تصفير العدد التراكمي للباحثين عن عمل
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
د. عبدالله باحجاج
سنعتمدُ على إحصائيَّة مَعَالي الدكتور وزير العمل عن عدد الباحثين في بلادنا، والذين حدَّدهم بـ100 ألف باحث عن عمل؛ منهم: 80% لم يسبق لهم العمل، و20% سبق لهم. ونرى أنَّ الاهتمامَ الوطنيَّ ينبغي أن ينصبَّ بصورة مُركّزة على حلِّ هذا العدد لدواعي التصفير، الذي يُؤسِّس لنجاح تطوير بيئة العمل والعمال والتوظيف في البلاد، في موازاة الجهود الوطنية التي تُبذل كرفع وتيرة التوظيف السنوية، وإطلاق مبادرات التدريب المقرون بالتشغيل، والإحلال، وتنمية الموارد البشرية، وكذلك لإنجاح التنظيرات الفكرية التي أخذ يُدلِي بها مؤخرًا بعض أصحاب المعالي الوزراء كـ"المهارات الأهم من الشهادات"، و"نقل مهمة التوظيف للقطاعات".
فكيف يُمكن حل قضية التراكم العددي للباحثين تماهيًا مع هذه الجهود الحكومية؟ التساؤل ينبغي أن يُشكِّل الشغلَ الشاغلَ للتفكير الوطني العام؛ بمعنى ليس الحكومي فحسب، وإنما تتشارك فيه كذلك النُّخب من حيث ضخِّ الحلول والأفكار التي تنسجم مع التحولات الكبرى في بلادنا؛ فهذه قضية لا يُنتظر حلها ضمن تلكم السياقات، وإنما تُحتِّم سياقًا مُنفصلًا لكنه يكون متماهيًا معها. ومن هنا، نرى أنَّ حلَّ هذا العدد التراكمي لن يكُون من خلال السيرورة الاعتيادية للتطورات والسياقات الراهنة، وإنَّما من خلال منطق الصيرورة، وهي من المستلزمات الأساسية للتكيُّف مع مختلف التحولات، خاصة انعكاساتها الاجتماعية المباشرة.
وهذه التحولات تَأخُذ من منطق الصيرورة منهجًا وفلسفة؛ وبالتالي فإنَّ بعض انعكاساتها -وبالأخص الاجتماعية- تستوجب الصيرورة كرد فعل للفعل ذاته -أي: الصيرورة البنائية مقابل الصيرورة الانعكاسية– وسنجد النتيجة وفق هذه المعادلة كالآتي: التكييف الوطني في الوقت المناسب بين التحولات وانعكاساتها. ومن هنا، فإنَّ قضية تصفير ملف التراكم العددي لن يكون مركزيًّا، وإنما مُناطٌ بكل محافظة من محافظات البلاد خصوصًا بعد تبنِّي نظام المحافظات منذ العام 2022، ومنح كل محافظ صلاحيات لا مركزية واسعة، كتنفيذ السياسة العامة للدولة، وتنمية واستثمار الموارد الخاصة بالمحافظة والترويج لها من أجل تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص عمل للمواطنين.. إلخ. ونقترح من أجل ذلك: تشكيل لجنة تكون تابعة مُباشرةً لكل محافظ، مكوَّنة من أعضاء مجلسيْ الشورى والبلدي في كل محافظة، ومن خبرات محلية تقوم بحصر عدد الباحثين في كل محافظة، ومخوَّلة باكتشاف فرص عمل لهم في الشركات الكبيرة في المحافظة. ومن ثمَّ عقد لقاء بين المحافظ والرؤساء التنفيذيين للشركات الواقعة في الإطار الترابي لكل محافظة، وحملهم على قبول فكرة التَّصفِير كمسؤولية وطنية واجتماعية للشركات، على أن يتم تدوير بعض فرص العمل على الباحثين في المحافظات التي يقلُّ فيها النشاط الاقتصادي حتى الآن ولا تنتج فرصَ عمل كبيرة.
ولو أخذنا محافظة ظفار نموذجًا لتطبيق الفكرة؛ ففيها شركات كبيرة حكومية وخاصة على سبيل المثال لا الحصر: ميناء ريسوت، ومطار صلالة، والمنطقة الحرة، وشركات أوكتال والميثانول والأمونيا والشركات اللوجستية، وبنوك كبرى، وقطاعات مدنية وعسكرية، وفنادق أربع وخمس نجوم، جميعُها قادرة على استيعاب التصفير حتى خارج نطاقها الإداري والترابي.
وذلك شأن بقية المحافظات؛ فلو أخذنا أي محافظة أخرى، سنجد فيها المشاريع والشركات الكبيرة، وفيها سنجد فكرة التصفير قابلة للتطبيق، كالوسطى حيث أصبحت تشتهر بالمشاريع العملاقة في الدقم؛ سواء كانت حكومية أم خاصة، اقتصادية وصناعية؛ كالمصافي والصناعات البتروكيماوية والأنشطة التجارية والسياحية واللوجستية والصناعات الخفيفة والمتوسطة والصناعات السمكية ومشاريع التطوير العقاري والمدن الصناعية والاقتصادية. وجوهر المقترح هنا يتمثَّلُ في قيام كل محافظة بحصر الباحثين في نطاقها الترابي، والبحث لهم عن فرص عمل في المشاريع والشركات الكبيرة فيها، مع الانفتاح الإيجابي على المحافظات التي تقل فيها إمكانية تطبيق الفكرة، على أنْ يتم ذلك بتوجيهات عُليا لضمان التنفيذ، وتكون أداة تنفيذها رأس الهرم للامركزية، ويتمُّ ذلك وفق منهجيات الحكومة القائمة، كالتدريب والإحلال؛ لضمان المهنية، وحتى لا يُصبح التصفير عالة على المشاريع والشركات.
وسنجد جيلَ الباحثين عن العمل مُهيَّأً سيكولوجيًّا وذهنيًّا للالتزام باستحقاقات الوظيفة -أي وظيفةٍ- لأنَّ تاريخه الطويل في البحث والانتظار يُحصِّن وعيه، ويقوِّي تمسُّكه بالعمل مهما كانت ظروفه وتحدياته. والكثير منهم قد وصل لسن 35 و40 سنة، والكل قد وصلته رسالة التحوُّلات الشاملة في البلاد. لذلك؛ لدينا الآن ذهنيات مُنفتحة، وستكون مُتفاعلة إيجابًا مع الفرص التي تُعرَض لها، وستتلبسها من خلال التدريب والتأهيل كخيار تتيحه لها الظرفية، ولن تُفرِّط فيه.
وبعد هذا التصفير.. ستَجِد مؤسسات الدولة المختلفة الوقتَ المناسبَ والهدوءَ الكاملَ لتطوير سوق العمل، ودعم القطاع الخاص، وتنمية الموارد البشرية، واختبار تطبيق الأفكار الجديدة، والأهم هنا أنَّ التفكير بصناعة جيل تقني/تكنولوجي للاقتصاد العُماني الحديث القائم على التقنية العالية، سيكُون دونَ ضغوط التراكم العددي للباحثين، وسيكون الهاجس الأوحد هو كيفية التخطيط لاستيعاب المخرجات السنوية. هنا، سنجد الإجابة في ما قاله مدير عام وحدة الشراكة والتخصيص بوزارة المالية: "عندنا مشاريع بقيمة 6 مليارات ريال، ستُنجز خلال 10 سنوات، وستخلق فرصَ عمل للعمانيين، وبلادنا منذ عهدها المُتجدد توقِّع بصورة مستمرة على عدة مشاريع مليارية، وآخرها التوقيع على اتفاقيتين للهيدروجين في محافظة ظفار بقيمة 11 مليار دولار أمريكي".
هنا.. نرى أنَّ فكرة التصفير من المنظور اللامركزي وبآلياته البرجماتية سالفة الذكر تستحق الدراسة، ومن ثمَّ التطبيق؛ ففيها غاية وطنية وهي حل قضية الباحثين التراكمية نهائيًّا، والتفكير في مستقبل المخرجات السنوية من منظور ما سينتج عن المشاريع الجديدة من فرص عمل، وإذا ما تمَّ تطبيق مقترح سعادة وكيل وزارة العمل للعمل بنقل اختصاص التوظيف إلى القطاعات، فإنني أقترح هنا تشكيل لجنة عُليا لتخطيط الموارد البشرية العُمانية والإشراف على القطاعات واحتياجات الاقتصاد الجديد من الكفاءات التقنية والتكنولوجية التي يجري الآن تسابقٌ إقليميٌّ عليها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الحنيفات يتفقد مراحل التنفيذ لمشروع المبنى الجديد لمديرية زراعة الطفيلة
صراحة نيوز ـ تفقد وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات اليوم مراحل التنفيذ لمشروع موقع المبنى الجديد لمديرية زراعة الطفيلة ، حيث اطلع على سير العمل ومراحل الإنجاز.
كما اطلع على التصاميم الخاصة بالمبنى الجديد لمديرية زراعة الطفيلة كأحد المباني الصديقة للبيئة ، والخطط المستقبلية التي تهدف إلى تحسين بيئة العمل،. وتقديم الخدمات الزراعية بكفاءة أكبر.
وجاء تنفيذ المبنى وفقا لاتفاقية وقعت مع مجلس محافظة الطفيلة مؤخرا تتضمن إنشاء مبنى جديد لمديرية زراعة محافظة الطفيلة، بتكلفة 540 ألف دينار، وعلى مساحة 760 مترا مربعا موزعة على طابقين، بتمويل من وزارة الزراعة وبالتعاون مع مجلس محافظة الطفيلة.
وخلال الزيارة التفقدية بحضور مدير مديرية زراعة الطفيلة المهندس طارق العبيديين ، أشار المهندس الحنيفات إلى الجهود المتواصلة و المبذولة من قبل كوادر مديرية زراعة الطفيلة ، لتطوير العمل المؤسسي وخدمة أبناء المحافظة من المزارعين والمواطنين المستفيدين من المشروعات والأنشطة التي تنفذها مديرية الزراعة للنهوض بالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني .
وأكد أن الوزارة تولي اهتمامًا خاصًا بتأهيل البُنى التحتية في المحافظات، بما يعزز من قدرة المديريات على تنفيذ البرامج والمشاريع الزراعية وفق أعلى المعايير.
ولفت الى أن هذه الجولات الميدانية لمواقع العمل، تاني في إطار الحرص على دعم جهود المديريات وتحفيز فرق العمل على الاستمرار بالعطاء في خدمة التنمية الزراعية المستدامة.