التوازن بين العمل والحياة الشخصية
تاريخ النشر: 13th, May 2024 GMT
عائشة بنت علي المقبالية
في ساحة حياتنا المُتشابكة، ينسجمُ العمل والحياة الشخصيَّة، في لوحة تعبيرية تمتزجُ فيها الالتزامات المهنية بالاحتياجات الشخصية. هذا التداخُل المُستمر يُثير توترًا دائمًا بين المسؤوليات المهنية والحياة الشخصية، مِمَّا يفرضُ ضرورةَ إيجاد توازن متناغم؛ فالسعادة الحقيقية والرضا النابعان من هذا التوازن ليسَا مجرد غاية، بل هما مفتاحان لجودة الحياة.
عادةً ما يبدأ الناس في السؤال عن كيفية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، عندما يجدون أنفسهم يعيشون حياة مشغولة بشكل متزايد، دون الحصول على الوقت الكافي للاسترخاء والاستمتاع بالأنشطة الشخصية، وإذا كنت تشعر بالتوتر والإرهاق بسبب العمل المستمر دون توازن، فقد حان الوقت لاتخاذ خطوات أو محطات لاستعادة التوازن والتحكم في وقتك.
إنَّ أوَّل خطوة يجب اتخاذها هي تحديد الهدف ورسمه وصياغته؛ سواء كان الهدف مُتعلِّقا بالعمل أو الحياة الشخصية؛ حيث ينبغي أن نُتقن العمل فيها؛ لأن ما بعدها يقوم عليها، فلا تمضي الحياة ونحن نلهو ونلعب وننتظر أن يهلكنا الدهر ونحن في شتات، هنا نتوقف لبناء وترسيخ هدفنا ونستوضحه من أجل أنْ لا نكثر من الدخول في الأنفاق المظلمة، ثم نبحث عن بصيص في آخرها، الآن نُحدِّد الهدف والغاية ونرتِّب أوراقنا وجهودنا من أجل ذلك المبتغى والغاية. هل لنا أن نتفكَّر الآن ما هو هدف كل واحد منا؟ ومهما كان الهدف -المهم أن يكون ساميًا- لكن لا ينبغي أن نظل بلا هدف، ضع هدفك في الحياة التميز وبلوغ المراتب العليا في العلم، أو إقامة معهد، أو إنشاء مؤسسة، أو خدمة فئة معينة من المجتمع، أو تصنيع معلم حضاري فخم، أو اختراع جديد يضيف للحياة شيئاً جديداً، أو أن تكون أستاذاً أو مديراً، أو تعلُّم لغة جديدة... وغيرها، وهذه ليست أهدافاً نهائية ولا هي الغايات الأخيرة، لكنها أهداف مرحليَّة، فإذا أنجزتها أوصلتك للمعالي، والمعالي غاية النبلاء وهدف المثابرين.
وبعد تحديد الهدف، يُمكنك البدء في تنظيم يومك بشكل فعال، من خلال القيام بتحديد الوقت المخصص لكل نشاط، بما في ذلك العمل، والرياضة، والوقت مع العائلة والأصدقاء، والوقت للاسترخاء والاستمتاع بالهوايات الشخصية. كما يُمكن أن تكون التكنولوجيا حليفًا قويًّا؛ حيث يمكن استخدام التطبيقات والأدوات الذكية لتنظيم الجدول وزيادة الإنتاجية.
أيضًا لا تنسى أن تمنح نفسك الوقت الكافي للراحة والاسترخاء؛ فالعمل بجدية مهم، لكنَّ الاستراحة والاسترخاء أيضًا لهما أهمية كبيرة في الحفاظ على صحتك العقلية والجسدية. حاول العثور على الأنشطة التي تساعدك في الاسترخاء وتجديد الطاقة؛ سواء كان ذلك من خلال ممارسة التأمُّل، أو القراءة، أو ممارسة الرياضة.
وأخيرًا.. يجب أن تكون هناك مرونة في خططك ومواعيدك؛ فقد تحتاج إلى إجراء تعديلات بانتظام حسب المتغيرات في حياتك وظروفك الشخصية. ولا تنسَ أنَّ التوازن بين العمل والحياة الشخصية ليس هدفًا يُمكن تحقيقه مرة واحدة وللأبد، بل هو رحلة مُستمرة تتطلَّب التكيف والصبر والاستمرار في السعي نحو تحقيق التوازن المثالي؛ لذا، اسعَ إلى تحقيق توازن يشبع شغفك وحبك للأشياء في الحياة؛ فالشغف هو ما يمنح الحياة طعمًا خاصًّا، ويجعل كل عمل يبدو ممتعًا ومجزيًا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
محمود فوزي: الفقه والقضاء الإداري المصريين رسّخا مبادئ حماية التوقع المشروع
ألقى المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، الكلمة الافتتاحية لفعاليات المؤتمر العلمي المتخصص الذي ينظمه مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي تحت عنوان: “الأدوات التعاقدية التقليدية لحماية المستثمرين الأجانب وسلطة الدولة التنظيمية”.
