شوقي علام يوضح مدى صحة مقولة: دعوة أربعين غريبًا مستجابة
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
يتساءل عدد من الأشخاص حول مدى صحة ما يقال من أن دعوة أربعين غريبًا مجابة عند الله سبحانه وتعالى، وهل إذا تم ذكرها في الشريعة الإسلامية، أو نقلت إلينا في الأحاديث النبوية الشريفة أم لا.
وقال الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، إن الدعاء للغير بظهر الغيب مستحب، بل ومستجاب عند الله تعالى، إلا أنه لم يرد في الشرع ما يفيد تقييد الداعين بعددٍ معين، ولا بكونهم غرباء.
وأضاف الدكتور شوقي علام: الدعاء عبادة مستحبة؛ لِما فيها من التضرع والتذلّل والافتقار إلى الله تعالى، وقد حثَّنا الله تعالى عليها فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقال أيضًا عزَّ وجلَّ: ﴿ٱ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾، سورة الأعراف.
وتابع: وقد ورد في السنة النبوية المطهرة بيان فضل الدعاء؛ فعن سيدنا النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ ، سورة غافر.
وقال مفتي الديار، إن مدى صحة ما يقال من أن دعوة أربعين غريبًا مجابة توضح في عدة نقاط، وهم:
أولًا: أن هذه المقولة المسؤول عنها (دعوة أربعين غريبًا مجابة) ليست حديثًا نبويًّا، وإنما هو ممَّا شاع على ألسنة الناس واشتُهر، ولم نقف عليه في كتب السنة بهذا اللفظ، إلا أنَّ معناه ثابتٌ في حديث سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً؛ دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغَائِبٍ» رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما".
وقال الإمام المظهري في "المفاتيح شرح المصابيح" : [قوله: "إنَّ أسرعَ الدعاءِ إجابةً دعوةُ غائبٍ لغائبٍ"؛ يعني: إذا دعا أحدٌ لغائب يُستجابُ دعاؤه له؛ لأنه بعيدٌ عن الرياء والطمع، بل لا يدعو غائبٌ لغائب إلا خالصًا لله، وما كان خالصًا لله يكون مقبولًا].
ثانيًا: الدعاء للغير مشروع، وهو أشد تأكيدًا وأرجى في القبول إذا كان بظهر الغيب؛ أي في غيبة المدعو له؛ لأنه أبلغ في الإخلاص؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وقال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" : [وفي هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضًا، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب ويحصل له مثله].
ويضاف إلى ذلك ما جاء في "شرح سنن أبي داود" للإمام بدر الدين العيني: [قوله: «بظهر الغيب» أي: في سرّه وبغير حضوره، كأنه من وراء معرفته ومعرفة الناس؛ لأنه دليل على إخلاص الدعاء له كمثل ما يجعله الإنسان وراء ظهره، ويسْتره عن أعين الناس].
ثالثًا: لم يرد في الشرع ما يدل على تقييد العدد بأربعين أو غيره كقيد لاستجابة الدعاء، وإنما مطلق الدعاء بظهر الغيب مستجاب إن شاء الله كما بينَّا سابقًا.
واختتم الدكتور شوقي علام حديثه قائلًا: فإن المطلوب من المسلم أن يهتم بإصلاح نفسه واجتناب موانع استجابة الدعاء؛ كأكل الحرام والظلم واستعجال الإجابة، أو الدعاء بظلم أو قطيعة رحم، وأن يتحين أوقات الاستجابة كثلث الليل الأخير، وبعد الصلاة المكتوبة، ويوم الجمعة، وعند فطر الصائم، وفي السجود، وأن يثق في فضل ربه ورحمته وأن يتيقن من الإجابة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية الدعاء الدعاء بظهر الغيب الدكتور شوقي علام بظهر الغیب شوقی علام
إقرأ أيضاً:
حكم الدعاء الجماعي بعد انتهاء الصلاة.. الإفتاء توضح
أوضحت دار الإفتاء المصرية حكم الدعاء الجماعي عقب أداء الصلاة، وهو أن يدعو الإمام بعد الانتهاء من ختام الصلاة وقراءة الأذكار ويُؤَمِّنُ المصلون خلفه، إذ أنه اعتاد الناس على القيام بذلك الأمر، ولكن هناك من ينكر .
الإفتاء: الذكر والدعاء الجماعي والتأمين عليه أمرٌ مشروعٌ في المسجد وفي غيرهوقالت الإفتاء إن الذكر والدعاء الجماعي والتأمين عليه أمرٌ مشروعٌ في المسجد وفي غيره، وتبديعه في الحقيقة نوعٌ من البدعة؛ لأنه تضييقٌ لِمَا وسَّعه الشرع الشريف، ومخالفةٌ لما ورد في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وعلماء الأمة المتبوعين، وجرى عليه عمل المسلمين مِن غير نكير، لكن مع مراعاة الضوابط واللوائح التي وضعها القائمون على نظارة المساجد؛ حتى يتم ذلك بشكلٍ منظمٍ لا تشويشَ فيه على المصلين والذاكرين وقُرَّاء كتاب الله تعالى؛ استِرشادًا بالأدب النبوي الكريم في هذا المقام.
وتابعت: والواجب على المسلمين أن لا يجعلوا ذلك مثار فُرقة وخلاف بينهم؛ حتى لا يقعوا في الفُرقة المحظورة شرعًا؛ فإنه لا إنكار في مسائل الخلاف، والصواب في ذلك تَركُ الناسِ على سَجاياهم: فمَن شاء جَهَرَ، ومَن شاء أَسَرَّ، ومن شاء فعله فرادى أو جماعة؛ لأن أمر الذكر والدعاء على السعة، والعبرة فيه حيث يجد المسلمُ قلبَه.
حكم الدعاء الجماعي عقب الصلاة
وأضافت الإفتاء أن الدعاء من أعظم العبادات التي أمر بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جاء الأمر به مطلقًا؛ فيشمل ذلك كل هيئاته؛ سرًّا أو جهرًا، فرادى أو جماعات.
والجهر بختام الصلاة والإسرار به الأمر فيها واسع، والخلاف فيها قريب، وقد ورد الأمر الرباني في الذكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فإذا قَضَيتم الصلاةَ فاذكُرُوا اللهَ قِيامًا وقُعُودًا وعلى جُنُوبِكم﴾ [النساء: 103]، والمطلق يؤخذ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّدُه في الشرع، ومن المقرر أن الأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، فإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثرَ من وجهٍ (فرادى أو جماعة، سرًّا أو جهرًا) فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته ولا يصح تقييده ولا تخصيصه بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك ابتداعًا في الدين بتضييق ما وسَّعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن الأدلة على الذكر الجماعي: قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28]، وامتثال الأمر بمعية الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء، ويحصل بالتأمين عليه، ويحصل بمجرد الحضور.
واختتمت الإفتاء قائلة: فالذكر والدعاء الجماعي والتأمين عليه أمرٌ مشروعٌ في المسجد وفي غيره، وتبديعه في الحقيقة نوعٌ من البدعة؛ لأنه تضييقٌ لِمَا وسَّعه الشرع الشريف، ومخالفةٌ لما ورد في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وعلماء الأمة المتبوعين، وجرى عليه عمل المسلمين مِن غير نكير، لكن مع مراعاة الضوابط واللوائح التي وضعها القائمون على نظارة المساجد؛ حتى يتم ذلك بشكلٍ منظمٍ لا تشويشَ فيه على المصلين والذاكرين وقُرَّاء كتاب الله تعالى؛ وذلك استِرشادًا بالأدب النبوي الكريم في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» رواه الإمامان مالك في "الموطأ" وأحمد في "المسند".