الجزيرة:
2025-12-13@00:44:55 GMT

ميراث البشرية.. هل اللحاق الحضاري ممكن؟

تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT

ميراث البشرية.. هل اللحاق الحضاري ممكن؟

لقد حققت الحضارة الغربية مستوى مذهلا من التطور العلمي أثر على كل مناحي العمران والحياة، إذ يؤكد علماء التاريخ أن الـ200 سنة الماضية اختلفت علميا بشكل جذري عن الـ4 آلاف التي سبقتها، وفي الـ50 سنة الماضية فاق التطور العلمي ما تحقق في 200 سنة ماضية.

كما تسارعت في الـ20 سنة الأخيرة التطورات العلمية بشكل لا محدود، بفضل الإنترنت والتكنولوجيات الحيوية والذكاء الاصطناعي حتى بات الإنسان يفكر في محددات أخلاقية وقانونية تؤطر هذا التطور المذهل حتى لا يدمر نفسه بنفسه.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المفكر المغربي طه عبد الرحمن: هكذا تناولت السيرة النبوية فلسفياlist 2 of 2ضلال المعرفة.. من الميثولوجيا إلى الرؤية الاستعماريةend of list

إننا حينما ننظر إلى هذا التطور الباهر للعلوم والاكتشافات في مختلف المجالات، والفرق الحضاري الهائل بيننا وبين هذه المستويات الخرافية يصيبنا الإحباط ويتهيأ لنا بأن اللحاق الحضاري مستحيل، والأفضل لنا أن نقنع بالمنتجات الحضارية وأن نندمج في الحضارة التي أنشأتها.

ولكن الأمر ليس هكذا ولله الحمد، فثمة فرق بين الأمم التي تشتري المنتجات التي تسهل لها الحياة وتتمتع بها فحسب كما هو حالنا، والأمم التي تشتري المنتجات فتنعم بها ولكن تهيئ لها كذلك الموارد البشرية التي تشغلها وتفككها وتحاكيها وربما تصنع أفضل منها، كما كان حال اليابان مع المنتجات الأميركية الأوروبية ثم الصين التي لحقت اليابان بعد فرق 40 سنة.

واليوم الصين والغرب كفرسي رهان، ثم ها نحن أولاء بعد الصين واليابان العديد من الدول ومنها في بلادنا الإسلامية، كتركيا وإيران وإندونيسيا وماليزيا وباكستان، قد دخلت عالم التكنولوجيا والصناعات الحديثة، بل باتت تصنّع سلاحها.

سألت ذات يوم دكتور مهاتير، كيف صنعت نهضة ماليزيا؟ وكنا واقفين لا يسمح الوقت بإجابة طويلة، فأجابني جوابا مختصرا قائلا: "عزمت على أن أجعل المهندس الماليزي قادرا على العمل بكفاءة في مصنع بالمعايير اليابانية"، فاللحاق بالحضارة الغربية لا يكون إذن من خلال تكديس منتجاتها، ولكن بالركوب في قطارها عن طريق الإنسان الذي يكون في مستواها العلمي ويستطيع أن يركب من أي محطة من محطاتها.

إن الأميركيين والسوفيات لم يهزموا الألمان في الحرب العالمية الثانية لأنهم تفوقوا علميا، إذ لم يكونوا أبدا في المستوى التكنولوجي الذي كانت عليه ألمانيا آنذاك، ولكن لأن المنظومة الفلسفية والإنسانية والاجتماعية الألمانية كانت متطرفة وعنصرية تحتقر الإنسان، ولم تجعل حدا لأطماعها وجرائمها.

ومما أسهم في اللحاق بها استضافة علمائها في مخابر أميركا والاتحاد السوفياتي بعد خسارتها في الحرب. وحين سبق الاتحاد السوفياتي الولايات المتحدة الأميركية في علوم الفضاء وبلوغ سطح القمر في الستينيات أرجع الرئيس الأميركي جون كينيدي ذلك إلى تراجع المستوى التعليمي في بلاده.