وخلال كلمته؛ أكد المستشار محمود فوزي وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، أن تطور منظومة حماية الاستثمارات الأجنبية شهد خلال العقود الأخيرة دعمًا متزايدًا من خلال الاتفاقيات الثنائية والمتعددة، وصياغة العقود مع الدول المضيفة، وكذلك من خلال نشأة مراكز التحكيم الدولي التي أسهمت في ترسيخ مبادئ قانونية مهمة في هذا المجال.
وأشار وزير الشئون النيابية، إلى أن هذه الأدوات جاءت لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية لدى الدول النامية، وحاجة المستثمرين الأجانب إلى ضمانات واضحة، على رأسها: الحماية من نزع الملكية دون تعويض، وكفالة المعاملة العادلة والمنصفة، وحظر التمييز، وضمان حرية تحويل الأرباح ورؤوس الأموال.
وأوضح أن من بين المسائل المحورية في علاقة الدولة بالمستثمرين هي مدى تأثير السلطة التنظيمية السيادية للدولة على التزاماتها التعاقدية، حيث تحتفظ الدولة بحقها الأصيل في سن التشريعات وتنظيم القطاعات المختلفة بما يحقق الصالح العام، حتى وإن أدى ذلك إلى تغيير في البيئة الاستثمارية، بينما يرغب المستثمر في الحفاظ على التوازن الاقتصادي لمشروعه دون تأثير من تصرفات تنظيمية مفاجئة.
وفي هذا السياق، شدد الوزير محمود فوزي، على أن قانون الاستثمار المصري راعى هذا التوازن حينما أقر بحق الدولة في تنظيم القضايا ذات البعد الاجتماعي والبيئي، وفي الوقت نفسه أقر باحترام العقود وتوفير المعاملة العادلة والمنصفة، وهو ما تم تأكيده في الاتفاقيات الثنائية لحماية الاستثمارات التي أبرمتها الدولة المصرية.
كما أوضح المستشار محمود فوزي، أن الفقه والقضاء الإداري المصريين رسّخا مبادئ حماية التوقع المشروع والحقوق المكتسبة، مؤكدًا أن المحكمة الإدارية العليا والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع دعمت هذا الاتجاه، بينما ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلى التأكيد على احترام التوقع المشروع للأفراد كضمان للملكية الخاصة والعدالة الاجتماعية.
وتطرق وزير الشئون النيابة، إلى أن العقود الاستثمارية التي تبرمها الدولة، خاصة في قطاعي الغاز والبترول، تضمنت شروطًا لحماية التوازن الاقتصادي، من بينها شرط الثبات التشريعي في صور متعددة، وصولاً إلى شرط “استعادة التوازن الاقتصادي”، الذي يحقق حلاً وسطًا بين حق الدولة في التشريع، وحق المستثمر في حماية استثماراته من آثار تلك التشريعات.
واستعرض المستشار فوزي، المراحل التي مر بها شرط الثبات التشريعي الأولى والتي يحل محلها حاليًا "شرط التوافق" والذي مقتضاه يتم إصدار عقود الدولة مع المستثمر بقوانين، والنص في تلك القوانين على سريان أي تعديل يحدث في القواعد القانونية القائمة وقت التعاقد مع المستثمر، بالقدر الذي تتوافق معه تلك التعديلات مع العقد، الذي صار بمثابة قانون خاص من قوانين الدولة، ثم ظهر أخيرًا صورة جديدة لشرط الثبات التشريعي متمثلة في شرط استعادة التوازن الاقتصادي "Restoration of Economic Equilibrium" الذي يقر بحق الدولة في استصدار التشريعات والقرارات المحققة لمصلحتها العامة، على أن يقابل ذلك التزامها بالحفاظ على التوازن الاقتصادي لعقودها المتضمنة لذلك الشرط، وما يقتضيه ذلك من تعويض المتعاقدين معها عن أي اختلال للتوازن الاقتصادي قد ينشأ عن مباشرة سلطتها التنظيمية، وتعد تلك الصورة بمثابة حل وسط بين حق الدولة في التنظيم وحق المستثمر في الحفاظ على التوازن الاقتصادي لعقده.
وفي ختام كلمته، أعرب المستشار محمود فوزي عن تقديره للجهات المنظمة والداعمة للمؤتمر، متمنيًا أن تُسفر جلساته عن توصيات رصينة تُسهم في دعم البيئة الاستثمارية وتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية وحقوق المستثمرين.