كأنه فصل يهودي جديد من فصول "لاهوت التحرير"، استدعت الكاتبة اليسارية اليهودية الكندية نعومي كلاين قصة "سفر الخروج" التوراتية، لتدعو لإنكار عبادة "العجل الذهبي" مجددا كما فعل بنو إسرائيل قديما، وتقصد به "صنم الصهيونية الزائف"، كما تسميه.

وقالت كلاين أمام تجمع لآلاف الأميركيين (أغلبهم يهود مناهضون للحرب) قبل أيام في احتجاج ببروكلين، دعا لوقف تسليح إسرائيل في الليلة الثانية من عيد الفصح اليهودي، بالقرب من منزل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر، "الكثير من أبناء مجتمعنا (اليهودي) يعبدون صنما زائفا.

. إنهم مبتهجون به.. إنهم في حالة سُكر.. لقد دنسهم الوثن.. هذا الصنم الكاذب يُسمى الصهيونية".

الكاتبة الكندية نعومي كلاين تقول إن الصهيـ.ـونية صنم زائف قاد عددًا كبيرًا من الشعوب إلى طريق غير أخلاقي حيث تقتل القنابل العنقودية الأطفال pic.twitter.com/UeYNT1JJKO

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) April 24, 2024

"لاهوت تحرير"

خطاب كلاين -الصحفية والمخرجة والناقدة للفاشية والرأسمالية وعولمة الشركات- استدعى أفكار "لاهوت التحرير"، الذي عرفته تجربة النضال التحرري في أميركا اللاتينية في خمسينيات وستينيات القرن الـ20 على يد دعاة مسيحيين إنجيليين ومبشّرين وقساوسة، دعوا لتحرير الشعوب المضطهدة من الاستعباد للرأسمالية والاستعمار.

وجاء "لاهوت التحرير" كاحتجاج وردّ فعل أخلاقي على الفقر والظلم الاجتماعي، وصاغ المصطلح في عام 1971 الكاهن الدومينيكاني غوستافو غوتياريز، إذ رأى أن اللاهوت الأوروبي الذي درسه لا يعكس الظروف القمعية التي شهدتها أميركا اللاتينية.

"أفكر في موسى، وغضبه عندما نزل من الجبل ليجد بني إسرائيل يعبدون عجلا ذهبيا.. في عيد الفصح هذا، لا يحتاج اليهود ولا يريدون صنم الصهيونية الكاذب. نريد التحرّر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا"

وقبل يومين، كتبت كلاين لصحيفة الغارديان البريطانية، تقول "أفكر في موسى، وغضبه عندما نزل من الجبل ليجد بني إسرائيل يعبدون عجلا ذهبيا.. في عيد الفصح هذا، لا يحتاج اليهود ولا يريدون صنم الصهيونية الكاذب. نريد التحرّر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا".

ووردت قصة العجل الذهبي في "سفر الخروج" ثاني أسفار العهد القديم (التناخ) وأحد الأسفار المقدسة لدى الديانة اليهودية والمسيحية، ويصف نجاة بني إسرائيل من ظلم واستعباد فرعون مصر لهم، وتروي الرواية التوراتية أن بني إسرائيل عبدوا عجلا ذهبيا صنعوه عندما صعد موسى -عليه السلام- لجبل سيناء لتلقي الوحي، وبينما تقول التوراة إن هارون -عليه السلام- صنعه لإرضاء قومه، يُبرئ القرآن هارون من "خطيئة العجل" (كما تعرف بالعبرية) وينسبها للسامري.

الكاتبة الكندية نعومي كلاين تشارك في احتجاج سابق خارج مبنى الكابيتول الأميركي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة  (رويترز)

وتتساءل كلاين في مقالها هل يمكن أن يغار الإله من حيوانات من خلقه أو يحتكر كل ما هو مقدس في الأرض؟ وتجيب بالمقابل "هناك طريقة أقل حرفية لفهم هذه القصة. يتعلق الأمر هنا بالأوثان (أو الأصنام الكاذبة). عن ميل الإنسان إلى عبادة ما هو دنيوي ولامع، والافتتان بالصغير والمادي (الملموس) بدل التعلق بالكبير والمتعالي الخارق".

