التعديلات تأتي في اتجاه التضييق على القوى السياسية المدنية؛ لأن الحرب اندلعت أصلا لتصفية ثورة ديسمبر التي أطاحت نظام البشير، ولذلك نلاحظ أن هجوم منسوبيه على القوى المدنية أكثر شراسة من هجومهم على قوات الدعم السريع

التغيير: (وكالات)

تعديلات أجرتها السلطات السودانية على قانون جهاز المخابرات العامة، موجة من الجدل وسط السياسيين والناشطين والخبراء العسكريين، خاصة أن “التعديلات أعادت إلى الجهاز صلاحيات سُحبت عنه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير”، بحسب قانونيين سودانيين.

ونقلت وكالة السودان للأنباء عن وزير العدل المكلف، معاوية عثمان، قوله إن “التعديلات على قانون المخابرات العامة جرى نشرها بالجريدة الرسمية”، مشيرا إلى أن “وزارة العدل تراعي في صياغة القوانين عدم تداخل أو تعارض المواد مع قوانين أخرى”.

“صلاحيات واسعة”

ويشير الخبير القانوني، معز حضرة، نقلا عن الحرة، إلى أن “التعديلات الحالية منحت جهاز المخابرات العامة صلاحيات أكبر من التي كانت ممنوحة له في عهد البشير”.

وقال حضرة إن “أبرز التعديلات تمثلت في منح جهاز الأمن صلاحيات للقبض والتفتيش والاعتقال، كما أنها أقرت كذلك تجديد حجز المعتقلين لمدد متعددة”.

ولفت الخبير القانوني إلى أن “التعديلات أعطت المكلفين بتنفيذ تلك الصلاحيات والمهام حصانة كاملة، بحيث أصبح من المستحيل محاكمتهم، لا مدنيا ولا جنائيا، إلا بموافقة من مدير جهاز المخابرات”.

وأضاف قائلا “وحتى إذا صدر حكم بالإعدام على أحد أفراد جهاز المخابرات، فلن يتم تنفيذ الحكم إلا بموافقة من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان”.

وفي عام 2019 أصدر البرهان مرسوما دستوريا بتغيير اسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى جهاز المخابرات العامة.

وبناء على الوثيقة الدستورية التي جرى توقيعها عقب سقوط نظام البشير، سُحبت بعض الصلاحيات من الجهاز، ليصبح مختصا بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها إلى السلطات المختصة.

وفي المقابل يرى الخبير الأمني، اللواء أمين إسماعيل، أن “التعديلات تأتي في سياق الحالة الأمنية المضطربة التي يعيشها السودان، وأنها تدبير استباقي للارتدادات الأمنية المتوقعة خلال الحرب وبعد توقفها”.

وقال إسماعيل  إن “الارتدادات الأمنية تحتاج إلى جهاز أمن ومخابرات قوي، يملك صلاحيات تساعد على إدارة الحالة الأمنية والاقتصادية، خاصة في ظل الوضع السوداني الحالي”.

ولفت إلى أن “التعديلات ترتبت على متغيرات أمنية واقتصادية، إذ تزايدت عمليات الاتجار والمضاربة في النقد الأجنبي، مما أفقد العملة السودانية كثيرا من قيمتها، بجانب ارتفاع معدلات الجريمة والنشاط الإجرامي”.

وأشار الخبير الأمني إلى أن “الصلاحيات التي أضيفت لجهاز المخابرات كانت موجودة في السابق، وأُزيلت بالوثيقة الدستورية، والآن هناك حاجة إلى مواجهة التحديات التي تحدث في البلاد”.

بدورها، ترى القيادية في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، رشا عوض، أن “التعديلات تقيّد الحريات العامة، وتكرس لملاحقة الناشطين في العمل الطوعي، والداعين لإيقاف الحرب”.

وقالت عوض، إن “التعديلات تأتي في اتجاه التضييق على القوى السياسية المدنية؛ لأن الحرب اندلعت أصلا لتصفية ثورة ديسمبر التي أطاحت نظام البشير، ولذلك نلاحظ أن هجوم منسوبيه على القوى المدنية أكثر شراسة من هجومهم على قوات الدعم السريع”.

ولفتت عوض إلى أن “السلطة الحالية أعادت أولا هيئة العمليات، الذارع العسكرية لجهاز المخابرات التي جرى حلها بالوثيقة الدستورية، والآن تمت إعادة الصلاحيات كاملة لجهاز المخابرات ليكون ذراعا سياسيا لفلول النظام السابق للتضييق على القوى المدنية الديمقراطية”.

مآلات القرار

التعديلات التي أُدخلت على قانون المخابرات العامة تزامنت مع اشتداد المعارك بين الجيش والدعم السريع، ومع صعود الدعوات التي تنادي بإيقاف الحرب والبدء في عملية سياسية تحدد ملامح الفترة الانتقالية، فما الهدف منها؟

يقول حضرة إن “البرهان والمجموعة المساندة له يهدفون إلى تكريس سلطة القمع ومصادرة الحريات، حتى يستمروا في حكم السودان”.

وأضاف أن “القمع والاعتقال وعمليات التعذيب التي تجري حاليا، أسوأ مما كان يحدث في عهد البشير، وأخطر ما فيها أنها تهدد التماسك المجتمعي”.

ولفت إلى أن “التعديلات أقرت مصطلح المتعاونين، وهو مصطلح لم يكن موجودا في قانون جهاز المخابرات السابق”، مشيرا إلى أن “المتعاون شخص لا ينتسب رسميا إلى الجهاز، وهو مواطن عادي يقدم المعلومات إلى الجهاز بمقابل مالي”.

وتابع قائلا “هذه التعديلات تجعل الكل يشكك في الكل، والجميع يتجسس على الجميع، وهذا من شأنه أن يهدد التماسك المجتمعي، خاصة أن بعض المتعاونين يمكن أن يقدموا معلومات ضد غيرهم من منطلق خلاف شخصي”.

من جانبها تشير عوض إلى أن التعديلات تنذر بأن “القادم سيكون أسوأ”، وتقول إن الاستخبارات العسكرية والأجهزة الأمنية كانت تضيّق على الذين يدعون لإيقاف الحرب، وتعتقل كثيرا منهم بحجة أنهم يساندون الدعم السريع، لدرجة أن بعضهم مات تحت التعذيب”.

وأضافت قائلة “الآن كل تلك الممارسات السيئة ستصبح تحت مظلة قانونية بسبب التعديلات الجديدة، مما يعني زيادة حالات الاعتقال والتعذيب وملاحقة الناشطين”.

وكان حزب المؤتمر السوداني اتهم، الأسبوع الماضي، الاستخبارات العسكرية باعتقال رئيس فرعيته في منطقة القرشي بولاية الجزيرة، صلاح الطيب، وقتله تحت التعذيب. في حين لم يصدر تعليق رسمي من الجيش عن الحادثة.

لكن الخبير الأمني أمين إسماعيل يرى أن “وجود وكيل النيابة المختص بأمن الدولة سيمنع عمليات استغلال التعديلات الجديدة لملاحقة واعتقال الناشطين”.

ويلفت إلى أن “المادة 50 من القانون تحظر القيام بأي عمليات احتجاز أو اعتقال دون أخذ الإذن من وكيل نيابة أمن الدولة، وتشدد على ضرورة تحويل المعتقلين إلى المحاكمة”.

وأضاف “كل تلك العوامل يمكن أن تؤدي دورا في حماية المدنيين، وتمنع استخدام تلك التعديلات بحقهم، كما أن تلك التعديلات يمكن أن تلغى عند كتابة دستور جديد، بعد توقف الحرب التي أملت هذه التعديلات”.

وتتهم منظمات حقوقية سودانية، ودولية، جهاز الأمن في عهد البشير بالتورط في انتهاكات ضد الناشطين، بما في ذلك الاحتجاز والإخفاء القسري والتعذيب والقتل.

وبعد سقوط نظام البشير جرت محاكمة عدد من منسوبي جهاز الأمن بتهم قتل المتظاهرين، بينهم 11 ضابطاً وجندي بتهمة قتل طالب الطب محجوب التاج، على خليفة تظاهرة طلابية.

