زياد .. عبقرية «السهل الممتنع»
تاريخ النشر: 30th, July 2025 GMT
كان القاص الراحل عبد الستار ناصر يردّد كثيرًا أغنية فيروز (كيفك أنت؟)، وحين قرأ قصيدتي (زعل) ورأى فيها تناصًا مع أغنية فيروز (زعلي طول)، قال لي: لو أصغيت جيدًا إلى أغنية (كيفك أنت؟)، ستخرج بنصّ تمتزج فيه الأسئلة مع حرارة العاطفة، وراح يروي حكاية الأغنية التي وُلدت من سؤال عابر من فيروز لولدها زياد، حين تفاجأت بوجوده في بيروت وكان يومها مقيمًا في لندن.
«كلّ الأغاني انتهت
إلّا أغاني الناس»
في إشارة إلى أن الأغاني كلّما نبعت من حياة الناس، ومعاناتهم، ضمنت بقاءها وخلودها في قلوبهم.
ولو دقّقنا في الأغاني التي كتبها ولحّنها زياد الرحباني، للاحظنا أنّ القاسم المشترك فيها بساطة التعبير، فهو مبدع أغاني (السهل الممتنع). فلو أصغينا إلى أغنية (عَ هدير البوسطة) التي غُنّيت للمرّة الأولى في مسرحيّة زياد الرحباني (بالنسبة لبكرا.. شو؟) المعروضة عام 1979م، فمن يعرف موضوعها ويقرأ كلماتها لا يمكن أن يتخيّل أنّها يمكن أن تُغنّى، بل وتنال شهرة كبيرة حتى عُدّت من أشهر أغاني فيروز! فكلماتها تتحدّث عن مجموعة شباب ركبوا حافلة النقل (البوسطة) التي تسير على الطريق الواصل من (حملايا) إلى (تنّورين) القريتين اللبنانيتين، وخلال الرحلة تحضر عينا (عليا) الجميلتان، ثم تتداعى تفاصيل الرحلة عبر رسم صور كاريكاتيرية، فقد كانوا:
«طالعين بهالشَّوب وفطسانين
واحد عم ياكل خسّ وواحد عم ياكل تين
وفي واحد هوّي ومرتو
وْلُو شو بشعة مرتو
نيّالُن ما أفضى بالُن
ركّاب تنّورين
مش عارفين عيونِك يا عليا شو حلوين»
والكلام نفسه ينطبق على كلمات أغنية (عودك رنّان) البسيطة، الخالية من البلاغة التقليدية، والتكلّف، والكلمات التي تنبع من القلب تدخل القلب بلا استئذان:
«عودك رنّان.. رنّة عودك إلي
عِيدا كمان.. ضلّك عيد يا علي
سمّعني العود عَ العالي، عيدا كمان»
ومن الخفّة في أداء الجمل القصيرة التي ترتكز عليها كلمات الأغنية، إلى الأداء الساخر في أغنية (تلفن عيّاش) الساخرة، التي تتحدّث عن عيّاش الذي اعتاد على الكذب عليهم حتى صار أصحابه يتقبّلونه منه برحابة صدر، لتتحوّل أكاذيبه إلى موضوع للتندّر:
«تلفن عيّاش لمّا توقّعنا وناطرينه
تلفن عيّاش تلفن يعني الله يعينه
تلفن عيّاش ما بيحلف إلّا بدينه»
وجاء اللحن منسجمًا مع الكلمات، فهو سريع، وخفيف، وفيه من روح السخرية الكثير، فقد استمدّ مادّته وإيقاعاته من بساطة المفردات، كما هو الحال مع أغنية «الحالة تعبانة يا ليلى» لجوزيف صقر، الذي غنّى «عَ هدير البسطة» قبل فيروز، وقد غنّتها تحيّة لروحه:
«الحالة تعبانة يا ليلى خطبة ما فيش
إنتِ غنيِّة يا ليلى .. ونحنا دَرَاويش
إنتِ بِوادي ونحنا بِوادي
وكل لحظة تبعّدنا زيادة
أرض الْـ عنّا بلا سجادة
وإنت معوّدة تمشي عالريش»