"العديد من أبناء مجتمعنا يعودون لعبادة صنم زائف مجددا. لقد انخدعوا بسحره، وأسكرهم خمره، وتدنسوا برجسه. إن هذا الصنم المزيف يُعرف باسم الصهيونية.. إنه صنم مزيف ينتحل أعمق قصصنا التوراتية عن العدالة والتحرر من العبودية -قصة عيد الفصح بحد ذاتها- ويحوّلها إلى أسلحة وحشية للسرقة الاستعمارية للأراضي، وخرائط طريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية"

وتلخص المؤلفة -التي حازت عام 2016 جائزة سيدني للسلام، لنشاطها في مجال العدالة المناخية- قائلة "ما أريد قوله في مأدبتنا الثورية والتاريخية بمناسبة عيد الفصح هو أن العديد من أبناء مجتمعنا يعودون لعبادة صنم زائف مجددا. لقد انخدعوا بسحره، وأسكرهم خمره، وتدنسوا برجسه. إن هذا الصنم المزيف يُعرف باسم الصهيونية".

وتكمل الناشطة -المعروفة بمواقفها الداعمة للنضال النقابي والمناهض للحرب- فتقول "إنه صنم مزيف ينتحل أعمق قصصنا التوراتية عن العدالة والتحرر من العبودية -قصة عيد الفصح بحد ذاتها- ويحوّلها إلى أسلحة وحشية للسرقة الاستعمارية للأراضي، وخرائط طريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية".

وتعتبر كلاين أن "صنم الصهيونية" -كما تسميه- هو "صنم زائف اتخذ الفكرة المتعالية للأرض الموعودة -كناية عن تحرير الإنسانية والتي ارتحلت عبر ديانات متعددة إلى كل أنحاء العالم- وتجرأ (الصنم) على تحويلها إلى صك بيع لدولة عرقية عسكرية".

وتضيف الناشطة -التي وصفتها مجلة النيويوركر بأنها الشخصية الأكثر تأثيرا على اليسار الأميركي- أن نسخة التحرير التي تطرحها الصهيونية السياسية هي في حد ذاتها دنيوية، فقد تطلبت -منذ البداية- الطرد الجماعي للفلسطينيين من منازلهم وأراضي أجدادهم في النكبة.

"الصهيونية صنم زائف قاد الكثير من شعبنا إلى طريق غير أخلاقي للغاية، وهو ما جعلهم الآن يبررون تمزيق الوصايا الأساسية: لا تقتل. لا تسرق. لا تطمع. إنه وثن كاذب يجعل الحرية اليهودية تتحقق بالقنابل العنقودية التي تقتل وتشوه الأطفال الفلسطينيين"

وفي مقارنة أخرى مع سفر الخروج التوراتي، اعتبرت كلاين أن نسخة الصهيونية التي تنتقدها كانت منذ البداية في حرب مع أحلام التحرير، واعتبرتها معادلة لديكتاتورية الفرعون، فهذه النسخة "تنظر إلى الأطفال الفلسطينيين ليس كبشر بل باعتبارهم تهديدا ديموغرافيا، تماما كما كان فرعون في سفر الخروج يخشى تزايد عدد بني إسرائيل، وبالتالي أمر بقتل أبنائهم. لقد أوصلتنا الصهيونية إلى الكارثة الحالية، وقد حان الوقت لنقول بوضوح: إنها قادتنا دوما إلى هذا المكان".

وتؤكد كلاين -التي اشتُهرت بكتابها "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث" (2007)- أن الصهيونية "صنم زائف قاد الكثير من شعبنا إلى طريق غير أخلاقي للغاية، وهو ما جعلهم الآن يبررون تمزيق الوصايا الأساسية: لا تقتل. لا تسرق. لا تطمع. إنه وثن كاذب يجعل الحرية اليهودية تتحقق بالقنابل العنقودية التي تقتل وتشوه الأطفال الفلسطينيين".

اليهودية غير الصهيونية

تتبنى كلاين تفسيرا يهوديا غير صهيوني، بل يدين الصهيونية باعتبارها وثنا أو صنما زائفا يتنكر لكل قيمة يهودية أصلية، بما في ذلك قيمة المحاسبة للذات، وقيمة الحب للنصوص والتعليم.