وفي ديسمبر 2020 قضت محكمة أم درمان بإعدام 29 من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات بتهمة اعتقال وتعذيب المعلم أحمد الخير، في منطقة خشم القربة بشرق السودان، مما أدى إلى وفاته.

وجرى اعتقال الخير لمساندته الاحتجاجات التي كان يشهدها السودان ضد نظام البشير في 2019.

وفي فبراير 2021 أيدت المحكمة السودانية العليا قرار محكمة أم درمان. ولكن لم يُنفذ الحكم حيث فرّ آلاف المدانين والمسجونين من السجون السودانية بعد حرب 15 أبريل، بينما تبادل الجيش والدعم الاتهامات بالتورط في فتح أبواب السجون.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم إلى مناطق داخل وخارج السودان.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في أنحاء البلاد.

الوسومآثار الحرب في السودان تعديل قانون جهاز المخابرات العامة حرب الجيش و الدعم السريع

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان تعديل قانون جهاز المخابرات العامة حرب الجيش و الدعم السريع جهاز المخابرات العامة الدعم السریع نظام البشیر جهاز الأمن على القوى إلى أن

إقرأ أيضاً:

المبادرة المصرية بشأن السودان.. إسكات البنادق أم بحث عن المصالح؟!

تختلف وجهات النظر حيال المبادرة المصرية بشأن الأزمة في السودان وإمكانية إسهامها في الحل، لكنها تتفق حول أن مصر ستحاول تثبيت وضمان مصالحها.

تقرير: التغيير

يعلق السودانيون آمالهم على المبادرات الإقليمية والدولية لإيقاف معاناتهم التي خلفتها حرب 15 أبريل 2023م التي دخلت عامها الثاني وعنوانها الأبرز هو القتل والتشريد.

وأعلنت مصر مؤخراً، أنها ستستضيف في يونيو الحالي مؤتمرا للقوى المدنية في إطار حرصها على بذل كل الجهود الممكنة لمساعدة السودان على تجاوز الأزمة التي يمر بها، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السوداني وأمن واستقرار المنطقة، لاسيما دول الجوار.

وأشارت إلى أن المؤتمر سيعقد بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، وأن غايته هي التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية المدنية السودانية حول سبل بناء السلام الشامل والدائم، عبر حوار وطني سوداني سوداني، على رؤية سودانية خالصة، فهل تنجح المبادرة المصرية في إسكات صوت البنادق بالسودان؟؟.

ترحيب مشروط

بعد ساعات من الإعلان عن المبادرة ردت الخارجية السودانية ببيان رهنت فيه نجاح المؤتمر بأن يكون هناك “تمثيل حقيقي للغالبية الصامتة من الشعب السوداني ممن سفكت دماؤهم وانتهكت أعراضهم ونهبت ممتلكاتهم”، وقالت إن من يمثلهم هي “المقاومة الشعبية”.

وأضافت أن أساس المشاركة يجب أن يكون على تأكيد الشرعية القائمة في البلاد وصيانة المؤسسات الوطنية على رأسها القوات المسلحة.

وطالبت بتوضيح هوية الشركاء الدوليين الذين يحضرون المؤتمر مع تحديد دورهم، مع رفض حضور رعاة من وصفتهم بـ”مليشيات الدعم السريع”.

ورفض البيان تمثيل أي منظمة إقليمية أو دولية “سكتت عن إدانة الدعم السريع”، كما رفض مشاركة الاتحاد الأفريقي وإيغاد “ما لم يسبق ذلك تنفيذ خطوات فعلية لرفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة القارية”، مع التشديد بحصر دور المنظمات الدولية المشاركة في المؤتمر بدور المراقب”.

رؤية “حكومة بورتسودان”

واعتبر مراقبون أن بيان الخارجية السودانية يمثل رؤية حكومة الأمر الواقع ببورتسودان، لتعقد الأمر أكثر مما هو عليه بعد أن فقدت الشرعية ووجدت نفسها معزولة عن الفعل الإقليمي والدولي، ولذلك تريد وضع شروطها باعتبارها حكومة شرعية.

ورأى المراقبون أن المؤتمر غرضه محاكاة مؤتمر (تقدم) الذي انعقد بأديس أبابا من أجل إغراق القضية السودانية بالمبادارات الخارجية لإطالة أمد الحرب التي تحولت إلى صراع بين المحاور.

موقف (تقدم)

ووجدت الدعوة المصرية ترحيبا من القوى المدنية والسياسية، والتي طالبت بضرورة أن يعالج الحوار جذور الأزمة السودانية وحتى لا تؤدي إلى حرب أكبر من التي يشهدها الآن.

ورحب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) د. عبد الله حمدوك بالمبادرة، وقال: “تم الاتصال بنا وسنتواصل مع الأشقاء في جمهورية مصر حول هذه المبادرة والتفاصيل المرتبطة بها”، وأكد الترحيب بكل المبادارات والمساعي الإقليمية والدولية الهادفة لإنهاء معاناة الشعب السوداني بوقف الحرب وتحقيق السلام والوصول لحكم مدني ديمقراطي مستدام ودائم.

من جانبه، أكد الأمين العام لـ(تقدم) الصديق الصادق، ترحيبهم بالمبادرة المصرية وجميع المبادرات الأخرى التي من شأنها إيقاف الحرب في السودان وإعادة المواطنين إلى منازلهم.

وقال لـ(التغيير): “نحن مع الاستجابة لكل المبادرات التي تحقق هدف الشعب السوداني في إيقاف الحرب، ومصر دولة جارة ولديها ارتباط بالسودان، وتستضيف عددا كبيرا من السودانيين، ويجب أن يكون لها دور في عملية إيقاف الحرب”.

الكتلة الديمقراطية

كذلك، رحبت قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، بالمؤتمر الذي أعلنت مصر استضافته، وشددت على ضرورة معالجة الأزمة عبر حوار لا يستثني أحداً.

ويرى محللون أن الكتلة الديمقراطية تحاول- من خلال إشارتها لحوار لا يستثني أحداً- إقحام المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية وواجهاتها لإغراق العملية السياسية، وهو ما ترفضه (تقدم) والتي تشدد على عدم مشاركة هذه الأجسام وواجهاتها لما تلعبه من دور في الحرب وتأجيجها من خلال مشاركة كتائبها التي تنشط فيها الآن.

مصالح مصر

واعتبر المحلل السياسي محمد نورشين، أن دعوة الخارجية المصرية لقيام مؤتمر للقوى المدنية في السودان، له عدة جوانب منها أن مصر تريد أن تؤكد بأنها حاضرة في الأزمة السودانية بقوة وهذا الحضور حتى تراعي مصالحها، بحيث أنه في الإتجاه الآخر الغريم لمصر وهي إثيوبيا ظلت تحتضن تنسيقية (تقدم) منذ اندلاع حرب 15 أبريل، وبالتالي من الضرورة بمكان أن تكون مصر حاضرة وداعمة لقوى سياسية مؤثرة.

وقال لـ(التغيير): “لا أعتقد أن التفاوض في الوقت الراهن سيحقق شيئا لأن هنالك ما زال توازن في القوة بين الأطراف المتقاتلة”.

وأوضح تورشين، أن مصر ستقوم بدعوة جميع القوى المدنية وستضع أجندة المؤتمر بالتنسيق مع الجانب السوداني حتى لا تقع في ذات الخطأ الذي وقعت فيه دول الإيغاد التي وضعت أجندة لمناقشة أمر السودان دون التشاور مع السلطات السودانية.

استثمار في الأزمة

بدوره، قال الكاتب والمفكر د. النور حمد: “إن الحديث عن عزم الخارجية المصرية لقاء لمختلف القوى السياسية السودانية في القاهرة للوصول إلى ما أسموه حوارا سودانيا/ سودانيا، لا بد من تبيين أمر أجده مهما وهو أن للسياسيين منطقهم الذي يتبعونه في إدارة الشؤون السياسية ولهم أساليبهم أيضا. وهم يتبعون مفهوما أن السياسة هي فن الممكن وأنها ينبغي أن تبنى على المرونة وتوسيع مجال المناورة”.

