كيف يمكن لمديري تكنولوجيا المعلومات تعزيز المرونة السيبرانية؟
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
قال عادل الانصاري، المدير الأول لشركة دل تكنولوجيز في مصر وليبيا وبلاد الشام، إن الذكاء الاصطناعي التوليدي فيما يتعلق بالأمن السيبراني يمثل سلاحاً ذو حدين. فعلى الرغم من قدرته على أن يكون أداة قوية لحماية أوساط تكنولوجيا المعلومات، إلا أنه يجلب تحديات جديدة للشركات، يمكن أن يستغلها مرتكبو الجرائم الإلكترونية لإعداد ناقلات هجوم جديدة.
كما يدرك قادة تكنولوجيا المعلومات قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في فرض أنظمتهم ومهاجمتها، فوفقًا لتقرير مؤشر حماية البيانات العالمي (GDPI) الصادر عن شركة دل، يعتقد 53% من المشاركين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيعزز من قدرات الأمن السيبراني لشركاتهم، بينما يؤمن 27% منهم بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيقدم مزايا في البداية لمرتكبي جرائم الإنترنت.
ومما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيكون له تأثير عميق على التهديدات السيبرانية والمتطلبات المستقبلية لحماية البيانات، ويبحث موردو الأمن السيبراني بالفعل في تعزيز حلول الأمان في المستقبل. ومن المتوقع أن ينمو الذكاء الاصطناعي العالمي في سوق الأمن السيبراني إلى 60.6 مليار دولار بحلول عام 2028. ويعني النمو في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي أن القطاع يخضع لتغيير سريع، لذلك يحتاج مدراء تكنولوجيا المعلومات وقادة الأمن إلى التصرف بسرعة لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الأمن السيبراني. وإن لم يفعلوا ذلك سيواجهون خطر التعرض لموجة عارمة من الجرائم الإلكترونية التي يغذيها الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ومن الواضح أن العواقب وخيمة، فكيف يمكن لمدراء تكنولوجيا المعلومات الاستفادة من قيمة الذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز استراتيجية الأمن السيبراني؟
أهمية الذكاء الاصطناعي التوليدي لمواجهة الهجمات
لدعم الذكاء الاصطناعي التوليدي كمصدر قوة للأمن السيبراني وليس لمرتكبي جرائم الإنترنت، يجب أن يكون جزءًا مهمًا من استراتيجية مدير تكنولوجيا المعلومات، إذ يجب أن يفهم كيف تُنفّذ الهجمات الإلكترونية وكيف يمكن تعزيز الأمن باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدءًا من الجهاز ووصولاً إلى البيانات والمستخدم.
وتركز الأساليب التقليدية للأمن السيبراني الوقائي إلى حد كبير على النهج "المرتكز على المحيط"، وذلك باستخدام إطار أمني يعتمد على "معروف موثوق به" داخل المحيط (الموظفين والشركاء)، و"مجهول غير موثوق به" خارج المحيط (المتسللين وغيرهم من المجرمين). ومع ذلك، فإن أساليب الهندسة البشرية المتطورة، والتي يعززها الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل التصيد الاحتيالي والتزييف العميق، تسمح لمرتكبي جرائم الإنترنت بدخول الشبكة تحت ستار "معروف موثوق به" والوصول إلى نظام الشركة بأكمله.
ويمكن أن تؤدي إزالة الثقة الضمنية باستخدام نموذج الثقة المعدومة إلى منع المتسللين من التسلل إلى شبكة الأعمال وتنفيذ نماذج تعلم آلي، مما يعزز قدرة الشركة على اكتشاف تلك الحالات والتهديدات المحتملة في الوقت الفعلي. فعلى سبيل المثال، قد يُطلب من الموظف الذي يصل إلى رسائل البريد الإلكتروني إكمال خطوة المصادقة الثنائية لاستعادة الوصول بعد وقت معين، مما يعني أنه يمكن رفض وصول أي مستخدم بشكل فردي إلى نظام معين في الوقت الفعلي.
ومن خلال المراقبة المستمرة لسلوك المستخدم ونشاط الشبكة، تعمل نماذج الثقة المعدومة المستندة إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي على تعزيز الحالة الأمنية العامة للشركة، مما يضمن تعديل امتيازات الوصول بناءً على تقييمات المخاطر في الوقت الفعلي.
استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي للحد من الهجمات المحتملة وتعزيز الاستجابة للحوادث والتعافي منها
يتجاوز الذكاء الاصطناعي التوليدي والأتمتة في مجال الأمن السيبراني الأنظمة القائمة على القواعد، مما يوفر قدرات تكيفية وتنبؤية. وفي ظل تعلم الذكاء الاصطناعي التوليدي المستمر من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات الأمنية، وخوارزميات التعلم الآلي التي تحدد السلوك الخارج عن المألوف والتنبؤ بالتهديدات المحتملة في الوقت الفعلي، يمكن لفرق الأمن السيبراني أن تكون استباقية في استجابتها للتهديدات. وعندما يكتشف الذكاء الاصطناعي التوليدي حالات خارجة عن المألوف في حركة مرور الشبكة أو محتوى البريد الإلكتروني المشبوه، يمكنه التعرف على نوع التهديد للتنبؤ بالتهديدات المستقبلية وتحديد نقاط الضعف.
ومع ذلك، يتعين على مدراء تكنولوجيا المعلومات أن يدركوا جيداً أن هذا ليس حلاً جذريًا، وأن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تحدث. ولكن إذا نجح أحدها، فإن الأتمتة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي من الممكن أن تحد من تأثيرها. ومن خلال تبسيط الكشف عن التهديدات والاستجابة لها، تتيح أتمتة الذكاء الاصطناعي التعافي من الأزمات بشكل أسرع وأكثر شمولاً، مما يحد من الآثار السلبية. ويمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أن تضمن للشركات استعادة بياناتها وأنظمتها الهامة بسرعة وثقة عقب الهجوم الإلكتروني، واستئناف العمليات العادية. ويتم تحقيق ذلك من خلال اكتشاف وتشخيص وتسريع استعادة البيانات باستخدام مستودع الاسترداد السيبراني (Cyber Recovery vault)، وهو مستودع معزول لجميع بيانات وأنظمة الأعمال الأساسية.
وبحسب تقرير مؤشر حماية البيانات العالمي، تعتقد 47% من الشركات التي شملتها الدراسة أن تدابير حماية البيانات الحالية لا يمكنها التعامل مع تهديدات برامج الفدية، كما أن 65% منها غير واثقة من قدرتها على التعافي من هجوم إلكتروني مدمر. ومن هنا يجب على مدراء تكنولوجيا المعلومات الاستفادة من التحليلات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات الاستجابة للهجمات، مما يتيح التعرف بشكل أسرع على مصدر الهجوم ونطاقه وتسريع عملية التعافي.
توعية العاملين لتعزيز أمن الشركة
عندما يتعلق الأمر بالهندسة البشرية والهجمات القائمة على الاحتيال، يعد الموظفون أحد أقوى خطوط الدفاع. ويعد الخطأ البشري سببًا رئيسيًا لحوادث الأمن السيبراني، ولهذا يجب على قادة تكنولوجيا المعلومات ومديري تقنية المعلومات الاستثمار في برامج تدريب شاملة على الأمن السيبراني لتزويد الموظفين بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحديد التهديدات المحتملة والاستجابة لها. ويتضمن ذلك نصائح حول اكتشاف محاولات الاحتيال التي يدعمها الذكاء الاصطناعي التوليدي. وعلى صعيد آخر، يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي داخل الشركة لتعزيز تدريب الموظفين.
وفي ظل ظهور عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستستمر العلاقة التكافلية بين الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في التطور. وللتصدي للتهديدات المتغيرة باستمرار، يجب على مديري تكنولوجيا المعلومات وغيرهم من قادة تكنولوجيا المعلومات تبني إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي ومواجهة التهديدات التي قد تنتج عنها. وسيكون على الشركات الاستفادة من التكنولوجيا والأفراد والعمليات لتعزيز المرونة السيبرانية على مستوى الشركة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی تکنولوجیا المعلومات الأمن السیبرانی فی الوقت الفعلی من خلال
إقرأ أيضاً:
هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
ترجمة: بدر بن خميـس الظفري
طالما حلم الإنسان بأن تتولّى الآلات عنه الأعمال الشاقّة، وأن تساعده في المهام الذهنية كذلك. وعلى مدى القرون، ازداد اعتماد البشر على الآلات بوتيرة متسارعة، حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة باتت فيها الروبوتات تؤدي شتى أنواع المهام اليدوية، وتُظهر مهارات لافتة.
