عربي21:
2024-05-17@03:00:49 GMT

السياسة الألمانية.. والهولوكوست الفلسطينى

تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT

مما لاشك فيه أن العدوان الإسرائيلى الهمجى المستمر على قطاع غزة قد أسقط القناع الزائف الذى ارتداه الكيان الصهيونى أمام العالم، ومع انكشاف الوجه القبيح له استفاق العالم وانتبه وأدرك حقيقة ما يحدث من معاناة فادحة للشعب الفلسطينى الذى يتعرض لأبشع أشكال الاضطهاد والتنكيل والجرائم ومصادرة حاضره ومستقبله.

المظاهرات الحاشدة التى خرجت فى جميع أنحاء العالم عبرت عن ضمائر الشعوب التى فجعتها مشاهد قتل الفلسطينيات والفلسطينيين وجثثهم وبيوتهم المدمرة وحياتهم التى تحولت إلى جحيم، وحتى الحكومات الغربية التى دأبت تاريخيًا على تأييد إسرائيل، ثم بدأت تُخفف من تأييدها، ثم أخذت تتحفظ على جرائم الكيان الصهيونى وتنتقدها، ثم باتت تعترض صراحة عليها وتعلن أسفها واشمئزازها منها.



 رغم ذلك كله تمايز موقف الحكومة الألمانية بسياسة أثارت العديد من علامات الاستفهام، بعد أن أعلنت عن رفضها وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، ثم أعلنت أن مبيعات السلاح الألمانية لإسرائيل خلال الشهور السبعة الماضية قد تضاعفت عشر مرات عن معدلاتها، ثم أعلنت إيقاف مساهمة الحكومة الألمانية فى تمويل هيئة الأونروا، ثم إيقاف جميع مساعدات التنمية للأراضى الفلسطينية، ثم الإعلان المستمر عن تأييدها المطلق لإسرائيل وسياساتها ومساندتها وحمايتها على كل الأصعدة، والسؤال هو تأييدها فى مواجهة من؟!

تأييد إسرائيل فى مواجهة شعب من المدنيين العزل الذين فوجئ آباؤهم وأجدادهم بتدفق مئات الآلاف من اليهود من جميع أنحاء العالم إلى بلدهم فلسطين بدعوى أن لهم حقا تاريخيا ودينيا فيها. تأييد هؤلاء القادمين الذين يأبون الاعتراف إلى اليوم بإقامة دولة للشعب الفلسطينى أو حقوق للشعب الفلسطيني. تأييد هؤلاء الذين قرروا الاستيلاء على فلسطين التاريخية بأكملها بكل الطرق والوسائل والأساليب، فأقاموا المستعمرات الاستيطانية المسلحة فى أنحاء الضفة الغربية المحتلة لتقضى فعليًا على أى بارقة أمل لقيام الدولة الفلسطينية.

أو تأييد سياسات إسرائيل فى قطاع غزة الذى حولته إسرائيل إلى أكبر معتقل فى العالم، معتقل أكبر بكثير من معتقلات النازيين مجتمعة فى أوشفيتز، وبلزاك، وسوبيبور، وماجانيك، وتريبلنكا، وداشاو. ليس ذلك وحسب، فقطاع غزة اليوم يضم أكبر مقبرة جماعية فى التاريخ تضم رفات ضحايا المجازر التى ارتكبتها إسرائيل لعائلات وأسر كاملة أبيدت وتلاشت من الوجود.

المؤسف أنه عندما خرجت المظاهرات والاحتجاجات السلمية فى المدن الألمانية للتنديد بالجرائم الإسرائيلية فى غـــزة، منعت وزارة الداخلية الألمانية جميع المظاهرات المؤيدة لفلسطين وأضفت عليها طابع معاداة السامية، رغم أنها بعيدة كل البعد عن ذلك، ولم يصدر عمن شاركوا فيها أى تجاوز أو مخالفة.

ألم يأنِ للسياسة الألمانية أن تعترف بأن ما يحدث فى فلسطين هو هولوكوست فلسطينى مرعب لا يقل عن الهولوكوست النازى، وأنها بسياستها هذه هى ومن سبقتها من الحكومات الألمانية باتت موضع امتعاض من شعوب المنطقة العربية ومن العالم كله، وليس أدل عليها سوى قيام نيكاراجوا فى دعواها أمام محكمة العدل الدولية باتهام ألمانيا بأنها انتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية واتفاقية جنيف لقوانين الحرب بما تنتهجه من سياسات داعمة لإسرائيل.

