سودانايل:
2025-05-23@23:29:22 GMT

السباحة في البحر القديم

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

بقلم عمر العمر

التفوق العسكري في المعارك يصب الماء على النار لكنه لا يكتب الانتصار الحاسم في الحروب . فوفقاً للمؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز (لا يمكن تقييم الحرب تقييما عسكريا بحتا لأنها عملٌ سياسيٌ بحت). لذلك يصبح التنافس على حتمية كسب الحرب بمعزل عن الشعارات والغايات السياسية ضرب من أعراض القصور العقلي.

ابن خلدون أدرج الحرب في(البغي الفتنة ،الجهاد والعدل) حسب معايير أخلاقية جذّرها في الإنتقام عدواناً أو دفاعاً. لا تتباين التصنيفات الحديثة للحرب بعيدا عن الإطار الخلدوني حتى عندما تجنح لتأطيرها بين حرب عادلة أو حرب ظالمة.. كما يُقسّم الاستراتيجيون الحروب إلى أربعة أجيال؛ الجيل الأول قوامه حشود الرجال،الثاني يعتمد على فعالية السلاح، الثالث يرتكز إلى الخطط والمناورات.
*****

أما الجيل الرابع فيوظّف كل شبكات السياسة، الإقتصاد، الإجتماع بالإضافة إلى العسكرية .هذا جيل يطمس الفواصل بين القتال والسياسة،بين الحرب والسلام،بين الجنود والمدنيين كما بين جبهات المعارك والمناطق الآمنة. حربنا القذرة إبنة مشوّهةٌ لهذا الجيل .مصطلح الجيل الرابع برز على عتبة ثمانينيات القرن السابق. هي حرب تستهدف حسب الأكاديميين تهشيم مؤسسات الدولة،تفتيت عضدها بغية تحويلها إلى( دولة فاشلة). الجماعات المتطرفة والمنطمات الإرهابية أعطت المصلح نمازج حية على الأرض.
*****

هكذا أمست الجيوش مضطرة إلى البحث عن معينات خارج الكاتالوغ العسكري التقليدي. هناك حالات استعانت فيها جيوش دولٍ كبرى بميلشيات أو تكتيكاتها. كما فعلت روسيا. هناك دول أخرى استعانت بوكلاء لخوض حروبها، كما في العراق ،اليمن وسوريا. لكن العديد من الدول أخفقت في استيعاب مستحدث حرب الجيل الرابع المتمثل في تبني أدوات الحرب الناعمة بغية استهداف تقويض تماسك قاعدة الدولة. هو هدفٌ يسهل في ظل الغفلة السياسية والإنغماس في مستنقع الفساد العام.
*****

غفلتنا الوطنية الكبرى أننا لم نر في هدم جدار برلين في العام١٩٨٩ نهاية الأنظمة الشمولية كما إزاحة الفكر الايديولوجي التقليدي من على الحلبة السياسية. ذلك التحول أسماه المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما مغاليا ً(نهاية التاريخ) .فعقب هدم الجدار انتشرت مفاهيم الديمقراطية وقيم الليبرالية مقابل انحسار قبضات أجهزة القمع أمام صعود موجات النضال السلمي. نحن سبحنا عمدا مع سبق الإصرار في البحر القديم فغرقنا في الشمولية حد بلوغ قاع الاستبداد الفردي. كما توغلنا في مصادرة حقوق التفكير والتعبير حد تعذيب حملة الرأي الآخر. غلّظنا أجهزة القمع فشكّلنا وحدات عسكرية وميليشيات تفننت في صنوف التعذيب ،الإذلال والإبادة بالمفرّق والجملة.
*****

حتى إذا ما أفقنا من ثباتنا الطويل الأمد ما استطعنا فرك غفلتنا الملبّدة عن أعيننا . لذلك لم نستبصر سبيلاً لغدٍ متوقع أو مأمول .فانطلقنا نتدافع في زحام بالمناكب دون تحديد محطات للإنجاز على خارطة طريق لواقع متخيل أو مشتهى.
مرة أخرى عدنا نسبح ضد التيار في البحر القديم.إذ أننا لم نحسن قراءة التاريخ بينما تتعالى أصوات بعض المنظرين - ياللمفاقة المبكية- بضرورة إعادة كتابة التاريخ .فنحن لم نقرأ ما مضى لنستوعب ماجدّ . لازلنا نعيش بأدمغة ماقبل هدم سور برلين. لا نزال مطالبين بإعادة قراءة أحداث ثورتنا السلمية لنستوعب كيف أتاحت أمواج بناة الغد وجموع الكادحين لأشباه الساسة الانتهازيين الإمساك بزمام الأحداث ليُدخلوا الشعب والوطن في جب بلا قاع.
*****

