في ألمانيا، يحيّدون السياسيين غير المرغوب فيهم
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
عشية انتخابات البرلمان الأوروبي، يجري هجوم واسع النطاق على الشعبويين اليمينيين في البلاد. حول ذلك، كتب أوليغ نيكيفوروف، في "نيزافيسيمايا غازيتا":
لم يتبق كثير من الوقت على انتخابات البرلمان الأوروبي. وتحاول القوى السياسية الرئيسية في ألمانيا كسب تأييد الناخبين. وكما أشارت زعيمة حزب "تحالف سارة فاغنكنيشت"، فإن الانتخابات لا تتعلق بأوروبا فقط.
وهذا الظرف يفسر شراسة الصراع الانتخابي الذي انخرطت فيه المحاكم أيضًا. بخلاف ذلك، يصعب تفسير الحكم الذي أصدرته المحكمة الإقليمية في مدينة هاله الألمانية مؤخرا على رئيس فرع تورينغن لحزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي اليميني، بيورن هوكه، لاستخدامه شعارات نازية في خطاباته قبل عامين.
لفهم جوهر القضية، ينبغي القول إن هوكه وحزبه يمكن أن يحصل، في انتخابات الولاية الخريفية في تورينغن، على أغلبية نسبية ويخلق وضعًا يكون فيه تشكيل الحكومة هناك دون مشاركة هذا الحزب أمرًا صعبًا، بل مستحيلا عمليا.
ومما يثير الانزعاج بشكل خاص في برلين حقيقة مفادها أن الشعبويين اليمينيين هم عمليا القوة السياسية الوحيدة (باستثناء تحالف سارة فاغنكنيشت) التي تطالب بإنهاء المساعدات العسكرية والمالية لكييف.
ومن هنا جاء البحث عن خيارات مختلفة لاتهام حزب البديل من أجل ألمانيا بارتكاب كل الخطايا- من الالتزام بالنازية إلى خدمة موسكو وحتى تلقي موارد مالية من الروس وبكين. وسائل الإعلام لا تقدم أي دليل، لكنها تشير إلى اتصالات وثيقة مع موسكو، كافية لاستخلاص استنتاجات. فكما يقولون، لا دخان بلا نار.
وكانت نتيجة الاضطهاد الذي استهدف الشعبويين اليمينيين، كما هو متوقع، انخفاض شعبيتهم.
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
إقرأ أيضاً:
فوضى التعددية هل 500 حزب في انتخابات العراق نعمة أم نقمة؟
بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..
في بلد مثل العراق، حيث الديمقراطية ما زالت في طور التشكل بعد عقود من الدكتاتورية والحروب، يطفو على السطح سؤال محوري هل يعقل أن يشارك أكثر من 500 حزب في العملية الانتخابية؟ سؤال مشروع يعكس حجم التحدي الذي يواجهه العراق في بناء نظام سياسي مستقر ومؤسساتي. هذا الرقم الضخم قد يُقرأ من زاويتين:
الأولى تُبرز تنوع التمثيل السياسي والانفتاح الديمقراطي.
الثانية تفضح حالة التشتت والانقسام وغياب المشاريع الوطنية الجامعة.
من الناحية النظرية، فإن مشاركة هذا العدد الكبير من الأحزاب في الانتخابات تمثل مظهراً من مظاهر التعددية السياسية والانفتاح الديمقراطي. فهي تُعبّر عن حرية التعبير والتنظيم، وتمكّن فئات وشرائح متعددة من الشعب من مختلف الأعراق والطوائف والمناطق من التمثيل السياسي. وهذا قد يعزز الشفافية ويكسر احتكار السلطة من قبل النخب التقليدية، ويعطي فرصة لبروز قيادات جديدة قد تحمل رؤى إصلاحية حقيقية.
كما أن كثرة الأحزاب قد تدفع نحو خلق تحالفات سياسية واسعة، مما يُجبر القوى السياسية على التفاهم والجلوس إلى طاولة الحوار. وهذا بحد ذاته يمكن أن يكون خطوة نحو بناء ثقافة ديمقراطية تقوم على التوافق لا الإقصاء.
لكن الواقع العملي يرسم صورة أكثر تعقيداً. فوجود أكثر من 500 حزب يعني عملياً غياب برامج سياسية واضحة، وتشظي الأصوات، وانعدام الاستقرار السياسي. كثير من هذه الأحزاب عبارة عن كيانات شخصية أو عائلية، أُسست لأهداف انتخابية ضيقة أو لتمثيل مصالح فئوية دون رؤية وطنية جامعة. هذا يُنتج برلماناً مفككاً، يصعب فيه تشكيل حكومات قوية وقادرة على تنفيذ برامج إصلاحية.
كما أن هذا الكم الهائل من الأحزاب يخلق نوعاً من الإرباك لدى الناخب، ويصعّب عليه عملية الاختيار. وغالباً ما تُستغل هذه الفوضى لتزوير الانتخابات أو شراء الأصوات، ما يُفقد العملية الانتخابية مصداقيتها ويُكرّس نفور المواطن من المشاركة.
ليس من المنطقي أن يستمر هذا الكم غير المنظم من الأحزاب بدون ضوابط قانونية وتشريعية واضحة. يجب أن يكون هناك قانون أحزاب صارم يضع معايير حقيقية لتأسيس الأحزاب، تشمل عدد الأعضاء، البرنامج السياسي، التمويل، ومدة النشاط السياسي. هذا لا يعني قمع التعددية، بل تنظيمها بما يخدم المصلحة الوطنية.
ختاماً، فإن الديمقراطية لا تُقاس بعدد الأحزاب، بل بقدرتها على إنتاج نظام عادل، مستقر، وتمثيلي. العراق بحاجة إلى أحزاب فاعلة لا أحزاب متعددة فقط، وإلى مشروع وطني جامع لا أصوات متنافرة. وبين فوضى التعددية وشبح الدكتاتورية، يبقى الأمل معقوداً على وعي الناخب، وإرادة إصلاحية جادة تنقذ البلد من فوضى لا طائل منها.
انوار داود الخفاجي