سالم بن نجيم البادي

 

خفت الحديث عن الباحثين عن عمل، وكأن قضيتهم دخلت طور النسيان والتهميش، وخرجت من دائرة اهتمام أصحاب الشأن. وصارت تتقاذفها جهات عدّة، وكلّها تدّعي عدم مسؤوليتها عن التوظيف، ويتمّ تجريب حلول غير مجدية، إن لم نقل إنها فاشلة.

وكان آخر هذه "الحلول المجنونة" توظيف العُمانيين في المؤسسات، حتى الصغيرة منها، وبعض هذه المؤسسات لا يحصل أصحابها إلا على مبلغ زهيد لا يتجاوز 15 أو 20 ريالًا في الشهر عن كل عامل وافد، مقابل الكفالة التي يدفعها العامل للكفيل العُماني.

فكيف يمكن لأصحاب هذه المؤسسات أن يوظّفوا عمانيًا براتب 325 ريالًا؟

ومن بين هذه "الحلول" أيضًا: التوظيف بعقود عمل مؤقتة، بعضها لا يتجاوز 5 أشهر.

ويأتي من يقول لك إن "التوجّه الآن أن تكون الوظائف مؤقتة"، لكن السؤال هنا: من يترك وظيفته المؤقتة، هل من السهل عليه أن يجد وظيفة مؤقتة أخرى؟ وهل يضمن أنه لن يُحمَل لقب "مسرّح"، ولن يتحمّل العواقب التي ترافق صاحب هذا اللقب؟

 

يُقال إن عدد المسرّحين من العمل بلغ 16,777 مسرّحًا، وهؤلاء في الغالب يعيلون أسرًا كبيرة، ولديهم التزامات مالية متنوّعة.

 

لقد كتبتُ كثيرًا عن قضية الباحثين عن عمل، وصارت هذه القضية تلاحقني في كل مكان، ويُطلب مني دائمًا الكتابة عنها. وحدث أن التقيتُ في إحدى المناسبات لقاءً عابرًا مع الرئيس التنفيذي لشركة كبرى ناشئة، وانتشرت صورتي معه، فانهالت عليّ الرسائل والاتصالات تطلب مني التوسّط مع هذا الرجل للحصول على وظيفة.

والشاهد من هذا أن قضية الباحثين عن عمل أصبحت قضية كبرى تتفاقم مع الأيام، وأنهم صاروا مثل الغريق الذي يتشبّث بأيّ قشّة يعتقد أنها طوق النجاة من ذلّ العيش بلا عمل، في زمن ماديٍّ قاسٍ لا يرحم.

 

إنهم يعيشون في مأزق حقيقي وكابوس مستمر، يلاحقهم ليلًا ونهارًا، ويحاولون نفي التهمة التي تطاردهم بأنهم يرفضون بعض الوظائف المعروضة عليهم، أو أنهم لا يحاولون إيجاد مصدر دخل بعيدًا عن الوظيفة.

إنهم يحاولون بكل الطرق، ولم يتركوا وسيلة إلا وجربوها، حتى التجارة الإلكترونية من المنزل، وبيع بعض المنتجات من صنع أيديهم أو أيدي أهاليهم.

وليس كل من خاض مجال التجارة نجح، وإلا ما تفسير وجود أكثر من 100 ألف باحث عن عمل؟ هل كل هؤلاء فاشلون؟

 

وقد استوقفني في محطة تعبئة الوقود رجلٌ خريج إحدى الجامعات الأوروبية المرموقة، وله خبرة واسعة في مجال تخصصه، وحقق نجاحًا باهرًا خلال عمله في شركات القطاع الخاص، وأصبح مستشارًا لدى عدّة شركات بعد أن تقاعد.

حدثني هذا الرجل عن قضية الباحثين عن عمل، وأخبرني أنه يتابع مقالاتي حول هذه القضية، وحكى لي عن حضوره ذات مرة ملتقى ضم وزراء ومسؤولين كبارًا ومديري بعض الشركات. وكان الحوار يدور حول التوظيف، وقد لاحظ أن أحد المتحدثين يُلقي باللوم على العُماني الذي يرفض بعض الوظائف.

 

وعندما طلب هذا الرجل المداخلة، سأل ذلك المسؤول عن عدد الوظائف التي يشغلها الوافدون، فذكر له عددًا كبيرًا جدًا. وبعد جدالٍ وحوارٍ عميقٍ ومنطقي وواقعي، مدعوم بالأدلة والحقائق، تبيّن أن المواطن العُماني يمكن أن يشغل أكثر من نصف الوظائف التي يشغلها الوافد. فسكت ذلك المسؤول العُماني، ولم يرد، بعدما أُفحم من هذا المواطن، الذي قضى سنوات طويلة في العمل في القطاع الخاص، وعرف خفاياه، وشاهد مدى تغوّل القوى العاملة الوافدة على حساب المواطن العُماني.

