أُفول "الظاهرة الإسرائيلية" وآثارها في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 11th, May 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
إسرائيل ظاهرة نشأت فى ظروف معينة وأحدثت آثارا مدمرة وقدموا إسرائيل لنا نحن العرب بمبررات متعددة رغم أن قراءة المشروع الصهيونى فى كتاب الدولة اليهودية كان كافيا لفهم الحقيقة التى عانينا بسبب غيابها قرابة القرن.
أدرك الغرب بعد الحرب العالمية الثانية أن نجمه يأفل وأن له مصلحة مؤكدة فى الشرق الأوسط كانت هذه المصلحة فى البداية هى الهيمنة على العالم العربى أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، ثم تطورت هذه المصلحة فأصبح بقاء إسرائيل، فلما عربدت إسرائيل فى البلاد العربية وانكشف الكثير من الزيف؛ سواء فى المبررات أو فى جوهر المشروع الصهيوني، وهو ما حرصت بريطانيا العظمى على اخفائه عن العرب، بينما ظن العرب بحسن نية أن إسرائيل تجمع لليهود المضطهدين وأن من اخلاقهم وقيم دينهم اغاثة الملهوف وحماية الضعيف واكرام الضيف.
أولاً: رفض الانسحاب من الاراضى العربية وزعمت أنها أراضى إسرائيلية وبررت إسرائيل ذلك بأن الجيش الإسرائيلى هزم الجيوش العربية ويترتب على ذلك أن حلاوة النصر ومقابله وجائزته هو الاستيلاء على الأرض.
ثانياً: ابتدعت إسرائيل نظرية الدفاع الشرعي الوقائي وخاصة مع مصر عام 1967 وقد حاولت مصر بكل الطرق الدبلوماسية أن تُجلي إسرائيل عن سيناء، ولكن فشلت كل الجهود الدولية، لذا كانت حرب أكتوبر عام 1973، والتي من بعدها بدأت المفاوضات مع إسرائيل لإجبارها على الانسحاب الكامل من سيناء. إذ لم تعترف إسرائيل بمبادئ القانون الدولى، إلى جانب عدم اعترافها بقرار مجلس الأمن رقم 242 ومبدأ عدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة. وكان مقابل الانسحاب من سيناء هو محاولة مصادرة الإرادة المصرية ووضع تحفظات على سيادة مصر على سيناء، على النحو الذى تضمنته اتفاقية السلام عام 1979 بين مصر وإسرائيل، وإقامة منطقة منزوعة التسليح الثقيل في منطقتي "ج" و"د"، والتي تشمل المنطقة الحدودية لدى كل من مصر وإسرائيل وغزة.
ثالثًا: تبين لمصر وللعرب جميعًا أن إسرائيل تحاول أن تُقسِّم العرب، وقد قال رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجن- صراحةً- أن مصر مركز تجميع للعرب ضد إسرائيل في الحرب؛ فلا بُد أن تكون مركز تجميع للعرب فى السلام. والسلام الذى تريده إسرائيل هو تسيُّد إسرائيل في المنطقة وبشق الصف العربى، وحرمان الفلسطينيين من الحاضنة العربية والقضاء على العروبة؟ وقال شمعون بيريز رئيس إسرائيل الأسبق ذلك أيضًت في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"؛ حيث لا تقبل إسرائيل مؤسسات العمل العربي المشترك؛ بل تحاول اختراقها مثل تقديم طلب الحصول على عضوية مراقب في الجامعة العربية، او مراقب في الاتحاد الافريقى، لكنَّ الطلبين رُفِضا في أوقات متفرقة.
