل إلى الصفر في إيراداتها، وتعتمد حاليا على مواردها الذاتية من ضرائب وجمارك وعوائد الذهب.
ونفى الوزير وجود مجاعة شاملة، مؤكدا أن إنتاج السودان من الغلال يفوق الحاجة، وأن برنامج الغذاء العالمي يشتري الذرة من السودان لتصديرها، وأرجع شح الغذاء في بعض المناطق إلى ممارسات "المليشيا المتمردة" التي تمنع وصوله، فضلا عن فقدان القدرة الشرائية للمواطنين النازحين.
رؤية لإعادة البناءوطرح الدكتور جبريل إبراهيم رؤيته لإعادة بناء الاقتصاد السوداني، مرتكزة على محورين: الأول هو الاستثمار في "رأس المال البشري" عبر التعليم النوعي والخدمات الصحية، والثاني هو تطوير البنية التحتية المادية من طرق وجسور والسكك الحديدية وموانئ وشبكات خدمات.
وأشار إلى سعي وزارته قبل الحرب لرفع نصيب التعليم والصحة في الميزانية إلى 40%. ولتمويل البنية التحتية، دعا إلى شراكات إستراتيجية بنظام البناء والتشغيل ثم تحويل الملكية "بي أو تي" (BOT)، مؤكدا تهيئة البيئة التشريعية لذلك.
إعلانوفيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، أوضح أن أموال الغرب "مُسيّسة"، وأن الدعم حاليا يأتي عبر طرف ثالث، غالبا وكالات الأمم المتحدة، بعد تصنيف التغيير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 انقلابا، وأشاد بالدعم الإغاثي من الدول العربية والخليجية وإيران وتركيا.
الحرب والسياسة والمستقبلوتطرق وزير المالية إلى الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع، معتبرا إياها "مشروعا إقليميا ودوليا كبيرا" وأن الدعم السريع "مجرد أداة تستخدم مرحليا"، وربط الصراع بأطماع في سواحل البحر الأحمر وموارد السودان المائية والزراعية والمعدنية، وربما بمحاولة "تغليف المسألة بمحاربة الإسلام السياسي".
وبشأن الأوضاع في الفاشر، أكد صمود المدينة أمام هجمات الدعم السريع المتكررة، قائلا "لن تسقط بإذن الله"، مشيرا إلى رمزيتها التاريخية كعاصمة لإقليم دارفور.
وعن موقفه من الحكم العسكري، قال إبراهيم إنه مع الحكم المدني تماما، وإن الظرف الحالي فرض وجودا عسكريا في السلطة، مددت الحرب عمره.
وأعرب عن ثقته في قدرة الشعب السوداني على تغيير الأنظمة العسكرية عبر الثورات، متوقعا حوارا سودانيا-سودانيا شاملا بعد الحرب لرسم خارطة طريق نحو انتخابات حرة.
وردا على تصريحات الفريق البرهان حول أداء بعض الوزراء، نفى الدكتور جبريل أن يكون من المقصودين، مؤكدا أن التعيينات في الدولة تخضع لإجراءات وقوانين تحد من سلطة الوزير المطلقة، وأن صلاحياته في التعيين المباشر تقتصر على 3 أشخاص.
جذور الصراع في دارفوروعاد إبراهيم بالذاكرة إلى نشأة حركة العدل والمساواة، مؤكدا أنها حركة قومية وليست قبلية أو إقليمية، تهدف إلى تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة في كل أقاليم السودان. وأوضح أن فكرة الحركة تبلورت منذ عام 1995 نتيجة شعور بالظلم والتهميش.
وكشف الوزير أنه كان "الوحيد الذي اعترض على حمل السلاح" في المؤتمر الذي تقرر فيه ذلك بألمانيا، مفضلا الحوار، لكن قناعة الأغلبية كانت أن الحكومة آنذاك "لا تسمع إلا أصوات المدافع". ورغم ذلك، أكد أنه ليس نادما على خيار التمرد المسلح الذي فرضته الظروف.
إعلانوأرجع أسباب الصراع في دارفور إلى الشعور بالظلم من قبل المركز في توزيع الفرص والمشروعات التنموية، وإلى دور الحكومة أحيانا في "اللعب على التناقضات القبلية وتفضيل مكونات على أخرى"، مما أدى إلى تطاحن كبير.
واختتم الدكتور جبريل إبراهيم حديثه بالتأكيد على أن وقف الحرب هو الأولوية، وأن الشعب السوداني بعد ذلك "سيحكم نفسه بنفسه"، معربا عن تفاؤله بمستقبل السودان رغم التحديات الجسيمة.
30/5/2025