وينطبق الأمر نفسه على الأنشطة الفكرية. فمنذ ظهور برنامج «تشات جي بي تي»، أصبح الجميع يدرك حجم الإمكانات التي يحملها الذكاء الاصطناعي. والمشهد مذهل بالفعل: كيف يمكن لبرامج أن تمتلك هذا القدر من المعرفة، وأن تنتج نصوصا واستنتاجات تبدو منطقية؟ وهل هناك حدّ لما قد تبلغه؟ ولماذا تحتاج هذه الأنظمة إلى موارد هائلة من البيانات والطاقة الحاسوبية؟
لكن لنبدأ من البداية، فمصطلح «الذكاء الاصطناعي» ظهر في خمسينيات القرن الماضي، وصاغه عالم الرياضيات الأمريكي جون مكارثي خلال ورشة عمل كانت مخصّصة للبحث في مستقبل قدرات الحواسيب. وقد قال لاحقا إن المصطلح لم يأت نتيجة تفكير علمي عميق، بل لأنهم أرادوا عنوانا مثيرا يجذب التمويل اللازم للورشة!
ومع ذلك، فإن فكرة الآلة الذكية سبقت ذلك بكثير؛ ففي عام 1939 عرضت شركة «وستنغهاوس» خلال معرض نيويورك العالمي نموذجا بشريّ الشكل يدعى «إلكترو»، قادرا على المشي والكلام والسمع.
وبمعايير اليوم، كان الروبوت بدائيا للغاية، لكنه جسّد مبكرا مفهوم الروبوت الإنساني، وكان يرافقه جهاز آخر على شكل كلب يُسمى «سباركو». وفي عام 1941، قدّم المهندس الألماني كونراد تسوزه أوّل حاسوب حديث، ثم طُوّرت أنظمة التحكم بالحركات الكهربائية عبر الحاسوب في أوائل الخمسينيات ودخلت مرحلة الإنتاج. تلك الخطوات كانت الأساس الذي قامت عليه الأنظمة الحالية، وإن كان أحد في ذلك الوقت لا يتخيّل مدى ما ستصل إليه الحواسيب اليوم.
هذه التطورات تطرح سؤالا أساسيا: هل يمكن للآلات أن تضاهي الذكاء البشري، أو حتى تتجاوزه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟ أرى أن المسألة تقوم على ثلاثة مستويات.
أولا، درج الذكاء الاصطناعي التقليدي على محاكاة قدرات معرفية بشرية معينة، ولكن ضمن نطاق ضيّق، ومع ذلك، يمكنه إنجاز المهام بسرعة وكفاءة أكبر. من ذلك التفكير الرياضي، ولعب الشطرنج، وقراءة الخرائط للملاحة. اليوم، يُعدّ من المسلّم به أن هذه مهارات بشرية يمكن نقلها إلى الآلات، لكن في عام 1956 كانت أقرب للخيال العلمي.
لقد أصبحت هذه الأحلام واقعا، لكنها لم تعد تُصنّف ضمن «الذكاء الاصطناعي» بالمعنى الشائع. وكما قال مكارثي: «عندما يعمل النظام جيدا، لا يعود أحد يسمّيه ذكاء اصطناعيا». أما الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي، فقد دخل الوعي العام بقوة، ويمتاز بقدرته على إنتاج نصوص وصور وأصوات جديدة استجابة لتعليمات تُكتب بلغة طبيعية.
غير أن تدريب هذا النوع من «الذكاء الاصطناعي غير المجسّد» يعتمد على كميات ضخمة من البيانات المأخوذة من الفضاء الرقمي، ويتطلب قدرة حسابية هائلة. وهذا يعني أنه يرتبط بعالمنا الواقعي بشكل غير مباشر للغاية. ثانيا، يمكن إيجاد بيئة رقمية تحاكي قوانين الفيزياء في العالم الحقيقي بهدف إنتاج بيانات أقرب إلى الواقع لتدريب الأنظمة الذكية. في هذه البيئة، تُحاكي الأشياء الافتراضية خصائص الأشياء المادية بدقة كبيرة. فمثلا، تسقط قطرة الماء وتتحرك كما تتحرك في الطبيعة.
وفي هذا «العالم الافتراضي»، أو ما يُعرف بـ«الميتافرس» (العالم الماورائي الرقمي)، يمكن تدريب أنظمة التعلم الآلي على الاستكشاف والتجربة، وتنمية حسّ الفضول والقدرة على التعامل مع تنوّع المواقف.
غير أن هذا العالم، مهما بلغ تشابهُه مع الواقع، يظل من صنع الإنسان ويُصوّر العالم من منظور الإنسان فقط. وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع فيه المفاجآت الحقيقية التي شكّلت مسار حياتنا وأسهمت في تطوّر الذكاء البشري.
في المستوى الثالث، يمكن تجاوز تلك القيود من خلال تمكين الحواسيب من العمل باستقلالية داخل العالم الحقيقي عبر الروبوتات التي تستشعر بيئتها باستخدام المجسّات. وبفضل أدوات الحركة المدمجة فيها ـ مثل الأيدي والأذرع والأرجل ـ تستطيع هذه الروبوتات تغيير بيئتها، ثم ملاحظة النتائج المترتبة على ذلك.
وهكذا تنشأ «حلقة مغلقة» تجمع بين الإدراك، والفهم الذكي، وتنفيذ الأفعال. وبذلك يصبح بإمكان الآلة المزوّدة بنظام ذكاء اصطناعي مدمج أو متصل بها خارجيا أن تخرج إلى العالم «بمفردها»، وأن تتعلم وتطوّر ذكاءها الخاص. ويُطلق على هذا النوع من الذكاء اسم «الذكاء المجسّد»، لأنه مرتبط بجسد، ومصمّم بما يتناسب مع خصائص الروبوت نفسه، من طريقة إدراكه للعالم إلى قدرته على التفاعل معه.
ماذا يمكن أن نتوقع في المستقبل؟ من الواضح أن دمج الذكاء الاصطناعي بالروبوتات ـ وليس بالضرورة الروبوتات الشبيهة بالبشر التي تمتلك سيقانا، بل بمختلف أشكالها ـ هو الطريق الذي سيُسهم في جعل الآلات الذكية قادرة على أداء مهام مفيدة.
فإذا استطاعت هذه الكيانات «المجسّدة» أن تفهم عالمنا الحقيقي مباشرة، وأن تمزج هذا الفهم بما اكتسبته من الفضاء الرقمي، فقد يؤدي ذلك إلى تآزر أو علاقة تكاملية تجعل الإنسان أكثر ذكاء وتفتح أمامه آفاقا أوسع بكثير.
ويتحمل واضعو السياسات والباحثون مسؤولية رئيسية في الاستثمار في هذا النوع من الروبوتات باعتباره جزءا أساسيا من مهمتهم في دعم تطور الإنسان. كما أن الفوائد العملية لاستخدام هذه الآلات في عمليات الإنتاج ستظهر بوضوح في المدى القصير والمتوسط.
إن البلدان التي تمتلك أعلى كثافة من الروبوتات ـ مثل الصين، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وألمانيا، واليابان ـ تتمتع بأفضلية إنتاجية هائلة. ومن المتوقع أن يتّسع هذا الفارق بدرجة كبيرة مع دخول الوكلاء المجسّدين إلى خط الإنتاج.
أما الدول التي تمتلك قاعدة صناعية واسعة وموارد بيانات كبيرة، وتعرف كيف توفّق بين البرمجيات وأنظمة الحوسبة المدمجة والمجسّات والميكاترونكس والذكاء الاصطناعي، فهي الأكثر قدرة على طرح هذه الآلات في الأسواق.
وليس من قبيل المصادفة أن هذه الدول هي بالفعل في طليعة صناعة الروبوتات.
ومع الإنجازات اللافتة التي تحققها الشركات الناشئة الصينية في مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر، ومع الهدف المعلن للصين بأن تصبح رائدة في الذكاء الاصطناعي المجسّد ـ كما ورد في توصيات الخطة الخمسية الصينية الخامسة عشرة (2026-2030) ومبادرة «الذكاء الاصطناعي بلس» ـ فإننا نتوقع إنجازات كبيرة إذا ما نُفّذت هذه الخطط بذكاء.
كما أن المنافسة الدولية تتصاعد، ما يجعل السنوات المقبلة حبلى بابتكارات لافتة في هذا المجال. وأنا شخصيا لا أطيق الانتظار لرؤية ما سيظهر.