وأضاف لـ(التغيير): “لكن من يفكرون في الشؤون السياسية، وهم غير مقيدين بتنظيم سياسي، وغير ملزمين بأساليب التعاطي الدبلوماسي مع الأمور، فإن لهم منطقا مختلفا. وشخصي من هذه الفئة، وأعني فئة من ليسوا مقيدين برؤية أي تنظيم ما يجعل خدمة الهدف الاستراتيجي لديهم على على خضمه الهدف التكتيكي”.

وتابع: “لا أتوقع أن ترفض تنسيقية “تقدم” تلبية دعوة الخارجية المصرية للقاء الذي أعلنت أنها ستعقده في يوليو. ولست ضد ذهابها لحضور هذا اللقاء. وقد ظهرت الرغبة في تلبية الدعوة فيما صرح به السيد عبد الله حمدوك- باقتضاب-. فمصر جارة للسودان ولها وزنها الإقليمي، ولها انخراطها التاريخي في الشؤون السودانية. فالسودان يشكل بالنسبة لها ركنا ركينا في أمنها المائي وأمنها الاقتصادي وفي مجمل استقرارها بصورة عامة”.

واستطرد حمد: “و-بطبيعة الحال- ليس هناك ما يضير تنسيقية “تقدم”، في الحضور من حيث المبدأ فلتقم بتلبية الدعوة ولا داعي لمناصبة مصر العداء. فالحضور يمكن قادة “تقدم” من معرفة حقيقة ما ترمي إليه الحكومة المصرية. ومن ثم التعاطي مع ما سيجري حينها وفقا ما تراه “تقدم”.

واستدرك: “لكن، من وجهة نظري، وهي وجهة نظر ثابتة طالما عبرت عنها، باستمرار، أن مصر لا تملك إلا أن تحشر أجندتها الخاصة، وبقوة، كلما وجدت، أو أوجدت فرصة للانخراط في أي جهود تيسيرية أو وساطية تتعلق بالأزمات في السودان. بل إن رأيي الثابت أن مصر تستثمر في أزمات السودان لصالحها. فـ-هي نفسها- من مسببات أزماته الكبرى. وهذا تاريخ طويل لا مجال لاستعراضه هنا”.

دعم الديكتاتوريات

وأوضح حمد، أن تعاطي مصر مع قضايا السودان يعاني من داء عضال مزمن ولسوف لن تشفى منه مصر قريبا. -باختصار- شديد، مصر لا تريد نظاما ديمقراطيا في السودان، لأن النظام الديمقراطي يخلق فضاء حرا يتيح مراقبة ومحاسبة الحكومة القائمة في السودان ومن شأن هذا أن يفضح الانبطاح لمصر.

وأكد أن مصر تريد ديكتاتورا يكتم أنفاس السودانيين نيابة عنها ويقوم نيابة عنها بتنفيذ أجندتها في السودان. “وقد قدم الفريق البرهان منذ ظهوره في المسرح السياسي السوداني في عام 2019 أنه أقوى دليلا عمليا على أهمية وجود ديكتاتور في السوداني لخدمة جميع مصالح مصر في للسودان. فتسلط البرهان على السودان في السنوات الخمس الماضية أتاح لمصر الفرصة لسحب مواد السودان الخام بصورة لم تحدث منذ غزو محمد علي باشا. تريد مصر ديكتاتورا سودانيا يكون ألعوبة في يدها نظير قيامها بحماية نظامه استخباراتيا وأمنيا وعسكريا وبلوماسي”.

