الجزيرة:
2025-05-22@09:58:58 GMT

تركيا وأزمة سوريا المتفاقمة

تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT

تركيا وأزمة سوريا المتفاقمة

في عام 2013؛ دخلتُ سوريا كصحفي  – في أشد أوقات الحرب – من الحدود إلى حلب، ورأيتُ الاشتباكات داخل المدينة.

على طول الطريق، شهدتُ الاقتتال بين فصائل المعارضة نفسها، وجرائم نظام دمشق، ومليشيات إيران، ومناطق تنظيم الدولة، وتحركات اللاجئين. في ذلك اليوم، أدركتُ أن أزمة سوريا هي حدث كبير، عميق، طويل الأمد، وله تأثيرات إقليمية.

مع مرور الوقت، رغم أنّ جزءًا من الأزمة المتمثل في الصراع الساخن قد هدأ، فإن العوامل الأخرى ما زالت مستمرّة، وقد أضيفت إليها مشاكل جديدة. في الأيام الأخيرة، أصبحت تركيا تبحث عن حلّ لهذه المشاكل التي لم تعد تحتملها؛ بسبب الأزمة السورية.

حمل الأزمة السورية

قبل الحرب الأهلية السورية، كان للرئيس أردوغان صداقة وثيقة مع عائلة الأسد، وكنتُ حاضرًا في إحدى الولائم العائلية في حلب. ولكن، مع اندلاع الحرب الأهلية، تدهورت العلاقات بينهم، بل أصبحوا أعداء.

وعندما تدخلت إيران وروسيا في الحرب، تفاقمت آثار الأزمة. وهكذا، تحولت المشكلة إلى نزاع إقليمي.

واتبعت تركيا سياسة نبيلة، لكنها محفوفة بالمخاطر؛ بفتح أبوابها أمام اللاجئين العرب والتركمان والأكراد القادمين من سوريا. وبسياسة الباب المفتوح؛ استقبلت البلاد تدفقًا كبيرًا من اللاجئين فجأة. في تلك الفترة؛ كان الاقتصاد التركي في حالة جيدة، فلم يكن للاجئين تأثير كبير على المجتمع.

ولكن مع مرور الوقت؛ تسببت استخبارات إيران وروسيا وسوريا عبر عملائها في خلق إرهاب وفوضى واضطرابات كبيرة. وعندما أضيفت جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت المشاكل تشكّل عبئًا ثقيلًا.

اليوم؛ يقترب عدد اللاجئين السوريين من 3.5 ملايين، وهذا الوضع أصبح يُعدّ من كبرى المشاكل في تركيا، فحتى أصغر جدال يمكن أن يؤدي إلى أحداث كبيرة، كما حدث في الأسبوع الماضي في قيصري، وعنتاب، وأنطاليا، وبورصة، وهاتاي، حيث اندلعت فجأة أزمة كبيرة.

أردوغان يريد لقاء الأسد

فتحُ تركيا أبوابها أمام اللاجئين كان عملًا نبيلًا، ولكن عدم وضع سياسة جادة، وإستراتيجية، وتخطيط تجاه اللاجئين كان أحد أكبر أخطائها.

لهذا السبب تراكمت المشاكل، وأصبحت عبئًا كبيرًا، ونشأت أزمات مزمنة تنتظر الحل في العديد من المجالات، بدءًا من التعليم إلى الصحة، ومن شراء المنازل إلى الحياة العملية، ومن الحياة الاجتماعية إلى سوق العمل.

الأحداث التي بدأت الأسبوع الماضي في قيصري انتشرت بسرعة إلى عشر مدن؛ حيث تم الهجوم على محلات تجارية تعود للاجئين، وسقط قتلى وجرحى. للأسف، هناك من برّروا هذه الهجمات.

إن المجتمع تحت ضغط كبير، وأي شرارة صغيرة تؤدي إلى انفجار.

داخل المعارضة، هناك أحزاب تبني سياستها على معاداة اللاجئين. تقوم المعارضة بالدعاية المستمرة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وحصلت على أصوات في الانتخابات الأخيرة بسبب هذا.

