هل يغير الفيديو التوليدي باستخدام الذكاء الاصطناعي صناعة الأفلام؟
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
بدأ إدخال تقنيات المعالجة الرقمية ضمن الأفلام الروائية الطويلة، عام 1973 مع فيلم وست وورلد (Westworld)، الذي يعتبر أول فيلم روائي طويل استخدم الصور المولدة بالحاسوب (Computer-generated imagery) واختصارا "سي جي آي" (CGI). عالج الفيلم بعض الصور الفوتوغرافية المتحركة رقميا بحيث تظهر منقطة، من أجل محاكاة ما تراه الروبوتات التي تظهر في الفيلم.
تمثل ثلاثية سيد الخواتم (The Lord of the Rings) التي بدأ عرضها عام 2001، نقطة انعطاف في تاريخ السينما من حيث استخدام تقنيات حاسوبية متقدمة، أبرزها إصدارة متطورة من تقنية الصور المولدة بالحاسوب "سي جي آي" (CGI) لإنشاء العديد من المشاهد والشخصيات التي لا تنسى في هذه الثلاثية.
واستخدمت الثلاثية أيضا برنامج ماسيف (MASSIVE) الذي تم تطويره خصيصا لها، لتوليد مشاهد المعارك الضخمة التي تضم آلاف الشخصيات الفردية، والتي تسمح لكل شخصية رقمية في هذه الجيوش بأن تفكر وتتفاعل وتقاتل بشكل مستقل.
وكان تطوير شخصية غولوم (Gollum) في الفيلم نقطة بارزة في تاريخ المؤثرات البصرية واستخدام تقنية التقاط الحركة (Motion Capture) في الأفلام. شملت العملية مزيجا من التمثيل الحي، وتقنيات متقدمة في التقاط الحركة، ومهارات عالية في الرسوميات الحاسوبية، حيث ارتدى الممثل العراقي الأصل آندي سركيس بزة مجهزة بمجسات استشعار تسجل حركات جسمه وتعابير وجهه وتنقلها إلى الشخصية الرقمية غولوم.
تحويل النصوص إلى صور (Text to Image)جاءت القفزة الحقيقية نحو "تحويل النص إلى صورة" باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي عام 2016، حينما قام سكوت ريد وفريقه بتطوير نموذج يمكنه توليد صور معقولة من أوصاف نصية مفصلة.
استخدم هذا النموذج مزيجا من الشبكات العصبية الالتفافية (CNNs) التي تحلل الصور إلى بكسلات تعطى كل منها قيمة تصنيفية، والشبكات العصبية المتكررة (RNNs)، جنبا إلى جنب مع تقنية التعزيز المشروط (Conditioning Augmentation) لتحسين جودة وتنوع الصور التي تم إنشاؤها.
أظهر عمل هذا الفريق إمكانية توليد صور متماسكة ومتنوعة للطيور والزهور من الأوصاف النصية، وهو ما كان جهدا رائدا في تحويل النص إلى الصورة.
مهدت أعمال هذه الفريق الطريق أمام تطوير أنظمة أكثر تقدماً مثل "دال إي" (DALL-E) من "أوبن إيه آي" (OpenAI) في عام 2021، من خلال إنشاء صور إبداعية ودقيقة للغاية من أوصاف نصية معقدة.
الفيديو التوليدي نقطة انعطاف جديدة في تاريخ السينمافي منتصف فبراير/شباط 2024، دعت شركة أوبن إيه آي مجموعة من صانعي الأفلام وخبراء التكنولوجيا لتجربة نموذج الفيديو التوليدي الجديد الذي طورته عبر تقنية تحويل النص إلى فيديو (Text-to-Video)، وأطلقت عليه اسم "سورا" (Sora)، وذلك بهدف تجربته والتعرف على إمكانياته ومزاياه وعيوبه.
أدهش سورا الحاضرين ووصفه المدير التنفيذي للتكنولوجيا في مايكروسوفت، مارك روسينوفيتش، بأنه "مذهل ومخيف في الوقت نفسه"، وأضاف "أعتقد أنه يمثل نهاية الواقع كما نعرفه".
