سواليف:
2025-05-20@23:43:27 GMT

نور على نور

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

#نور_على_نور

د. #هاشم_غرايبه

كثير من المعرضين عن منهج الله تكاسلا وقلة همة، أو من الذين وجدوا أنفسهم مسلمين بالوراثة لكن لما يدخل الإيمان في قلوبهم، كثير من هؤلاء يتشككون في مصداقية وعد الله بنصر عباده المؤمنين، بغض النظر عن قوة من يعادونهم أو تفوقهم، لسبب بسيط وهو أن الله هو موجد قوانين الطبيعة وسننها الكونية، وهو الوحيد الذي بيده تعديلها أو تعطيلها متى شاء.


بالطبع هم يستندون على الواقع، ويقيسون وفق سير الأحداث، لكن عيب معيارهم أنه متسرع هلوع، لأنهم يحسبون الزمن بمعيار البشر النسبي، الذي يرى زمن الأحداث السعيدة يمر كلمح البصر، وزمن المصاعب والكروب يمر بطيئا وكأن اليوم سنة.
مقياس الله الأزلي مختلف، ولا قيمة لديه لعدد الأيام والشهوروالسنين في حساب طول المدة أو قصرها، بل بتوفر العوامل التي يُجري السنن بموجبها من غير اهتمام، قصر الزمن أو طال، لكن السنة الكونية المتعلقة بذلك مؤكدة الحدوث، ولا تتأثر بأي عامل آخر سوى الشروط التي أثبتها مبدع الكون وخالق المخلوقات والتي أسماها كلمات الله (السنن التي وضعها حاكمة لأحداث الكون ومعيشة المخلوقات)، ولم يسمها قوانين الطبيعة، لأن القوانين محكومة بثابت أعلى يجريها، بينما الكلمات أوامر لا يحكمها شيء غير الذات الإلهية، والتي لا يعلوها شيء ولا قبل لأي ظرف أو مصادفة بتعديلها أو التأثير فيها.
من هنا نفهم أن وعد الله حق مطلق، سيحدث حتما، ولا يمكن إخلافه، لأن الإنسان إذا وعد وعدا، قد ينفذه وقد يخلفه حتى لو كان صادق النية فيه، ويعتذر بظروف قاهرة منعته، لكن الخالق القدير فوق كل المعذّرات، فلا شيء يمكن أن يحول دون تنفيذ وعده، فهو الذي يخلق الظروف ويلغيها.
وقد أكد هذا الوعد في أكثر من موضع في كتابه العزيز، مثل قوله تعالى: “كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي” [المجادلة: 21]، كما قال: “وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون” [الصافات: 173]، وقال: “إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد” [غافر: 51]، فضمن الله لهم النصر في الدنيا والآخرة.
كما بين لنا تعالى أن وعده هذا ليس وقفا على نصره رسله والذين آمنوا معهم زمن الدعوة فقط، بل كل من اتبعهم الى يوم الدين، شريطة الصدق في الإيمان: “وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا” [المائدة:12].
وفي قوله تعالى: “إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] حدد شروط الصدق في الإيمان بثلاثة:
1 – الإيمان بالله إلها واحدا لا شريك له.
2 – الإيمان بخاتم رسل الله واتباع الدين الذي دعا له، وثباتهم على ذلك من غير أن يخاط إيمانهم أي شك.
3 – الجهاد بالمال وبالنفس دفاعا عن عقيدتهم وحماية للدعاة الداعين لا تباعها.
كما أكد أن وعده نصر هؤلاء الصادقين في إيمانهم إن كان ديدنهم عمل الصالحات أيضا، فيمكن لهم في الأرض من بعد نصرهم بإقامة دولة إسلامية عزيزة الجانب، لكي يطبقوا منهج الله، وعندها يستتب لهم الأمن فلا يخشون عدوا باغيا، ويحققون الاكتفاء ويعم عليهم الرخاء: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، وقد ثبت تحقق ذلك تاريخيا بقيام الدولة الراشدة التي حققت الأمن والرخاء فعلا، واستمر ذلك ما استمر ايفاء المؤمنين بالشروك الآنفة.
النقطة الهامة أن الله تعالى لا يتعامل مع البشر كأفراد فقط، بل يتعامل مع المجتمعات كوحدة واحدة، فلو وجد أفراد محققون للشروط بذاتهم، لكنهم لا يؤثرون في المسار العام للمجتمع، والمحصلة العامة فاسدة، فيعتبره الله فاسدا.
من هنا لا ينفع الصلاح الفردي في مجتمع مؤمن، لكن يحكمه نظام سياسي معرض عن منهج الله ومتبع لغيره، فلا يمكن أن ينصره الله مهما كانت نسبة العابدين الطائعين، لذلك رأينا الدول العربية تنهزم هزائم منكرة، رغم أنها كانت أكثر عددا وعدة من مجاهدي القطاع، فيما نصر الله المجتمع الصغير المحاصر، الذي يحكمه مؤمنون صادقون ومتبعون لمنهج الله.

مقالات ذات صلة كلماتٌ في وداع إسماعيل هنية “أبو العبد” 2024/08/03

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: نور على نور

إقرأ أيضاً:

الكوكب الذي غاب عن السماء.. زاهر البوسعيدي في ذمة الله

 

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

 

لم يكن رحيل الأخ والصديق زاهر بن سالم البوسعيدي مجرد غياب جسد، بل كان لحظة فارقة، حملت معها الكثير من المعاني، وأيقظت فينا الحنين إلى زمن الطفولة وصفاء البدايات.

كان رحيله في يوم غير عادي، يوم جمعة مُبارك، اجتمعت فيه الأسرة كما اعتادت، على مائدة الغداء، في مشهد يفيض بأريج المحبة ودفء الأخوة. تبادلوا أطراف الحديث، تدارسوا القرآن الكريم، كما كانوا يفعلون في عهد والدهم، الشيخ الجليل سالم بن خليفة البوسعيدي، رحمه الله. كأن الرحيل أراد أن يكون تذكرة بما كانت عليه الأسرة، وأن يختم حياة زاهر بجلسة عامرة بالألفة، بين اثني عشر كوكبًا، كان هو كوكبهم الأوسط.

ولعل من أعمق ما يربطني بزاهر، رحمه الله، أن علاقتنا لم تكن وليدة يوم أو صدفة، بل جذورها تمتد إلى جيل الآباء. فقد كان والدي، الشيخ الجليل علي بن محمد الطوقي الحارثي، يرتبط بصداقة متينة بوالد زاهر، الشيخ الجليل سالم بن خليفة البوسعيدي، رحمهما الله جميعًا. ومن تلك العلاقة الأبوية المُباركة نبتت علاقة الصداقة بيني وبين زاهر، فترسخت، واتسعت لتشمل إخوانه الكرام، أحبّتي أحمد وسعيد ومحمد وبقية الإخوة، علي وسليمان وحافظ وخلفان وخليفة حتى صرنا نعد أنفسنا أسرة واحدة، تربطنا محبة صادقة ووئام دائم، قَلَّ أن نجد له نظيرًا.

أكتب هذه الكلمات لا لأرثي زاهر فحسب، بل لأحيي ذكراه، وأخلّد أثره. فهو لم يكن صديق الطفولة فقط، بل رفيق الدراسة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وزميل حلقات تحفيظ القرآن الكريم في جامع السلطان قابوس بروي. عرفته رفيق درب ذكيًا، وشابًا طموحًا، ورجلًا لا يعرف الكلل ولا الملل.

تميّز زاهر منذ صغره بحب الرياضة وروح القيادة، فأسس فريق كرة اليد في نادي فنجا، وبذل فيه من الجهد ما جعله فريقًا منافسًا على الساحة الرياضية، فكانت النتيجة أن أُسندت إليه مهمة تدريب المنتخب الوطني لكرة اليد، وهو إنجاز لم يأتِ من فراغ، بل من عزيمة صادقة وإيمان راسخ بقدراته.

لكن زاهر، رحمه الله، لم يكن رياضيًا فقط، بل كان إنسانًا واسع القلب، له قاعدة عريضة من الأصدقاء الذين ظلوا أوفياء له حتى اللحظة الأخيرة، وقد لمسنا ذلك في مجلس العزاء، حيث توافد الأحبة من كل حدب وصوب لتقديم التعازي، واستحضار ذكراه الطيبة.

رغم أن لقاءاتنا تباعدت في السنوات الأخيرة، بسبب مشاغل الدنيا التي لا تنتهي. إلا أن زاهر ظل حاضرًا في القلب. والوجدان، أذكر أنني التقيته ذات مرة، فقلت له ممازحًا: "مختفي يا كابتن زاهر!" فكنت أحب أناديه بالكابتن فضحك وقال: "بعد التقاعد من مستشفى السلطاني، اشتريت مزرعة صغيرة في مدينة المصنعة.. فبعد التقاعد وجدت ضالتي في الزراعة أحب الزراعة، وأدعوك لتناول الخضروات الطازجة من مزرعتي." وما زال صدى تلك الدعوة يتردد في أذني، وقد حالت مشاغل الدنيا بيني وبين تلبيتها.

رحل زاهر، ولكنه ترك خلفه سيرة عطرة، وعلاقات طيبة، وإنجازات باقية. رحل بعد حياة حافلة بالعطاء، والطاعة، والعمل، تاركًا قلوبًا مُحبة، وذكريات لا تُنسى.

نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه عنّا وعن وطنه وأسرته خير الجزاء.

وداعًا يا أبا سالم.. إلى جنات الخلد بإذن الله.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • صلاة الشكر .. حكمها ودعائها وشروط صحتها
  • فضل صلاة الضحى.. فوائد عظيمة اغتنمها ولا تتكاسل عن أدائها
  • لماذا نحر الأضحية في العيد الكبير .. 7 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • الكوكب الذي غاب عن السماء.. زاهر البوسعيدي في ذمة الله
  • اهالي بيت محسير عامة وآل حماد النجار خاصة ينعون المرحومة الشابة المتعبدة ريانا احمد حماد
  • هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر؟.. دار الإفتاء تجيب
  • الكائنات الغريبة التي لم نعهدها
  • حرم المرحوم شفيق عبنده في ذمة الله تعالى
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • الذكرى الـ77 للنكبة: كسر الصمت في أضعف الإيمان