أوريان 21: هكذا يصمد الاقتصاد الإسرائيلي رغم الحرب على غزة
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
لا شك أن النمو في إسرائيل في حالة سقوط حر، وأن الحرب التي تشنها على غزة مثل كل الحروب، مكلفة للغاية من الناحية الاقتصادية، ومع ذلك لم يصب اقتصادها، فكيف صمد؟
سؤال حاول موقع أوريان 21 الإجابة عليه بالاعتماد على تقييم لأخصائي الاقتصاد السياسي كولن باورز.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب تركي: هكذا يؤثر تغير تركيبة سكان الولايات المتحدة على إسرائيلlist 2 of 2كاتب إسرائيلي: ما فائدة استمرار الحرب على غزة؟end of listانطلق باورز من الأرقام، فأوضح أن اقتصاد إسرائيل سجل انخفاضا بنسبة 21% في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من عام 2023، وهو ضعف ما توقعه البنك المركزي، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، مشيرا إلى قرار وكالة موديز الأميركية غير المسبوق بخفض تصنيف إسرائيل وأكبر 5 بنوك تجارية فيها.
ورأى كولن باورز، وهو عضو برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة نوريا للأبحاث، أن ذلك سوف يؤثر بشكل خاص على صناعة التكنولوجيا التي توظف واحدا من كل 7 إسرائيليين، وتولد حوالي نصف صادرات البلاد، وخمس الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من ربع عائدات ضريبة الدخل، وهو أداء لا يمكن الحفاظ عليه إلا من خلال الوصول إلى رأس المال الأجنبي.
انخفاض الاستثمار في مجال التكنولوجيا
ومنذ نهاية عام 2022، استمرت الاستثمارات في التقنيات العالية في الانخفاض، لتصل بحلول نهاية عام 2023، إلى 20% مقارنة بالأرقام المنخفضة بالفعل في العام السابق، وتظهر البيانات الأولى لعام 2024 أن التدفقات بلغت أدنى مستوياتها منذ 9 سنوات.
وبما أن نموذج النمو في البلاد مرتبط بقطاع التكنولوجيا، فإن مثل هذه النتائج تطرح مشاكل كبيرة، وخاصة مع فشل خطط نتنياهو لتوجيه الاقتصاد نحو إنتاج المواد الأولية بدل هذا القطاع الذي يشك في ولائه السياسي، بعد أن أوقفت شركتا أدنوك الإماراتية وبريتيش بتروليوم، المناقشات المتعلقة بالاستحواذ على نصف منتج الغاز الطبيعي في إسرائيل، خوفا من صواريخ الحوثيين والتداعيات السياسية.
عملية "السيف الحديدي" -حسب التسمية الإسرائيلية للحرب على غزة- تكلف الاقتصاد الإسرائيلي 269 مليون دولار يوميا وفقا لوزارة المالية
إضافة إلى ذلك أشارت دراسة أجرتها شركة الاستشارات الأميركية راند إلى أن الخسائر الاقتصادية في حال شن حملة عسكرية محدودة، ولكن طويلة الأمد على الفلسطينيين ستصل إلى 400 مليار دولار على مدى 10 سنوات، كما أن عملية "السيف الحديدي" -حسب التسمية الإسرائيلية للحرب على غزة- تكلف الاقتصاد 269 مليون دولار يوميا وفقا لوزارة المالية.
مصادر القدرة على الصمودورغم الرياح المعاكسة، ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الضغوط الاقتصادية ستعجل بنهاية الحرب على المدى القصير والمتوسط -حسب الكاتب- ويرجع ذلك إلى حجم الأسواق المالية الإسرائيلية واحتياطيات العملات الأجنبية من ناحية، وإلى العلاقات الخارجية للدولة والاقتصاد من ناحية أخرى.
ويسمح عمق أسواق رأس المال الإسرائيلية للائتلاف الحاكم بتمويل جزء كبير من مشاريعه العسكرية محليا، وهذا العام سيبيع حوالي 70% من سندات الدولة البالغة 60 مليار دولار في الأسواق المحلية، مما يبقي أسعار الفائدة منخفضة، ويمكن وزارة المالية من اقتراض ما مجموعه 16.7 مليار يورو دون تحمل تكاليف سداد باهظة.
ويرى كولن باورز أن تل أبيب يمكن أن تلجأ إلى الديون دون أن تعاني الكثير من الناحية المالية، مما يمنح القادة قدرا كبيرا من الاستقلالية ومتابعة الحرب، خاصة أن تراكم احتياطيات العملات الأجنبية على مدى العقدين الماضيين كان له تأثير وقائي مماثل، إذ تجاوزت قيمة الاحتياطيات التي يحتفظ بها بنك إسرائيل 200 مليار دولار في بداية عام 2024، مما يساعد على إبقاء التضخم منخفضا.
ومع ذلك، فإن عنف الإبادة الجماعية الذي تمارسه المؤسسة العسكرية يتطلب كميات من الذخيرة تتجاوز بكثير ما يستطيع المصنعون المحليون إنتاجه حاليا، ومن دون التدفق المستمر لقذائف المدفعية والصواريخ والرؤوس الحربية وغيرها من الولايات المتحدة وألمانيا، فإن الحملات الحالية على غزة وجنوب لبنان ستنتهي سريعا، وكذلك من دون السحابة التي توفرها شركتا غوغل ومايكروسوفت، وبيانات واتساب من شركة ميتا، فإن خطة إسرائيل "للاغتيالات الجماعية" التي يقودها الذكاء الاصطناعي سوف تنهار بسرعة، وفقا للكاتب.
أما العامل الثاني، وربما الأكثر أهمية في تفسير مرونة الاقتصاد الإسرائيلي في الأمد المتوسط فهو -حسب الكاتب- قوة علاقاته الخارجية، حيث تحصل تل أبيب على الدعم بجميع أنواعه، من التدفقات المالية إلى التجارة، إلى الدعم اللوجستي، دون أن ننسى الجيوش الاحتياطية من القوى العاملة، كوعد الهند بتوفير 50 ألفا إلى 100 ألف عامل ليحلوا محل الفلسطينيين في الضفة الغربية، مما يكفي لاستمرار الإبادة الجماعية.
إضافة إلى ذلك، هناك كوكبة واسعة من الجهات الفاعلة الأميركية العامة والخاصة، تدعم حاليا الدولة والجيش والاقتصاد ماليا، حيث تغطي المنحة السنوية المقدمة من برنامج التمويل العسكري الخارجي الأميركي 3.3 مليارات دولار سنويا، أي نحو 15% من الإنفاق الدفاعي، كما أن خط الائتمان المجاني من حكومة الولايات المتحدة سيزداد بشكل كبير في عام 2024.
ولا تتوقف المساهمات الأميركية الخاصة عند هذا الحد رغم الإبادة الجماعية المستمرة، إذ استثمرت شركة إنفيديا الرائدة عالميا في إنتاج الرقائق والذكاء الاصطناعي، مبالغ كبيرة في الاستحواذ على شركات إسرائيلية رغم تراجع الاستثمارات التكنولوجية عموما، كما وافقت إنتل على بناء مصنع جديد لأشباه الموصلات.
الاتحاد الأوروبي
وكما يتضح من مشاركة دويتشه بنك وبي إن بي باريبا في إصدار سندات اليورو، فإن أوروبا تلعب دورا هاما، إذ أبقى بنك الاستثمار الأوروبي المملوك للدول الأعضاء على نيته ضخ 900 مليون دولار في الاقتصاد الإسرائيلي، كما سمح برنامج "هورايزن أوروبا" لتمويل البحث والابتكار بتقديم ما يقرب من 100 منحة للشركات والمؤسسات الإسرائيلية، وقام مجلس الاستثمار الأوروبي غير الربحي مؤخرا بزيادة استثماراته في الشركات الإسرائيلية الناشئة.
وفضلا عن ذلك، لعب التدفق المتواصل للصادرات الإسرائيلية إلى السوق الأوروبية دورا رئيسيا في تحقيق فائض الميزان التجاري لإسرائيل بنسبة 5.1% في الربع الأخير من عام 2023، وتظهر البيانات الأولى المنشورة لعام 2024 أن أوروبا تواصل استيراد المنتجات الإسرائيلية، حسب الكاتب.
مع الصين والهندوأدى الحفاظ على علاقات تل أبيب الخارجية السرية والعلنية مع الاقتصادات غير الغربية إلى تعزيز قدرة اقتصادها الحربي على الاستمرار، رغم انخفاضها بسبب تدخلات الحوثيين التي أجبرت شركات الشحن على تعليق التجارة المباشرة.
وفي هذا الصدد، تشير البيانات التي أبلغ عنها بنك إسرائيل إلى أن الواردات من الصين لا تزال كبيرة، فهي تقارب 10 مليارات دولار في الربع الأول من عام 2024، وهي واحدة من العناصر الحيوية للاقتصاد على أساس يومي، رغم انخفاض الاستثمار الصيني العائد إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على تل أبيب.
أما مساهمة الهند، التي تستورد كميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية وتصدر عمالة رخيصة لملء الوظائف الفلسطينية الفارغة، فهي بالغة الأهمية، كما أن بضائعها التي تنقل إلى إسرائيل عبر الخليج والأردن تملأ رفوف المتاجر.
وأشار الباحث إلى أهمية علاقات تركيا الغامضة -كما وصفها- بإسرائيل، وقال إنها من غير المرجح أن تؤدي إلى تشديد فوري، رغم أن وزارة التجارة في أنقرة فرضت حظرا تدريجيا على التجارة مع إسرائيل، وذلك لما توفره من مهلة تسمح للشركات بتلبية الطلبات الحالية عن طريق دول ثالثة.
أمل طويل الأمد؟
أما على المدى الطويل، فهناك عدة عناصر يمكن أن تعمل ضد اقتصاد الحرب هذا -حسب الكاتب- ومن بينها الاتجاه إلى سحب الاستثمارات المذكورة أعلاه، التي ربما لن تنجح التدخلات الحكومية في عكسها، إضافة إلى احتمال زيادة الضرائب لتجديد الاحتياطيات، كما أن استمرار الإبادة الجماعية سوف يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية في الأشهر والسنوات المقبلة.
ورغم كل الأساطير التي أحاطت "بأمة الشركات الناشئة"، فقد تبين أن مكاسب النمو والإنتاجية التي تحققت على مدى العقدين الماضيين كانت في واقع الأمر صغيرة نسبيا، مع ما يترتب على هجرة الأدمغة من عواقب.
أي شخص يأمل في إنهاء هذه الإبادة الجماعية لا يمكنه إلا أن يدعو إلى عزل الاقتصاد الإسرائيلي في جميع المجالات الممكنة باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، وإلى أن تضعف العلاقات الإسرائيلية الخارجية القوية أو تنقطع، فإن محركات العنف الإسرائيلي سوف تستمر في العمل دون أي اهتزاز، ولا يمكن منعها إلا بتعطيل الدوائر المالية والتجارية القائمة.
وبالنسبة لفلسطين، وبصورة خاصة بالنسبة لفلسطينيي غزة، فإن الوقت اللازم لتحقيق الديناميكية الاجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي -حتى تتآكل قدرة الدولة على شن الحرب من الداخل- طويل للغاية.
لذا فإن أي شخص يأمل في إنهاء هذه الإبادة الجماعية لا يمكنه إلا أن يدعو إلى عزل الاقتصاد الإسرائيلي في جميع المجالات الممكنة باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، وإلى أن تضعف العلاقات الإسرائيلية الخارجية القوية أو تنقطع، فإن محركات العنف الإسرائيلي سوف تستمر في العمل دون أي اهتزاز، ولا يمكن منعها إلا بتعطيل الدوائر المالية والتجارية القائمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات الاقتصاد الإسرائیلی الولایات المتحدة الإبادة الجماعیة حسب الکاتب دولار فی على غزة تل أبیب لا یمکن عام 2024 کما أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
عمر سيد أحمد
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقابفي 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار. استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية. التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيتالعقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
حظر التعاملات بالدولار الأميركي. تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة. منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان. حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة خروج فعلي من النظام المالي العالميالسودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع. تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية. التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
تهديد الأمن الغذائي والدوائيمع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
نقص حاد في الإمدادات الأساسية. تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل. توسّع الفجوة في الخدمات الصحية. ضياع موارد الدولة من الذهبفي ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
تعميق أزمة سعر الصرفكل هذه التطورات تؤدي إلى:
تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار. تزايد التضخم المفرط. انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. رابعًا: من يدفع الثمن؟رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد. المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا. المريض الذي لا يحصل على دواء. التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء. خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
خطاب “الحصار الخارجي”. عسكرة الاقتصاد. قمع المعارضة بحجة الطوارئ.وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًاالعقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
يُفقد السودان مزيدًا من موارده. ينهار الأمن الغذائي. يتوسع النزوح والدمار.وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحربمن أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذالعقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
وقف الحرب فورًا. تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية. إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي. الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
* خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
الوسومالإنقاذ الحرب الخرطوم السودان العقوبات الأمريكية على السودان القطاع المالي والمؤسسي النظام المالي العالمي سعر الصرف عمر سيد أحمد واشنطن