 

وهذه الواقعة التي ذكرها هذا الرجل تطرح تساؤلات مشروعة:

ما أسباب العجز عن حل مشكلة الباحثين عن عمل؟

وهل يوجد من لا يريد لهذه القضية أن تُحلّ، لأسباب لا نعرفها؟

وما المانع من إحلال المواطن العُماني محل الموظف الوافد في بعض الوظائف؟

وهل أصبحت قضية الباحثين عن عمل منسية ومهمّشة وغير مهمّة؟

وهل تُرك الباحثون عن عمل وحدهم لمواجهة مصيرهم المجهول؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إنجاز صناعي عُماني مع إنتاج أول جهاز مُؤكسِد حراري محليًا

 

صحار- العُمانية

جرى الكشف عن أول جهاز مؤكسد حراري يتم تصميمه وهندسته وتصنيعه واختباره بالكامل داخل سلطنة عُمان، في خطوة تُعد إنجازًا صناعيًّا نوعيًّا يعكس قدرات سلطنة عُمان المتنامية في تطوير التقنيات المتقدمة والمعدات الثقيلة للمشروعات الإقليمية.

ويأتي تصنيع الجهاز لصالح مشروع محطة معالجة غاز مليحة التابع لشركة عجيبة للبترول في جمهورية مصر العربية، وذلك بالتعاون مع شركة "SLB" كمقاول رئيس، وتتولى شركة مجيس للخدمات الفنية عبر علامتها التجارية "FLAROMAN" عمليات التصميم والتصنيع والإنتاج.


 

ويُبرز هذا الإنجاز الكفاءة المتقدمة للمهندسين والفنيين العُمانيين، ويسهم في دعم توطين التقنيات الحديثة، وإيجاد فرص عمل نوعية، وتعزيز تنافسية الصناعات العُمانية، بما يرسخ مكانة سلطنة عُمان كمورّد إقليمي للحلول الصناعية عالية التقنية داخل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وخارجها، كما يتيح تصنيع مثل هذه الأجهزة محليًّا تقليل تكاليف المشروعات، وتسريع مدد التنفيذ، وتوفير حلول مصممة خصيصًا لظروف التشغيل في المنطقة.

وأوضح المهندس خالد بن سليم القصابي مدير عام الصناعة بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن الكشف عن جهاز المؤكسد الحراري الذي قامت شركة مجيس بتصميمه وتصنيعه في صحار يمثل إنجازًا بارزًا يعكس التطور المتسارع في القطاع الصناعي الوطني، وقدرته على تقديم حلول صناعية متقدمة قابلة للتصدير والمنافسة إقليميًّا.

وأشار إلى أن هذا التطور ينسجم مع توجهات الاستراتيجية الصناعية 2040 القائمة على الابتكار وتوطين التقنيات وتعزيز سلاسل القيمة المضافة، مؤكدًا أن بيئة التصنيع المحلية تُثبت اليوم قدرتها على تطوير منتجات عالية التقنية تدعم التنويع الاقتصادي وتُعزّز مكانة سلطنة عُمان كمركز صناعي واعد.

من جانبه، أوضح سلطان بن سعيد الخضوري، رئيس مكتب القيمة المحلية المضافة بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن المشروع يُعد نموذجًا عمليًّا لتمكين البحث والابتكار في القطاع الصناعي، حيث يجمع بين تطوير منتج يحدّ من الانبعاثات الضارة بما يتوافق مع مسار التنمية المستدامة، وفي الوقت نفسه يعزز المحتوى المحلي من خلال التصنيع والهندسة الوطنية ونقل المعرفة، مضيفًا أن تصنيع المؤكسد الحراري محليًّا يشكّل نقلة نوعية ليس فقط كجهاز صناعي متقدم، بل كمنصة تعزز قدرات الشركات العُمانية في دخول أسواق جديدة.

ويتميّز المؤكسد الحراري بعدة خصائص تقنية متقدمة، منها نظام إدارة الحارق، وإمكانية التشغيل بالسحب الطبيعي أو القسري، إضافة إلى قدرة معالجة تتجاوز 9,000 كجم/ساعة بنطاق تخفيض واسع، مع حارق قوي يتيح تدفق هواء يقارب 55,000 م³/ساعة، كما يتميز الجهاز بارتفاع يفوق 22 مترًا، وتصميم يضمن عمرًا تشغيليًّا يصل إلى 20 عامًا.

مقالات مشابهة

  • المنتخب العُماني يتغلب على جزر القمر ويودع كأس العرب
  • إنجاز صناعي عُماني مع إنتاج أول جهاز مُؤكسِد حراري محليًا
  • على هامش فرضية "الأوقيانوس العُماني"
  • الإعلام العُماني بين القالب والفاعلية
  • صادرات النفط العُماني تتخطى 256 مليون برميل
  • الشيباني للجزيرة نت: لن نقع في فخ الدولة الفاشلة وسننتقل إلى نظام ملهم
  • «مؤتمر صور الدولي: البعد التاريخي والحضاري» يفتتح أعماله بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء
  • عماد محمد يعلن تشكيلة المنتخب الأولمبي أمام نظيره العُماني
  • وكيل الخارجية العُماني يشارك في أعمال منتدى الدوحة 2025 ويؤكد دعم السلطنة لمسارات الوساطة والحلول السلمية
  • فوز البنك الوطني العُماني بجائزة "أفضل بنك في سلطنة عُمان"