البيان الواضح في المسألة الإبراهيمية ووحدة الأديان: الفاروقي نموذجا.. قاموس المقاومة (34)
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
من المهم أن نؤكد وفي ظل الحديث عن المسألة الإبراهيمية؛ على هامش نراه مهما لالتباسه على البعض، ضمن معالجات لاثنين من المفكرين والفلاسفة المعاصرين توفاهما الله منذ حين؛ هما إسماعيل راجي الفاروقي وهو موضوع هذه المقالة، ورجاء جارودي الذي نخصص له المقالة التالية.
وقد تحدثا في ضوء ما يسمى المسألة الإبراهيمية حديثا يجب أن يدقق ويعمق في محاولة استبيان حقيقة مواقفهما من تلك المسألة الخطيرة والمخادعة، والتي شقت طريقها لتكون عنوانا لمرحلة جديدة في التطبيع مع العدو الصهيوني.
وقد بدا أن حقيقة بيت العائلة الإبراهيمية والدين الإبراهيمي في العقائد الدينية والتاريخ والعلوم الإنسانية، ومؤامرات وتاريخ مراحل التفكير في الإبراهيمية اليهودية، وتزوير وإبادة الأديان، ومراحل صناعة الإبراهيمية اليهودية، تفضح خطط الصهاينة بداية من مرحلة حوار الأديان ومسار الحج الإبراهيمي، مرورا بمراحل الدبلوماسية الروحية والخارجية الأمريكية ومرحلة صندوق النقد والبنك الدولي وقوافل السلام الأمريكية، وصولا إلى حلف الفضول واعتبار أن البيت والحلف هما أكبر انتصار للصهاينة، ومرحلة وثيقة الأخوة الإنسانية وبيت العائلة الإبراهيمية بأهدافه ومخططاته.
أول تلك السياقات وأعلاها اعتبارا تلك الفكرة التي تتعلق بالنماذج الفكرية المتحولة التي أسميها المرتحلة، والتي ترتحل من فكرة إلى فكرة بل من اعتقاد إلى اعتقاد، وهو ما يترتب عليه لزوما تبدل المواقف وفقا لتحول الاعتقادات؛ وهو أمر لو أُغفل من القارئ أو المتابع ساقه ذلك مع إغفال السياقات إلى مواقف وصلت في موضوعنا إلى حد التكفير في حال تبدل التفكير.
ومن أهم سمات تلك النماذج المرتحلة المتحولة أن تمر هذه الحالات الفكرية برحلة ممتدة من الانتقالات في عالم الأفكار والمواقف، فيتورط كل من لم يتابع هذه المسيرة الفكرية والتعرف على مفاصلها وتحولاتها؛ في فائض تعميمات خطيرة وظالمة؛ وضمن هذه الممارسات التي خرجت عن حد المنطق والمنهج واعتبار السياق، فعالم الأفكار في جوهره سيرة ومسيرة وسيرورة. وفي هذا المقام نبه القرآن كثيرا إلى هذه المقارنات في السياق والمستويات المختلفة، والآيات أوضح من أن نثبتها.
ولعل الأمثلة والنماذج في مسيرة الأحداث والأفكار كثيرة وتقصيها ليس هذا مكانها أو مقامها، ولكننا نقتصر في هذا السياق على هذين المفكرين دون غيرهما لتعلقهما بالمسألة الشائكة موضع اهتمامنا ألا وهي المسألة الإبراهيمية.
يتناول هذا المقال رؤية الأستاذ الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي، أستاذ الفلسفة ومقارنة الأديان الذي ولد في مدينة يافا الفلسطينية عام 1921م، من أسرة عريقة وثرية، وقد أنهى دراسة الثانوية في مدرسة الفرير الدومينيكان الفرنسية سنة 1936م، ثم حصل على البكالوريوس في الفلسفة من الجامعة الأمريكية في بيروت. وبعد تخرجه عمل الفاروقي كمحافظ في منطقة الجليل، وعلى إثر اندلاع القتال وظهور الدولة الصهيونية اشترك الفاروقي في بعض العمليات الجهادية، ثم قرر الهجرة إلى أمريكا، وحصل على شهادتين في الماجستير في فلسفة الأديان، ثم حصل على الدكتوراة من جامعة إنديانا وقد كانت أطروحته بعنوان "نظرية الخير: الجوانب الميتافيزيقية الأبستمولوجية للقيم".
وبذلك فقد حظي الفاروقي بمعرفة معمقة بالفلسفة وبتاريخ الأديان، وحين باشر العمل بالتدريس في الجامعات الأمريكية شعر بالحاجة إلى تكوين معرفة علمية إسلامية أكثر متانة، فغادر إلى الأزهر لدراسة العلوم الإسلامية. وبناء على ذلك فيمكن الاستنتاج أن الفاروقي يدعو إلى ألا تكون معرفة طالب العلم الشرعي محصورة في العلوم الشرعية فحسب، إنما عليه الاطلاع على العلوم الاجتماعية والإنسانية، فالحصر يولد ضيق التفكير والجمود وصنع كليات بعيدة عن الواقع، في حين أن الاطلاع على الآخر وتعلم المناهج وتتبع آخر ما تتوصل له العلوم والأبحاث؛ يجعل من معرفة طالب العلم كونية وشاملة ولصيقة بالواقع، ومن جانب آخر فهي دعوة للمسلمين ككل في التزود بعلوم الملة كي تكون مرجعية للباحث، ومعيارا يستطيع من خلاله صنع أقيسة ليعرف ما فيه الصلاح والحق وبما فيه الفساد والجور.
هذا بعض من سيرته ومسيرته المعرفية والفكرية؛ وقد قال الفاروقي: "علينا نحن المسلمين أن نتحلى -إلى جانب إسلامنا- بالفهم العميق للأفكار والأديان الأخرى، بحيث يُعلّم منا التلميذ أستاذه!".. استُشهد إسماعيل الفاروقي مع زوجته لمياء الفاروقي طعنا بالسكاكين في ليلة 18 رمضان 1406/1986، بيد من يدّعي أنه مسلم، ومن المرجّح أن جمعه بين مشروع جذري للتجديد الفكري ومواقفه الملتزمة سياسيا هو الذ كان وراء اغتياله.
وكان يعتقد أن دراسة الديانات ليست بالمهمة السهلة، وهي عملية معقدة تحتاج من الباحث أن يكون على عمق بما تمثله الديانات من أفكار وأفعال وتجليات، وكان منهجه ترك الظاهرة لتتحدث عن ذاتها من غير إدخالها في قوالب فكرية مسبقة، وقد استعمل مقولة هوسرل القائلة: "اترك النظرة الماهوية لتنظم المعطيات، لتكون قابلة للفهم". ويعد كتاب الفاروقي "أطلس الحضارة الإسلامية" أول كتاب اتخذ المنهج الظاهراتي أو الفينومينولوجي لدراسة الإسلام وحضارته. يقول الفاروقي في مقدمة الكتاب: "هذه دراسة تنظر إلى جوهر الإسلام من حيث علاقته المطلقة بالقرآن والسنة، وتهدف إلى تقديم المكونات الحضارية بوصفها تجسيدا لذلك الجوهر في الزمان والمكان، وقد يصح القول إن هذا الكتاب أول تطبيق للدراسة الظاهراتية في دراسة الإسلام".
ضمن هذا المنهج درس الفاروقي المسألة الإبراهيمية؛ فكان كتابه فائق القيمة في محتواه ومبناه: "إن جوهر التوحيد وهو تنزيه الله تعالى وإدراك الطابع المفارق للذات الإلهية، فيذكر أن الإسلام واليهودية والنصرانية أديان سماوية عالية، انبثقت من المشكاة السامية ذاتها، وأن كل من اليهودية والمسيحية قد انحرفتا عن المسار الصحيح".