وحينما انتهت الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية في بداية التسعينيات لم يكن ذلك بسبب ضعف تطورها العلمي والتكنولوجي وإنما بسبب فلسفتها المصادمة للفطرة ومنظومتها الاجتماعية والإدارية المتكلسة، ثم إنه رغم استمرار التفوق الغربي تحت القيادة الأميركية في الجوانب العلمية والاقتصادية والعسكرية فإن المعطيات التي بين أيدينا في العقد الأخير تدل بأن الريادة ستكون في هذه المجالات للصين.

وسيكون ذلك في وقت غير بعيد بالنظر لتفوق هذا البلد في مؤشرات النمو التي تسجلها في براءات الاختراع والصناعة والتجارة وغير ذلك. وقد بدأت تتبعها دول أخرى بهذا الصدد في العالم الشرقي، ومن المفيد أن نعلم بأن تسع العشر من الباحثين في مخابر بعض الدول الغربية هم من شرق وجنوب الكرة الأرضية.

وإذا التفتنا إلى أسباب هذا الفتور الغربي لوجدناها في توقف الشغف الحضاري لدى الإنسان الأميركي والأوروبي بسبب انهيار المنظومة الأخلاقية، إلى الحد الذي صارت فيه الإباحية والنزعات الشاذة تحمى وتشجع بالقانون مما أدى إلى نهاية الأسرة وإزهاق الروح الاجتماعية، كما أدى هيجان الغريزة وانكسار ضوابط الفلسفة الفردانية وفشو الحياة المادية إلى تأليه السوق وتحول الاستهلاك إلى طقوس منضبطة للديانة الجديدة.

وقد دفع ذلك كله إلى تحول الحضارة الغربية إلى آلة فتاكة للظلم والاعتداء على الشعوب وتدمير ركائزها الثقافية لكي لا تنهض من سباتها ولا تفكر في النهوض. وتلك هي إرهاصات سقوط الحضارات على قول ابن خلدون وتوينبي وشبنغلر ومالك بن نبي.

إرث الحضارات

إن الحضارات ميراث البشرية، تورث كما تورث كل تركة، وعلى هذه السنة ورثت الحضارة الإسلامية علوم وفلسفة اليونان وطوّعتها وفق منظومتها الفكرية والثقافية والاجتماعية الإسلامية، وحين انتهت الحضارة الإسلامية ورث الغرب ميراثها، وطوّعه لثقافته ومنظومته الفكرية والاجتماعية المسيحية.

وحين كان الغرب ينقل ميراث الحضارة الإسلامية منذ عهد النهضة الكارولنجية في القرن التاسع الميلادي ثم النهضة الإيطالية فالأوروبية والإصلاح الديني ابتداء من منتصف القرن الـ14، لم تكن أوروبا أقوى من العالم الإسلامي بل كان الأتراك المسلمون يدكون دولهم ومدنهم دكا، غير أن شيئا ما حدث آنذاك في وعيهم الاجتماعي وفي منظوماتهم الإنسانية والإدارية والتعليمية بما جعلهم مؤهلين للحضارة.

وهكذا هو الحال اليوم لا نحتاج أن نكون أقوى من غيرنا ماديا وعلميا لنرث الحضارة الغربية ونستأنف حضارتنا الإسلامية، وإنما نحتاج أن نكون متفوقين فكريا وإنسانيا واجتماعيا وإداريا وتنظيميا، ولذلك يجب أن نعي بأن التحكم في العلوم الاجتماعية أهم من تحكمنا في العلوم التكنولوجية، ليس لأن هذه العلوم أو تلك أو ذانك العلم أو ذاك أفضل من الآخر، وإنما العلوم التكنولوجية قابلة للانتقال حينما تكون المنظومة الاجتماعية والإنسانية قوية تعبر عن ثقافة بلدها وذات رؤية حضارية.