لذا، اعتقد الرئيس أردوغان أنه يمكنه حل مشكلة اللاجئين من خلال التفاوض مع الأسد، ودعا إلى لقاء مشترك، لكن الأسد لم يقبل ذلك.

لماذا قد يتعب الأسد نفسه؟

في الأسبوع الماضي، كان أحد أهم المواضيع في اجتماع أردوغان وبوتين في أستانا هو هذا الموضوع؛ حيث طلب أردوغان الدعم من بوتين في هذا الشأن، وقد وعده بوتين بذلك.

ولكن من منظور آخر، أسباب رفض الأسد الاجتماعَ مع أردوغان مهمة جدًا بالنسبة له.
فأولًا، الأسد سعيد جدًا بإخراج 8 ملايين سني سوري من البلاد الذين ذهبوا إلى تركيا ودول أخرى. في الماضي، كان هناك حكم الأقلية، والآن أصبح العلويون يشكلون الأغلبية تقريبًا، عدم وجود هذا العدد الكبير من السكان يجعل إدارة البلاد أسهل بكثير أيضًا، فلماذا يعيد هؤلاء الناس إلى البلاد ويعكّر صفوه؟

بفضل "الدولة المحلية" الصغيرة التي أنشأتها أميركا للأحزاب الانفصالية في منطقة روجافا، تعاني تركيا من مشاكل مع الولايات المتحدة، وتواجه اضطرابات كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يشكّل 3.5 ملايين لاجئ عبئًا كبيرًا على تركيا ويعدون قنبلة قابلة للانفجار، ويمكن أن يسبّب ذلك صراعات داخلية؛ فلماذا ينهي الأسد هذه الأوضاع التي تضايق عدوه؟

عودة اللاجئين تعني تعديل الدستور، وتقاسم السلطة الحكومية، والدخل، ومخاطر الإدارة الإقليمية؛ لماذا يقبل الأسد كل هذا؟

لهذا السبب، ليس للأسد أي نية للقاء أردوغان، أو حتى لحل المشاكل إن التقيا.

لن يحصل شيء دون موافقة روسيا وإيران

كان النظام السوري على وشْك الانهيار لولا تدخل إيران وروسيا اللتين أنقذتاه، وكلتاهما أصبحتا شريكتين في إدارة البلاد؛ حيث دخلت روسيا إلى المياه الدافئة التي كانت تسعى إليها منذ قرون، وأنشأت واحدة من أكبر قواعدها في البحر الأبيض المتوسط في طرطوس. أما إيران، فقد أصبحت شريكة في التجارة والمجال العسكري والإدارة في دمشق.

وبدون هذين البلدين، لا يمكن لنظام الأسد أن يصمد. إذا لم تضغط روسيا، فلن تتفاوض حكومة دمشق مع تركيا أبدًا.

لكن لماذا ترغب روسيا في حل مشاكل تركيا، وإنشاء إدارة جديدة في سوريا، أو إضافة عناصر جديدة إلى الحكومة؟ ماذا ستكسب في المقابل؟

لم يُرَ أن روسيا قامت بأي شيء من أجل صداقة أردوغان وبوتين، لذا يجب أن يكون هناك موقف دبلوماسي آخر لكي تضغط روسيا على الأسد.

وكذلك، لماذا ترغب إيران في تخفيف الضغط عن تركيا؟ لماذا تشارك القوة التي تسيطر عليها في دمشق مع الآخرين؟

لإقناع إيران، يجب أن تحصل على مكاسب أكبر بكثير لحل أزمة سوريا واللاجئين، التي تعتبر أكبر صداع لتركيا والتي تُعتبر أكبر منافس لها في المنطقة.

الحل ليس قريبًا حتى وإن التقيا

يبدو أن أردوغان والأسد سيلتقيان وجهًا لوجه، وهذا سيؤدي إلى تفاعلات كبيرة داخل تركيا. ومع ذلك؛ حل المشاكل ليس بالسهولة المتصورة، فقد يشارك الأسد في الاجتماع بضغط من بوتين، لكنه لن يرغب أبدًا في حل المشاكل بشكل كامل، وسيترك الأمور دون نتيجة.

حل المشاكل بطريقة دولية بعيدًا عن روسيا وإيران قد يكون ممكنًا، لكن الوضع الحالي لا يسمح بذلك، خاصة مع استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولا يبدو أن هناك أي احتمال لهذا.

