عربي21:
2025-12-14@08:57:32 GMT

في سقوط أيديولوجية القوة الإيرانية

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

في الصراع السياسي والعسكري بين الدول، ثمة فارق مهم جدا بين من يُقدم على تغيير قواعد الاشتباك وبين من يُجبر عليها: في الحالة الأولى تمتلك الدولة القدرة العسكرية والسياسية التي تؤهلها للخروج من الستاتيكو السياسي والعسكري القائم، أو من قواعد الاشتباك السائدة والمتفق عليها ضمنيا بين طرفي الصراع، بينما لا تمتلك الدولة في الحالة الثانية هذه القدرات، واضطرارها إلى دخول المستوى الجديد من الصراع ليس إلا لخفض الأثمان الاستراتيجية إذا هي لم تقم بذلك.



ضمن هذه المقاربة يمكن النظر إلى الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، ثم الرد العسكري الإيراني بمئات المُسيرات والصواريخ من الأراضي الإيرانية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تغيير قواعد الاشتباك

بقصفها مبنى دبلوماسي رسمي لإيران في دمشق غيرت إسرائيل قواعد الاشتباك السائدة منذ سنوات بينها وبين إيران (معركة بين الحروب)، وهي إذ تفعل ذلك، فإنما فعلته بعد دراسة عميقة للمتغير الحالي في المنطقة والمتمثل بحرب غزة من جهة، والدعم الغربي غير المحدود لإسرائيل من جهة ثانية، وهما متغيران يدفعان صناع القرار في إيران ـ من وجهة نظر إسرائيلية ـ إلى التفكير مليا في توجيه ضربة عسكرية مباشرة لإسرائيل إن قامت الأخيرة بتغيير قواعد الاشتباك وضرب أهداف إيرانية رسمية بشكل مباشر.

الخيارات الإيرانية

كان أمام إيران خياران:

ـ المحافظة على قواعد الاشتباك مع ما يعنيه ذلك من خسائر كبيرة، ليس على المستوى المعنوي والشعبي فحسب، بل أيضا على المستوى الاستراتيجي، لأنه ينهي نهائيا مقولة الصبر الاستراتيجي الإيرانية، ولأنه سيدفع إسرائيل إلى المضي قدما في تغير قواعد الاشتباك.

ـ رد عسكري، ولكن الردود العسكرية تكون دائما على مستويين: الأول ضعيف يحمل رسائل سياسية وإن جاءت عبر السلاح، بينما يكون الثاني قويا يندرج ضمن معادلة الردع القاسي.

اختارت إيران الرد الضعيف لأربعة أسباب رئيسية:

الأول، تفاوت القدرة العسكرية بينها وبين إسرائيل، إذ أن رد عسكري إيراني قوي يؤذي إسرائيل سيُقابل بالضرورة برد عسكري، وسيؤدي إلى فتح باب حرب طويلة بين الجانبين، لن يكون بمقدور إيران تحملها في ظل دعم أميركي هائل لإسرائيل ودعم غربي تكشف بوضوح منذ أحداث السابع من أكتوبر العام الماضي في محيط غزة.

الثاني، لن يستطيع الاقتصاد الإيراني المأزوم وهو في مرحلة التعافي المبكر من تحمل حرب بهذا المستوى، الأمر الذي قد يؤدي إلى رفع مستوى الغضب الشعبي الموجود أصلا نتيجة التدهور الاقتصادي.

يمكن فهم أن إسرائيل لن ترد على الرد الإيراني مباشرة بقصفها مواقع داخل إيران، أو إعادة تكرار سيناريو القنصلية في دمشق، بل ستقوم بعمليات عسكرية مباشرة في سورية ضد الميليشيات التابعة لها، أو عمليات غير مباشرة داخل الأراضي الإيرانية دون أن تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها (تفجيرات أصفهان المحدودة أمس)، فمثل هذه العملية داخل الأراضي الإيرانية تهدف إلى توجيه رسالة سياسية مفادها أن إسرائيل قادرة إن لزم الأمر في الوصول إلى العمق الإيراني.الثالث، ليس لدى إيران رغبة في أن تؤدي الحرب إلى نشوء تحالف إسرائيلي عربي ـ كان وما يزال مضمرا وبحدود معينة ـ واضح من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف مكامن القوة الإيراني في البلدان العربية (العراق، سورية، لبنان، اليمن).

الرابع، عدم رغبة صناع القرار في طهران بحدوث قطيعة سياسية مع الولايات المتحدة، خصوصا بعد الانفراجات الجزئية التي حصلت بين الدولتين خلال الأعوام الماضية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وتخفيف العقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية على إيران.

في المجمل، كان الرد الإيراني ضعيف الأثر، انعكاسا لقدرة إيران المحدودة فيما يتعلق بإسرائيل، ويمكن القول إن التجارب الطويلة بين الجانبين خلال العقود الماضية من جهة، وقصف القنصلية الإيراني في دمشق والرد الإيراني، لا تخدم القضية الفلسطينية، بقدر ما تخدم المصالح الإيرانية في المنطقة، فإذا لم تستطع إيران ـ التي تحمل في شعاراتها محاربة إسرائيل بسبب احتلالها لفلسطين ـ من استثمار لحظة فارقة (ضرب القنصلية) لفرض واقع جديد، فإن كل استراتيجيتها سقطت أمام هذا الامتحان.