لقد فهم الغرب أدوار العلوم التكنولوجية وأدوار العلوم الاجتماعية، فوجّه وأتباعه، منذ عهد الاستعمار إلى الآن، نجباء وأذكياء الأمة إلى العلوم الكونية والتكنولوجية لتحويلهم إلى تقنيين في مصانعهم ومنشآتهم الرأسمالية، ولسرقة عقول كثير منهم باضطرارهم إلى الهجرة إليهم بسبب غياب البيئة العلمية في بلداننا وغياب الأفق المعيشي وخصوصا بسبب الفساد والاستبداد.

كما منعوا وزهدوا المتفوقين دراسيا في جامعاتنا في دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية، لكي لا يتحول النجباء إلى مفكرين وعلماء وباحثين في هذه الاختصاصات. ولكي لا نقدر على إنشاء المنظومات البنائية التي تجعل مجتمعاتنا حرة بوفرة القادة الواعين، وقادرة على تنظيم نفسها واستغلال مواردها، مهما كانت شحيحة، والتي ترفع المستويات التعليمية وتنشر الفاعلية الاجتماعية التي تمكن عندئذ من الانتقال التكنولوجي بكل يسر.

سواء كان ذلك بواسطة البعثات العلمية التي يسافر أفرادها من أجل الرجوع للبلد بالعلم، وليس للفرار المعيشي أو السياسي خارجه، أو من خلال المنظومة التعليمية الوطنية التي تصنع الباحث صاحب براءات الاختراع التي تطور الفلاحة والصناعة، والتي تخرج أيضا المهندس الذي يستطيع أن يبني ويحرك المصانع وفق المعايير الأميركية واليابانية والصينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحضارة الغربیة

إقرأ أيضاً:

تسرب مياه يضر مئات مجلدات الحضارة المصرية في متحف اللوفر بفرنسا

شهد متحف اللوفر في فرنسا حادثا غير مسبوق أثر على مكتبة البحث الخاصة بقسم الآثار المصرية حيث تضررت مئات المجلدات الهامة، ما أثار قلق الباحثين وعكست هشاشة البنية التحتية في أكبر متحف بالعالم.

أكد المتحف أن 350 مجلدا من أصل 15 ألفا محفوظة داخل مكتبة البحث التابعة لقسم الآثار المصرية قد تعرضت لأضرار نتيجة تسرب مياه من سقف الغرفة في حادث وقع في 26 نوفمبر 2025.

وأوضح أن المجلدات المتضررة تقتصر على الدراسات الحديثة والدوريات العلمية المتخصصة في علم المصريات، مؤكدا أن الكتب القديمة والمخطوطات التراثية لم تتأثر.

رصد التسرب وتحديد السبب

أوضح البيان الرسمي الصادر عن المتحف أن التسرب نجم عن قناة تالفة في الشبكة الهيدروليكية الخاصة بتجهيزات التدفئة والتهوية داخل المكتبة أثناء عمل أحد المتعاملين الخارجيين مع المتحف، وأن القناة كانت معزولة منذ عدة أشهر بسبب قدمها، وقد كانت فرق المتحف على علم بحالتها المتهالكة على أن يتم استبدال الشبكة بالكامل ضمن مشروع "اللوفر – النهضة الجديدة" المقرر بدءه في سبتمبر 2026.

دخلت فرق المتحف فور رصد التسرب وقامت بتجفيف المجلدات وتركيب أجهزة لإزالة الرطوبة لمنع أي تدهور إضافي، مؤكدة أن المجلدات المتضررة ستخضع للترميم أو الاستبدال لتصبح متاحة للباحثين خلال الأسابيع المقبلة، وأن الحادث لم يسفر عن خسائر لا يمكن تعويضها.