إن التوحيد كما بين الفاروقي وأثره على مضامين الحياة، يعكس حالة من السواسية الإنسانية، "فجميع الخلق أمام الله على سواء مهما اختلفت أعراقهم وأنسابهم، فالمفاضلة لا لعرق ميزه إنما للتقوى بين الناس، كما أن الأصل في البشرية أنهم مخيرون وبكامل إرادتهم، وبيدهم خلاص أنفسهم، وبأن الإسلام دين مؤسسي وليس نظرية فحسب، اتسم بالتعددية والسماحة، ودفع الغير إلى استخدام عقولهم، واتباع الحجة، والتوحد تحت إمرة دين واحد".
وعلى الرغم من معايشته لهذا النموذج فإنه لم يقع في أسره؛ بل نظر إليه نظرة نقدية من واقع نموذجه المعرفي التوحيدي الذي اتخذه ميزانا يمكن أن يزن به أي نماذج أخرى. ففي كتابه "التوحيد ومضامينه على الفكر والحياة"، يشرح الرجل من خلال عدد من المساحات الفكرية والمجتمعية كيف يمكن للتوحيد أن يشكل رؤية الفرد الموحد ويصنع له نموذجه الفكري والمعرفي تجاه العديد من الأمور.
فالتوحيد كجوهر للخبرة الدينية يعني "مركزية مفهوم الله بالنسبة للمسلم في كل مكان، وفي كل فعل، وفي كل فكرة، وفي كل زمان"، ويترتب على هذا التصور أن الذات الإلهية هي المنتهى الأخير المطلق ومصدر الأساس القيمي لكل ما في الوجود. فالخبرة الدينية الناتجة عن التوحيد منشغلة بإله واحد فرد صمد ليس كمثله شيء، إرادته لا معقب عليه، وهادية لكل جوانب الحياة". هذه الأفكار التي أوردناها عن الفاروقي كانت محل تأليفات ومقالات عدة استفدنا منها جميعا ونقلنا منها وعنها.
عمل الفاروقي على جبهات أربع؛ الأولى مقارنة الأديان وانتصر فيها للأصول التوحيدية، والجبهة الثانية مع الحضارة الغربية ناقدا نموذجها المعرفي وطرح أسس النموذج المعرفي التوحيدي البديل، والجبهة الثالثة المتعلقة بكيف يكون النموذج الناجع في التعارف الحضاري وحوار الثقافات والحضارات وحوارات أهل الأديان، أما الجبهة الرابعة والأخيرة فكانت كشف حقيقة الحركة الصهيونية وحقيقة صراع الأمة مع العدو الصهيوني، وتشريح علمي ظاهراتي للديانة اليهودية؛ يسخّر معرفته وخبرته لخدمة هذه القضية الفلسطينية، وهذا هو الهدف، وله آراء متميزة وفريدة وهي: ضرورة تحويل كارثة فلسطين إلى قوة دافعة للشعب الفلسطيني، لكي يرتبط بالفكرة الإسلامية، ضمن هذا السياقات الفكرية والمعرفية يمكن تحديد الرؤية للإبراهيمية وفقا للفاروقي، والتي لم يدع أبدا إلى وحدة الأديان أو الديانة الإبراهيمية المشبوهة سياسيا ودينيا وثقافيا.
