الوحدة اليمنية.. صمود عابر للعواصف والمحن
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
سر صمود الوحدة اليمنية أنها كانت مطلبا شعبيا ضاغطا من كل فئات المجتمع واطيافه المتنافرة والمتحالفة، وماتزال صامدة الى اللحظة، رغم كل ما تعرضت وماتزال تتعرض له من عواصف عاتية، وستبقى محروسة بعناية رب واحدٍ أحد؛ يدعو للتوحد، وإرادة شعبها التي لا تُقهر، جنوبا وشمالا وشرقا وغربا.
لم تكن الوحدة اليمنية لُحمةً جغرافية فحسب، بل كانت درسا إنسانيا رفيعا؛ ورقما كبيرا في حسابات الأزمنة.
فالطريق الوعر الذي كان مفروشا بالصعاب والألغام والتحديات الجسام لحقبٍ إمامية واستعمارية طويلة وماتلاها من صراعات جمهورية أمكن لليمنيين تعبيده وتسويته خلال عقد من الزمن فقط، استطاعوا خلاله ان يتجاوزوا ألغام الطريق ومطبات العبور، ومحطات الصراع وكبوات العصور، ليقفزوا الى رحاب الثاني والعشرين من مايو90.. المولود الذي طال انتظار ولادته المتعسرة.. (فأتى كما شاءت إرادات المُنى وهجَ انتصار.. يوماً نقدسه ونُرضعه أمانينا الكبار.. يوماً سيبقى خالد الساعات موصولَ الفخار) كما يقول مقالح اليمن.
هكذا شاءت إرادة ابناء سبأ، أن يقفزوا على واقعهم المر بلا حذر، ويصعدوا الى قمة المجد والشموخ، دون ان يتحسسوا كبواتِ الطريق وعثراتِه وأشواكَه، أو يحسبوا أدنى حساب لمخاطر التسرع ومخاوف الوحدة الاندماجية وماتخبئه الأيام لهم من اوجاع قادمة، ولسان حالهم يقول: ومن لا يحب صعود الجبال- يعش أبد الدهر بين الحفر!
هذه هي الروح التي بُنيت الوحدة على صخرتها ومضت واثقة دون تردد لتحقيق حلم العصور، وهي سبب صمودها حتى الان.. فرغم كل ما واجهته في بدايتها من اعاصير مباغتة وصراع ايدلوجيات متنافرة، وصدمة حرب خليجية عراقية وانقسام عربي وعودة مليوني مغترب، وامكانيات شحيحة، وخذلان الدعم العربي المالي، فضلا عن حرب مؤسفة عكرت صفو اليمنيين جميعا بين شركاء الوحدة، ثم عدوان اريتيري احتل جزر حنيش، وموجة تطرف وارهاب دولي، وما تلاها من ظهور موجة انفصالية مؤسفة وفوضى ربيعية عام2011، ثم انقلاب حوثي مدمر، واوجاع حرب مزلزلة مزقت البلد، إلا ان صخرة الوحدة ماتزال صلبة الجذور متماسكة البنيان، كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، محفوظة بعناية الله وإرادة شعبها التي لا تقهر- جنوبا وشمال وشرقا وغربا، غير آبهةٍ بأوجاع يمنها وشعبها، ولا مستسلمة لدعوات مشبوهة لتقسيم البلد ومؤامرات ملموسة!
ذلك ان الوحدة وفق مؤرخين كانت مطلبا شعبيا مُلحاً من كل فئات المجتمع، استأثرت بوجدانهم وضمائرهم على مر الحقب التشطيرية.. وما كانت لتتحقق لولا تلك الضغوطات الشعبية الهادرة والجهود العربية المضنية، وبسببها توفرت النوايا الصادقة لدى قيادات الشطرين، فاتجهوا إجباريا إلى مسار الوحدة بصيغتها الاندماجية الكاملة بكل أخطائها.. وعرف الشعب طريقه!
فكل ما واجهها بالأمس واليوم من أخطاء مشتركة هي من صنيع بشر لا ذنب لليمن الكبير في كبوتهم.. ونتاج تراكمات ماضوية وعوامل متشابكة ترفض ان تفض اشتباكها حتى اللحظة.. لكن الوحدة تظل مسألة وجودية يتعلق بها مصير بلدٍ بأكمله وشعب بكل تنوعاته كتبت له الاقدار ان يمرض ويتوجع، لكنه يجد في صمود وحدته بلسما يداوي جراحه ويشعره بقوته، وهو اليوم احوج ما يكون إليها؛ من أمسه القريب!
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
القبيلة اليمنية .. صمام أمان الوحدة وركيزتها الصلبة
يمانيون / تقرير
لعبت القبيلة اليمنية دورًا محوريًا في تاريخ اليمن السياسي والاجتماعي، ولا سيما في لحظة مفصلية مثل تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، ومع تعقيد المشهد اليمني، ظلت القبيلة قوة فاعلة في ترسيخ الوحدة والدفاع عنها، ليس فقط بالسلاح بل بالعرف والعقلانية والتأثير المجتمعي وفي الوقت الذي اهتزت فيه أركان الدولة في أكثر من مرحلة، وقفت القبيلة – بتركيبتها الخاصة ومكانتها التاريخية – كحارس غير رسمي للمشروع الوطني.
القبيلة اليمنية ومقدمات الوحدة
قبل أن تتفق النخبة السياسية على إعلان الوحدة، آنذاك كانت القبيلة اليمنية – في شطري اليمن – قد سبقتها إلى نوع من “الوحدة المجتمعية غير المعلنة”. فقد تشكلت عبر عقود علاقات نسب وتحالف وتجارة بين القبائل في المحافظات الجنوبية والشمالية، مما جعل الحواجز بين الشطرين ضعيفة في الوعي الشعبي والتي نستطيع أن نسميها بأن ذلك الدور الشعبي كان ضاغطا سابقاً على القرار السياسي .
وبحسب الباحث عبدالباقي شمسان (جامعة صنعاء، 2008): “القبيلة شكلت جسرًا اجتماعيًا للوحدة قبل أن تكون الوحدة قرارًا سياسيًا”، مشيرًا إلى أن التواصل القبلي بين شمال اليمن وجنوبه كان من أهم المحركات العفوية للوحدة، كما أن القبائل كانت ترى الوحدة ضمانًا لتعزيز النفوذ والاستقرار.
القبيلة ضامن اجتماعي وفاعل سياسي
بعد إعلان الوحدة، لم تنسحب القبيلة من المشهد، بل شاركت بفاعلية في تثبيت المشروع الوطني الجديد. فالكثير من زعماء القبائل تولوا مناصب سياسية وبرلمانية، وعلى رأسهم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي ترأس مجلس النواب لعشر سنوات.
في مقابلة مع أحد مشائخ اليمن (صحيفة 26 سبتمبر، 1999) صرّح بوضوح أن “القبيلة اليمنية هي أول من بارك الوحدة وآخر من سيقبل بالانفصال”، وهو ما يعكس قناعة متجذرة بأن الوحدة ليست مجرد ترتيبات سياسية، بل قضية هوية اجتماعية وقومية.
من الناحية المجتمعية، أدت القبيلة دورًا هامًا في تسهيل الاندماج بين السكان، خاصة في المناطق الحدودية السابقة بين الشطرين. فقد سهلت القبائل التنقل والعمل والزواج بين أبناء الشمال والجنوب، ما عزز من قبول الوحدة على مستوى الأفراد والعائلات.
يشير تقرير مركز الجزيرة للدراسات (2020) إلى أن “القبائل ساعدت في خلق حالة من المصالحة المجتمعية بين الشطرين، عبر جهودها في حماية التنقل والتجارة ومواجهة التمييز”.
في الجانب الأمني، لعبت القبائل دور الحارس الأهلي في المناطق التي لم تصلها مؤسسات الدولة بشكل فعال. فقد حلت النزاعات محليًا، ومنعت تصاعد بعض الخلافات التي كانت تهدد استقرار الدولة الجديدة.
ووفقًا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية (2015): “في حين فشلت الدولة في بسط سيادتها الكاملة، حافظت القبائل على النظام الأهلي في كثير من المناطق، ما حال دون تفجر نزاعات كان يمكن أن تضر بمشروع الوحدة”.
كما شاركت القبائل في مبادرات صلح ومصالحة وطنية بين الأحزاب، وكان الزعماء القبليون طرفًا ضامنًا في الكثير من الاتفاقات السياسية بعد 1990، وخصوصًا في فترات التوتر بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني.
ويقول شمسان في ورقته (2008): “الدور التوفيقي للقبيلة بعد إعلان الوحدة كان حجر زاوية في منع التشظي المبكر، إذ كانت القبيلة تؤمن بأن الحفاظ على الوحدة يعزز نفوذها ومكانتها داخل الدولة الجديدة”.
القبيلة والدفاع عن الوحدة
عندما اندلعت حرب صيف 1994، وقفت معظم القبائل اليمنية إلى جانب الوحدة، وشارك آلاف من أبنائها في القتال إلى جانب القوات الحكومية، في ما اعتُبر دفاعًا عن المشروع الوطني في وجه محاولة العودة إلى التشطير.
ورد في تقرير “مجموعة الأزمات الدولية” (2015) أن “القبائل، رغم عدم اتفاقها الكامل مع السلطة المركزية، رفضت الانخراط في مشروع “الانفصال” لأنها رأت فيه خطرًا على مصالحها وترابطها الاجتماعي”.
بعد الحرب، استمرت القبائل في لعب دور الحامي للوحدة، خاصة في المناطق الوسطى والشرقية مثل مأرب والجوف وشبوة، حيث حافظت على مناخ مستقر نسبيًا وساهمت في رعاية التوازن بين الدولة والمجتمع.
تحديات الواقع – ازدواجية المواقف وتغير التحالفات
رغم المواقف التاريخية الداعمة للوحدة، شهدت بعض المراحل تحالفات قبلية مع قوى انفصالية أو جماعات مسلحة إلا أن هذه التحالفات غالبًا ما كانت مدفوعة بمصالح اقتصادية أو أمنية، لا بتغيير في الموقف الجوهري من الوحدة.
في دراسة بعنوان “القبيلة والدولة في اليمن” (مجلة المستقبل العربي، 2017): أكدت أن الازدواج في مواقف القبائل يعكس ضعف الدولة المركزية أكثر مما يعكس تقلبًا في القيم الوطنية”، مؤكدة أن معظم زعماء القبائل ظلوا على قناعة بأن وحدة اليمن هي الضامن لمكانتهم في أي نظام سياسي.
وبين القرار السياسي والإجماع الشعبي، وقفت القبيلة اليمنية في المنتصف، تحمل البعد التاريخي والاجتماعي للمشروع الوحدوي، لقد كانت فاعلًا وطنيًا لا يمكن تجاوزه، بحكم انتشارها الجغرافي، وثقلها السكاني، ودورها كوسيط تقليدي بين الدولة والمجتمع. ومع تزايد التحديات التي تواجه اليمن، يظل تفعيل هذا الدور بما يخدم مستقبل دولة عادلة وموحدة أمرًا حيويًا.