نحن أبناء الخيبات الثلاث - اكتوبر ، أبريل وديسمبر -مطالبون قبل الآخرين من المبتئسين التفكير بصوت جهور ناقد لعجزنا أزاء قراءة التاريخ ومن ثم مواصلة السباحة عكس التيارات المعاصرة، وفي البحر القديم ذاته. أبعد من ذلك نحن ملاحقون للاعتراف بدورنا ،بل سلبيتنا ، تجاه دفع الشعب إلى نفق الاستبداد الشرس والفساد الشره طوال عقودا ثلاثة. ما استوعبت نخبنا المستنيرة انتقال مراكز القوة الموجهة من صالونات الساسة- غالبيتهم انتهازيون - و من رموز التنوير والتثقيف إلى قيادات الميادين الجماهيرية الشابة ودور النقابات ومنظمات المجتمع المدني. تلك هي أبرز خلاصات حركة الثورات الشعبية السلمية نهار انبثاق قيم الديمقراطية ومفاهيم الليبرالية عقب هدم حائط برلين.
*****

النخب لم تفقد أمكنتها التقليدية في هرم المجتمع .لكن المتغيرات المعاصرة فرضت عليها استبدال أدوارها .في البدء أصبح عليها التخلي عن مقاعدها الفوقية والتجرد من أنانيتها المفرطة. لكن المهمة الجديدة المكلفة لا تتمثل فقط في بث الوعي بل أكثر من ذلك نشر ثقافة النقد بالتزامن مع تقديم قدوات حيوية على الأرض في تنفيذ هذه المهام . هذه الأدوار تتطلب النزاهة والشفافية في الأداء العام كما تشترط الزهد في المغانم.هذه الثقافة باتت المعيار الحاسم لقياس الوعي على المستوى الفردي وإيقاع ترقي المجتمع على درج الحضارة.
*****

فعمليات التقتيل المتوحشة ،التفحش في انتهاكات حقوق الإنسان والتدمير العشوائي للممتلكات العامة والخاصة هي ليست فقط ضرب من العدوان .بل كذلك أحد صنوف ممارسة الإنتحار الجماعي. فبغض النظر عن التوصيفات المتباينة لهذه العدوانية الوحشية ضد بنات وأبناء الوطن فهي في الحقيقة ليست غير صراع بدائي على السلطة يجسّد مقولة فرويد (الإنسان كالذئب في تعامله مع أخيه الإنسان حتى يمتنع عن عدوانيته ووحشيته.) حتماً لاسبيل إلى الخروج من من فرو الذئب مع استمرار إذكاء غرائز التوحّش ،إلهاب العصبية وضخ هستيريا الشعور العدواني في عُلب الشحن الديني.على درج الرقي الحضاري لا موطئ قدم للكهنة حرسة كراسات الأيديولوجيات العتيقة وحارقي البخور في المقامات والأضرحة الوهمية .
*****

من دفعنا على هذه الطريق الوعرة لا يملك الرؤية أو الجرأة من أجل إخراجنا منها أو إعادتنا إلى حيث كنا.نحن دفعنا ،ولا نزال ، فاتورة باهظة .لكن لايزال في وسعنا بذل تضحيات بغية وضع نهاية حاسمة لهذه الكارثة وصنعتها. فقط علينا الإستعصام بأحلام طازجة يطبخها أصحاب رؤى ثاقبة وإرادة فتية. كما علينا إعادة قراءة التاريخ القريب أولا بعيون شابة.ربما هذه أبسط مؤهلات الخروج من البحر القديم.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی البحر القدیم

إقرأ أيضاً:

الجيل: تنمية الثروة الحيوانية أبرز ملفات الحزب البرلمانية

اكد الدكتور أحمد محسن قاسم، أمين التنظيم بحزب الجيل الديمقراطي، أن ملف تنمية الثروة الحيوانية يأتي في صدارة أولويات الحزب خلال الفصل التشريعي المقبل، لما يمثله من أهمية استراتيجية في تحقيق الأمن الغذائي، وضبط أسعار البروتين الحيواني، ورفع مستوى معيشة الفلاح والمربي، مشددًا على أن الحزب يضع هذا الملف على رأس أجندته البرلمانية بغرفتي البرلمان (النواب والشيوخ).

أخبار التوك شو..وزير الزراعة: لا إصابات وبائية بين الدواجن وتحسن إنتاجية اللحوم والألبان.. والأرصاد: موجة ساخنة جديدة تضرب مصر السبت"تضامن المنيا": تخصيص 55 أضحية و50 ألف كيلو لحوم لتوزيعها على الأسر الأولى بالرعايةوزير الزراعة: لا إصابات وبائية بين الدواجن وتحسن إنتاجية اللحوم والألبانبيطري قنا: ضبط 77 كيلو جرامًا من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي |صور

وأوضح قاسم أن الحزب يسعى، من خلال ممثليه تحت القبة، إلى تنفيذ خطة وطنية متكاملة قابلة للتطبيق، تهدف إلى الوصول بسعر كيلو اللحم الأحمر للمستهلك حول 250 جنيهًا بنهاية الفصل التشريعي في عام 2030، من خلال:
    •    تطوير شامل للمنظومة البيطرية الحكومية وسد عجز الكوادر، خاصة في القرى والمراكز الريفية.
    •    نشر ثقافة التربية الحديثة لدى صغار المربين والفلاحين، وتقديم الدعم الفني والإرشادي اللازم.
    •    استغلال الطاقات غير المستخدمة بالمزارع من خلال دعم مبادرات ملء الفراغات التشغيلية لزيادة الإنتاج.
    •    دعم معهد بحوث الإنتاج الحيواني وتوسيع نطاق محطاته البحثية في مختلف المحافظات لنقل التكنولوجيا وتحسين السلالات.
    •    تنويع مصادر الاستيراد من الدول الإفريقية لتقليل التبعية وتوفير رؤوس ماشية بتكلفة أقل.
    •    إصلاح منظومة الأعلاف من خلال تذليل العقبات الاستيرادية وتشجيع زراعة مكوناتها محليًا.
    •    استيراد وتوطين سلالات أغنام وماعز عالية الكفاءة في إنتاج البروتين الحيواني، بما يحقق إنتاجية أفضل من الأبقار وبأعلاف أقل.

واختتم قاسم تصريحه بالتأكيد على أن حزب الجيل الديمقراطي لا يتعامل مع تنمية الثروة الحيوانية كملف زراعي فقط، بل كرافعة اقتصادية واجتماعية تمس حياة ملايين المصريين، وأن نواب الحزب سيقودون هذا التوجه برلمانيًا وتشريعيًا حتى تحقيق الأهداف المرجوة مع نهاية الفصل التشريعي الحالي

طباعة شارك الجيل الديمقراطي الدكتور أحمد محسن قاسم تنمية الثروة الحيوانية الفصل التشريعي المقبل

مقالات مشابهة

  • الجيل : طرح سكن لكل المصريين 7 يخفف العبء عن الطبقة المتوسطة
  • البنك الاردني الكويتي الراعي الرسمي لمسابقة السباحة الحرة الثالثة في العقبة
  • رئيس حزب الجيل: تصريحات عمرو موسى تمثل صوت الحكمة في لحظة فارقة
  • دورة ألعاب رياضية تسمح بالمنشطات وتقام في كازينو
  • الجيل: تصريحات عمرو موسى عن مصر والسعودية تمثل صوت الحكمة في لحظة فارقة
  • الجيل: تنمية الثروة الحيوانية أبرز ملفات الحزب البرلمانية
  • وزير الرياضة يهنئ اتحاد السباحة وعبد الرحمن سامح لتأهله إلى بطولة العالم
  • سكيكدة: السباحة في سد بوسيابة والمسطحات المائية ممنوع
  • حزب الجيل الديمقراطي يدفع بـ 84 مرشحًا في الانتخابات البرلمانية القادمة
  • رئيس حزب الجيل: سنخوض الانتخابات البرلمانية القادمة تحت أي مسمي