فلا يفترينّ أحد على هذا المفكر القدير المجاهد الكبير الذي رابط على جبهات عدة ينافح فيها عن الحق والحقيقة، ولا يغترن جاهل أو غافل متعلقا بتأليف الفاروقي لكتاب ضمن مؤلفاته في مقارنة الأديان منذ عقود عن "ثلاثية الأديان الإبراهيمية" (Trialogue of the Abrahamic Faiths)، والذي لم يترجم للعربية للأسف الشديد؛ مشرحا لها، أي لتلك الأديان؛ وكأنها تفسير معرفي وحضاري وسياقي للآية القرآنية: "مَا كَانَ إِبْرَٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفا مُّسْلِما وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ" (آل عمران: 67).
x.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأديان أديان العقيدة الابراهيمية مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
المفتي : دار الإفتاء تواصل جهودها في مواكبة التحديات الفكرية المعاصرة
(أ ش أ):
أكد مفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد أن دار الإفتاء المصرية تواصل جهودها المستمرة في مواكبة التحديات الفكرية والمجتمعية المعاصرة، مشيرا إلى أن دورها لا يقتصر على إصدار الفتاوى فحسب، بل يمتد ليشمل الدور العلمي والاجتماعي والعمل على تقديم حلول عملية للتحديات التي يواجهها المجتمع، من خلال وحدات متخصصة في الإرشاد الأسري وحل النزاعات المجتمعية.
جاء ذلك خلال استقبال المهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، اليوم الجمعة، الدكتور نظير محمد عيّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، في زيارة رسمية تهدف إلى تعميق أواصر التعاون المشترك بين محافظة الشرقية، ودار الإفتاء المصرية، ومناقشة سبل دعم العمل الدعوي والمجتمعي في المحافظة، بما يحقق رسالة الإفتاء في خدمة المجتمع والارتقاء بوعيه بما يسهم في نشر الوسطية، وترسيخ دعائم السلم الاجتماعي.
وأوضح أن دار الإفتاء المصرية تشهد تحولًا مهمًا في تفعيل آليات التصدي للتحديات الفكرية التي تهدد الاستقرار المجتمعي عبر تطوير خطاب ديني رشيد يُراعي المتغيرات ويُبنى على التوازن والاعتدال، ليواجه ظواهر التطرف والانحراف الفكري، ويعزز من الأمن الفكري للمجتمع، كاشفًا عن دور الدار في تعزيز قيم التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، من خلال بناء ثقافة التعاون والتفاهم بين مختلف الفئات والثقافات.
وقال إن دار الإفتاء تعمل على تأسيس وتنفيذ المجالس المتخصصة للصلح وحل النزاعات، من أجل تعزيز الاستقرار الاجتماعي، والعمل على معالجة واحتواء المشكلات المجتمعية والقبلية التي تسهم بشكل كبير في بناء مجتمع متماسك وقوي.
وشهدت زيارة فضيلة مفتي الجمهورية إلى محافظة الشرقية المشاركة في عدد من الفعاليات الدينية بالمحافظة، من بينها تكريم حفظة القرآن الكريم، مشيدًا بروح التعاون المشترك التي أبدتها المحافظة في دعم العمل الديني، وبما لمسه من حرصٍ صادق لدى القيادة التنفيذية في المحافظة على دعم جهود الوسطية والاعتدال، كما ناقش الجانبان استكمال الخطوات التنفيذية المتعلقة بإنشاء فرع دار الإفتاء المصرية بالمحافظة ؛ لتوسيع نطاق الخدمات الدينية والشرعية، ليكون منبرًا للوعي، وحصنًا للفكر الرشيد، ومصدرًا لتصحيح المفاهيم المغلوطة، بما يخدم أهالي المحافظة ويعزز من حضور الخطاب الديني الوسطي في مختلف ربوعها.
من جانبه، أعرب المهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، عن تقديره الكبير لجهود فضيلة مفتي الجمهورية ودار الإفتاء المصرية في تعزيز الوعي الديني ونشر الفكر المعتدل، مشيدًا بالدور الذي تقوم به دار الإفتاء المصرية والذي يعد أساسًا في تعزيز الاستقرار المجتمعي، وحماية الشباب من التطرف.
هذا المحتوى من
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
نظير عياد التحديات الفكرية دار الإفتاءتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
المفتي : دار الإفتاء تواصل جهودها في مواكبة التحديات الفكرية المعاصرة
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك