في ظلّ محدودية الأدوات ومواد البناء المناسبة، فإنّ البعثات البشرية وعمليات الاستيطان على سطح القمر تبقى رهينة الابتكارات والحلول الهندسية التي ما زال العلماء يبذلون قصارى جهدهم في الوصول إليها، وتعد قطع "الليغو" الشهيرة آخر الصيحات التي يُعوّل عليها لبناء مستعمرات بشرية على سطح هذا الجار القريب من الأرض.

وتكمن أهمية ذلك في تقليص وزن الحمولات ومواد البناء التي تُرسَل من الأرض إلى الفضاء، ومن ثم تخفيض كلفة المهمات الفضائية.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الكشف عن أصل "شبيه القمر".. هل هو قمر الأرض الثاني؟list 2 of 4علماء يحلون لغز اختلاف النشاط البركاني بين جانبي القمرlist 3 of 4صور عالية الجودة تكشف تفاصيل العالم الجليدي لقمر أوروباlist 4 of 4الصين تبدأ فحص عيّنات مسبار تشانغ آه 6 التاريخية.. قد تكشف تاريخ النظام الشمسيend of list

وقد ابتكر علماء من وكالة الفضاء الأوروبية آلية خاصة لمعالجة تربة القمر وإنتاج مكعبات تشبه تلك التي تنتجها الشركة الدانماركية، مجموعة "ليغو" الشهيرة لصناعة ألعاب الأطفال، وكان نموذجهم الأول باستخدام فتات نيزك وتشكيلها عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج مكعبات صالحة للتركيب.

ووقع الاختيار على نيزك عُثِر عليه شمال غربي أفريقيا، ويبلغ عمره 4.5 مليارات سنة، أي أنّ جذوره تعود إلى حقبة تكوين الأرض والمجموعة الشمسية، وتشبه تركيبته تقريبا تكوين تربة القمر.

وقد طحن العلماء النيزك ثمّ خلطوه ببعض المواد الأخرى مثل "البولي لاكتيد" وهي بوليسترات قابلة للتحلل الحيوي، ثمّ طبعوا الخليط بواسطة تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج طوب فضائي خشن الملمس، وقالت الوكالة إنّ هذه العملية منحت فرصة للمهندسين لبناء مجموعة من الأبنية التجريبية.

ويعوّل على مدى تميّز التصاميم الهندسية في بناء محطات وقواعد آمنة لروّاد الفضاء باستخدام مكعبات البناء هذه، بضوابط ومعايير صارمة تضع بعين الاعتبار جميع الاختلافات البيئية التي تجعل القمر بيئة قاسية لا ترحم، كانخفاض الضغط الجوّي أو انعدامه -إن صح التعبير- ومواجهة الأشعة الشمسية والكونية مباشرة دون وجود أيّ "فلاتر واقية".

وعقّب على ذلك إيدان كاولي مسؤول العلوم بوكالة الفضاء الأوروبية فقال "لم يحدث أن بنى أحد هيكلا على القمر، لذا يعد من الرائع أن نتمتع بالمرونة اللازمة لتجربة جميع أنواع التصاميم وتقنيات البناء باستخدام هذه المكعبات الفضائية، ويعد أمرا مفيدا كذلك في فهم حدود هذه التقنيات بشكل عملي".

وتهدف الوكالة لعرض هذه المنتجات في بعض متاجر مجموعة "ليغو" حول العالم، وهي مدرجة عبر موقعهم الرسمي، بين يومي 20 حزيران/يونيو و20 سبتمبر/أيلول خلال العام الجاري، لغرض لفت انتباه الأطفال الطامعين في اختراق حدود الأرض والصعود بأفكارهم نحو سطح العوالم النائية.

نموذج يجري عرضه بمتاجر مجموعة ليغو حول العالم خلال الأشهر القادمة (الأوروبية)

 

تربة القمر.. الخلطة السحرية

تُعد تربة القمر الخيار المثالي الذي يطمح العلماء لاستخدامه في بناء أولى المستوطنات البشرية على ظهر القمر، وهي تمثل طبقة من المواد المفتتة التي تغطي القاعدة اليابسة من السطح، وتختلف سماكة هذه التربة باختلاف تضاريس القمر، إذ تتراوح من بضعة أمتار إلى حوالي 15 مترا بالمناطق المرتفعة. وتتكوّن من مزيج من جزيئات الغبار الناعم وشظايا الصخور المفتتة ومجموعة متنوعة من المعادن تشكّلت على مدار مليارات السنوات.

وعلى عكس تربة الأرض، فإنّ التربة القمرية لا تحتوي على أيّ مواد عضوية ولا تتشكّل من خلال العمليات البيولوجية أو الكيميائية، وإنما من خلال التفتيت الميكانيكي للنيازك والتفاعل مع الرياح الشمسية والجسيمات النشطة القادمة مع الأشعة الكونية.

ونظرًا لغياب الغلاف الجوّي، فإنّ التربة القمرية غير معرّضة للرياح والمياه وجميع مظاهر التعرية، فلا تتآكل حواف ذرات التربة بل تكون حادة وخشنة الملمس.

ويختلف تكوين التربة القمرية بحسب موقعها الجغرافي، ففي السهول البازلتية الداكنة، تكون التربة غنية بالحديد والمغنسيوم، وأما في المرتفعات فتكون غنية بالألمنيوم والسيليكون. ويسعى العلماء الصينيون إلى الكشف عن مزيد من خصائص التربة القمرية بعد أن تمكن مسبار "تشانغ آه 6" من جلب عينات لأوّل مرّة من الجانب البعيد من القمر نهاية الشهر الماضي.

ويعتقد العلماء بأنّ الهيليوم-3، وهو نظير غير مشع للهليوم، ينتشر بكثرة في سطح القمر مع ندرة وجوده على الأرض، ومن الممكن أن يكون مصدرا للطاقة النظيفة والفعّالة في المفاعلات النووية. كما يُنظر إلى التربة القمرية بأنها المواد الخام التي ستمثل الحجر الأساس لجميع الأبنية والقواعد البشرية مستقبلا، انطلاقا من برنامج "أرتميس" القادم الذي ترعاه وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" بهدف إعادة البشر إلى القمر مجددا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات التربة القمریة تربة القمر

إقرأ أيضاً:

نبضات غامضة من نجم يشبه الشمس.. هل هي إشارة من حضارة فضائية؟

قبل أكثر من 60 عاما، بدأت الجذور العلمية الجادة للبحث عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض عبر مشروع "أوزما"، الذي أسسه عالم الفلك الشهير فرانك درايك.

كان الهدف من المشروع هو رصد إشارات راديوية مستمرة أو ذات ترددات محددة قد تشير إلى وجود حضارات فضائية متقدمة، فقد افترض درايك أن مثل هذه الحضارات قد تستخدم موجات الراديو لتبادل المعلومات، لذا تم استخدام التلسكوب لرصد الإشارات القادمة من نجوم شبيهة بالشمس.

ورغم أن مشروع "أوزما" لم يُسفر عن رصد إشارات مؤكدة من حضارات ذكية، إلا أنه وضع الأسس لتقنيات البحث الحديثة التي لا تزال تتطور حتى يومنا هذا.

أحد المراصد من مشروع أوزما (سيتي) من الراديو إلى الضوء

اليوم، وبعد عقود من التطور التقني، يعلن عالم ناسا المخضرم ريتشارد ستانتون عن اكتشاف مثير باستخدام تقنية أكثر حداثة تعرف بـ"رصد النبضات الضوئية السريعة"، فبدلا من البحث عن موجات الراديو، ركزت هذه التقنية على التقاط ومضات ليزرية فائقة السرعة قد تمثل إشارات من حضارات متقدمة.

وبفضل هذه التقنية، تمكن ستانتون من رصد نبضات ضوئية غامضة من نجمين قريبين نسبيا، مشيرا إلى أن هذه النبضات ربما تكون وسيلة أكثر فاعلية ودقة للتواصل بين الحضارات الذكية، ما أعاد فتح الباب أمام فرضية وجود إشارات فضائية من حضارات متقدمة.

وفي دراسة حديثة نشرت في دورية "أكتا أسترونوتيكا"، وصف ستانتون تفاصيل اكتشافه، الذي جاء نتيجة مسح طويل شمل أكثر من 1300 نجم شبيه بالشمس باستخدام تقنية رصد النبضات الضوئية.

إعلان

وكانت النتيجة اللافتة هي رصد نبضتين ضوئيتين متطابقتين بفاصل زمني 4.4 ثوان صدرتا من النجم " إتش دي 89389″، الذي يقع على بعد نحو 100 سنة ضوئية في كوكبة الدب الأكبر.

دعا ستانتون إلى توسيع نطاق البحث باستخدام شبكة من التلسكوبات المتزامنة موزعة على مسافات كبيرة (مختبرات نوير) 4 ألغاز محيرة

ما جعل هذه النبضات لغزا علميا محيرا هو مجموعة من الخصائص الفريدة التي يصعب تفسيرها:

أولا: تغير سطوع النجم بسرعة مذهلة، إذ يزداد بشكل مفاجئ، ثم يخفت إشعاعه، ثم يعود إلى حالته الطبيعية، كل ذلك خلال 0.2 ثانية فقط، وهذا التغير السريع جدا يستحيل أن يكون نتيجة ضوضاء عشوائية أو اضطرابات جوية، وقد تساءل الباحثون: "كيف يمكن لنجم يبلغ قطره أكثر من مليون كيلومتر أن يختفي جزئيا خلال عشر الثانية؟". ثانيا: تكرار نبضتين متطابقتين، ففي 3 مناسبات منفصلة، تم رصد نبضتين متشابهتين للغاية يفصل بينهما فاصل زمني يتراوح بين 1.2 إلى 4.4 ثانية، والأغرب أن مثل هذه النبضات لم ترصد إطلاقا خلال أكثر من 1500 ساعة من الرصد لنجوم شبيهة. ثالثا: تطابق البنية الدقيقة، فتفاصيل النبضة الأولى تكررت بشكل شبه مطابق في النبضة الثانية، في نمط يصعب تفسيره من خلال أي آلية طبيعية معروفة. رابعا: لا يوجد أثر لأجسام متحركة، فباستخدام أجهزة تصوير واستشعار دقيقة، لم يتم رصد أي أقمار صناعية، طائرات، شهب أو حتى طيور في الخلفية يمكن أن تفسر هذه الومضات، وهذا يُسقط معظم الفرضيات الاعتيادية.

ولم يتوقف ستانتون عند الاكتشاف الجديد، بل عاد إلى تحليل بيانات أرشيفية، ووجد إشارتين ضوئيتين مماثلتين من نجم آخر شبيه بالشمس هو "إتش دي 217014″، والمعروف أيضا باسم " 51 بيغاسي"، وهذا النجم مشهور بكونه أول نجم اكتشف يدور حوله كوكب خارج المجموعة الشمسية، وذلك عام 1995.

والغريب أن هذه النبضات رصدت سابقا، لكن تم رفضها آنذاك باعتبارها ناتجة عن مرور طيور أمام التلسكوب، أما الآن، فتحليل ستانتون الحديث استبعد هذه الفرضية تماما، ما يزيد من احتمال أن ما رصد قد يكون بالفعل ظاهرة غير مفهومة حتى الآن.

إعلان فرضيات متعددة

وفي دراسته، استعرض ستانتون عددا من الفرضيات البديلة، مثل "تأثيرات الغلاف الجوي للأرض"، "انكسار الضوء بسبب أجسام داخل النظام الشمسي"، "موجات الجاذبية"، و"ظواهر طبيعية غير معروفة"، لكن أيا من هذه الفرضيات لم يتمكن من تفسير الظاهرة بالكامل.

أما الاحتمال الأكثر إثارة للجدل، فهو أن هذه النبضات قد تكون إشارات من حضارة فضائية ذكية، خاصة أن مصدر التذبذب يبدو قريبا نسبيا من الأرض، وربما داخل نظامنا الشمسي ذاته.

وبناء على ما توصل إليه، دعا ستانتون إلى توسيع نطاق البحث باستخدام شبكة من التلسكوبات المتزامنة موزعة على مسافات كبيرة، وسيساعد ذلك في تحديد اتجاه النبضات، وسرعتها، وحجمها، وبعدها بدقة.

ويؤمن ستانتون أن هذه الخطوة قد تكون نقطة تحول في تاريخ البحث عن الحياة الذكية خارج كوكب الأرض.

مقالات مشابهة

  • دعوة لبناء خط طوارئ فضائي لتفادى صدام المدارات بين أميركا والصين
  • بمحطة الفضاء الصينية.. اكتشاف بكتيريا جديدة لم تُسجل على الأرض من قبل
  • حمدان بن محمد يشهد توقيع اتفاقية استراتيجية بين مركز محمد بن راشد للفضاء و«فايرفلاي أيروسبيس» الأميركية
  • حمدان بن محمد: بصمات الإمارات في الفضاء لن تقل إشراقاً عن إنجازاتها على الأرض
  • حمدان بن محمد: بصمات الإمارات في الفضاء لن تقلّ إشراقاً عن إنجازاتها على الأرض
  • تعاون بين «أبوظبي للتنمية» و«إكبا» لإطلاق أول برنامج إقليمي لمتاحف التربة
  • أقوى عاصفة شمسية في 2025 تضرب الأرض: هل نحن على أعتاب كارثة تكنولوجية؟
  • نبضات غامضة من نجم يشبه الشمس.. هل هي إشارة من حضارة فضائية؟
  • أصدقاء في الفضاء يحمون الأرض
  • نيزك فضائي يكشف عن معادن لم تعرفها الأرض من قبل