راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
ذاك الزمان كان الناس علي فطرتهم . التاسعة مساء يخلدون إلي النوم و لا تسمع في الطرقات إلا بعض نباح كلاب متقطع او اصوات قطط متشاكسة .
مع نسمات الفجر و بعيد الأذان الثاني نسمع مزلاج الباب و هو يفتج بهدوء . و خطوات علي الأرض و كأنها تلامسها في رفق . حفيف منغم و كأنما صاحب المسير يحادث ما يمشي عليه حتي يبلغ منتهاه .
ثم تقام الصلاة و كانما الذي سمعناه سيمفونية مرتبة موزعة النغمات .
كانت تلك خطوات الشاب العابد عمنا عمر عبد الوهاب .
كل شئ منتظم حياة ليس فيها غير عبادة خالصة لا تعرف طريقا لمضارب اللهو و التسلية .
إنتظام في اليوم و الليلة و الأسبوع و الشهر .
اليوم كل الصلوات في المسجد عدا الظهر في موقع العمل . و في اليوم ساعة بعد العصر في مدارسة يوم لتفسير إبن كثير و يوم للفقه من كتاب نيل الاوطار للإمام الشوكاني و بعد المغرب حلقة التلاوة في المسجد .
الجمعة يومها حافل رحلة إلي حي السجانة حيث الحلقة الراتبة في السيرة يقدمها الشيخ الصافي جعفر الصافي
في منزله .
ذاك يوم بطعم سوداني خالص تنسجه إمرأة سودانية خالصة هي السيدة بنت المدني والدة الشيخ الصافي .
رغم سنها فقد كانت سابقة للنساء اول إمراة أراها تقود الدراجة .
كل جمعة تقود دراجتها إلي السوق لتات محملة بذاك الإفطار الذي لا ينسي .
قراصة تسميها ( خمسة بوصة ) دلالة علي سمكها .
صحن كبير عليه القراصة ذات المذاق الفريد و يعقبها البطيخ البارد شديد الحمرة و كوب شاي يظل طعمه عالقا بالفم طوال اليوم .
يوم الجمعة عند عمي و اخي عمر لا يخرج عن ذلك الا بخطوات لشراء مجلة ( العربي ) و هي من اروع المجلات التي تعلمت منها القراءة النضرة .
كان عمي عمر شديد الإعجاب برئيس تحرير المجلة و هو الكيميائي المصري الدكتور أحمد زكي . كان للدكتور أحمد زكي مقالات تتراوح بين عنوانين ( مع الله في الأرض ) و ( مع الله في السماء ) . علم غزير في أسلوب سلس جذاب مشوق يربط حقائق العلم بالايمان فقد كان الرجل عالما تسنم الكثير من المواقع العلمية منها رئاسة جامعة القاهرة .
*القراءة*
كان عمي عمر مرتب في كل شئ يومه الموزع بين العبادة و المدارسة و صلة الرحم و في مطالعته فقد تخير ما يسكن إليه من المطالعات و الكتب .
إضافة لكتابي المدارسة في التفسير و الفقه فقد رايت كتابا دائما ما يقراه لم اره عند غيره و هو كتاب يعكس شخصيته المتعمقة في التعبد بتبصر ذاك كتاب ( الرعاية لحقوق الله ) للعالم ابو الحارث المحاسبي .
في السيرة تخير ان يقرا عن العلامة العابد الزاهد عبد الله بن المبارك و من شعره الابيات المشهورة .
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت انك بالعبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه فرقابنا بدمائنا تتخضب
*المعايشة*
لا تعني هذه السيرة المتميزة ان الرجل كان منصرفا وزاهدا عن الحياة و الناس . كانت له صلات و صداقات بشخصيات متعددة منهم من كانوا علي غير المالوف من الصفات و لكنهم كانوا ينطوون علي خير كان ينتقيهم و يحبهم .
راج بين الاسرة ان عمي عمر و والدي متخاصمان و كانا لا يسلمان علي بعضهما و تكاد الصلة بينهما تكون مقطوعة .
كنت علي يقين ان هذا الخلاف مفتعل و ذلك بسبب ان والدي كان شيوعيا و عمي إسلاميا .
و لما كنت مقتنعا ان عمي لن يخذلني فقد ذهبت لوالدي و قلت له لماذا تخاصم اخيك ؟ قال لي انا لم اخاصمه و إنما هو من يفعل فقلت له إذا سياتينا غدا لنشرب الشاي عصرا .
و كانت جلسة تاسفت انها لم تكن مصورة .
و نحمد الله ان والدي توفي و كان لسانه رطب بذكر الله و الشهادتين .
*زواجه*
كان الناس يظنون ان حفل زواجه سيكون جامدا جافا لا فرح فيه .
اعد لزواجه في صمت و جاء إحتفاله فريدا .
فقد تزوج بنت خالته التي كان يجلها و هي من توتي فاعد سيرة لا مثيل لها
خرج الناس عصرا من البيت في بري في سيرة و غناء و النساء يحملن جريد النخل إلي نهر النيل الازرق قرب الشرطة في بري المحس حيث كان البنطون في إنتظارهم . فواصلوا الغناء و الطرب و البنطون يمخر عباب النيل . عند بلوغ توتي طاف البنطون بنا حول الجزيرة فكان منظرا خلابا ينظر إليه الناس من الضفتين فرحين مستبشرين .
*العمل الإجتماعي* .
غادر عمي عمر للعمل في سلطنة عمان و عاد و قد اسس بيته و تفرع لعمل إجتماعي واسع كان كل يومه مسخر لخدمة الحي و أهله
مضي و قد خلف بيننا صورة للعبادة و حب الخير للناس و خدمتهم و صلة الرحم و صفات قلما تجتمع في رجل لا يعرف كلمة فاحشة واحدة و لكنه يحب الكلم الطيب العفيف اللطيف .
يحب من كل شئ الحسن الرقيق الذي تتقبله النفوس .
كان يعجب بصوت الفنان احمد الجابري و كان يقول لي لو ان هذا الرجل رتل القرآن لاخذ بقلوب الناس .
و من طربه للكلمات اني كتبت له في رسالة عبارة ( أسأل الله ان تكون في نعيم لا ينسي نعيم الآخرة ) فطرب لها كثيرا . سمي ابنه البكر ( أنس ) علي الصحابي الجليل خادم رسول الله أنس بن مالك ثم أتبعه بأسماء إخوة انس و كلاها ذات دلالة احمد رسول الله ثم اكرم و النور علي شقيق زوجته وفاء لها
*وفاته*
قبر العم العزيز الغالي في الجريف شرق حيث من بقي من الاهل الذين حرمتنا الحرب اللعينة ان نشهد معهم جنازته و قبره .و منعت اهل توتي الذين يحبهم كثيرا فقد حبسهم الاوباش من الترحم عليه في قبره .
لك الرحمة و المغفرة يا من تعلمنا منه رحابة الصدر و خالص المودة و العفة في كل شئ .
راشد عبد الرحيم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
هل يوم القيامة يتم النداء علينا باسم الأم أم الأب؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل يوم القيامة يتم النداء علينا باسم الأم أم الأب؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن عموم الأحاديث والآثار الصحيحة يفيد أن النداء على الناس في يوم القيامة يكون من جهة الآباء لا من جهة الأمهات، ولا يقوى في معارضتها ما ورد من أن النداء يكون من جهة الأمهات؛ فإنها إما أن تكون أحاديث ضعيفة، أو مؤولة حملها العلماء على استحباب نسبة الميت من جهة أمه عند التلقين.
واشارت الى انه ورد في السنَّة النبوية المُشرَّفة وأقوال جمهرة علماء الأمة رضوان الله عليهم ما يُفيد أن الناس يُدْعَون يوم القيامة بآبائهم؛ ومن ذلك: ما أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري عن ابن عمر رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ»، وقد بوَّب له الإمام البخاري في "صحيحه": باب ما يُدعى الناس بآبائهم، وساق تحته الحديث.
كما استدلت على أن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم بهذه الأدلة:
قال الإمام القرطبي في "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص: 698-699، ط. دار المنهاج): [قوله: «هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» دليلٌ على أن الناس يدعون في الآخرة بأسمائهم وأسماء آبائهم، وقد تقدم هذا في غير موضع، وفي هذا رد على من قال: إنما يدعون بأسماء أمهاتهم؛ لأن في ذلك سترًا على آبائهم، وهذا الحديث خلاف قولهم] اهـ.
وما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: "إن الرجل من أهل الجنة ليجيء فتشرف عليه النساء فيقلن: يا فلان بن فلان، ما أنت حين خرجت من عندنا بأولى بك منا، فيقول: ومن أنتن؟ فيقلن: نحن من اللاتي قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17]".
وما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ».
قال الشيخ ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود" (13/ 198، ط. دار الكتب العلمية): [وفي هذا الحديث رد على من قال: إن الناس يوم القيامة إنما يدعون بأمهاتهم لا آبائهم. وقد ترجم البخاري في صحيحه لذلك فقال: باب ما يدعى الناس بآبائهم. وذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الغادِرُ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بنِ فُلَانٍ»] اهـ.
وقال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (22/ 201، ط. دار إحياء التراث): [قَوْله: ((هَذِه غدرة فلَان)) يَعْنِي: باسمه الْمَخْصُوص وباسم أَبِيه، كَذَلِك قَالَ ابْن بطال: الدُّعَاء بالآباء أَشد فِي التَّعْرِيف وأبلغ فِي التَّمْيِيز.. وَفِي حَدِيث الْبَاب رد لقَوْل من يزْعم أَنه لَا يدعى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة إلَّا بأمهاتهم؛ لِأَن فِي ذَلِك سترًا على آبَائِهِم] اهـ.
ومن المعقول أن الدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز؛ قال الإمام ابن الملقن الشافعي في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (28/ 594، ط. دار النوادر): [والدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز، وبذلك نطق الكتاب والسنة.. ودل عموم هذا الحديث على أنه إنما يدعى الناس بالآباء، ولا يلزم داعيهم البحث عن حقيقة أمورهم والتنقيب عنهم] اهـ.
ونوهت ان هناك بعض العلماء كالإمام محمد بن كعب القرظي -المتوفى في القرن الثاني الهجري- قد ذهب إلى أنَّ النداء في يوم القيامة يكون من جهة الأم، وحكاه عنه المفسرون قولًا في تفسير قوله تعالى: ﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: 71].
قال العلامة ابن عجيبة في تفسيره المسمى "البحر المديد" (3/ 219، بتصرف): [قال محمد بن كعب القرظي: بأسماء أمهاتهم، فيكون جمع "أم"، كخف وخفاف.. ولعل ما قاله القرظي مخصوص بأولاد الزنا.. وقال أبو الحسن الصغير: قيل لأبي عمران: هل يدعى الناس بأمهاتهم يوم القيامة أو بآبائهم؟ قال: قد جاء في ذلك شيء أنهم يدعون بأمهاتهم فلا يفتضحوا] اهـ.
وقال الإمام البيضاوي في تفسيره المسمى "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (3/ 262، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: "بأمهاتهم" جمع أم كخف وخفاف، والحكمة في ذلك: إجلال عيسى عليه السلام، وإظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأن لا يفتضح أولاد الزنا] اهـ.
وقال الإمام الزمخشري في "الكشاف" (2/ 682، ط. دار الكتاب العربي) تعليقًا على هذا القول: [ومن بدع التفاسير: أن الإمام جمع أمٍّ، وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، وأن الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الآباء رعاية حق عيسى عليه السلام، وإظهار شرف الحسن والحسين، وأن لا يفتضح أولاد الزنا. وليت شعري أيهما أبدع؟ أصحة لفظه أم بهاء حكمته؟] اهـ.
وقال السمين الحلبي في تفسيره المسمى "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون" (7/ 390، ط. دار القلم، دمشق) تعليقًا على كلام الزمخشري السابق: [وهو معذورٌ لأن (أُم) لا يُجْمع على (إمام)، وهذا قولُ مَنْ لا يَعْرف الصناعةَ ولا لغةَ العربِ، وأمَّا ما ذكروه من المعنى فإنَّ الله تعالى نادى عيسى باسمِه مضافًا لأمِّه في عدةِ مواضعَ من قوله: ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 110]، وأَخْبر عنه كذلك نحو: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [الصف: 6]، وفي ذلك غَضاضةٌ من أميرِ المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه وكرَّم وجهَه] اهـ.
ويؤيده ما أخرجه الإمام الديلمي في "الفردوس" عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترًا منه على عباده»، وعزاه الإمام السيوطي في "الدرر المنتثرة" (ص: 80، ط. جامعة محمد بن سعود) إلى الطبراني من طريق ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرج ابن عدي عن أنس رضي الله عنه مثله.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 563، ط. دار المعرفة): [أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وسنده ضعيف جدًّا وأخرج ابن عدي من حديث أنس مثله وقال: منكر، أورده في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الطبري] اهـ.
وقال الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص: 206-207، ط. دار الكتاب العربي، بتصرف): [وكلها ضعاف، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات.. نعم حديث التلقين بعد الدفن: "وإنه يقال له: يا ابن فلانة، فإن لم يعرف اسمها، فيا ابن حواء، ويا ابن أمة الله؛ مما يستأنس به لهذا] اهـ.
وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا إلا أنه يُستأنس لمعناه بما ورد في حديث التلقين من استحباب نداء الملقِّن للميت باسم أمه بقوله: "يا فلان ابن فلانة"؛ حيث روى الإمام الطبراني في معجمه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الباهلي رضي الله عنه قال: إذَا أَنَا مِتّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم أَنْ نَصْنَعَ بِمَوْتَانَا، أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم فَقَالَ: «إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانُ ابْن فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلَانُ ابْن فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللهُ، وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ. فَلْيَقُلْ: اذْكُرْ مَا كُنْت عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا؛ مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّك رَضِيت بِالله رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ بِنَا مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟ قَالَ: «يَنْسُبُهُ إلَى أُمِّهِ حَوَّاءَ، يَا فُلَانُ ابْن حَوَّاءَ». ورواه أيضًا ابن شاهين وغيرهما، قال الحـافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/ 311، ط. دار الكتب العلمية): [إسناده صالح وقد قوَّاه الضياء في أحكامه] اهـ.
ونوهت ان فقهاء المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة استحبوا أن يَنْسُبَ الملقِّنُ الميتَ إلى جهة أمه عند التلقين في القبر؛ قال العلامة ميارة المالكي في "الدر الثمين" (ص: 318، ط. دار الحديث، القاهرة): [وأحوج ما يكون العبد إلى التذكير بالله عند سؤال الملائكة، فيجلس إنسان عند رأس الميت عقب دفنه، فيقول: يا فلان ابن فلانة، أو يا عبد الله، أو يا أمة الله] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 329، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وأنكر بعضهم قوله: (يا ابن أمة الله)؛ لأن المشهور أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم كما نبه عليه البخاري في "صحيحه"، وظاهر أن محله في غير المنفي وولد الزنا، على أنه في "المجموع" خيَّر فقال: يقال: يا فلان بن فلان، أو يا عبد الله ابن أمة الله] اهـ.
وقال العلامة منصور البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 135، ط. دار الكتب العلمية): [واستحب الأكثر تلقينه بعد دفنه، فيقوم الملقن عند رأسه بعد تسوية التراب عليه فيقول: يا فلان ابن فلانة ثلاثًا، فإن لم يعرف اسم أمه نسبه إلى حواء] اهـ.
وأجاب العلماء عن التعارض بين الأحاديث الواردة في هذا الباب؛ فقال الإمام ابن دقيق العيد فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 284، ط. دار المعرفة): [وإن ثبت أنهم يدعون بأمهاتهم فقد يخص هذا من العموم] اهـ.
وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (2/ 553، ط. المكتبة التجارية): [لإمكان الجمع بأن من صح نسبه يدعى بالأب وغيره يدعى بالأم، كذا جمع البعض. وأقول: هو غير جيد؛ إذ دعاء الأول بالأب والثاني بالأم يعرف به ولد الزنا من غيره؛ فيفوت المقصود، وهو الستر ويحصل الافتضاح، فالأولى أن يقال: خبر دعائهم بالأمهات ضعيف، فلا يعارض به الصحيح] اهـ.
وقال العلامة البكري الدمياطي الشافعي في "إعانة الطالبين" (2/ 160، ط. دار الفكر): [(قوله: لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم) أي لقوله تعالى: ﴿ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ﴾؛ أي: للصُلْب، وانسبوهم إليهم، ولا تدعوهم إلى غيرهم. (قوله: لأن كليهما) أي دعاء الميت بأمه في التلقين، ودعاء الناس بآبائهم يوم القيامة. و(قوله: توقيف)؛ أي: وارد من الشارع] اهـ.
ونقل العظيم آبادي في "عون المعبود" (13/ 199، ط. دار الكتب العلمية) عن العلقمي: [يمكن الجمع بأن حديث الباب فيمن هو صحيح النسب وحديث الطبراني في غيره، أو يقال: تدعى طائفة بأسماء الآباء وطائفة بأسماء الأمهات (فأحسنوا أسماءكم) أي أسماء أولادكم وأقاربكم وخدمكم] اهـ.
وأكدت بناء على ذلك أنَّ عموم الأحاديث والآثار الصحيحة يفيد أن النداء على الناس في يوم القيامة يكون من جهة الآباء لا من جهة الأمهات، ولا يقوى في معارضتها ما ورد بخصوص أن النداء سيكون من جهة الأمهات؛ لأنها أحاديث ضعيفة أو مؤولة، حيث حملها العلماء على استحباب نسبة الميت من جهة أمه أثناء التلقين.