الذكاء الاصطناعي: نحو معايير جديدة لتسنم المناصب العامة
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
16 مايو، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
ليث شبر بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي
في عصر تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة ثورية قادرة على إحداث تغييرات جذرية في مختلف المجالات، بما في ذلك الحكم والإدارة العامة. يتساءل المهتمون عن سبب عدم استغلال هذه التكنولوجيا المتقدمة في بناء دولهم وتحسين آليات اختيار القادة والمسؤولين.
وعلى الصعيد العالمي، تُظهر دول مثل الولايات المتحدة والصين اهتمامًا كبيرًا بالذكاء الاصطناعي وتستخدمه بقوة في مختلف القطاعات. في الشرق الأوسط، تُعد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في هذا المجال، وتسعى لتعزيز مكانتها في استخدام الذكاء الاصطناعي. قطر كذلك تُظهر تقدمًا ملحوظًا في استخدام الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا المقال نطرح مقترحا مبتكرا وجديدا لم يطبق في أي دولة من العالم حتى اليوم يهدف إلى تحسين عملية اختيار الأشخاص الذين يتصدون للمناصب العامة من خلال تطبيق ثلاثة اختبارات أساسية يضعها برنامج مخصص في الذكاء الاصطناعي. هذه الاختبارات هي:
1. الاختبار المعرفي: يهدف إلى تقييم مدى معرفة المتقدم بالقوانين، السياسات، والمبادئ التي تحكم الدولة. يتضمن هذا الاختبار أسئلة تتعلق بالتاريخ، الاقتصاد، والثقافة العامة للبلاد.
2. الاختبار العقلي: يقيس قدرة المتقدم على التفكير النقدي، حل المشكلات، واتخاذ القرارات تحت الضغط. يتم تصميم الأسئلة لتحدي الذكاء والمنطق والقدرة على التخطيط الاستراتيجي.
3. الاختبار النفسي: يسعى لتقييم الصفات الشخصية والعاطفية للمتقدم، بما في ذلك النزاهة، القيادة، والتعاطف. يتم استخدام مجموعة من الأسئلة والمحاكاة لفهم الدوافع والقيم التي يحملها المتقدم.
يُقترح أن يتم تضمين هذه الاختبارات ضمن ((قانون تسنم المناصب)) ، بحيث يصبح اجتيازها شرطًا أساسيًا لأي مواطن يرغب في تولي مسؤولية عامة. يمكن لهذا النظام أن يضمن اختيار الأفراد الأكثر كفاءة واستعدادًا لخدمة الدولة ومواطنيها.
تتمتع المقترحات المذكورة في المقال بعدة نقاط إيجابية، ومنها:
1. تعزيز الكفاءة: من خلال الاختبارات الثلاثة، يمكن ضمان اختيار الأشخاص الأكثر كفاءة وقدرة على تحمل المسؤولية، مما يساهم في تحسين الأداء العام للمناصب الحكومية.
2. الشفافية والعدالة: الذكاء الاصطناعي يوفر معايير موضوعية لتقييم المتقدمين، مما يقلل من المحسوبية والتحيز في عملية الاختيار.
3. التقليل من الأخطاء البشرية: باستخدام الذكاء الاصطناعي في التقييم، يمكن تقليل الأخطاء التي قد تنجم عن التقييم البشري الذي يمكن أن يتأثر بالعواطف أو الانطباعات الشخصية.
4. التطوير المستمر: البرامج القائمة على الذكاء الاصطناعي يمكن تحديثها وتحسينها باستمرار لتتبع التغيرات في المعايير والمتطلبات.
5. التقييم الشامل: الاختبارات تغطي جوانب معرفية، عقلية، ونفسية، مما يوفر تقييمًا شاملًا للمتقدمين.
6. المساواة في الفرص: كل متقدم يخضع لنفس الاختبارات، مما يضمن تكافؤ الفرص بين جميع المتقدمين.
7. الاستجابة للتحديات الحديثة: الاستفادة من الذكاء الاصطناعي تعكس التزام الدولة بالابتكار والاستعداد لمواجهة التحديات الحديثة.
8. تحسين الثقة العامة: النظام القائم على الذكاء الاصطناعي قد يعزز الثقة في العملية الانتخابية وفي القادة المنتخبين.
يمكنني الإشارة إلى أن هناك بعض الاختبارات الأخرى التي قد تكون مفيدة في تقييم الأشخاص الذين يتقدمون لشغل مناصب عامة عليا ، وهذه تشمل:
1. الاختبارات الأخلاقية: قد تساعد في تقييم القيم الأخلاقية للمتقدمين ومدى التزامهم بالمعايير الأخلاقية والمهنية.
2. اختبارات الاتصال والتواصل: لقياس مهارات التواصل والقدرة على نقل الأفكار بوضوح وفعالية.