رابعًا: أدرك العرب أن إسرائيل تجسيدٌ للمشروع الصهيوني وأن سكانها يتمسحون باليهودية وكلهم صهاينة ممن أغراهم لمعان المشروع الصهيوني، وأدرك العرب أيضًا أن إسرائيل لم تقدم للعرب إلّا الخراب وأنها تمكّنت من شق الصف الفلسطينى وحرمان الفلسطينيين من الحاضنة العربية حتى يُمكن أن تقضى على الفلسطينيين أو تطردهم لتنفيذ ما تسمى بـ"صفقة القرن"، وبدأت بمشروع شارون عام 2003 الذي قدمه فى "قمة العقبة" المحدودة مع الملك حسين عاهل الأردن الراحل والرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وهذا كان جرس انذار للعرب. فقد تحدث بيريز عن إسرائيل كدولة يهودية، وبعد ذلك أصدر الكنيسيت الصهيوني قانونًا يُبشِّر فيه بالدولة اليهودية عام 2017. ورغم النقد العربي لهذا القانون، إلّا أن واشنطن اعتبرت تمكن إسرائيل من العرب نجاحًا للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وبالفعل فإن واشنطن تُركِّز الآن على السعودية، ومنذ سنوات، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الإنجاز الوحيد لإدارته في الشرق الأوسط يتمثل في التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية؛ وهي: المغرب والسودان والإمارات والبحرين.
خامسًا: الحديث علنًا في ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن صفقة القرن، ولعل هذه النقطة تفرض نفسها في المعركة الانتخابية المرتقبة قبل نهاية العام الجاري بين ترامب وبايدن؛ أيهما أقدر على تنفيذ صفقة القرن.
سادسًا: أن العرب تابعوا نشاط المقاومة الفلسطينية وكيف فككت المشروع الصهيونى وأصبحت مسمارًا فى نعش الظاهرة الإسرائيلية؛ ذلك أن صفقة القرن تعني استقدام يهود العالم أو المُتستِّرين باليهودية إلى إسرائيل التي تأمل أن تصبح "إسرائيل الكبرى" بعد طرد الفلسطينيين من أرضهم فى كل الاراضي الفلسطينية.
هذا حصاد كفاح البيت الأبيض مع الصهاينة الذين يريدون أن يُكملوا ما بدأوه بالخديعة حتى تحل الصهيونية محل العروبة، ويحل الشرق الأوسط محل العالم العربي، ومن ثم القضاء على هوية المنطقة العربية والإسلامية.
لكن المقاومة تمكّنت من تفكيك المشروع الصهيونى على النحو الآتي:
أن سلوك إسرائيل فى ابادة غزة لا يعكس مطلقًا التزام سكان إسرائيل بأي دين أو أخلاق أو قانون وغرتهم الامانيّ عندما أطلق الغرب يد إسرائيل وشارك مباشرة فى ابادة الفلسطينيين وتنكّر لكل الشعارات التي صدّرها لنا منذ الحرب العالمية الثانية . أن المقاومة ضربت هيبة الجيش الإسرائيلي التي كانت ضمانة مهمة لاستقرار الصهاينة في فلسطين. ثبت أن إسرائيل لا تحترم القانون الدولى ولا تقيم وزنًا لأحد، حتى الولايات المتحدة، وأن الغرب مُتواطئ معها في ابادة الفلسطينيين.وهكذا نشهد نهاية الظاهرة الإسرائيلية بآثارها، وتعود المنطقة العربية إلى أحضان العروبة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الرياض عاصمة القرار السياسي في الشرق الأوسط
علي بن سالم كفيتان
زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العاصمة السعودية الرياض في جولة شملت الدوحة وأبوظبي كانت بمثابة رسم خارطة جديدة للتحالفات في المنطقة ونهاية للفتور في العلاقات بين الرياض وواشنطن في عهد الرئيس السابق جو بايدن؛ حيثُ طغت لغة المال على لغة السياسة، ولا شك أنَّ سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية، يعرف فك شفرة الرئيس ترامب وقدَّم المملكة برؤيتها الجديدة للعالم من باب المال والأعمال.
والحقيقة السياسية التي بدت من خلف الكواليس تقول لأمريكا إذا أرادت التطور السلام والتنمية والشراكة فبابها هو الرياض التي احتضنت قمة خليجية أمريكية، وإذا أرادت الحروب والدمار وخنق طرق التجارة العالمية، عليها أن تتبع تلابيب وحكومة نتنياهو الإرهابية المتطرفة، التي كلَّفت واشنطن مليارات الدولارات، ورسمت صورة سيئة للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تنصِّب نفسها حاميةً للحريات وحقوق الإنسان والتعبير عن الرأي. ونعتقد أنَّ الرئيس ترامب كرجل أعمال سينحاز للسلام والتنمية والازدهار الاقتصادي أفضل من لغة الحروب والدمار، ولا نستبعد عقد صفقة مع إيران؛ إذ إنَّ ترامب بات يؤمن أكثر من أي وقت مضى بأنَّ على إسرائيل التي لا تستمع له أن تخوض معركتها منفردة، وأن ذلك جليًا من خلال اتفاق وقف إطلاق النار مع صنعاء بعيدًا عن إسرائيل.
لعلها كانت الفرصة الكاملة لشرح تطلعات منطقة الشرق الأوسط للسلام مع رئيس أمريكي يؤمن بوقف الحروب، ويتبنى لغة الصفقات التجارية بين أمم وشعوب العالم لحل الأزمات، وما حصل عليه خلال جولته هذه كان خير شاهد على اختيار عرب الخليج الشراكة الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الباب الذي يُمكن الولوج منه لحل نهائي للقضية الفلسطينية؛ فالرئيس ترامب هو الزعيم الأمريكي الوحيد الذي لديه القدرة على فرض السلام على الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر.
إنَّ إقناع الرياض الرئيس ترامب برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ عقد من الزمن، يُعد اختراقًا كبيرًا للعقلية الأمريكية التي دأبت على إلصاق تهمة الإرهاب بالمشرق العربي الذي عانى من ويلات الحروب والتشريد والحصار؛ فعودة الحياة إلى دمشق مجددًا هي استعادة النبض لعاصمة مُهمة، طالما شكلت محورًا مُهمًا في عالمنا العربي. وكُل مُحب للخير يرى في ذلك إنجازًا عظيمًا حققته هذه الزيارة مهما كانت كلفتها؛ حيث إنَّ عودة سوريا إلى الحضن العربي ورجوع ملايين اللاجئين إلى بلادهم لا يُقدَّر بثمنٍ، ولا شك أن سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز راهن بكل ثقله على ذلك، فما لم تحققه القمم العربية ولا قرارات الأمم المتحدة حققه بن سلمان في صفقة واحدة، وساهم في إحياء قطر عربي رزح تحت الظلم والطغيان لعقود.
العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية مُهمة لكل شعوب العالم؛ كونها القوة العظمى الوحيدة، فقد رأينا توقيع الصين لاتفاق الرسوم الجمركية مع أمريكا والوصول لحل وسط يُرضي الطرفين، رغم قوة الصين وأهميتها الاقتصادية التي تطمح لبلوغ سقف الاقتصاد العالمي، إلّا أنها آثرت الصُلح مع المارد الأمريكي، والتجاور معه بلغة المال التي يُفضِّلها ترامب على لغة التصعيد والحرب الاقتصادية التي سوف تعصف بالعالم وتتسبب في أزمات جديدة. لهذا لا نرى عجبًا ولا استنكارًا أن يتفاهم عرب الخليج بذات اللهجة مع ترامب لحماية استقرار المنطقة ونموها وازدهارها؛ فالكثير من المُنادين بالمناكفة لا يعون العواقب.
للأسف لم تنل القضية الفلسطينية حسب الظاهر الاهتمام الذي توقعناه من هذه الزيارة؛ حيث كنَّا نأمل إعلان اعتراف أمريكي بالدولة الفلسطينية من قلب جزيرة العرب وتراجعها عن حماية الكيان الصهيوني سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ووقف الحرب الوحشية والتطهير العرقي الممنهج في قطاع غزة وقضم الأراضي في الضفة الغربية. وبيَّنت قطر أنَّها تحمل همَّ هذا الملف وأوصلته بمهنية إلى الرئيس ترامب، وعسى أن نرى تطورًا لافتًا خلال الأيام المقبلة وخاصة بعد إطلاق الأسير الأمريكي الجنسية عيدان ألكسندر كبادرة حُسن نية من حركة المقاومة الإسلامية حماس تزامنًا مع الزيارة.
رابط مختصر