بالمقابل، فصنم الصهيونية، كما تقول كلاين، "يبرّر قصف كل جامعة في غزة، وتدمير عدد لا يُحصى من المدارس، والأرشيف، والمطابع، وقتل مئات الأكاديميين والصحفيين والشعراء، هذا ما يسميه الفلسطينيون مدرسة القتل، أي تدمير وسائل التعليم".

وعن آثار ذلك محليا في أميركا تقول كلاين "في هذه الأثناء، بهذه المدينة، تستدعي الجامعات شرطة نيويورك وتحصّن نفسها ضد التهديد الخطير الذي يشكله طلابها الشجعان الذين يطرحون أسئلة أساسية من قبيل: كيف يمكنك أن تدّعي الإيمان بأي شيء على الإطلاق، بينما تقوم بتمكين هذه الإبادة الجماعية والاستثمار فيها والتعاون معها؟".

وتعتبر أنه "لا يمكن احتواء يهوديتنا بواسطة دولة عرقية، لأن يهوديتنا هي عالمية بطبيعتها"، وتضيف "لقد سُمح لوثن الصهيونية الزائف بالنمو دون رادع لفترة طويلة جدا".

وتوضح أنه "لا يمكن حماية يهوديتنا بواسطة الجيش المتوحش لتلك الدولة، لأن كل ما يفعله الجيش هو زرع الحزن وحصد الكراهية، بما في ذلك ضدنا كيهود" بالمقابل "يهوديتنا ليست مهدّدة من قِبل الناس الذين يرفعون أصواتهم تضامنا مع فلسطين.. نحن لا نحتاج ولا نريد صنم الصهيونية الكاذب. نريد التحرّر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا.. ولا يقتصر الأمر على نتنياهو فحسب، بل العالم الذي صنعه.. إنه الصهيونية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الإبادة الجماعیة بنی إسرائیل عید الفصح

إقرأ أيضاً:

نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة

في زمنٍ أصبحت فيه الشهرة تُقاس بعدد المشاهدات، وتصنعها الخوارزميات لا الجدارة، لم يعد مستغربًا أن نرى بثًا مباشرًا يتجاوز دخله مئات الآلاف من الجنيهات خلال دقائق، دون أن يحمل أي مضمون حقيقي أو قيمة معرفية.

تنتشر مشاهد لفتيات وشباب يحتفلون بما يُسمى "النجاح الرقمي"، وهم يتلقون سيلًا من الهدايا الافتراضية: ورود، نجمات، وأيقونات رقمية تبلغ قيمة بعضها عشرات الآلاف من العملات داخل التطبيق. عند هذا الحد، تبدأ الأسئلة:
من أين تأتي هذه الأموال؟ ولماذا تُمنح بهذا السخاء لمحتوى سطحي؟

خلف الستار: صناعة الترند

ما يبدو للمتابعين كنجاح عفوي، تقف خلفه منظومة منظمة تديرها ما يُعرف بـ"الوكالات الرقمية"، وهي جهات تمثل بعض صانعي المحتوى وتتحكم في ظهورهم، ومسارهم، وحجم أرباحهم.

تقوم هذه الوكالات باختيار أشخاص بعينهم ممن يمكن دفعهم إلى مقدمة المشهد، بغض النظر عن نوعية المحتوى الذي يقدمونه، وتعقد معهم اتفاقات يُقتطَع بموجبها جزء كبير من العوائد، مقابل الترويج والدعم المستمر.

غير أن الخطر الحقيقي لا يكمُن فقط في الترويج للسطحية، بل في توظيف هذه المنصات كوسيلة حديثة لعمليات غسيل الأموال، وهي ظاهرة باتت تثير قلق المهتمين بالشأن الاقتصادي والأمني.

كيف تتم العملية؟

يبدأ السيناريو من طرفٍ يمتلك أموالًا نقدية يصعب إدخالها إلى النظام المصرفي نتيجة غياب مصدر قانوني واضح. يبحث هذا الطرف عن قناة تُخرج أمواله في صورة شرعية، فيلجأ إلى بعض الوكالات الرقمية التي تتولى تحويل هذه المبالغ إلى "دعم" ظاهر على المنصة.

يُقدَّم الدعم لصناع محتوى مختارين مسبقًا على هيئة هدايا رقمية، تُحتسب كأرباح رسمية تصل إلى حساباتهم المصرفية. ثم تُعاد غالبية هذه الأموال إلى المصدر الأصلي، بعد اقتطاع نسبة بسيطة منها كأرباح شكلية لصانع المحتوى، بينما تدخل الأموال إلى النظام المالي وقد تم "غسلها" رقميًا.

الخوارزميات وتفكيك الوعي الجمعي

لا يمكن فصل ما يحدث على منصات التواصل عن السياق الأوسع الذي يُعيد تشكيل وعي الشعوب وفق مخططات دقيقة وممنهجة. فالخوارزميات التي ترفع بعض الشخصيات السطحية إلى صدارة المشهد، لا تفعل ذلك اعتباطًا، بل تعمل وفق معايير تستهدف إعادة توجيه الذوق العام، وتشويه منظومة القيم، وإضعاف البناء الثقافي للأمة.

هذه الاستراتيجية تتقاطع — بشكل أو بآخر — مع ما ورد في ما يُعرف بـ"بروتوكولات حكماء صهيون"، تلك الوثائق المثيرة للجدل التي، وإن اختلف البعض حول مصدرها، فإنها تُظهر بوضوح نوايا استهداف الشعوب من خلال إغراقها في اللهو، وتشتيت وعيها، وتفريغ مفاهيم القدوة والمعرفة والعمل من معناها الحقيقي.

إن صناعة نجوم من فراغ، والترويج لمحتوى فارغ من المعنى، وتمرير الأموال عبر قنوات تبدو ترفيهية، ليست مجرد عوارض رقمية، بل جزء من منظومة أوسع تسعى — ربما بوعي أو دون وعي — إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ثقافيًا واجتماعيًا، بما يخدم مصالح القوى التي ترى في وعي الشعوب خطرًا على مشاريعها التوسعية.

أثر اجتماعي مدمِّر

تكمن الخطورة في الأثر الاجتماعي والنفسي الذي تخلّفه هذه المشاهد.
فالشباب الذين يجتهدون في دراستهم أو يعملون بكدّ لا يمكنهم إلا أن يشعروا بالخذلان حين يرون من يُحَقق مكاسب طائلة دون جهد معرفي أو إبداع حقيقي.
ويُعاد تشكيل الوعي العام ليُصدِّق أن "الظهور السهل" طريق للنجاح، وأن الجهد لم يعد شرطًا لنيل التقدير.

الثمن الحقيقي

المال الذي يُكتسب عبر طرق غير مشروعة، ولو بدا لامعًا في ظاهره، فإنه يحمل في طياته ثمنًا باهظًا:
ثمنًا أخلاقيًا، وربما قانونيًا، ناهيك عن التآكل الداخلي الذي يصيب صاحبه.
فمن يُستخدم أداةً في منظومة كهذه سرعان ما يُستغنى عنه، وقد يدفع وحده ثمن التورط.

بوصلة الوعي
في عالم يزداد ضجيجه يوماً بعد يوم، ينبغي علينا أن نُعيد الاعتبار للمعنى، لا للرقم.
أن نُعلّم أبناءنا أن الرزق لا يُقاس بالسرعة، بل بالنزاهة،
وأن المال حين يُكتسب من باطل، فلا بركة فيه ولا استقرار.

الطريقان لا ثالث لهما:
طريق الحلال، وإن طال، يمنح صاحبه الطمأنينة وكرامة النفس.
وطريق الحرام، وإن سهل، يُفضي إلى التيه والندم.

فلنختر الطريق الذي يُشبهنا، لا ذاك الذي يُغري بريقه ويُخفي خيبته.

طباعة شارك النجاح الرقمي صناعة الترند الوكالات الرقمية الوعي الجمعي

مقالات مشابهة

  • انطلاق مباريات المربع الذهبي للدوري العراقي الممتاز لكرة اليد الاثنين المقبل
  • الصهيونية تعبّر عن نفسها بقتل الأطفال جوعا
  • بكري: المؤامرات ضد مصر تحركات جماعة اعتادت الإذعان للحركة الصهيونية
  • عودة الهذالين.. صوت النضال الذي أسكتته إسرائيل
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • «صحة المرأة والأبحاث» يحصد شهادة المعيار الذهبي من منظمة دولية
  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: ما وراء البريق الخادع للشهرة السريعة
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • هند عصام تكتب.. الملك أمنمحات الثالث