وتحت هذه البساطة والسخرية يقبع فكر عميق، ومواقف وطنية وإنسانية معروفة عن زياد الرحباني، الذي ذكر في لقاء له أنّ والده عاصي كان معجبًا ببساطة أغاني سيّد درويش، لكنّ مرضه حال دون إظهار تلك البساطة في فنّه بشكل أوضح، ويبدو أنّ الابن حمل على عاتقه ذلك الهدف، فأكمل ما كان يخطّط له والده، حبًا به وبفن سيّد درويش، الذي وُلدت أغانيه من رحم الواقع، والثقافة الشعبية، والموروثات. والمعروف أن الأغاني التي تنتمي للواقع، وتنبع منه، تحظى بنجاح، وأغاني زياد الرحباني من النوع المعجون بطين الواقع، فجاءت قريبة من تطلّعات وأحاسيس الناس، لذا ستبقى أغانيه خالدة، فقد نالت فرادتها كونها من أغاني (السهل الممتنع).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: زیاد الرحبانی زیاد ا
إقرأ أيضاً:
ماجدة الرومي تجثو أمام فيروز في وداع زياد الرحباني: لحظة وفاء وصدق إنساني
في مشهد مؤثر اختلطت فيه مشاعر الحزن بالوفاء، خيّم الصمت واحتشدت القلوب في وداع الموسيقار الراحل زياد الرحباني، حيث احتضنت كنيسة "رقاد السيدة" في بلدة المحيدثة بكفيا، صباح الإثنين 28 يوليو 2025، مراسم الجنازة، وسط حضور واسع من الفنانين ومحبي الراحل.
اقرأ ايضاًلكن من بين كل الصور والمشاهد التي نقلتها العدسات، كان لموقف الفنانة ماجدة الرومي صدى خاص. إذ ظهرت في لحظة إنسانية نادرة، تجثو على ركبتيها أمام السيدة فيروز، والدة الراحل، وتُقبل يديها، في تعبير صامت عن التعزية، واحتضان وجداني لوجعٍ يصعب وصفه بالكلمات. هذه اللفتة المفعمة بالاحترام والحب عبّرت عن عمق العلاقة التي تربط ماجدة بالسيدة فيروز وعائلتها، وحرّكت مشاعر الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي.
وكانت السيدة فيروز قد وصلت إلى الكنيسة برفقة ابنتها ريما، لتودّع نجلها زياد الرحباني في لحظة صامتة لكنها تفيض بالدلالات. ظهرت بملامح حزينة خلف نظاراتها السوداء، في ظهور علني نادر بعد سنوات من الغياب عن الأضواء. لحظة وصولها إلى الكنيسة قوبلت بتصفيق طويل من الحضور الذين ارتصّوا احترامًا ومحبةً، في مشهد جسّد مدى تقدير اللبنانيين والعالم العربي لهذه القامة الفنية.
قامة فنية مثل ماجدة الرومي نزلت وباست يدين الإرث التاريخي للفن فيروز تقديرًا لوجعها
وفنانين الجيل الحالي إذا كملوا سنتين بالفن شافوا نفسهم على بعض
pic.twitter.com/3uBvt2cGjv
منذ ساعات الصباح الأولى، توافد محبو زياد إلى محيط مستشفى بخعازي خوري في بيروت، حيث كان الجثمان قبل نقله إلى الكنيسة، حاملين صوره ولافتات كتبوا عليها مقاطع من أشعاره، مرددين أغنيات والدته التي شكّلت مع زياد ثنائية خالدة في تاريخ الموسيقى العربية.
كما شارك في وداع الراحل عدد من النجوم اللبنانيين من مختلف الأجيال، من بينهم كارمن لبس وجوليا بطرس، والذين عبّروا جميعهم عن تقديرهم العميق لتجربة زياد الرحباني الفنية والفكرية.
كلمات دالة:فيروزماجدة الروميأخبار المشاهيروفاة المشاهيرزياد الرحباني تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
محررة في قسم باز بالعربي
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن