لجريدة عمان:
2025-05-16@20:55:44 GMT

الحكم الرشيد

تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT

Your browser does not support the audio element.

تابعت في الأسابيع الماضية قرار حل البرلمان الفرنسي وإجراء انتخابات جديدة، وهو القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيميل ماكرون ولم يكن في حاجة إليه لأن مدة رئاسته للجمهورية الفرنسية كانت ستنتهي في عام ٢٠٢٧، إلا أنه شعر بأن المجتمع الفرنسي يموج بقدر من الغضب، لأسباب اقتصادية داخلية، ولأن المجتمع الفرنسي رأى أن الرئيس تجاوز صلاحياته التي منحها له الدستور بشأن دعم أوكرانيا، والتلويح بإرسال جنود فرنسيين لو اقتضى الأمر ذلك على حد قوله، إضافة إلى فشل الرئيس الفرنسي في إفريقيا بعد أن فقدت فيها فرنسا كثيرًا من هيبتها، وجميعها قضايا مهمة رأى الفرنسيون أن خطرًا داهمًا يهدد الجمهورية الفرنسية؛ لذا شهدت المدن الفرنسية خلال حكم الرئيس ماكرون مظاهرات هائلة هددت النسيج الاجتماعي والاقتصادي الفرنسي، الذي يعد من أوائل الشعوب في أوروبا التي أشاعت ثقافة الديمقراطية والانتصار لرأي الشعب، لذا كان قرار الرئيس الفرنسي بإجراء انتخابات برلمانية نزولًا على رأي الشعب.

أُجريت الانتخابات خلال الأسبوع الماضي، وقد نجم عنها حصول اليسار بمختلف فصائله على ما يشبه الأغلبية المطلقة، بينما كانت استطلاعات الرأي التي أجرتها العديد من المؤسسات تبشر بقدوم اليمين المتطرف، وهو ما لم يحدث، بل جاء ترتيبه في المرتبة الثالثة، وهو ما يقضي بحق اليسار بمختلف فصائله في تشكيل الحكومة، هذا هو المشهد كما تابعناه عبر كل وسائل الإعلام. ونحن نتابع هذا الحراك السياسي علينا أن نطرح سؤالا غالبا ما يردده كثير من المثقفين في كل أقطارنا العربية: لماذا تقدم الذين تقدموا وتخلف الذين تخلفوا؟ والإجابة واضحة وضوح الشمس، فالمجتمعات الديمقراطية هي المجتمعات الناجحة التي واصلت نضالاتها في سبيل الحصول على حريتها وحقها الطبيعي في اختيار حاكمها وممثليها في البرلمان، ولا بأس أن تحدث أزمات اقتصادية تمس حياة المواطن، إلا أن الحكومات غالبا ما تعدل من سياساتها حفاظًا على ما قطعته على نفسها من وعود تضمنها العقد الاجتماعي الذي يعد الوثيقة الأهم في العلاقة بين الشعب والحكومة.

الأمر مختلف تماما في كثير من أقطارنا العربية التي شهدت ثورات عارمة منذ عام ٢٠١١، أودت بعروش بعض حكامها، وهو أمر لم يكن مفاجئًا بل كان متوقعًا، فقد ذهب إلى غير رجعة العصر الذي تُهمش فيه الشعوب، ويمارس فيه الحكام سلطات مطلقة، من خلال دساتير أُعدت خصيصًا لحماية الأنظمة، وكلما هبت الشعوب للمطالبة بحقها في العدالة والحرية والمساواة والحكم الرشيد، راح سدنة الأنظمة وبعض مثقفينا وإعلامنا يخوفون الشعوب بدعوى الحفاظ على استقرار المجتمع، ولم يتورع البعض حين يقول بأن الشعوب العربية ليست مؤهلة بعد لممارسة حقوقها السياسية.

لست من الداعين لتطبيق النظم السياسية الأوروبية تطبيقا حرفيا، فالقضية ليست في شكل الأنظمة ملكية كانت أو جمهورية، وإنما القضية تكمن في العدالة والحكم الرشيد واحترام إرادة الشعوب في اختيار نظمها وسياسات حكوماتها أيا كان شكل الحكم الذي ترتضيه الشعوب، شريطة أن تكون مصلحة الشعب فوق مصلحة الأنظمة الحاكمة، ولدينا تجارب ناجحة في العالم العربي خلَّفت لنفسها شكلًا مستقلًا في نظام الحكم، الذي حقق نجاحات كبيرة في التنمية والعدالة والسلم الاجتماعي، ولعل التجربة الفرنسية حينما أُجريت الانتخابات الأخيرة تعد نبراسًا لحكومات عربية قادرة على إقامة العدالة واحترام إرادة الشعب الذي خرج بالملايين رافضًا اليمين المتشدد بعد أن شعر الفرنسيون بأن سياسات هذا الحزب تهدد السلم الاجتماعي وتطيح بالمكاسب الديمقراطية التي حققها الفرنسيون عبر ثلاثة قرون.

يُتابع العرب في كل أقطارهم الانتخابات التي تُجرى في العالم في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي بلدان آسيوية عديدة من قبيل التسلية ومحاولة فهم ما يحدث في العالم من سياسات كانت بمثابة الدرس الأهم الذي نقل هذه الشعوب من مجتمعات ممزقة يسود فيها القتل والتعصب والفساد، إلى مجتمعات تنتفض سلميًا دفاعًا عن الديمقراطية التي استقرت وأصبحت بمثابة سياسة ثابتة لا يجرؤ أي نظام على تجاوزها، إيمانًا بأنها القضية الأهم، حينما تفوض الشعوب أحزابًا وحكامًا لكي يتولوا إدارة شؤون بلادهم بإرادتهم واختيارهم وفق البرنامج الذي اختارت الشعوب حكامها على أساسه لم يحدث ذلك مصادفة، وإنما هي مكتسبات حصلت عليها الشعوب بعد أن دفعت أثمانا باهظة من دمائها عبر قرون.

لم يقرأ الكثير من حكامنا التاريخ جيدا، ولم يجرؤ كثير من مثقفينا على الخوض في هذه المساحات الغامضة، بل راح البعض يروج لأنظمة ديكتاتورية ولم ينبهوا حكامهم إلى أهمية الحكم الرشيد باعتباره طوق نجاة للشعوب المقهورة، ولم يتناول كثير من المثقفين في كتاباتهم تجارب دول في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، حينما كانت الديمقراطية هي العصا السحرية التي نقلت هذه الشعوب من العالم الثالث إلى العالم المتقدم، لم يحدث ذلك إلا من خلال الديمقراطية والحكم الرشيد، ولم يلتفت الكثيرون إلى أهمية الإصلاح من الداخل، بينما كانت المشاكل تتفاقم في ظل قبضة أمنية لم تتمكن من ردع الشعوب التي انتفضت من تونس إلى مصر وليبيا وسوريا وصولًا إلى اليمن مخلّفة وراءها آثارًا مدمرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، لم تسلم منها هذه الدول بعد رغم مرور أكثر من عشر سنوات.

لست بصدد المقارنة بين ما يحدث في واقعنا العربي وما يحدث في أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بل علينا أن نستعيد تجارب دول لا تملك أي مصادر طبيعية، جميعها في آسيا، إلا أنها حققت نجاحات مذهلة في الاقتصاد والتنمية والحكم الرشيد، وهي تجارب تستحق القراءة والتمعن بعناية، لأنها حققت الاستقرار والسلم الاجتماعي وتنمية البشر، ولم تكن هذه التجارب بالضرورة نقلًا عن التجارب الأوروبية، وإنما اختارت الشعوب نظمها وحكامها من خلال عملية إصلاح أتت معظمها من الداخل، وهو ما جنّب هذه البلاد مخاطر الثورات التي غالبًا ما تدفع الشعوب ثمنها باهظًا، بل ربما تضاعف من بطش حاكمها، لكن كل هذه الأنظمة قد حافظت على السلم الاجتماعي في ظل منظومة سياسية وقانونية كانت العامل الأهم في تنمية هذه البلاد، التي اقترب دخل المواطن فيها الآن إلى ما يقترب من دخل المواطن الأوروبي.. الدرس الأهم هو الحكم الرشيد، وهو الحكم الذي يستند إلى إرادة الشعب باعتباره الوسيلة الوحيدة للدفع بالمجتمع إلى التضامن والتكافل والوحدة سعيًا إلى حياة أفضل.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحکم الرشید کثیر من

إقرأ أيضاً:

الحكم على مهاجم سلمان رشدي بالسجن 25 عام

مايو 16, 2025آخر تحديث: مايو 16, 2025

المستقلة/- حُكم على رجل من نيوجيرسي، يوم الجمعة، بالسجن 25 عامًا لطعنه الروائي السير سلمان رشدي وإصابته بعمى جزئي على منصة محاضرات في نيويورك.

أُدين هادي مطر، البالغ من العمر 27 عامًا، بمحاولة القتل والاعتداء في وقت سابق من هذا العام.

كان سلمان رشدي على خشبة المسرح يلقي كلمة أمام الجمهور في أغسطس 2022، عندما طُعن عدة مرات في وجهه ورقبته. أدى الهجوم إلى فقدانه البصر في إحدى عينيه، وتضرر كبده، وشلل يده نتيجة تلف أعصاب في ذراعه.

جاء هذا الهجوم بعد 35 عامًا من صدور رواية سلمان المثيرة للجدل “آيات شيطانية”، والتي لطالما جعلته هدفًا لتهديدات بالقتل بسبب تصويرها للنبي محمد.

حُكم على مطر بالسجن لمدة 25 عامًا كحد أقصى لمحاولة قتل سلمان رشدي.

كما أُدين بالاعتداء على هنري ريس، الشخص الذي كان يُجري مقابلة مع سلمان رشدي، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات بالإضافة إلى ثلاث سنوات بعد الإفراج عنه بسبب هذا الاعتداء.

قال المدعي العام لمقاطعة تشوتاوكوا، جيسون شميدت، يوم الجمعة، إنه يجب تنفيذ الأحكام بالتزامن لأن الضحيتين أصيبتا في نفس الحادث.

قبل النطق بالحكم، وقف مطر وأدلى بتصريح حول حرية التعبير، وصف فيه رشدي بالمنافق، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس.

قال مطر، مرتديًا ملابس السجن المخططة البيضاء ومكبل اليدين: “سلمان رشدي يريد إهانة الآخرين. يريد أن يكون متنمرًا، يريد أن يتنمر على الآخرين. لا أتفق مع ذلك”.

لم يحضر رشدي الى المحكمة يوم الجمعة لحضور النطق بالحكم على مطر.

أُدين مطر بمحاولة القتل والاعتداء في فبراير 2025، بعد محاكمة روى خلالها رشدي بالتفصيل اللحظة التي شعر فيها بأنه على وشك الموت.

خلال المحاكمة التي استمرت أسبوعين، شهد بأنه رأى رجلاً يندفع نحوه أثناء وجوده على خشبة المسرح في معهد الفنون التاريخي في تشوتاوكوا، نيويورك.

قال إن عينيّ مهاجمه “كانتا داكنتين وبدتا شرستين للغاية”.

وقال للمحكمة أنه لم يدرك في البداية أنه طُعن، بل ظن أنه تعرض للكمة.

طعن مطر رشدي 15 طعنة إجمالاً في خده وصدره وعينه ورقبته وفخذه.

جادل المدعون بأن الهجوم كان مُستهدفًا.

ثم قال محامي الادعاء جيسون شميدت لهيئة المحلفين: “كان هناك الكثير من الناس في ذلك اليوم، لكن لم يكن هناك سوى شخص واحد مُستهدف”.

وجادل محامي الدفاع أندرو براوتيجان بأن الادعاء لم يُثبت أن مطر كان ينوي قتل سلمان رشدي.

لم يُدلِ مطر، الذي دفع ببراءته، بشهادته في دفاعه. ولم يستدعِ محاموه أي شهود.

قال مطر عن المؤلف في مقال نُشر في صحيفة نيويورك بوست عام 2022: “لا أعتقد أنه شخص جيد. إنه شخص اعتدى على الإسلام”.

أشاد مطر بالمرشد الأعلى الإيراني، آية الله الخميني، لدعوته إلى إعدام السير سلمان.

وقع الهجوم بعد حوالي 35 عامًا من نشر رواية السير سلمان المثيرة للجدل “آيات شيطانية”.

أثارت الرواية، المستوحاة من حياة النبي محمد، غضبًا بين بعض المسلمين الذين اعتبروا محتواها مهين للأسلام.

واجه رشدي تهديدات لا تُحصى بالقتل، واضطر للاختباء لمدة تسع سنوات بعد أن أصدر الزعيم الديني الإيراني فتوى – أو مرسومًا – يدعو إلى قتل المؤلف بسبب الكتاب.

لكن في السنوات الأخيرة، قال المؤلف إنه يعتقد أن التهديدات الموجهة إليه قد تضاءلت.

قبل الهجوم مباشرة، قال رشدي لمجلة ألمانية إنه يشعر أن حياته “طبيعية نسبيًا”.

ووصف الروائي البريطاني الهندي تجربته وطريقه الطويل نحو التعافي في مذكراته بعنوان “السكين: تأملات بعد محاولة قتل”.

مقالات مشابهة

  • الحكم على مهاجم سلمان رشدي بالسجن 25 عام
  • اليمنيون يباركون العمليات بعمق الكيان ويدعون الشعوب العربية للتحرك(صور)
  • السيد القائد: شعبنا العزيز يقدم النموذج الملهم لكل الشعوب في كل العالم وهذا الموقف العظيم له أهميته عند الله (إنفوجرافيك)
  • الرئيس أحمد الشرع: سوريا لكل السوريين بكل طوائفها وأعراقها ولكل من يعيش على هذه الأرض المباركة، التعايش هو إرثنا عبر التاريخ وإن الانقسامات التي مزقتنا كانت دائماً بفعل التدخلات الخارجية، واليوم نرفضها جميعاً.
  • الرئيس أحمد الشرع: وخلال الستة أشهر الماضية، وضعنا أولويات العلاج للواقع المرير الذي كانت تعيشه سوريا، وواصلنا الليل بالنهار، فمن الحفاظ على الوحدة الداخلية والسلم الأهلي، وفرض الأمن وحصر السلاح، إلى تشكيل الحكومة واللجنة الانتخابية.
  • "فنون تطبيقية حلوان تنظم يوم الشعوب الدولي السادس
  • سفراء التعايش يطلقون مبادرات نوعية لصناعة السلام بين الشعوب
  • «سفراء التعايش» يطلقون مبادرات نوعية لصناعة السلام بين الشعوب
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • استكانة قادة.. قصة الخيانة والتضليل