3. اختبارات القيادة: لتحديد مدى قدرة المتقدم على قيادة فريق، وإلهام الآخرين، وتحفيزهم نحو تحقيق أهداف مشتركة.
4. اختبارات اللياقة البدنية: قد تكون مهمة للمناصب التي تتطلب مستوى عالٍ من النشاط البدني أو القدرة على التعامل مع الضغوط البدنية.
5. اختبارات الكفاءة التقنية: لتقييم معرفة المتقدمين بالأدوات التقنية والبرمجيات التي قد تكون ضرورية لأداء وظائفهم.
من المهم أن تكون هذه الاختبارات مصممة بطريقة تضمن العدالة والموضوعية وأن تكون متوافقة مع القوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما يجب أن تكون النتائج متاحة للمراجعة والتدقيق لضمان الشفافية والمساءلة.
في الختام، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حيويًا في تعزيز الحكم الرشيد وتحسين الإدارة العامة. من خلال تطبيق معايير موضوعية وعلمية، نفتح الباب أمام عهد جديد من الحكم يقوم على الكفاءة والمساواة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی تقییم ا
إقرأ أيضاً:
هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟
منذ آلاف السنين، لم يكن النمو الاقتصادي العالمي سوى زحف بطيء يُلاحظ بالكاد. فحتى عام 1700، لم يتجاوز متوسط نمو الناتج العالمي نسبة 0.1% سنويًا، أي ما يعني أن الاقتصاد كان يحتاج نحو ألف عام ليتضاعف، لكن الثورة الصناعية غيّرت ذلك المسار، وتوالت القفزات في معدلات النمو حتى بلغ متوسطه 2.8% في القرن العشرين.
واليوم، يقف العالم أمام وعود جديدة -وربما مخيفة- بانفجار اقتصادي يفوق كل ما عرفه التاريخ، مدفوعًا بما يُعرف بالذكاء الاصطناعي العام، وفقًا لتقرير موسّع نشرته مجلة إيكونوميست.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إسبانيا تعلّق شراء صواريخ إسرائيلية بـ327 مليون دولارlist 2 of 2الذكاء الاصطناعي لتحديد قيمة للعقارات في تركياend of list نمو سنوي يصل إلى 30%؟وفقًا لمتفائلين من أمثال سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، فإن الذكاء الاصطناعي قادر في المستقبل القريب على أداء معظم المهام المكتبية بكفاءة أعلى من البشر.
هؤلاء يرون أن النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي العالمي قد يقفز إلى ما بين 20% و30%، وهي نسب غير مسبوقة تاريخيًا، لكنها من وجهة نظرهم ليست أكثر جنونًا من فكرة "النمو الاقتصادي" التي كانت نفسها مرفوضة في معظم تاريخ البشرية.
ومع تسارع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، لم يعد التهديد الأكبر يكمن فقط في إحلالها مكان العاملين، بل في احتمال أن تقود انفجارًا إنتاجيًا شاملًا، يبدّل ليس فقط سوق العمل، بل أسواق السلع والخدمات والأصول المالية أيضًا.
من نمو السكان إلى نمو الأفكار.. والآن نمو الآلاتويعتمد جوهر نظرية النمو الكلاسيكية على زيادة السكان، التي كانت تسمح بإنتاج أكبر، لكن دون تحسن جوهري في مستوى المعيشة. ومع الثورة الصناعية، تغير هذا النمط، حيث أظهرت الأفكار -لا الأجساد- أنها قادرة على توليد الثروة، وفق ما أوضحه الاقتصادي مالتوس ثم دحضه الواقع لاحقًا.
وبحسب ما نقله التقرير عن "أنسون هو" من مركز "إيبوخ إيه آي"، فإن الذكاء الاصطناعي العام قد يحقق قفزة شبيهة، حيث لا تعود الإنتاجية مرتبطة بزيادة السكان، بل بسرعة تحسين التقنية ذاتها. فحين تصبح الآلات قادرة على تطوير نفسها ومضاعفة قدراتها، فإن النمو يصبح نظريًا غير محدود.
لكن بعض الباحثين -مثل فيليب تراميل وأنتون كورينيك -يشيرون إلى أن أتمتة الإنتاج وحدها لا تكفي لإحداث نمو متسارع ما لم تُستخدم لتسريع الابتكار ذاته، وهو ما قد يُحقق عبر مختبرات ذكاء اصطناعي مؤتمتة بالكامل بحلول 2027، وفقًا لتوقعات "إيه آي فيوتشرز بروجكت".
إعلان الانفجار الاستثماري ومفارقة الفائدة المرتفعةوإذا صدقت هذه النماذج، فإن العالم سيشهد طلبًا هائلًا على رأس المال للاستثمار في الطاقة، ومراكز البيانات، والبنية التحتية. فمشروع "ستارغيت" من أوبن إيه آي الذي يُقدّر بـ500 مليار دولار، قد يُعتبر مجرد بداية.