وقال حمد: “لقد خططت مصر للانقلابات العسكرية في السودان؛ ابتداء بانقلاب نميري كما رحبت بانقلاب البشير. وأخيرا بعد ثورة ديسمبر، انخرطت في الجهود التي هيأت الظروف لانقلاب البرهان على الوثيقة الدستورية، والإطاحة بحكومة المدة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك. ناصبت مصر ثورة ديسمبر الشعبية العداء السافر، منذ البداية. وقد عملت مصر في جهودها لإجهاض ثورة ديسمبر على مسارين: مسار عسكري واستخباراتي وأمني به يصبح الفريق البرهان حاكما مطلقا للسودان. ومسار آخر اتجه إلى استيلاد حاضنة شعبية زائفة تدعم الفريق البرهان. وقد جرى تخليق هذه الحاضنة من الحركات المسلحة وبقايا النظام القديم ونهاري الفرص من السياسيين المخضرمين المرضى بالسلطة والمال”.

وأضاف: “لقد كان السفير المصري حاضرا في احتفال إعلان ميلاد ما أضحت تسمى الكتلة الديمقراطية في قاعة الصداقة بالخرطوم. وهي التحالف الذي اعتصم بموافقة للبرهان وحميدتي أمام القصر الجمهوري وطالب الفريق البرهان بالانقلاب على الوثيقة الدستورية والإطاحة بالمدة الانتقالية وبحكومة عبد الله حمدوك. واستمرت مصر في رعاية هذه الحاضنة الديكورية الزائفة. فأقامت لها لقاءين في مصر. وهي الآن بصدد عقد اللقاء الثالث…”.

المرونة والحذر

وتابع حمد: اما الآن مع الظهور القوي لتنسيقية تقدم في مؤتمرها التأسيسي فإن مصر قد أخذت تتوجس من أن تقود اتفاقية جدة إلى إيقاف الحرب. ومن ثم، إلى اعادة حمدوك إلى السلطة مع طاقم جديد. لذلك تسعى مصر إلى استغلال حالة الجمود العسكرية والسياسية القائمة إضافة إلى رغبة السودانيين الجامحة لإيقاف الحرب، لكي تحشر حلفاءها من القوى السياسية السودانية داخل أي معادلة جديدة للحكم. فهي تريد أن تقول للوسطاء المباشرين وغير المباشرين كالولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية والسعودية ومن يقف في صفها من دول الخليج إن هناك قوتان مدنيتان وليست واحدة.

وأردف حمد: “خلاصة القول لا اعتراض لدي على تلبية تقدم للدعوة المصرية من حيث المبدأ. فالمرونة السياسية تقتضي الحضور ومعرفة الغرض من اللقاء. أما رأيي الشخصي فهو أن أجندة مصر المعادية للديمقراطية في السودان الكارهة لاستقلالية القرار السوداني، لن تتغير. لذلك اوصي بالحذر الشديد والتزام الأجندة الوطنية السودانية بصرامة فيما يجري من حوار. فكل توافق هش، تتمكن مصر من حشر أجندتها فيه لفرض هيمنتها ووضع السودان في قبضة يدها، سيعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ولن. يكون- في نهاية الأمر- سوى إهدار للوقت والجهد وإطالة لمعاناة السودانيين التي فاقت كل قدرة على التحمل”.

الوسومإيغاد الاتحاد الأفريقي الجيش الدعم السريع السودان القاهرة النور حمد بورتسودان محمد تورشين

مقالات مشابهة

  • المبادرة المصرية بشأن السودان.. إسكات البنادق أم بحث عن المصالح؟!
  • إيران تعلن اعتقال "جاسوس" يعمل لصالح جهاز الموساد
  • مؤتمر القاهرة وفرص السلام في السودان
  • وزير العدل يتعهد برفع تعويضات حوادث السير بعد تعديل قانون يعود إلى سنة 1984 
  • السوداني:جهاز المخابرات بعد 2003 جاء لحماية النظام السياسي
  • السوداني: حرصتُ على حفظ استقلالية ومهنية جهاز المخابرات ضمن رؤية قانونية ودستورية
  • في الذكرى العشرين لتأسيسه: السوداني: جهاز المخابرات يحمي نظامنا السياسي
  • الصين تتهم بريطانيا بتجنيد 2 من موظفي الحكومة الصينية
  • بكين تتهم المخابرات البريطانية بتجنيد موظفين بالحكومة الصينية لصالحها
  • بكين تكشف عن حالة «تجسس كبيرة» للمخابرات البريطانية على أراضيها