وما قول البعض بأن إيران ألزمت إسرائيل بالعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة (المعركة بين الحروب)، وأن الصواريخ الإيرانية والمُسيرات كشفت منظومات الصواريخ الإسرائيلية الاستراتيجية، وقول آخرين من أن إسرائيل كانت ضعيفة لدرجة أنها لجأت إلى دول عربية وغربية للمشاركة معها في إسقاط الصواريخ الإيرانية، ما قول كل هذا إلا هراء بالمعنى الاستراتيجي، وإن كان ثمة حقيقة واضحة لا يبدو أن العرب قادرين على فهمها أو استغلالها، وهي أن عملية "طوفان الأقصى) والرد العسكري الإيراني كشفا حالة الخوف والهلع الإسرائيلية العالية جدا.

ولا يتعلق هذا الخوف بطبيعة الحال بسبب ضعف إسرائيل على المستوى العسكري، بل ناجم من الشخصية الإسرائيلية التي ترتعب جدا من أي محاولة عربية أو إسلامية للنهوض، أو أية محاولة لتوجيه ضربة لها.

من هنا، يمكن فهم أن إسرائيل لن ترد على الرد الإيراني مباشرة بقصفها مواقع داخل إيران، أو إعادة تكرار سيناريو القنصلية في دمشق، بل ستقوم بعمليات عسكرية مباشرة في سورية ضد الميليشيات التابعة لها، أو عمليات غير مباشرة داخل الأراضي الإيرانية دون أن تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها (تفجيرات أصفهان المحدودة أمس)، فمثل هذه العملية داخل الأراضي الإيرانية تهدف إلى توجيه رسالة سياسية مفادها أن إسرائيل قادرة إن لزم الأمر في الوصول إلى العمق الإيراني.

كما أن إسرائيل غير قادرة على الدخول في أزمة مع الولايات المتحدة غير الراغبة إطلاقا بنشوء حرب واسعة في الشرق الأوسط، حفاظا على مصالحها التي أصبحت خلال السنوات السابقة متمثلة بثلاث مستويات:

الأول، استمرار تدفق النفط بسلاسة إلى العالم الغربي.

الثاني، استمرار طرق الملاحة البحرية في عملها دون تهديد.

الثالث، الإبقاء على الوضع الراهن السياسي في البلدان العربية عبر استقرار النظم الاستبدادية والحيلولة دون نشوء نظم ديمقراطية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الإيرانية إيران إسرائيل رأي مواجهة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة داخل الأراضی الإیرانیة قواعد الاشتباک الرد الإیرانی أن إسرائیل فی دمشق

إقرأ أيضاً:

فتوح: مصادقة الاحتلال على إقامة 19 مستعمرة جديدة انتهاك مضاعف للقانون الدولي

قال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح إن قرار ما يسمى بالمجلس الوزاري المصغر لكيان الاحتلال للشؤون السياسية والأمنية، بالمصادقة على إقامة 19 مستعمرة جديدة في الضفة الغربية بينها مستعمرتان سبق اخلاؤهما، يشكل انتهاكا مضاعفا للقانون الدولي وخرقا فاضحا لقرارات الشرعية الدولية وفتاوى الهيئات القضائية الدولية، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخصوصا القرار 2334، وكذلك الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية الذي أكد عدم شرعية الاستيطان وكل إجراء يهدف إلى تغيير الطابع الديمغرافي والحقوقي للأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفاة 11 فلسطينيًا جراء المنخفض الجوي في غزة القيادة المركزية الأمريكية: التقديرات تشير إلى وجود نحو 60 مليون طن من الأنقاض في جميع أنحاء غزة

وأضاف فتوح في بيان صدر عنه، اليوم الجمعة، أن ما جرى يمثل توسعا ممنهجا لبنية استعمارية تحاول فرض وقائع قسرية على الأرض عبر ما يمكن وصفه بسلطة استعمار أمر واقع، وهي سلطة محظورة بموجب قواعد القانون الدولي العام وبموجب نظام روما الاساسي.

وأشار إلى أن هذا الفعل يعد تكريسا لسياسة ضم زاحف تتعارض مع التزامات القوة القائمة بالاحتلال وتفتح الباب أمام مساءلة قانونية دولية قد تصل إلى مستوى الجريمة الدولية المركبة.

وأكد فتوح أن هذه القرارات باطلة منعدمة الأثر، ويطالب المجتمع الدولي بما فيه الأمم المتحدة والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، والهيئات الرقابية الدولية، باتخاذ اجراءات إجرائية وتنفيذية ملزمة لوقف هذا التصعيد وضمان حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف، ومحاسبة كل من يشارك في توسيع المستعمرات أو يوفر لها غطاء سياسيا أو إداريا.

وشدد فتوح على أن الشعب الفلسطيني سيواصل نضاله السياسي والقانوني والدبلوماسي مستندا إلى قواعد القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة، وصولا إلى انهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

مقالات مشابهة

  • الدولار يقترب من 130 ألف تومان .. العملة الإيرانية تواصل تسجيل الأرقام القياسية
  • نيويورك تضع قواعد جديدة للذكاء الاصطناعي في الإعلانات والفنون
  • الأونروا تحذر: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات مباشرة لغزة وسط أوضاع شتوية صعبة
  • أونروا: إسرائيل ما زالت تمنعنا من إيصال المساعدات مباشرة لغزة
  • آبل تكشف عن تحديث iOS 26.2 .. ميزات غير متوقعة تغير قواعد اللعبة
  • عودة صلاح.. بعد ليلة فك الاشتباك مع سلوت
  • مستشار ماكرون يحذر إسرائيل.. لبنان يحدد شروطاً لزيارة وزير الخارجية الإيراني!
  • مؤسستها: السلطات الإيرانية تُلقي القبض على الفائزة بجائزة نوبل للسلام نرجس محمدي
  • ما أسباب الانهيار غير المسبوق للعملة الإيرانية؟
  • فتوح: مصادقة الاحتلال على إقامة 19 مستعمرة جديدة انتهاك مضاعف للقانون الدولي