ووفقًا لنموذج "إيبوك إيه آي"، فإن الاستثمار الأمثل في الذكاء الاصطناعي لعام 2025 وحده يجب أن يبلغ 25 تريليون دولار.
لكن هذه الوتيرة ستؤدي أيضًا إلى ارتفاع كبير في أسعار الفائدة الحقيقية. فمع توقع ارتفاع الدخول المستقبلية، قد يفضّل الأفراد الإنفاق بدل الادخار، مما يتطلب رفع العوائد على الادخار لجذب الأموال مجددًا. وهذا ما أشار إليه الاقتصادي فرانك رامزي منذ أوائل القرن العشرين، وأكدته النماذج الحديثة التي حللها التقرير.
وفي ظل هذه الديناميكيات، تبقى الآثار على أسعار الأصول غير محسومة. فرغم النمو السريع في أرباح الشركات، فإن ارتفاع أسعار الفائدة قد يقلل من القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية، مما يخلق صراعًا بين عاملَي النمو والعائد.
أين يقف العامل البشري في كل ذلك؟لكن ماذا عن العمال؟ وهنا، يبرز التحدي الحقيقي، فالذكاء الاصطناعي قد يجعل من التوظيف البشري خيارًا ثانويًا، إذ تضعف الحاجة للعمالة إذا باتت الآلة أرخص وأكثر كفاءة. ومع تقدم التقنية، تنخفض كلفة تشغيل الذكاء الاصطناعي، مما يُضعف الحد الأعلى للأجور التي يمكن دفعها للبشر.
وبحسب دراسة ويليام نوردهاوس الحائز جائزة نوبل، فإن جميع العوائد ستتجه في النهاية إلى مالكي رأس المال، وليس إلى العمال. لذا، فإن من لا يمتلك أصولًا رأسمالية -شركات، أرضا، بيانات، بنية تحتية- سيكون في وضع هش، اقتصاديًا.
رغم ذلك، لا يعني هذا أن الجميع سيخسر. إذ من الممكن أن تنشأ "أمراض باومول المعكوسة" -وهي ظاهرة اقتصادية تشير إلى ارتفاع أجور الأعمال التي يصعب أتمتتها، رغم بطء نمو إنتاجيتها-، حيث ترتفع أجور الأعمال التي يصعب أتمتتها، مثل التعليم، الطهي، ورعاية الأطفال، فقط لأنها تتطلب تفاعلًا بشريًا لا يمكن تعويضه بالكامل.
لكن بالمقابل، فإن أي شخص ينتقل من وظيفة مكتبية تقليدية إلى قطاع يدوي مكثف بالعمل قد يجد أن قوته الشرائية تنخفض، رغم ارتفاع أجره، لأن كلفة هذه الخدمات سترتفع أكثر من أسعار السلع المؤتمتة بالكامل.
هل يتحرك العالم فعلًا نحو "التفرّد الاقتصادي"؟"التفرّد" -أو لحظة التحول حين تصبح المعلومات تُنتج المعلومات بلا قيود مادية- يبقى مفهومًا جدليًا، لكنه، بحسب نوردهاوس، يمثل الحد النظري النهائي لمسار الذكاء الاصطناعي.
وبعض الاقتصاديين يرون هذا المفهوم دليلا على أن النماذج نفسها ستثبت خطأها، لأن اللانهاية في النمو مستحيلة نظريًا. لكن الوصول إلى مجرد نمو بنسبة 20% سنويًا، وفقًا لإيبوك إيه آي، سيكون حدثًا مفصليًا غير مسبوق في تاريخ البشرية.
مع ذلك، تشير المجلة إلى أن الأسواق لم تُسعّر بعد هذا السيناريو بالكامل. فعلى الرغم من تقييمات التكنولوجيا المرتفعة، فإن عوائد السندات تنخفض غالبًا عقب الإعلان عن نماذج ذكاء اصطناعي جديدة، كما وجدت دراسة لباحثين من معهد ماساتشوستس. بكلمات أوضح: وادي السيليكون لم يُقنع العالم بعد.
إعلان ماذا على الأفراد فعله إذا وقع الانفجار؟التوصية التي تتكرر في جميع النماذج بسيطة، امتلك رأس المال. ومع ذلك، يبقى من الصعب تحديد أي نوع من الأصول هو الأفضل. الأسهم؟ الأراضي؟ النقد؟ كلها تواجه مفارقات في ظل مزيج من الفائدة المرتفعة، والتضخم المحتمل، والانفجار الاستثماري.
وفي ختام التقرير، تستحضر إيكونوميست قول روبرت لوكاس، أحد أبرز منظّري النمو: "بمجرد أن تبدأ في التفكير في آثار النمو على الرفاه البشري، يصعب التفكير في أي شيء آخر". ومع الذكاء الاصطناعي العام، تضاعف هذا الشعور، وازداد إلحاحه.