لجريدة عمان:
2025-05-20@02:46:16 GMT

فكر السلطة .. «مثل ما أوتي قارون»

تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT

تمثل السلطة حالة وجودية لا غنى عنها لأي تجمع بشري، فالسلطة هي القيادة، والقيادة لا بد لها أن تكون لها قوة ونفوذ -ليس من قبيل التسلط- وإنما لتنفيذ الأوامر والنواهي حتى تسير الأمور سيرًا طبيعيًا في هذا التجمع البشري، أو ذاك، ولذلك فهي تأخذ منحى الاستحواذ وهو منحى بقدر أنه لا بد منه لمتطلبات السلطة، إلا أنه في الوقت نفسه لا يخرج عن كونه جزءًا من السلطة، وليس السلطة مطلقة به، ولذلك تظل في كثير من التجارب البشرية إشكالية فهم وتنفيذ هذا المفهوم «الاستحواذ» وهذا يقاس على كل مستويات السلطة، وليس فقط في مفهوم السلطة السياسية في أي نظام سياسي قائم، ولا نختزل المفهوم عندما نسقطه على مستوى الأسرة الصغيرة المكونة من زوج وزوجته وأولادهما فقط، حيث تتحقق السلطة، ويتحقق النفوذ، ويتحقق الاستحواذ، وتتحقق القوة، وقد يفضي كل ذلك في حالة عدم الفهم للأدوار إلى مشاكل من شأنها أن تقوض عمل السلطة، وهذا مأزق الكثير من تجارب السلطة، والقليل مما هو ناجح في هذه التجارب سواء السابقة، أو اللاحقة، وإن استطاع الإنسان اليوم بحكم التجربة والمعرفة والمحاكاة إلى تنظيم أمر السلطة من خلال استحداث سلطات معززة لدور السلطة الأم «السياسية» وهي ما يعرف بالسلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية، والقضائية، ومع ذلك فلا تزال الخروقات والتجاوزات قائمة في مستويات هذه السلطات الثلاث، ولو بنسب متفاوتة، وتتعمق الصورة أكثر في تجاوز السلطات عندما يُغَيِّب القانون المنظم في كل سلطة، أو عندما تتقارب المصالح وتتداخل فيما يعرف بـ«تضارب المصالح» ولا ينقذ ذلك إلا مستويات الذكاء والفطنة والدهاء والتيقظ عند رأس هرم السلطة، حيث تؤول إليه الأمور كلها والعبرة بـ«الخواتيم».

ينظر إلى القيادة في مفهوم السلطة على أنها ليست استحقاقا في ذاتها، وإنما لا بد أن تعززها مجموعة من العوامل الداعمة لفاعليتها، وفي مقدمة هذه العوامل عامل المعرفة، وتزداد أهمية هذه المعرفة مع تقدم عمر السلطة، فالخبرة العملية ليست كافية لتعزيز دورها، وفاعليته على الواقع؛ لأن هذا الأمر مرتبط بالأجيال المتلاحقة من المجموعات البشرية والذين هم من يكونون تحت قيادة السلطة، وبالتالي فإن لم يتواكب المستوى المعرفي الذي تقود به السلطة أجيالها، فإن العلاقة بين الطرفين معرضة لشيء من الصدام، أو على الأقل تباينات كثيرة في المواقف، وفي تطبيق ما تسعى السلطة إلى تنفيذه، من برامج وخطط إنمائية ، فلم يعد «فرض الأمر الواقع» مقبولا بصورة مطلقة في تجربة السلطة الحديثة، ومع التسليم لمنطق المعرفة فإنه لن يكون هناك فرض أمر واقع إطلاقا؛ لأن الأمر قبل فرضه على الواقع، فقد دخل في مناقشات، وتحليلات واستنتاجات، واستخلاص نتائج، وهذه الخطوات تتم كلها بالتوافق بين الطرفين، ومن هنا تأتي أهمية السلطة التشريعية لـ«المجلس المنتخب» لأنه المجسر للمسافة الفاصلة بين السلطة السياسية الكبرى «قمة الهرم» وبين المجموعات البشرية التي تديرها هذه السلطة، ولذلك يذهب البعض في تقييم أخطاء السلطة التنفيذية إلى المنحى المعرفي بالدرجة الأساس، ومن ثم ينظر إلى السلطة القضائية وقوة الدور الذي تلعبه لتحييد أخطاء السلطة التنفيذية وتقويمها بما تسعى إلى تحقيقه السلطة السياسية بما يخدم المصلحة العامة، ومن هنا يأتي الحرص والمسعى إلى ضرورة بل حتمية أن تعمل هذه السلطات الثلاث وفق رؤية واضحة ومتكاملة، وبمسؤولية وطنية كبرى تتجاوز كل المظان الخاصة التي تؤثر على سير عملها، والـ«ضرب بيد من حديد» على كل من تسول نفسه اللعب بالخطط والبرامج التي تضعها السلطة السياسية لرفعة شأن الوطن، وخدمة مواطنيه.

يشكل المال أحد أهم الوسائل المهمة في فكر السلطة وقوتها ليس فقط لأنه يعزز القدرة على التملك - بكل ما تعنيه كلمة تملك - ولكنه يعزز الجانب الوجداني للنفس البشرية، وينقلها من حالتها العادية «الفطرة» إلى حالتها الشعورية القادرة على الحصول على ما لا يمكن للآخرين تملكه، وهذا الشعور هو الذي يرسخ الانطباعات لدى الآخرين بضرورة السعي لجلب أكثر للمال، وعند البعض بأي طريقة كانت (حلالًا أم حرامًا) يضر بمصالح الآخرين أو غير ذلك، وهذه من الإشكاليات التي تواجهها السلطة، في كل مراحلها المستمرة، فالأمر ليس موقوتا بزمن معين من زمن السلطة، وعبء هذا الأمر أنه لا يتحمل وطأته في حالة الإخفاق الفرد نفسه، وإنما ترتفع أهميته على مستويات السلطة الكبرى، ذلك أن أي إخفاق يقع فيه فرد ما من أفراد المجتمع في شأن الحصول على المال بطريقة غير قانونية، فإن مرد ذلك إلى إخفاقات في القوانين التي تضعها السلطة لتنظيم المسألة المالية، وفيه نعود من جديد إلى القوة الرادعة التي تحمي المال العام، من ناحية، وإلى كف التطاول عليه من ناحية ثانية، وهذا الأمر يوجد تحديات مستمرة، ولن تتوقف عند مرحلة معينة من مراحل السلطة، وذلك لسبب مهم، وهو وجود الإنسان الفرد، المحكوم بتجاذبات نفسية كثيرة منها: الضعف، الطمع، المصلحة، القدرة على اختراق نقاط الضعف في القوانين، وبالتالي يظل القانون الناجز هو الكفيل لإيقاف من تسول له نفسه بأخذ ما لا يستحق.

تحل قصة قارون كأحد أهم الأمثلة المغرية لسلطة المال، وسلطة الحكم، والسلطة الشعورية للصورة الاحتفالية الزاهية البراقة التي تجذب الآخرين إليها، فهذه كلها تسيل لعاب ضعاف النفوس، وتحفز عندهم ضرورة الاستحواذ على المال والسلطة، فالمال وفق هذه الصورة أكبر ممول للسلطة، والسلطة بدون مال، تبقى كمن يمشي على عكاز، ولذلك جاءت ردة الفعل (... يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون) والمسألة أكثر كما جاء في النص القرآني أنها مرتبطة بالحياة الدنيا، والحياة الدنيا كما هو معروف مغرية إلى حد الاستسلام، والإنسان في تكوينه البيولوجي ضعيف، ولا يمكن أن يمسك نفسه أمام إغراءات المال والسلطة، وهذا من الفطرة، ولذلك فالذين يتحاشون السلطة، ويدفعون بأنفسهم دفعا أمام إغراءات المال، يبدو أنهم على قدر كبير من التحمل، وعلى قدر كبير من التوازن بين متطلبات الروح، ومتطلبات الجسد، وهذا التوازن إن حصل لا بد أن يكون له استحقاق موضوعي وهو خبرة تراكمية في الحياة، معززة بعمر ممتد وصل إلى قناعة، مفادها أن كل الصور الاحتفالية المغرية التي تتراقص أمام عينيه، إنما هي صورة مؤقتة زائلة، لا تستحق أن يهدر فيها الإنسان تجربة حياته كلها، وهذه – إن حصلت – قمة العقلانية (فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) – الآية (79) من سورة القصص -.

هنا أيضا أمر لا ينكره عاقل أن السلطة ومن خلال رمزيتها المعنوية قبل معرفة استحقاقاتها المادية المرهقة، تظل مغرية وربما إغراؤها يتجاوز إغراء المال، فعدد غير قليل من أصحاب الأموال لا ينظرون إلى ما يملكونه من أموال على أنه ذات أهمية بدون أن لا يعضد هذا التملك بسلطة ما، وهناك من يسعون إلى شيء اسمه «سلطة» حتى ولو كلفهم ذلك الكثير مما يملكونه مقابل سلطة ما، وهذا أمر واقع ويدركه الجميع، ولذلك فهناك من يعمرون في سلطة ما، ويحرصون كل الحرص على استمرارهم وبقائهم مع أن العمر البيولوجي لا يسعفهم على الاستمرار، ومع ذلك فلا يعيرون هذا الأمر أهمية ما، ولو تكالبت عليهم الأمراض، والعجز، وأصبحوا خارج دائرة استحقاقات السلطة الحديثة، وذلك ليقينهم المتواضع أنه ليس يسيرًا أن يحصل الواحد منهم على علاقة رابحة من الود مع الآخر، دون أن يكون متحققا أحد طرفي المعادلة (السلطة/ المال) حيث يمثل ذلك لديه فائدة كبرى (مادية/ معنوية) يسعى إلى تعظيم فوائدها .

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السلطة السیاسیة هذا الأمر

إقرأ أيضاً:

انخفاض أسعار الدواجن خلال أيام .. وهذا سعر الكيلو

أكد حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، أنه ارتفعت أسعار الدواجن مؤخرا حيث سجلت سعر الكيلو حوالى 93 جنيهًا بالمزرعة بعد أن سجلت 76 جنيهًا منذ أيام قليلة.

لزيادة إنتاجية الدواجن.. الصحة الحيوانية ينظم دورة تدريبية لصغار المربيينالزراعة تنفى نقوق 30% من الدواجن.. وتؤكد: الاستثمارات تخطت 100 مليار جنيه

وقال حسين عبد الرحمن ابوصدام أن أسعار الدواجن تتجه الي الانخفاض الأيام القليلة القادمه لزيادة الإنتاج وقدوم موسم عيد الاضحى المبارك والذي يتميز بالاقبال علي اللحوم الحمراء وقلة الطلب علي اللحوم البيضاء بالاضافة الي الجهود الحكومية الكبيرة والمتزايده للوصول للاكتفاء الذاتي من الدواجن.

ولفت إلي أن بعض المنشورات عن نفوق قطعان كبيرة من الدواجن غير دقيقه وان نسب نفوق الدواجن طبيعيه ومعروفة لدي كل اصحاب المزارع.

واضاف ابوصدام أن مصر وصلت للاكتفاء الذاتي من الدواجن بنسبة تصل ل 98% وان أسعار الدواجن  البيضاء في المزرعه تتراوح بين 90 و 95 جنيه للكيلو ويباع الكيلو من الدواجن البيضاء الاكثر انتشارا للمستهلك بأسعار تتراوح ما بين 110  و120 جنيه ويستهلك المصريين كل شهر نحو 150 الف طن شهريا في الايام العاديه تنخفض عن ذلك في موسم عيد الأضحى المبارك وترتفع في موسم شهر رمضان المبارك، ونسعي بجديه للوصول للاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض خلال عام علي الاكثر.

وأشار ابوصدام أن مصر اعتمدت رسميا لدي متظمة صحه الحيوان العالميه ضمن الدول التي تطبق نظام المنشآت الخاليه من انفلونزا الطيور مما يزيد غيظ وحفيظة أعداء الوطن ويتصيدوا الكلمات للإساءة الي المنتجات المصرية ويسعون بكل ما يملكون لاخفاء جهود الحكومة المصرية سعيا لاثارة حالة من عدم الرضا وتعكير الصفو بين صفوف الشعب والمسؤولين ولذا نامل من كافة الشرفاء في كل المجالات توخي الحذر والدقه في نشر المعلومات وان تكون الأولوية توصيل المعلومات للجهات الرقابيه للتاكد من صحتها والوصول الي الحلول المناسبة في حالة صحة المعلومات بما ينهض بمصر بكل القطاعات كهدف رئيس لكل المصريين الشرفاء.

دعم القطاع الداجني 

وأكد ابوصدام أن مزارع الدواجن العامله في مصر نحو 27 الف مزرعه تقريبا وفي الاتجاه للزياده وان سعر الكتكوت الابيض حاليا لا يزيد عن 28 جنيه وكتكتوت الساسو من 16 الي 17 جنيه وان تطوير انظمة زراعة ودعم القطاع الداجني من قبل الحكومه مستمره بكل الطرق سواء بالدعم الارشادي أو الدعم المادي في صورة قروض ميسره بفوائد بسيطه وتوفير التطعيمات والتحصينات والادويه والاعلاف باسعار مقبوله بما زاد الإنتاج وقلل نسب النفوق المعروفه الي اقل من 3% في المزارع المفتوحه وان اشاعه انتشار وباء وزيادة نسب النفوق غير صحيحة ونشر فيديوهات تظهر نفوق اعداد من الدواجن هي محاولات فاشله لطمس جهود الحكومة واثارة الراي العام بغرض التأثير علي الاسعار وهو ما عرفه المصريين طوال سنوات من حروب المغرضين و المتربصين والذين يضخمون تصريحات بعض المسؤولين ويحرفونها لتجاري توجيهاتهم المشبوهة

طباعة شارك حسين عبد الرحمن أبو صدام نقيب عام الفلاحين الدواجن أسعار الدواجن المزرعة

مقالات مشابهة

  • لأول مرة.. الكرة الذهبية تشهد جوائز جديدة وهذا موعد الحفل
  • هل توجد زكاة على المال المدخر للحج؟.. الأزهر يجيب
  • رانكوفيتش: الهزيمة من الشارقة لن توقف «أحلام ليون»
  • المبشر: ليس من دور الأعيان والوجهاء البحث عن المال والسلطة
  • ويتكوف: لن نسمح بأي مستوى من تخصيب اليورانيوم الإيراني.. وهذا خط أحمر
  • انخفاض أسعار الدواجن خلال أيام .. وهذا سعر الكيلو
  • هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم
  • متخصص: يجب فهم الكتالوج الخاص بك لمعرفة الأشياء التي يمكن التحدث عنها ..فيديو
  • هل انتهى عهد الحماية مقابل المال؟
  • الشرع وترامب وإيران: ثلاثية الغياب الحاضر في بغداد