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم" أتاحت الشركة للجمهور مشاهدة العديد من مقاطع الفيديو التي أنشأها سورا، منها مقطع دعائي لفيلم يعرض مغامرات رجل فضاء بالغ من العمر (30 عاما)، وموقع بناء مملوء بالعمال والمعدات والآلات الثقيلة، وكنغر يرقص الديسكو، ومدينة طوكيو وهي مكسوة بالثلج وتعج بالحركة، وجراء تلعب في الثلج، وغيرها.
يمكنكم الاطلاع عليها عبر حساب سام ألتمان على موقع إكس (تويتر سابقا)، أو على موقع يوتيوب.
ظهرت الدفعة الأولى من النماذج التي يمكنها تحويل النص إلى فيديو في أواخر عام 2022، من شركات ميتا وغوغل ورنواي (Runway) وغيرها، لكن نتائجها كانت مشوشة، ومشوهة، ولم يستغرق الفيديو الواحد منها سوى بضع ثوان.
توليد الفيديو من النص أو تحويل النص إلى فيديو عملية معقدة تتطلب دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتعلم الآلي، ومعالجة الوسائط المتعددة. ويعتقد الخبراء أن سورا هو الأفضل حتى الآن، نظرا لوضوحه العالي وواقعيته المذهلة لدرجة توقع معها بعض المراقبين المتحمسين وفاة هوليود كما نعرفها.
يمكن أن تصل مدة مقاطع الفيديو التي يولدها سورا حاليا إلى دقيقة واحدة، وتتكون من مشاهد معقدة وشخصيات متعددة وأنواع مختلفة من الحركة مع تفاصيل دقيقة.
أزمات قانونية وأخلاقية حالية ومستقبليةتواجه كل من أوبن إيه آي وغوغل والشركات الأخرى التي تطور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مشكلات قانونية تتعلق باستخدام بيانات المواقع الإخبارية، ومواقع الفيديو، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنتديات، وقواعد بيانات الكتب، لتدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي على إنتاج النصوص والصور والفيديوهات، دون الحصول على إذن مسبق، مما يمثل انتهاكا للخصوصية وحقوق النشر.
وكان رد هذه الشركات على هذه الاتهامات بأن البيانات التي تستخدمها للتدريب متاحة للجمهور، لكن هذا لم يقنع صحيفة نيويورك تايمز التي رفعت دعوى قضائية ضد شركة أوبن إيه آي، زاعمة أنها استخدمت أعمالها لتدريب برمجياتها، وانتهكت بذلك حقوقها في النشر والطباعة.
وتوجد مشكلة أخرى تواجه هذه الشركات هي التزييف العميق الذي نما بسرعة مع تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ تزداد المخاوف من احتمال إضافة مقاطع فيديو مزيفة في مجالات عديدة تؤثر على الانتخابات والأسواق المالية، بل الحياة الشخصية.
مستقبل صناعة الترفيهعقد سام ألتمان في شهر مارس/آذار الماضي سلسلة من الاجتماعات مع المدراء التنفيذيين في هوليود حاول إقناعهم فيها بأن سورا لن يدمر صناعة السينما، خاصة مع تزايد المخاوف بشأن فقدان الوظائف لصالح الذكاء الاصطناعي، والذي كان أحد أسباب إضرابات الممثلين والكتاب العام الماضي، وأدى حينها إلى تعطل الإنتاج التلفزيوني لبعض الوقت.
ويبدو أن بعض الأستوديوهات تقبلت فكرة أن استخدام هذه الأداة بعناية في الإنتاج، يمكنها أن توفر الوقت.
لكن الممثل والمخرج الأميركي تايلر بيري قال إنه يخشى تأثير الذكاء الاصطناعي على الصناعات الإبداعية، وإنه أوقف التوسع الذي سبق وخطط له في أحد أستوديوهات الإنتاج الخاصة به بسبب سورا.
