كوشكي ونعوم تشومسكي يدافعون عن القضاء العراق
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
24 يوليو، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
حسن آل سلطان
“صرخة العقلانية في وجه الازدواجية”
تاريخ بنية على العنصرية والدموية الولايات المتحدة الأمريكية، رغم تظاهرها بالحرية والديمقراطية، تحمل في طيات تاريخها العديد من الممارسات التي تجسد أسوأ أشكال الفساد والعنصرية. من البداية وحتى اليوم، نجد أن النظام الرأسمالي الأمريكي قد بُني على أسس تستند إلى التمييز العرقي والاقتصادي، واستغلال الأفراد والمجتمعات بطرق مختلفة.
الفساد المؤسسي في الولايات المتحدة
الفساد في الولايات المتحدة ليس مجرد انحراف عن المعايير الأخلاقية؛ بل هو جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي الذي يتعمد تغذية الفوارق الاجتماعية والاقتصادية. من خلال سياسة الديموقراطية المزعومة، يتم التلاعب بالقوانين لصالح الفئات الأكثر نفوذاً، مما يتيح للشركات الكبرى والأفراد الأثرياء التهرب من المحاسبة القانونية. يعتبر كتاب “تاريخ أمريكا المستطاب” لمحمد صادق كوشكي مرجعاً مهماً يسلط الضوء على الفساد المؤسساتي الأمريكي باسلوب ساخر من خلال استعراض وثائق تاريخية تكشف الأوجه الحقيقية للسياسة الأمريكية.
تاريخ العنصرية والدموية
تعتبر العنصرية من أهم الأدوات التي استُخدمت في بناء الدولة الأمريكية. بدأ ذلك مع الإبادة الجماعية للسكان الأصليين واستعباد الأفارقة، وهو ما يشكل جانباً مظلماً من تاريخ أمريكا. فقد سعت الحكومات الأمريكية المتعاقبة إلى تأسيس اقتصادها على العبودية، وتوسيع نفوذها من خلال حروب وحشية ضد الشعوب الأصلية والمهاجرين.
في كتاب “أوهام الشرق الأوسط”، يقدم أفرام نعوم تشومسكي نقداً لاذعاً للسياسة الأمريكية التي تميزت بازدواجية المعايير. يعرض تشومسكي كيف أن الولايات المتحدة تروج لمبادئ الحرية والديمقراطية في العالم، بينما تمارس العنف والتمييز على أراضيها وتدعم الأنظمة المترهلة في الخارج. هذه الازدواجية ليست وليدة اليوم، بل لها جذور عميقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث كانت المصالح الاقتصادية والسياسية دائماً تأتي في المرتبة الأولى، بغض النظر عن الثمن الإنساني.
الرأسمالية والفساد: وجهان لعملة واحدة
الرأسمالية الأمريكية ليست مجرد نظام اقتصادي، بل هي نظام اجتماعي يقوم على استغلال الأفراد لصالح الشركات الكبرى. يعاني العمال والمواطنون من تدني الأجور وسوء ظروف العمل، بينما تجني الشركات أرباحاً طائلة على حساب حقوقهم الأساسية. يُظهر كتاب “تاريخ أمريكا المستطاب” كيف أن الحكومات الأمريكية قد دعمت هذه السياسات بشتى الوسائل، من خلال سن قوانين تُعزز من قوة الشركات على حساب المواطنين العاديين.
في سياق السياسة الخارجية، نجد أن الولايات المتحدة تستخدم نفوذها الاقتصادي والسياسي للضغط على الدول الأخرى، وفرض سياساتها الخاصة التي تخدم مصالحها دون مراعاة لحقوق الشعوب الأخرى. فمثلاً، تدخل الولايات المتحدة في العراق لم يكن بدافع نشر الديمقراطية كما تدعي، بل كان لفرض سيطرتها على الموارد النفطية والسيطرة على احد اهم مراكز الهلال الخصيب في الجغرافية السياسية مع ضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.
ازدواجية السياسة الأمريكية في العراق
عند النظر إلى الوضع الحالي في العراق، يتضح جلياً كيف أن الولايات المتحدة تستمر في ممارسة سياسة ازدواجية المعايير. بينما تدعي دعمها للاستقرار والديمقراطية في العراق، نجد أنها تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وتعمل على زعزعة مؤسساته الأساسية. المثال الأبرز على ذلك هو الانتقاد الأمريكي الأخير للقضاء العراقي ورئيس مجلس القضاء الأعلى من قبل عضو في مجلس النواب الأميركي، لمؤسسة تعد من أعمدة المجتمع العراقي، العراق يمتد تاريخه لآلاف السنين في سن القوانين وتنظيم الحياة العامة.
هذا النقد الأمريكي، الذي صدر عن الكونغرس تجاه شخصيات في القضاء العراقي، يكشف مدى التدخل الأمريكي السافر في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فمن هي الولايات المتحدة، التي بنيت على الفساد والعنصرية، لتقيّم مؤسسات دولة ذات حضارة عريقة كتلك التي في العراق؟ يجب أن نقف عند هذا التدخل ونتدبر الأمور بعمق، لأن السكوت عليه قد يؤدي إلى تآكل المؤسسات العراقية وضياع قيمها وتاريخها.
الاستغلال الثقافي والإعلامي
تستخدم الولايات المتحدة الثقافة والإعلام كأدوات للترويج لمفاهيمها الرأسمالية والمبرراتية. يتم تسويق نمط الحياة الأمريكي على أنه المثال الذي يجب على العالم كله أن يسعى إلى تحقيقه، متجاهلين بذلك التنوع الثقافي والاختلافات الاجتماعية. هذا الاستغلال الثقافي ليس مجرد نوع من الغزو الثقافي، بل هو أداة لتشويه الحقائق وفرض نمط حياة استهلاكي يدعم مصالح الشركات الكبرى.
الانتقادات والنقد الأدبي والتاريخي
لقد أسهم العديد من الكتاب والمفكرين في كشف حقائق الفساد والرأسمالية في الولايات المتحدة، مشيرين إلى التناقضات في السياسات الأمريكية. كتابات مثل “تاريخ أمريكا المستطاب” و”أوهام الشرق الأوسط” تقدم رؤى نقدية تُبرز كيف أن أمريكا التي تدعي نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، تمارس أبشع أشكال العنصرية والفساد في الداخل والخارج.
هذه الكتب وغيرها، تلقي الضوء على التاريخ الحقيقي للولايات المتحدة، وتعطي القارئ فهماً عميقاً لكيفية تشكل النظام الرأسمالي الأمريكي على أساس الفساد واستغلال الشعوب. يجب أن نتعلم من هذه الدروس التاريخية ونسعى لعدم تكرارها في المستقبل.
الخلاصة
إن الفساد والرأسمالية في الولايات المتحدة ليسا مجرد انحرافات مؤقتة، بل هما جزء لا يتجزأ من النظام الأمريكي منذ نشأته. هذا النظام الذي بني على العنصرية والدموية يستمر في استخدام أدواته التقليدية من خلال السياسة الخارجية والداخلية لتحقيق مصالحه دون اعتبار للحقوق الإنسانية.
عند قراءة كتب مثل “تاريخ أمريكا المستطاب” لمحمد صادق كوشكي و”أوهام الشرق الأوسط” لأفرام نعوم تشومسكي، نكتشف حجم التناقضات في السياسات الأمريكية وندرك كيف أن هذه السياسات تؤثر سلباً على الشعوب الأخرى، بما في ذلك العراق. يجب أن نسمي الأمور بمسمياتها ونعمل على كشف الحقائق وتوعية المجتمعات بمخاطر الفساد والرأسمالية، وأن نقف في وجه التدخلات الأجنبية التي تسعى لزعزعة استقرار بلادنا ومؤسساتنا.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة فی العراق من خلال کیف أن
إقرأ أيضاً:
العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!
فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!
كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!
يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!
أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!
أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.
واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!
وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!
على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.
فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.
لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!
والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!
أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!
وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!
القدس العربي