إنشاء مصنع لإنتاج "الصاروج العماني" في "صحار الصناعية"
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
صحار- العُمانية
وقّعت مدينة صحار الصناعية اتفاقية تعاون مع شركة "الشرق الأوسط لكلسنة الطين" لتأسيس مصنع متخصص في صناعة الصاروج العُماني، بتكلفة إجمالية تصل إلى 5.4 مليون ريال عُماني يقام على مساحة أرض تُقدّر بـ 45 ألف متر مربع.
ويأتي هذا المصنع ضمن مشروع الابتكار في قطاع التعدين الذي تُشرف عليه وتموّله وزارة الطاقة والمعادن ومن خلال قيام أكاديمية الابتكار الصناعي بإجراء التحاليل المختبرية ودراسات السوق والتجارب العملية للمنتج عبر ترميم القلاع والحصون والمعالم الأثرية التي أثبتت كفاءة المنتج وصلاحيته للإنتاج التجاري بالتعاون مع وزارة التراث والسياحة.
وقّع على الاتفاقية المهندس عبد الله بن أحمد المياسي مدير عام مدينة صحار الصناعية، والمهندس عبد العزيز بن سعيد المقبالي مدير المشاريع في شركة "الشرق الأوسط لكلسنة الطين".
وأكد المهندس يحيى بن أحمد الخروصي مدير المحتوى المحلي وتطوير الفرص الاستثمارية بأكاديمية الابتكار الصناعي، الدور المهم الذي يقوم هذا المنتج في تحقيق القيمة المضافة للموارد الطبيعية العُمانية، مشيرًا إلى أن البحث والتطوير والابتكار الصناعي في المواد الخام العُمانية وتمكين الشركات العُمانية من تحويل الأفكار التي تم تطويرها في مرحلة البحث إلى منتجات وخدمات يمكن إنتاجها وتسويقها وتحسين كفاءتها وخفض التكاليف واستخدام التكنولوجيا الجديدة، كان له الأثر الكبير في تعزيز الابتكار والتطبيق لمنتج الصاروج العُماني الذي يُعد واحدًا من المنتجات الحيوية التي تستخدم في ترميم القلاع والحصون والمعالم الأثرية لاسيما أن سلطنة عُمان تتمتع بعددٍ كبير من هذه المعالم الأمر الذي يستدعي توفير المواد اللازمة محليًّا لترميمها.
وقال إن هذا المصنع سيعمل على تغطية الطلب المحلي ورفد الأسواق الدولية بهذا المنتج في ظل التوجه العالمي للاهتمام بالمعالم الأثرية التي تُعد موردًا اقتصاديًّا في الدول المتقدمة، مضيفًا أن الأكاديمية قامت بدور مهم في تطوير هذا المنتج من خلال الاطّلاع على أفضل الممارسات العالمية للخروج بوصفة تلائم أغراض الترميم والأعمال الإنشائية الأخرى.
من جانبه، تحدث المهندس عبد العزيز بن سعيد المقبالي مدير المشاريع في شركة "الشرق الأوسط لكلسنة الطين" عن أهمية هذا التعاون للمنافسة في أسواق الطين والمواد الإنشائية على مستوى العالم، موضحًا أن المصنع يتضمّن خطيّ إنتاج وتبلغ الطاقة التصميمية الإجمالية للإنتاج بحوالي 250 ألف طن سنوي، وقد تم مراعاة أحدث التقنيات من توفير استهلاك الطاقة وإدخال التحكم الآلي في عمليات الإنتاج.
وأضاف أن المصنع يحتوي على مختبر حديث لفحص العينات وضبط الجودة، ومن المؤمل أن يبدأ عمليات الإنتاج الأولية في الربع الأول من عام 2025، موفرًا فرصًا وظيفية للقوى الوطنية ومسهمًا في تحقيق أهداف في البرنامج الوطني للحياد الصفري من خلال مواصفاته ذات الكفاءة العالية لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الع مانیة
إقرأ أيضاً:
في قلب الطين .. حارة حماسة تبوح بتاريخها المنسيّ
وسط مشهد متغير تتسارع فيه أنفاس المدن وتتهاوى فيه التفاصيل الصغيرة، يبرز من لا يزال يفتح نوافذه لذاكرة المكان، ويجعل من الورقة الأكاديمية وسيلة لا لاجتياز المرحلة الدراسية فحسب، بل لاستعادة ما غفله التاريخ، وتوثيق ما أوشك على الاندثار تحت وطأة التحولات الحديثة.