تتفوق سورا حاليا على البرامج المنافسة في مجال إنشاء الفيديو عبر النص. لكن العديد من الشركات الأخرى تعمل حاليا على تحسين تقنياتها المشابهة، حيث يتوقع أن تطرح برامج منافسة لسورا خلال الأشهر المقبلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الذکاء الاصطناعی التولیدی أوبن إیه آی
إقرأ أيضاً:
صناعة الأفلام.. ترويجٌ ثقافي
تشكل صناعة الأفلام شكلا من إبراز الثقافة في المجتمعات المحلية، فهي بما تحمله من مضامين ثقافية ومجتمعية قابلة للانتشار بشكل كبير تعد من الصناعات المهمة استراتيجيّا؛ حيث إنها تعتمد على المتعة والتشويق البصريين والسمعيين حتى تتكون علاقة عاطفية -وأحيانا عقلية- بين الصانع والمتلقّي، وهي في ذاتها تشكّل قوّة ناعمة تعود على سياسات الدولة بالنفع والقوة في علاقاتها مع الدول الأخرى، فالفن البصري يشكّل الصور الذهنية -بشقيها الإيجابي والسلبي- عن الشعوب والمجتمعات وبالتالي قادر على إحداث التغيير وتكوينه بما يتوافق مع الرؤى والخطط الوطنية.
تمتلك عمان تنوّعا ثقافيا واجتماعيّا وبيئيّا، مما يُمكّن من استغلاله لزيادة صناعة الأفلام وترويجها بطرق كثيرة، ويُمكن أخذ المثال المادي على ذلك وهو التنوع البيئي، فإن عمان تمتلك التضاريس الجغرافية المناسبة لصناعة أفلام مختلفة ومتنوعة من جبال وبحار وصحار وأرياف، وهي بذلك تشكّل مخزونا سينمائيا رائعا يُمكن استغلاله بالطرق المناسبة. كما أن هذا التنوع يُمكن توظيفه في سرد الحكايات المختلفة بما تمتلكه هذه البيئات من ثقافات وأساطير وسلوكيات وأفكار ولغات مختلفة. فكما أن هذا التنوع تم استغلاله في كتابة الأدب العماني، فتجد العديد من الكتّاب العمانيين قد استطاعوا توظيفه في أعمالهم الأدبية، منهم زهران القاسمي الذي وصلت رواياته إلى الخارج الغريب ثقافة عن المجتمع العماني وتُرجمت أعماله للغات عديدة، فإن هذا التنوع أيضا يُمكن استغلاله في صناعة الأفلام القصيرة والطويلة.
يبرز دور الأفلام في إبراز التعددية من خلال تعدد ظهور الهويات الصغرى المختلفة في عمان فيه، فعلى سبيل المثال يُمكن إبراز تعددية اللباس واللهجات واللغات في الأفلام العمانية حتى تبرز التعددية الثقافية.
توظف العديد من الدول الأفلام باعتبارها قوة ناعمة قادرة على الوصول إلى الجمهور العالمي، وتشكّل الصور الذهنية حول مجتمعاتها، فكانت ثورة الأفلام الأمريكية التي استطاعت الوصول إلى العالم أجمع بما لديها من قدرة إنتاجية ضخمة، ولم تكن مساهمة هذه الأفلام في صناعة الصور حول المجتمع الأمريكي فحسب، بل إنها -بشكل ما- استطاعت تشويش الحقيقة في العديد من القضايا التاريخية ومنها الغزو الأميركي للعراق، فتجد أفلاما مثل (American Sniper) تحاول تصوير وجود الجيش الأميركي في العراق على أنه وجود مشروع جاء لخدمة الناس لا للغزو، ولهذا فإن العديد من المتلقين الذين لا يعرفون ما الذي حدث تحديدًا في تلك الحقبة يُمكن أن يأخذوا هذه الفكرة من الأفلام الأمريكية ويسقطونها على الحدث معتقدين أنها الحقيقة. والأمر كذلك ينطبق على دول أخرى مثل كوريا الجنوبية في مسلسلاتها الدرامية، واليابان في الأنمي، وفي العالم العربي، كانت الأفلام المصرية هي الأكثر انتشارا وترويجا للثقافة المصرية، فإن العديد من المشاهدين العرب، عرفوا عن الثقافة المصرية وربما حفظوا الأماكن والعادات، بل وربما تمكنوا من اللهجة، من خلال الأفلام.
وعلى الرغم من أن السينما الثالثة كانت نوعا من رواية مضادة للعديد من الأفلام التي صنعت روايتها الحكومات، إلا أنها لم تستطع الوصول إلى ذات الانتشار الذي حققته الأولى.
ومن هنا تأتي أهمية المهرجانات الدولية والمنصات الرقمية في الترويج للأفلام المحلية، وقد شكّل مهرجان عين للأفلام القصيرة تجربة مثرية في عمان لأهمية هذه المهرجانات؛ لأنها أحدثت اهتماما محليّا وعربيّا بالأفلام المعروضة، كما أنها شجعت صنّاع الأفلام على الإبداع والخروج من القوالب التقليدية، إلى صناعة أكثر احترافية ومهنية قادرة على عكس الواقع الاجتماعي، لكن هذه التجربة بحاجة لتطوير وتكثيف مما يُمكّن من تنظيم مهرجانات أخرى أكثر قدرة على إخراج الإبداع. وكذلك تشكّل المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي قدرة على الترويج للأفلام المحلية بشكل أكبر إذا ما استغلت بشكل صحيح، وفيلم (الأسود لا يليق بك) من إخراج عيسى الصبحي والفائزة بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون فرع الفنون يشكّل أبرز مثال على ذلك، فالمشاهدات على اليوتيوب وصلت إلى مليون ومائتي ألف مشاهد، وكذلك مثلا المسلسل القصير (من حارتنا) من إخراج عبدالعزيز الجميلي وإنتاج مجموعة سيما، وصلت المشاهدات على اليوتيوب في الحلقة الأولى لأربعة وأربعين ألفا، وهذه الأرقام الضخمة تعني أن هذه الأعمال استطاعت الوصول إلى مشاهدين ليس فقط من داخل عمان، وإنما من الخارج أيضا، مما يعني ترويجا وانتشارا ضخما، يُمكن زيادته من خلال الاستراتيجيات والطرق الصحيحة.
تواجه صناعة الأفلام في عمان العديد من التحديات، فعلى الرغم من أن الصنّاع مستمرون في إبداعاتهم، وتكوين الشركات الصغيرة المهتمة بصناعة الأفلام، مثل (مجموعة سيما)، و(غرفة ستة) وغيرها، إلا أنهم يواجهون بعض التحديات فيما يتعلق بالإجراءات لصناعة أفلامهم، ما يؤخر تطور هذه الصناعة، كما أن الأمر ينطبق على صنّاع الأفلام من الخارج الذين يودون تصوير أفلامهم في عمان؛ حيث إن كثيرا من الإجراءات تعيق مثل هذه الشراكات المهمة، ولذا ينبغي أن يتم تكوين بيئة تشريعية مرنة وقادرة على احتواء الصناعة بما يخدم الإبداع المحلي. وبالحديث عن الصنّاع من الخارج، فإن استقطابهم يشكّل أهمية كبيرة؛ حيث إنه يساهم في نقل الخبرة إلى الداخل، فالقادمون من الخارج يأتون بخبراتهم وقدراتهم الإنتاجية، وتوفّر الخلطة للشباب العماني بالخبراء يساهم في تطوير صناعتهم ويجعلهم قادرين على عكسها على الصناعة السينمائية المحلية.
لا تقتصر تطوير الصناعة المحلية على جانب الترويج الثقافي فحسب، بل إنها تساهم في التطور الاقتصادي والسياحي كذلك؛ لأن الترويج للثقافة والتعددية المذكورة سلفا، يكوّن صورة ذهنية إيجابية عن الداخل العماني مما يزيد من الرغبة في السياحة والتعرف أكثر على هذه الثقافات والبيئات وبالتالي زيادة في الترويج الاقتصادي والسياحي لعمان، مما يزيد من الدبلوماسية الثقافية والناعمة قوة وتطوّرًا.
في المحصلة، السينما العمانية يُمكن أن تكون مرآة للذات ورسولا إيجابيّا للعالم، لذا فإن الاهتمام بهذه الصناعة وتطويرها، قادر على الترويج للثقافات المتعددة ومساهم في التطور الاقتصادي والسياحي في الداخل، وتمكين الشباب المهتمين هو الموصل لهذه النتائج جميعا، من خلال تسهيل الإجراءات وترويج الصناعة وتطويرها.
جاسم بني عرابة كاتب عُماني