 منذ أكثر من سبعين سنة وبموجب اتفاقية لوكسمبورج للتعويضات الألمانية المبرمة فى عام 1952 التزمت ألمانيا بأن تدفع لإسرائيل ما يعادل المليار يورو سنويًا تحت مسمى تعويض ضحايا النازية من اليهود، كذلك التزمت ألمانيا بدفع معاش شهرى لكل يهودى فى أى مكان فى العالم، إذا أثبت تعرضه لاضطهاد النازيين، واليوم يحصل على ذلك المعاش الشهرى قرابة 300 ألف فرد فى جميع أنحاء العالم خارج إسرائيل.

جاءت تلك الاتفاقية وقتها كطوق نجاة اقتصادى لإسرائيل، وساعدتها على استيعاب وتوطين أكثر من 700 ألف يهودى ويهودية فى فلسطين فى بداية الخمسينيات، وأسهمت فى خفض نسبة التضخم فى إسرائيل من 66% إلى 5% فى السنوات التالية، وباتت مدفوعات التعويضات الألمانية تشكل جزءًا رئيسيًا سنويًا مضمونًا من موارد الميزانية الإسرائيلية، وإلى اليوم يستمر تنفيذ تلك الاتفاقية، حيث يقدر الاقتصاديون ما قدمته ألمانيا لإسرائيل بموجبها خلال السنوات السابقة بحوالى 100 مليار يورو.

الأمر لا يقتصر على تلك المساعدات المالية الضخمة، إذ أشارت بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام إلى أن ألمانيا أرسلت أكثر من ألف محرك دبابة إلى إسرائيل، خلال السنوات العشر الماضية لتركيبها فى دبابات الميركافا-4 وناقلات الجنود المدرعة، كما تستخدم محركات الديزل الألمانية الصنع فى المركبة إيتان الإسرائيلية، فضلًا عن التعاون العسكرى التكنولوجى الذى تمول ألمانيا معظمه بمنح ومساعدات لتطوير وتصنيع الذخائر والمدافع والدبابات والغواصات والمنظومات المضادة للصواريخ، وبناء القدرات العسكرية الإسرائيلية بصرف النظر عمن ستوجه ضده، وعمن ستحاربه معدات الموت الاسرائيلية.

 على الجهة الأخرى وفى محاولة منها لتجميل وجهها أمام العالم، تشدق مسئولو الحكومة الألمانية بتعهدهم بتقديم 125 مليون يورو للسلطة الفلسطينية لدعم مشروعات المياه والتعليم خلال العامين المقبلين، وبأن حكومتهم أبرمت اتفاقيات بقيمة 28 مليون يورو لدعم اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين.

وليست الأرقام السابقة سوى أرقام هزيلة، إذا علمنا بأن منظمة مؤتمر المطالبات اليهودية المادية من ألمانيا التى تهدف لتحصيل تعويضات لضحايا الهولوكوست قد حصلت العام الماضى فقط على 767 مليون دولار كتعويضات إضافية تضاف للقيمة السنوية التى تلتزم بدفعها ألمانيا سنويا لإسرائيل والتى تتجاوز المليار يورو قيمة تعويضات ضحايا النازية.

ويبدو أن الحكومات الألمانية المتعاقبة لا تقرأ التاريخ إلا بالنظارة الإسرائيلية فلا تعرف ولا تعترف إلا بضحايا النازية من اليهود، وتحت هذه الحجة تساند إسرائيل مساندة عمياء مهما فعلت أو أجرمت، فلا مسئولية على ألمانيا إلا مسئوليتها عن ضحايا النازية من اليهود، على الرغم  من أن النازيين الألمان قد قتلوا قرابة السبعة ملايين من المدنيين السوفييت، وثلاثة ملايين من أسرى الحرب السوفييت، ومليونين من المدنيين البولنديين، ونصف مليون من السلافيين، وربع مليون فرد من الغجر فى رومانيا والمجر وشرق أوروبا، وغيرهم.

 المستشار الألمانى الذى عبر عن دعمه الكامل لإسرائيل صرح بقوله لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا فى هذا الوقت، وهو بجانب إسرائيل، تاريخنا ومسئوليتنا الناشئة عن المحرقة اليهودية تجعل مهمتنا الدائمة أن ندافع عن أمن دولة إسرائيل.