يبدو أن تركيا ستستمر في مواجهة هذه المشكلة لفترة طويلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حل المشاکل

إقرأ أيضاً:

ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟

في تصريح للرئيس الأميركي السابق جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2022 قال: "لم نواجه احتمال وقوع كارثة هائلة من هذا النوع منذ عهد كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية، إنه (بوتين) لا يمزح عندما يتحدث عن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية أو الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، لأن أداء جيشه، ضعيف للغاية".

جاء هذا التصريح في سياق مخاوف غربية واضحة من استخدام الروس للسلاح النووي خلال الحرب مع أوكرانيا، ولذلك كان دعم حلف الناتو لأوكرانيا محسوبا خطوة بخطوة، بهدف واحد وهو عدم استثارة الروس لأي رد فعل نووي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عقيدة المحيط.. هل تسعى إسرائيل لحرق العرب بنار "الأقليات"؟list 2 of 2عقدة أوكرانيا.. لماذا فشل الغرب في هزيمة روسيا حتى الآن؟end of list

لكن الأمر لا يقف عند حد الحرب الأوكرانية، فقد كان السلاح النووي طوال الوقت أهم وسيلة للتفاوض لدى الروس.

تاريخ طويل للخوف

لفهم أعمق لتلك النقطة يمكن أن نتأمل وثيقة من 6 صفحات نشرتها الحكومة الروسية في الثاني من يونيو/حزيران 2020 تحدد منظورها بشأن الردع النووي، وعنونت رسميا المبادئ الأساسية لسياسة الدولة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي، وفيها يعتبر التهديد الروسي بالتصعيد النووي أو الاستخدام الفعلي الأول للأسلحة النووية هو سلوك من شأنه أن يؤدي إلى "خفض تصعيد" النزاع بشروط تخدم روسيا.

لكن في هذا السياق، تعتبر روسيا الأسلحة النووية وسيلة للردع حصرا، وتضع مجموعة من الشروط التي توضح تلك النقطة، فيكون الحق في استخدام الأسلحة النووية ردا على استخدام الأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، أو هجوم من قبل الخصم على المواقع الحكومية أو العسكرية الحساسة في الاتحاد الروسي، والذي من شأنه أن يقوض أعمال رد القوات النووية، أو العدوان على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة نفسه في خطر.

إعلان

على الرغم من أن هذا يعد تخفيفا لسياسة روسيا النووية المتعلقة بالردع، إلا أنه لا يزال مراوغا ويمكن أن تستخدم أي من تلك الشروط لتعني أي شيء على الأرض.

في الواقع، يرى العديد من المحللين والعلماء في هذا النطاق -من الجانب الأميركي والأوروبي- أن روسيا -ومن قبلها الاتحاد السوفياتي– طالما اتبعت عقيدة تدمج الأسلحة النووية في التدريبات العسكرية الخاصة بها، ما يشير إلى أنها قد تعتمد بشكل أكبر على الأسلحة النووية، يظهر هذا بوضوح في تقارير تقول إن التدريبات العسكرية لروسيا بدت كأنها تحاكي استخدام الأسلحة النووية ضد أعضاء الناتو.

لهذه العقيدة تاريخ طويل متعلق بأن السلاح النووي هو أفضل الطرق في حالات الضعف، فحينما تراجع الاتحاد السوفياتي سياسيا وعسكريا خلال الحرب الباردة، ثم مع انهياره، كان الضامن الوحيد بالنسبة للروس هو السلاح النووي، بحيث يمثل أداة ردع رئيسة.

لكن إلى جانب كل ما سبق، هناك سبب إضافي أهم يدفع بعض المحللين للاعتقاد أن روسيا تضع استخدام السلاح النووي في منطقة الإمكانية، وهو متعلق بتحديث سريع وكثيف للترسانة النووية.

الثالوث النووي

أجرى الاتحاد السوفياتي أول تجربة تفجيرية نووية في 29 أغسطس/آب 1949، أي بعد 4 سنوات من استخدام الولايات المتحدة للقنبلة الذرية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، اختبر الاتحاد السوفياتي نسخته الأولى من القنبلة النووية الحرارية عام 1953، ومنذ ذلك الحين نما المخزون السوفياتي من الرؤوس الحربية النووية بسرعة، بشكل خاص خلال الستينيات والسبعينيات وبلغ ذروته عام 1986 بحوالي 40 ألف رأس حربي نووي.

بحلول الستينيات، كانت روسيا قد طورت ثالوثا من القوات النووية مثل الولايات المتحدة الأميركية: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات "آي سي بي إم إس" (ICBMs)، والصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات "إس إل بي إم إس" (SLBMs)​​، والقاذفات الثقيلة المجهزة بأسلحة نووية. وتسمى هذه المجموعة من أدوات الحرب بالأسلحة النووية الإستراتيجية، أي تلك التي تتمكن من الضرب على عدو يبتعد عن الدولة مسافة كبيرة (الضرب عن بعد).

إعلان

على مدى أكثر من نصف قرن، انخرطت روسيا في اتفاقات ومعاهدات تخفّض من أعداد الرؤوس الحربية النووية الخاصة بها، لذلك منذ الثمانينات انخفضت أعداد الرؤوس الحربية الروسية إلى حوالي 6 آلاف فقط، لكن في مقابل هذا الخفض في الأعداد اهتمت روسيا بسياق آخر يقابله، وهو تحديث الترسانة بالكامل.

في ديسمبر/كانون الأول 2020، أفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأسلحة والمعدات الحديثة تشكل الآن 86% من الثالوث النووي لروسيا، مقارنة بنسبة 82% في العام السابق، وأشار إلى أنه يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 88.3% خلال عام واحد، وصرح أن وتيرة التغيير في جميع المجالات الحاسمة للقوات المسلحة سريعة بشكل غير عادي اليوم، مضيفا: "لو قررت التوقف لثانية واحدة، ستبدأ في التخلف على الفور".

ذراع روسيا الطويلة

يبدو هذا جليا في نطاقات عدة. على سبيل المثال، تواصل روسيا حاليا سحب صواريخها المتنقلة من طراز "توبول" (Topol) بمعدل 9 إلى 18 صاروخا كل عام، لتحل محلها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من النوع "يارس-24" (RS-24).

اختبرت روسيا يارس لأول مرة عام 2007 وتم اعتماده من قبل قوات الصواريخ الإستراتيجية الروسية عام 2010، وبدأ إنتاجه خلال نفس العام. واعتبارا من عام 2016، تتضمن الترسانة الآن ما يزيد على 147 صاروخا من هذا النوع، منها 135 يمكن أن يوضع منصة متحركة (عربة مكونة من 16 عجلة) و12 منصة ثابتة.

الصاروخ النووي الروسي العابر للقارات "يارس-24" (RS-24) (مواقع التواصل)

مدى يارس يصل إلى 12 ألف كيلومتر (هذا يساوي عرض دولة مثل مصر 12 مرة)، ويمكن أن يحمل 6 -10 رؤوس نووية بقوة تتراوح بين 150- و500 كيلوطن لكل منها، والصاروخ السابق توبول كان يحمل رأسا حربيا واحدا.

كذلك صمم يارس للتهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي حيث يقوم بمناورات أثناء الرحلة ويحمل شراكا خداعية وبالتالي لديها فرصة لا تقل على 60-65% لاختراق الدفاعات المضادة، وتؤهل التقنية "ميرف" (MIRV) هذا الصاروخ لحمولة صاروخية تحتوي على العديد من الرؤوس الحربية، كل منها قادر على أن يستهدف هدفا مختلفا.

إعلان

ويصيب يارس الهدف بدقة تكون في حدود 100-150 مترا من نقطة الهدف فقط، كما أن إعداد الصاروخ للإطلاق يستغرق 7 دقائق، وبمجرد أن تكون هناك حالة تأهب قصوى، يمكن لصواريخ يارس مغادرة قواعدها عبر السيارات التي تجري بسرعة 45 كيلومترا في الساعة، ثم العمل في مناطق الغابات النائية لزيادة قدرتها على التخفي.

إله البحار

أحد الأمثلة التي يُستشهد بها على نطاق واسع أيضا هي "ستاتوس-6" (Status-6) المعروف في روسيا باسم "بوسايدون" (Poseidon) (إله البحار)، وهو طوربيد طويل المدى يعمل بالطاقة النووية والذي وصفته وثيقة حكومية روسية بشكل صارخ بأنه يهدف إلى إنشاء "مناطق التلوث الإشعاعي الواسع التي قد تكون غير مناسبة للنشاط العسكري أو الاقتصادي أو أي نشاط آخر لفترات طويلة من الزمن"، السلاح مصمم لمهاجمة الموانئ والمدن لإحداث أضرار عشوائية واسعة النطاق.

بدأ السوفيات تطوير هذا السلاح عام 1989 ولكن توقف الأمر بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة وكذلك مع سياسات نزع السلاح النووي.

ومع ذلك، عادت روسيا لتطوير هذا السلاح، وفي عام 2015 تم الكشف عن معلومات حول هذا السلاح عمدا من قبل وزارة الدفاع الروسية. وبحسب ما ورد من معلومات عنها، يبلغ مدى هذه المركبة 10 آلاف كيلومتر، ويمكن أن يصل إلى سرعة تحت الماء تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة). هذا أسرع بكثير من قدرة الطوربيدات الحربية المعتادة على السفر.

علاوة على ذلك، من المخطط أن يعمل بوسايدون على أعماق تصل إلى ألف متر؛ مما يجعل من الصعب اعتراضها، بل ويعتقد أنه يمكن لهذه القطعة التقنية المرعبة أن تعمل تحت صفائح الجليد في القطب الشمالي، هنا يصعب جدا اكتشافه والاشتباك معه. ومن المقرر أن يبدأ بوسايدون في العمل الفعلي داخل الترسانة النووية الروسية خلال أعوام قليلة.

نار من توبوليف

قاذفة القنابل الإستراتيجية فوق الصوتية ذات الأجنحة متعددة الأوضاع "توبوليف تي يو-160" كانت أيضا واحدة من مكونات أحد أطراف الثالوث النووي التي تم تطويرها مؤخرا.

إعلان

وعلى الرغم من أن هناك العديد من الطائرات المدنية والعسكرية الأكبر حجما إلا أن هذه الطائرة تعد الأكبر من حيث قوة الدفع، والأثقل من ناحية وزن الإقلاع بين الطائرات المقاتلة. ويمكن لكل طائرة من هذا الطراز حمل ما يصل إلى 40 طنا من الذخائر، بما في ذلك 12 صاروخ كروز نوويا يتم إطلاقها من الجو. وبشكل عام، يمكن أن تحمل القاذفات من هذا النوع أكثر من 800 سلاح.

قاذفة استراتيجية من طراز توبوليف تي يو -160 بلاك جاك تُحلّق فوق الساحة الحمراء خلال عرض يوم النصر في موسكو، روسيا، 9 مايو/أيار 2015. (رويترز)

كانت هذه الطائرة آخر قاذفة إستراتيجية صممت من طرف الاتحاد السوفياتي، إلا أنها لا تزال تستخدم إلى الآن.

أضف لذلك أن هناك برنامجين محدثين متميزين لتطوير الطائرة توبوليف يتم تنفيذهما في وقت واحد: برنامج أولي يتضمن "تحديثا عميقا" لهيكل الطائرة الحالي لدمج محرك من الجيل التالي، بالإضافة إلى إلكترونيات طيران جديدة وملاحة ورادار حديث يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبرنامج آخر يتضمن دمج أنظمة مماثلة في هياكل جديدة تماما للطائرة.

وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أعلنت روسيا أن أحدث نسخة من توبوليف تي يو-160 (يسميها الناتو بلاك جاك) قد انطلقت من كازان مدعومة بمحركات "إن كيه-32-02" (NK-32-02) الجديدة، مع قوة دفع تبلغ 55 ألف رطل، ويعد هذا المحرك أكبر وأقوى محرك تم تركيبه على الإطلاق في طائرة عسكرية.

استغرقت الرحلة الأولى للقاذفة المحدثة مع المحركات الجديدة ساعتين و20 دقيقة، وسافرت على ارتفاع 6 آلاف متر، المحرك الجديد يرفع نطاق الطائرة بحوالي ألف كيلومتر.

يارس وبوسايدون وتحديثات قاذفة القنابل توبوليف هي أمثلة قليلة من حالة كبيرة من التطوير تمر بها الترسانة النووية الروسية، إلى جانب ذلك تعمل روسيا على تنويع نطاق التطوير، فهي لا تعمل فقط على السلاح النووي الإستراتيجي (الذي يضرب العدو البعيد)، بل أيضا هناك خطوات واسعة في تطوير السلاح النووي اللإستراتيجي (التكتيكي)، وهو إصطلاح يشير إلى الأسلحة النووية التي صممت لاستخدامها في ميدان المعركة مع وجود قوات صديقة بالقرب وربما على أراض صديقة متنازع عليها.

أحدث نسخة من القاذفة الروسية الإستراتيجية "توبوليف تي يو-160" (مواقع التواصل) مخزون روسيا

من بين مخزون الرؤوس الحربية النووية الروسية، هناك ما يقرب من 1600 رأس حربي إستراتيجي جاهز للضرب، حوالي 800 رأس منها على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وحوالي 624 على الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات، وحوالي 200 في قاذفات القنابل الإستراتيجية.

إعلان

إلى جانب ذلك يوجد حوالي 985 رأسا حربيا إستراتيجيا آخر في المخزن، وحوالي 1912 رأسا حربيا غير إستراتيجي (تكتيكي).

بالإضافة إلى المخزون العسكري للقوات العملياتية، هناك حوالي 1760 من الرؤوس الحربية المتقاعدة ولكنها ما زالت سليمة إلى حد كبير تنتظر التفكيك وإعادة التشغيل، ما يجعل إجمالي المخزون حوالي 6 آلاف- 6300 رأس حربي، علما أن هذه فقط هي أرقام تقديرية، حيث لا تعلن الدول عن العدد الحقيقي لرؤوسها الحربية النووية.

إذن الخلاصة أن برامج التحديث النووي الروسية، مع زيادة عدد وحجم التدريبات العسكرية، والتهديدات النووية الصريحة التي تلقي بها ضد دول أخرى (فما حدث في حالة أوكرانيا 2022 ليس جديدا)، والعقيدة الروسية المتعلقة بالسلاح النووي؛ كلها أمور تسهم جميعها في دعم حالة من عدم اليقين بشأن نوايا روسيا النووية.

ويرى المحللون أن روسيا أبعد ما تكون عن استخدام السلاح النووي حاليا، لسبب واحد وهو أن الجيش الروسي مستقر نسبيا ولا يواجه أية تهديدات وجودية في الحرب الحالية، ومن ثم نشأت فكرة تقول إن الحرب في وجود "السلاح النووي" ممكنة، لكن في سياق ألا تزيد مساحة المعارك، والضرر المتعلق بها، عن حد معين يضع الروس في توتر.

لكن على الجانب الآخر، "فعدم اليقين" كان هدف الروس الدائم في كل الأحوال، لأنه -في حد ذاته- سلاح ردع رئيسي بالنسبة لهم، وعلى الرغم من أن الأوكرانيين تلقوا المساعدات، إلا أن الروس واصلوا تقدمهم في سياق "قبة" حماية سببها الأساسي هو السلاح النووي.

مقالات مشابهة

  • أردوغان: ضرورة دعم وحدة أراضي سوريا
  • سوريا.. الاتحاد الأوروبي يعلن رفع العقوبات ومصير تلك المفروضة على نظام الأسد
  • إيكونوميست: انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" من البحر الأحمر.. ما المشاكل والاخفاقات التي واجهتها؟ (ترجمة خاصة)
  • الاتحاد الأوروبي يوافق على رفع كل العقوبات المفروضة على سوريا
  • الاتحاد الأوروبي يعلن رفع العقوبات عن سوريا
  • تركيا تعتقل 18 شخصا في حملة على الفساد ببلدية إسطنبول
  • ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟
  • أردوغان يُبشّر بنصّ يليق بقرن تركيا
  • مفوضية اللاجئين: نصف مليون سوري عادوا منذ سقوط نظام الأسد
  • سوريا.. ضبط 4 ملايين حبة كبتاغون مخدرة في اللاذقية