في عُمان، حيث تختزن القرى والحارات القديمة حكايات لم تُروَ بعد، ينهض جيل من طلبة الجامعات بشغف مغاير. جيل لا يكتفي بقراءة الأثر، بل يبحث عنه، يزوره، يوثّقه، ويطرح الأسئلة: من كان هنا؟ كيف عاش؟ وماذا بقي من ملامحه في المكان والناس؟
من بين هذه النماذج تبرز الباحثة حمدة المعمرية، طالبة الماجستير في قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس، التي قدّمت مشروعًا بحثيًا مميزًا بعنوان: “حارة حماسة في ولاية البريمي: دراسة أنثوأركيولوجية”، حاولت فيه أن تمسك بالخيط الدقيق الذي يربط الإنسان بالمكان، وتقرأ الطين والجدران والفراغات، لا بوصفها بقايا صامتة، بل باعتبارها بنية اجتماعية وثقافية نابضة بالحياة.
اختيار المكان... بين توصية علمية وحدس شخصي
لم يكن اختيار "حماسة" اعتباطيًا، بل جاء بعد مقارنة معمّقة مع عدة حارات أخرى في المنطقة، لتتفوق بمساحتها الواضحة وتنوع مبانيها، مما جعلها نموذجًا مثاليًا للدراسة، كما أشارت الباحثة. غير أن البُعد العلمي لم يكن العامل الوحيد الحاسم، فالمكان يحمل أيضًا صلة وجدانية خاصة. تقول: موقعها الحدودي يجعلها كيانًا صامتًا يتلقى نظرات المارّة بدهشة... وأنا واحدة منهم. هذه الحارة لم تكن حاضرة في الدراسات السابقة، ولم تحظَ بتوثيق وافٍ، فقررت أن أكون من يبدأ هذا المسار. شعرت أنها بحاجة إلى من يُصغي لها، من يُعيد قراءتها بإنصاف واهتمام.
الأنثوأركيولوجيا.. حين يتحوّل المعمار إلى مرآة اجتماعية
في الوقت الذي يرى فيه البعض أن المعمار مجرد كتل حجرية صماء، تؤمن المعمرية بأن الجدران تتحدث، وأن البيوت القديمة ليست فقط مساحات للسكن، بل شواهد على حياة اجتماعية متكاملة، وطقوس متوارثة، وعلاقات إنسانية عميقة. تقول: نحن في علم الآثار لا نكتفي برؤية الحجارة والطين، بل نصغي لما تقوله الزوايا، والممرات، وموقع النافذة، واتجاه الباب، موضحة أن الأنثوأركيولوجيا – أو الأثنوأثري – هو الحقل الذي يدمج الأثر مع المجتمع، ويبحث في كيفية تفاعل الإنسان مع بيئته، وما تركه فيها من أثر مادي وثقافي.
في حارة حماسة، لم تكن الدراسة قراءة معمارية فحسب، بل محاولة جادة لفهم كيف عاش الناس، وتفاعلوا، ونسجوا تفاصيل يومهم بين الفناء والسوق والبرج. الحارة -كما وصفتها- وثيقة معمارية حيّة، تزخر بالدلالات والمفاتيح لفهم روح المكان.
الوثائق، الميدان، والصور التي تعيد رسم الحكاية
اعتمدت المعمرية في بحثها على مصادر مكتوبة وميدانية، فجمعت بياناتها من كتب الرحالة والوثائق الأرشيفية، بالإضافة إلى الدراسات السابقة عن الحارات. غير أن اللحظة المفصلية في بحثها -كما تؤكد- كانت في الزيارات الميدانية. تقول: قمت بزيارتين وثّقت خلالهما عناصر الحارة بدقة: الآبار، والمباني، والسوق، والبرج. كل صورة التُقطت كانت بمثابة كشف جديد. هذه الزيارات أضفت للبحث بعدًا بصريًا ومعرفيًا لا يمكن تعويضه من الكتب وحدها.
تخطيط الحارة.. اقتصاد، أمن، وتكافل اجتماعي
من خلال تحليل المعمار، توصّلت الباحثة إلى أن الحارة لم تكن مجرد مساكن متناثرة، بل وحدات مترابطة شكّلت نسيجًا اجتماعيًا واقتصاديًا متكاملاً. تشرح المعمرية: يتجلى ذلك في الفناء المركزي المشترك الذي توزعت حوله البيوت، والسوق المنفصل بتصميمه المنظم، إضافة إلى وجود برج للمراقبة. وترى أن هذا التخطيط يعكس رؤية متكاملة: الفناء للحياة اليومية، والسوق للنشاط الاقتصادي، والبرج للأمن، مما يدل على وعي تنظيمي متقدّم لدى سكان ذلك العصر.
الصوت الغائب... ومحدودية الرواية الشفهية
رغم الأهمية البالغة للرواية الشفهية في توثيق الذاكرة الشعبية، واجهت المعمرية تحديات في الوصول إلى سكان الحارة الأصليين؛ فغالبيتهم لم يعودوا يقطنون المكان، الذي أصبح يشغله عمال وافدون. وتوضح: حاولت التواصل مع شخصيات محلية عبر الهاتف، لكن المضمون كان محدودًا وضعيفًا، لذلك لم أتمكن من بناء سردية شفهية قوية، فاعتمدت بشكل أكبر على الجانب الميداني.
وعي طلابي يتصاعد... وحارات تنتظر من يرويها
تبدي الباحثة تفاؤلًا بوعي زملائها من طلبة قسم الآثار، وتذكر نماذج مشرّفة مثل أسامة البلوشي الذي وثّق حارة “حجرة الشيخ” في وادي المعاول، وحميد الحضرمي الذي ركّز على حارة “الجناة” في سمائل. تقول: هذا الحراك يمنح الأمل، لكنه لا يزال غير كافٍ. هناك الكثير من الحارات التي لم تُدرس بعد، وتبقى عرضة للنسيان أو الهدم أو التحوير الجائر.
هوية شخصية... وذاكرة لا تنفصل عن المكان
حين يُسأل الباحث عادة عن أثر المشروع عليه، يجيب غالبًا بجمل تقليدية. لكن حمدة المعمرية تجيب من صميم تجربتها: أنا بنت الحارات، هذه الأماكن تسكنني كما أسكنها. لم يكن البحث مجرّد تغيير في الرؤية، بل تعميقًا لفهمي، وتأكيدًا لانتمائي. الحارة ليست ماضيًا ندرسه، بل حاضرًا نعيشه، وجزءًا من هويتنا اليومية.
نحو أفق أوسع... من الورقة إلى المنصة
لم يتوقف المشروع عند حدود التخرج، بل تحول إلى ورقة علمية شاركت بها الباحثة في مؤتمر دولي نظمته جامعة نزوى بعنوان “التراث والسياحة والآثار”. ترى أن هذه المشاركة لم تكن مجرد عرض لنتائج البحث، بل منصة لنقاش أوسع حول توثيق الحارات العمانية، وتبادل الخبرات الأكاديمية في هذا المجال الحيوي.
دعوة مفتوحة: استمعوا للحارة قبل أن تصمت
تختم المعمرية حديثها بنداء موجه لزملائها من طلبة الجامعات: التاريخ المحلي ليس ترفًا، بل مسؤولية. يكفي أن تبدأ من حكاية يرويها جدك، من بيت قديم، أو من طريق تسير فيه كل يوم. ضع كاميرتك، سجّل، اسأل، ودوّن. هذه المرويات، إن لم نكتبها نحن، فلن تُكتب أبدًا.