والسؤال الذى يمكن أن نوجهه للمستشار الألمانى وحكومته، أن تساند إسرائيل فى مواجهة من؟! فى مواجهة 35 ألف فلسطينية وفلسطينى أبادتهم إسرائيل فى غــزة خلال ستة شهور، أم 100 ألف فلسطينية وفلسطينى سيعيشون بقية حياتهم معاقين ومبتورى الأطراف ومصابين من القنابل والذخائر والصواريخ الإسرائيلية؟ أم فى مواجهة 25 ألف معتقل من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين تمتلئ بهم السجون والمعتقلات الإسرائيلية؟ أم فى مواجهة مئات الآلاف من الفلسطينيات والفلسطينيين المشردين ممن يرغبون فقط فى حق العودة إلى أرضهم وبيوتهم والحياة فيها أحرارًا آمنين.

(الشرق المصرية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المانيا غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسرائیل فى فى مواجهة من الیهود

إقرأ أيضاً:

مجلس الآثاريين العرب يدعو المصريين للوقوف صفًا واحدًا أمام الأطماع الإسرائيلية

أصدر المجلس العربى للاتحاد العام للآثاريين العرب بيانًا أدان فيه الدكتور محمد الكحلاوى رئيس المجلس تقاعس المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وصمت اليونسكو المعنى بحماية التراث، وتقاعس مجلس الأمن عن وقف المجازر اليومية بغزة، فلا قانون رادع ولا موقف عربي مانع

وأشار إلى أن عزم الولايات المتحدة الأمريكية ومن يعاونها على بناء رصيف بحرى بغزة لا نعلم عنه شيئا ولا نعلم ما تخفيه الأقدار لأهلنا فى غزة، ربما يكون ميناءً للتهجير القصرى كما فعل أقرانهم الإسبان بالمورسكين من أهل الأندلس المسلمين

وأوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير المكتب الإعلامى لمجلس الآثاريين العرب أن البيان أدان صمت القنوات الإخبارية وأرباب التحليل الاستراتيجى عن تحليل ما يخفيه هذا الميناء من أسرار، فمن غير المصدق إنشاء أمريكا رصيفًا ليكون منفذًا طبيعيًا لأهل غزة فهذا أمر مستبعد 

وإذا كانت تلك الحقيقة فأين موقع القناة البديلة لقناة السويس المزمع حفرها والمعروفة بقناة بنجوريون؟؟!!، وهل الحقيقة تكمن في تفريغ غزة من أهلها تمهيدًا لإنشاء تلك القناة المزعومة، وإذا صح ذلك لا قدر الله فإن الخطر سيلاحق مصر لا محالة، حيث ستصبح في مرمى هذا العدو المتربص بها، هذا العدو الذى يجعل من أطماعه التوسعية حقائق مقدسة بعد أن قام بتفسير النصوص التوراتية على أنها حقائق تاريخية أسند لجيش الدفاع الإسرائيلي والجمعيات المتطرفة إثباتها عن طريق عمل حفائر تثبت نتائجها الآثارية مزاعمهم، هذه النصوص التوراتية التي وعدتهم بالتوسع من النيل إلى الفرات، فلم تكن هذه الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل رؤية عبثية، وإنما رؤية استعمارية وجدت إسرائيل من يعاونها على تحقيقها، ولذلك صمتت المنظمات المعنية

وأضاف الدكتو ريحان أن البيان طالب المصريين رئيسًا وحكومةً وشعبًا أن يكونوا جميعًا على  قلب رجل واحد وفى خندق واحد، أمام تلك المخططات التي تستهدف أمن مصر وسلامة أراضيها، فلا مجال للصراعات والمناوءات ولكن لنكن صفًا واحدًا أمام الأطماع الإسرائيلية التى تُفرض بضغوط إقتصادية وسياسية وعبثًا في الجبهة الداخلية

وأشاد البيان بما قام به رجال المقاومة في سبعة أكتوبر في قلب إسرائيل واصفًا إياه بأنه انتصارًا ساحقًا بكل المقاييس، وفى كافة المجالات رغم أنف الحاقدين والمتشككين والمؤيدين لإسرائيل. 

فلم تكن حرب المقاومة الباسلة فى غزة حرب عادية ولا حرب شوارع وإنما حرب سوف يتعلم منها العالم كيف يتسنى لشعب لا يملك قوت ولا موارد ولا منافذ ولا موانىء ولا طرق ولا بنية تحتية، أن يقيم شبكة معقدة من الأنفاق وسط أحياء أقل ما توصف بأنها مكتظة وآهله بالسكان والعمران، وهو ما يثير تساؤلات عديدة لا يملك إجابتها إلا هم، متى حفروا تلك الأنفاق؟ ومتى شيدوها؟ وكيف قاموا بتجهيزيها؟ وكيف نقلوا نتاج هذا الحفر؟ وإلى أي مكان دون رقيب يرصد في الداخل أو أجهزة مخابرات إسرائيل"الشاباك" التى تمتلك أحدث الأجهزة ولها عيون داخل غزة لرصد الحياة اليومية فيها على مدار الساعة 

وأوضح البيان أن رجال المقاومة أبهروا العالم بما قدموه من أساليب ووسائل مقاومة بواسطة شبكة أنفاق تصدت لأكبر ترسانة دفاعية وهجومية ليست لإسرائيل فحسب وإنما لكل من قدم لها خبراته ومساعداته للوصول إلى تلك الأنفاق، لقد حقق المقاومون فى غزة لفلسطين ما لم تحققه منذ ١٩٤٨م من مكاسب على مستوى العالم، الذى خرج فى مظاهرات من كافة مؤسساته من جامعات ومصانع وشركات فى أمريكا وأوروبا يطالبون لأول مرة فى التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية بمحاكمة إسرائيل كدولة مارقة استباحة أرواح النساء والأطفال والمرضى والجرحى، كما استباحت المدن والمستشفيات والمساجد والكنائس فى حرب أقل ما يقال عنها وفيها أنها من حروب الإبادة، حيث فعلت فيها إسرائيل كل شيء، قامت بتهجير البشر وتدمير الحجر من أجل القضاء على الهوية الفلسطينية فى غزة

كما عجز أرباب التحليل من الخبراء العسكريين والسياسيين والمتحذلقين أمام تلك الاستراتيجية الحديثة فى منطق الحروب التي سطرها مقاومى غزة وأعجزت أقوى جيوش العالم من أمريكا و أوروبا الذين صارعوا فى تقديم المساعدات العسكرية الحديثة من أجهزة استشعار عن بعد ومسح ضوئى تسمع دبيب الأرض وتحلل خواصها بهدف التوصل لمسارات تلك الانفاق

وأعرب البيان عن أنه رغم كل هذا التدمير والإبادة والتجويع انتصرت غزة عندما أطالت على إسرائيل ومن يساندها أطول حرب في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل والعربي، انتصرت غزة لفلسطين بفضل آلاف الأرواح التى أُزهقت من الأطفال والنساء والمرضى والعجزة في مشاهد مؤلمة وصادمة حركت مشاعر المجتمعات الغربية

انتصرت غزة لفلسطين بقرار أممي من الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة فى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي منذ قيام دولة إسرائيل ينص على أحقية فلسطين في عضوية الأمم المتحدة الكاملة وليست مراقب كما كانت فى عهد حُكَّامها السابقين والحاليين، وكان التصويت بالإجماع على الرغم من اعتراض أمريكا وإسرائيل والأرجنتين وست دول أخرى لا ذكر لها

انتصرت غزة لفلسطين بفضل المقاومين الرجال الأبطال الذين أبهروا العقول وأوقفوا الأنفاس بفضل مقاومتهم الباسلة وصلابتهم في الصمود، وخططهم الدفاعية المحكمة التى أيأست العدو الإسرائيلي ومن على شاكلته. 

تلك المقاومة التى لا تمتلك مأكلها ولا مشربها ولا تمتلك مصادر للسلاح ولا العتاد لقد صنعت لنفسها مجدًا سيحفر فى ذاكرة التاريخ.

مقالات مشابهة

  • كتلة الحوار: كلمة السيسي في القمة العربية حملت رسائل مباشرة لإسرائيل
  • واشنطن توجه طلبا لإسرائيل حول أموال المقاصة الفلسطينية
  • بطل المرحلة
  • تعويضات «هولوكوست» غزة
  • حل الدولتين.. الضمان الوحيد لاستقرار المنطقة
  • لماذا مصر وجنوب أفريقيا؟
  • الفلسطينيون حقل تجارب للأسلحة الإسرا أمريكية!!
  • تحركات قانونية أمام المحاكم الدولية تحرم إسرائيل من استخدام «مظلومية الهولوكوست»
  • مجلس الآثاريين العرب يدعو المصريين للوقوف صفًا واحدًا أمام الأطماع الإسرائيلية
  • «العفو الدولية» تطالب بلدان العالم بوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة