تحتاج زوجة السوداني، محمد الجنيد، المصابة بالسرطان إلى علاج بالأشعة، لكن بعدما مزقت الحرب السودان ودمرت بناه التحتية ومرافقه، بات يتطلب الأمر سفرها مسافة ألف كيلومتر تقريبا للوصول إلى المستشفى الوحيد الذي يقدم هذه الرعاية.

ويقول الزوج البالغ من العمر 65 عاما، لوكالة فرانس برس من ولاية القضارف شرقي السودان، إلى حيث لجأ مع زوجته هربا من الحرب، "حتى لو وصلنا إلى مروي (في الشمال)، سيتعين علينا أن ننتظر دورنا لتلقي هذه الرعاية".



ويشهد السودان منذ 15 أبريل العام الماضي حربا عنيفة بين القوات المسلحة النظامية بقيادة، عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.

ودمرت الحرب إلى حد كبير البنية التحتية وخرج 70 بالمئة من المرافق الصحية في البلاد من الخدمة، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندميير، "20 إلى 30 بالمئة من المرافق الصحية في البلاد لا تزال في الخدمة ... وتعمل بالحد الأدنى"، مشيرا إلى أن الإمدادات الطبية "لا تلبي سوى 25 بالمئة من الاحتياجات".

وتدفق مئات الآلاف من الأسر إلى ولاية القضارف بعدما نزحت من الولايات التي طالتها الحرب، وسط معاناة من نقص في المواد الغذائية ومياه الشرب والمرافق الصحية.

تتنامى الأزمة الإنسانية في السودان، فيما يستمر القتال الذي أسفر عن إحدى "أسوأ الأزمات التي عرفها العالم منذ عقود"، بحسب ما تؤكد منظمة أطباء بلا حدود.
ويصطف مرضى السرطان في انتظار دورهم داخل مركز "الشرق" لعلاج الأورام الوحيد المخصص لذلك. لكن لا يتوافر في هذا المركز علاج بالأشعة، لذلك يلجأ المرضى إلى مستشفى مروي في الشمال الذي يبعد حوالى ألف كيلومتر عن القضارف.

كانت زوجة الجنيد تتلقى علاجها في مستشفى ود مدني بولاية الجزيرة في وسط السودان قبل إغلاقه بسبب اندلاع المعارك، ما دفع أسرتها إلى الفرار إلى القضارف.

ويوضح الجنيد بقوله: "اليوم يرى الأطباء أنها تحتاج مجددا إلى الخضوع للعلاج الإشعاعي، وهو في مروي فقط".

وبسبب طول الرحلة بين الولايتين وكثرة الحواجز الأمنية، طلب السائق الذي وافق على اصطحاب الجنيد وزوجته إلى مروي مبلغ 4 آلاف دولار، وهو ما لم يقدر الجنيد على دفعه فألغيت الرحلة.

27 سريرا فقط ومئات المرضى
بسبب الحرب أغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية. ومنذ ذلك الحين يكتظ مركز القضارف بمرضى السرطان على الرغم من سعته الضئيلة.

ويضم المركز 27 سريرا فقط، بينما "يحتاج إلى 60 سريرا على الأقل"، على ما يقول مديره، معتصم مرسي، لوكالة فرانس برس.

السودان - أم درمان
"أطباء بلا حدود": السودان يشهد أسوأ الأزمات التي عرفها العالم
قال رئيس منظمة "أطباء بلا حدود" الإغاثية، الخميس، إن السودان يشهد "إحدى أسوأ الأزمات التي عرفها العالم منذ عقود"، في إشارة إلى الحرب الدائرة في البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عام.
ويوضح مرسي: "العام الماضي استقبلنا نحو 900 مريض جديد"، مقارنة بحوالى "300 أو 400 مريض" في الأعوام الماضية.

وفي الربع الأول فقط من العام 2024، استقبل المركز 366 مريضا. إلا أن مرسي أكد أن الأدوية لا تزال متوافرة "إلى حد كبير"، على الرغم من "بعض النقص" المسجل من قبل بدء الحرب.

وعلى سرير في مركز القضارف حيث يتقاسم المرضى الغرف بسبب الازدحام، تقول المعلمة السودانية، فتحية محمد، لوكالة فرانس برس "عاد المرض (السرطان)، واضطررت إلى استئناف العلاج".

العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان بالسودان متوفر في مستشفى مروي فقط
العلاج الإشعاعي لمرضى السرطان بالسودان متوفر في مستشفى مروي فقط
كانت محمد تتلقى علاجها أيضا مثل زوجة الجنيد بمستشفى ود مدني قبل النزوح إلى ولاية القضارف.

وقالت بحسرة: "هنا لا يوجد علاج إشعاعي ... إنه متوافر في مروي لكنه يكلف مليارات الجنيهات السودانية".

وتحتاج المعلمة السودانية إلى علاج بالأشعة بشكل دوري وهو ما يعد "مكلفا للغاية" خصوصا وأنها لم تتقاضَ سوى راتب 3 أشهر فقط من العام المنصرم بسبب اندلاع الحرب، حسبما تقول.

"تحمل الألم الشديد"
وفي أواخر مايو، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن "نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار، خصوصا في المناطق التي يصعب الوصول إليها".

وأضافت: "تدمر المرافق الصحية وتتعرض للنهب وتعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات".

مختصون يحذرون من انزلاق السودان إلى حرب أهلية شاملة - تعبيرية
"منزلق خطير".. هكذا تصاعدت مجازر القتل العرقي في السودان
في مشهد وصفه حقوقيون بالصادم، تداول ناشطون سودانيون في مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر مجموعة من المقاتلين بأزياء عسكرية، يقومون بتصفية أشخاص يترتدون أزياءً مدنية.
وفي أكتوبر، حذر مقال نشره أطباء سودانيون بمجلة "إيكانسر" البريطانية من أن "محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية يعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر".

وأشار المقال إلى أن "التكاليف المرتبطة بالعلاج الإشعاعي والنقل والسكن تجعلها غير متاحة للكثير من المرضى، ما يجبرهم على مواجهة الموت في المستقبل من دون رعاية كافية".

وبحسب المقال، فقد عطّلت الحرب "سلاسل التوريد وتوافر المسكنات"، الأمر الذي يدفع المرضى إلى "تحمل الألم الشديد".

في مروي يقول أحد الأطباء الذي تحدث طالبا عدم ذكر اسمه: "يعمل لدينا جهازان للعلاج الإشعاعي على مدار 24 ساعة يوميا".

وأضاف: "إذا تعطل أحد الأجهزة ويتطلب الصيانة، يتسبب ذلك في تكدس المرضى الذين يأتون من جميع أنحاء السودان".

فرانس برس  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فرانس برس

إقرأ أيضاً:

السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟

واستعرض برنامج "سيناريوهات" التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدت إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة بابنوسة الإستراتيجية وحقل هجليج النفطي، أهم وأكبر حقل نفطي في السودان.

بدوره، أعلن الجيش عن "انسحاب تكتيكي" بهدف حماية المنشآت النفطية الحيوية، في تطور يدخل الحرب مسارا تصعيديا ينذر بمرحلة أصعب.

وطرح البرنامج على ضيوفه تساؤلات جوهرية حول مستقبل السودان، ورأوا أن مستقبل السودان تحدده 3 سيناريوهات رئيسية:

استمرار حرب الاستنزاف لفترة طويلة على عدة جبهات رغم التكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة. ترسيخ مناطق نفوذ يسيطر فيها كل طرف على مساحات شاسعة، مما يزيد احتمال تفكك البلاد. الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة وتفاقم الكارثة الإنسانية قد تجبر الأطراف على العودة إلى مفاوضات جادة والقبول بهدنة إنسانية على الأقل.

وقد أسفرت الحرب حتى الآن عن مقتل نحو 150 ألف شخص، وفق تقارير الأمم المتحدة، بينما تجاوز عدد النازحين في الداخل والخارج 12 مليون سوداني.

وتفشت المجاعة في مناطق واسعة، خاصة في إقليم دارفور، مع وضع إنساني متدهور إلى مستويات غير مسبوقة.

وأشار الخبير الإستراتيجي والسياسي الدكتور أسامة عيدروس إلى أن الحدث الأكبر في التطورات الجارية هو سقوط مدينة الفاشر وما تلاها من مجازر وتصفيات عرقية.

ورأى عيدروس أن جغرافيا الحرب تظل كما هي دون تغيير كبير، مشيرا إلى أن الجيش يحتفظ بقوته النوعية من 25 فرقة، فقد منها 6 فرق كانت محاصرة، لكنه استطاع سحب قواته منها وإعادتها إلى الشمال.

السيطرة الجغرافية

وعلى صعيد توزيع السيطرة الجغرافية، أوضح رئيس تحرير صحيفة الوسط الدكتور فتحي أبو عمار من ميلانو أن 90% من كردفان -باستثناء عاصمة الإقليم الأبيض والدلنج وكادقلي- تحت سيطرة الدعم السريع، إضافة إلى الصحراء غرب دنقلا والدبة والمثلث والعوينات.

ومن جهة أخرى، شدد المتحدث باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة -المعروف باسم صمود- الدكتور بكري الجاك من كمبالا على عدم وجود صيغة معروفة للحسم العسكري.

وأكد رفض التحالف للحرب مبدئيا وأنه لا يرى فيها وسيلة لتحقيق أي حلول في البلاد، محذرا من أن انخراط القوى المدنية والسياسية في الحرب يجعل تقسيم البلاد أمرا يسيرا وسهلا.

وفي إطار البحث عن الحلول الممكنة، استعرض البرنامج المبادرات الرئيسية لإنهاء الحرب، بدءا من مبادرة جدة التي انطلقت في مايو/أيار 2023 برعاية سعودية وأميركية وأدت إلى توقيع إعلان جدة الإنساني الذي نص على حماية المدنيين والمرافق، لكن الطرفين لم يلتزما به.

ثم تلتها مبادرة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) التي بدأت في يوليو/تموز 2023 بدعم الاتحاد الأفريقي، لكنها واجهت تحديات بسبب رفض الحكومة السودانية رئاسة كينيا للجنة الرباعية متهمة الرئيس الكيني وليام روتو بالانحياز لقوات الدعم السريع.

ثم جاءت المبادرة الرباعية -التي تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات- كآخر المحاولات لإنهاء الصراع

ودعا بيان المجموعة الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي إلى هدنة إنسانية مدتها 3 أشهر لتوفير المساعدات العاجلة، يليها وقف دائم لإطلاق النار ثم عملية انتقال سلمي للسلطة تمتد لـ9 أشهر تفضي إلى حكومة مدنية مستقلة.

شروط المبادرة

ولإنجاح هذه المبادرة، شدد مستشار المبعوث الأميركي السابق إلى السودان الدكتور كاميرون هدسون على ضرورة قبولها من الطرفين بدون شروط لوقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي أكد صعوبة تحقيقه.

واتهم هدسون دولا إقليمية بالضلوع في تأجيج الأزمة في السودان، مما يحول دون نجاح المبادرة الرباعية، موضحا أن الدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع من دول إقليمية لا يمكن مقارنته بالدعم المحدود الذي يتلقاه الجيش السوداني من مصر أو السعودية أو قطر أو تركيا.

ويرى الجاك أن السيناريو المرجح ليس تقسيما إداريا منتظما كما حصل في ليبيا، بل تحول البلاد إلى كانتونات عسكرية تحكم بواسطة أمراء حرب يتقاسمون السلع ويسيطرون على بعض الموارد الاقتصادية، محذرا من استخدام عملات مختلفة وتوقف الخدمة المدنية والتعليم في مناطق واسعة.

وخلص عيدروس إلى أن السودان يقف على مفترق طرق خطير، حيث يتطلب إنهاء الحرب تضافر الجهود الدولية والإقليمية مع نهوض السودانيين أنفسهم لمقاومة العدوان ووقف النزيف، مع ضرورة ظهور طبقة سياسية جديدة ونخبة مستنيرة قادرة على تجاوز الصراع الصفري على السلطة وبناء مستقبل مستقر للبلاد.

Published On 12/12/202512/12/2025|آخر تحديث: 01:58 (توقيت مكة)آخر تحديث: 01:58 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

مقالات مشابهة

  • العقوبات المتراكمة ليست كافية لوقف الحرب في السودان
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • محنة التعريفات الجزئية الملتبسة..
  • بدءاً من اليوم.. ترمب يعلن وقف قتال بين دولتين
  • السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
  • اللواء 444: الإطاحة بآمر مليشيا في غريان
  • الإمارات: الحرب في السودان بلا منتصر والإغاثة يجب أن تتدفق دون عوائق
  • علاج جيني للّوكيميا يمنح المرضى أملا في الشفاء