حماية المجموعات الأثرية واستثناء القطع التراثية

أشار المتحف إلى أن الحادث وقع في جناح مستقل عن قاعات عرض المجموعات الأثرية المصرية، وأن القطع الفنية المعروضة لم تتأثر، وهو ما يضمن سلامة الأعمال التراثية التي تشمل أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية مصرية ضمن مجموعة تضم أكثر من 380 ألف قطعة أثرية و35 ألف عمل فني معروض.

مجلدات وصف مصر

تتضمن مكتبة البحث مجموعة "وصف مصر" المكونة من 20 مجلدا وثقت خلال الحملة الفرنسية على مصر، وتشمل ملاحظات وأبحاث علماء فرنسيين، وتعد مرجعا أساسيا للباحثين في التاريخ والجغرافيا المصرية. 

وبيان المتحف خفف من حدة الحادث مقارنة بما نشرته الصحافة الفرنسية التي ذكرت تضرر نحو 400 مجلد دون تحديد طبيعتها، وأوضح أن المجلدات لم تتضرر رغم وقوع التسرب في الغرفة نفسها.

سلسلة الحوادث والخلل الأمني

ويأتي الحادث ضمن سلسلة وقائع شهدها المتحف مؤخرا، أبرزها إغلاق قاعة للفنون بسبب هشاشة الدعامات الخشبية وواقعة سرقة مجوهرات التاج الفرنسي في 19 أكتوبر 2025 من قاعة أبولو على يد أربعة لصوص ملثمين استولوا على ثماني قطع ثمينة في أقل من عشر دقائق، ما كشف عن خلل أمني كبير داخل المتحف.

تدهور ظروف العمل وإضراب العمال

صوت موظفو المتحف على إضراب يبدأ في 15 ديسمبر 2025 احتجاجا على تدهور ظروف العمل ونقص العمال، فيما أشار حريري إلى أن العاملين يشتكون من الإدارة لعدم وضع استراتيجية واضحة لصيانة وترميم المتحف، ما يعكس حالة غضب واسعة وسط الموظفين.

متحف اللوفر الأكبر عالميا

استقبل متحف اللوفر نحو 8.7 مليون زائر عام 2024 يشكل الأجانب منهم حوالي 69 في المئة، وهو أكبر متحف من حيث عدد القطع الفنية المعروضة، افتتح رسميا كمتحف وطني في 10 أغسطس 1793 بعد تحويل مقر ملكي إلى فضاء مفتوح للفن والعلم، وعرض وقتها 537 لوحة و184 قطعة فنية معظمها من المجموعات الملكية والممتلكات المصادرة من الكنيسة.

كارثة على الطريق الصحراوي في الأردن تودي بحياة شخصين وإصابات مصرع شخص بحادث قطار مأساوي في مكناس بالمغرب حادث مروري يصيب مشاهير سناب شات "أبو مرداع" و"أبو حصة" في السعودية مصرع أحد العاملين بمنظومة مشروع النظافة ومحافظ بني سويف يؤدي الجنازة كارثة في بريطانيا جريمة حرق منزل تودي بحياة عائلة صدمة طنجة تتصاعد بعد حادث الغرق داخل فيلا سكنية بالمغرب بلاغ مدوي يفجر أسرار خطيرة في أكبر أزمة تهز نادي الزمالك رشق الحجارة على حافلة نادي باريس سان جرمان يفجر أزمة في اسبانيا انقلاب مركبة على طريق كوت بإيران يودي بحياة شخص وإصابة العشرات ضبط محرض انتخابي بالهرم.. النيابة تتدخل لمواجهة خروقات التصويت

مقالات مشابهة

  • زاهي حواس يرد على شائعات وادي الملوك .. فيديو
  • تسرب مياه يضر مئات مجلدات الحضارة المصرية في متحف اللوفر بفرنسا
  • مؤتمر الترجمة الدولي يجسد التواصل الحضاري واستدامة الهوية والثقافة
  • سر الأهرامات.. مواجهة ساخنة بين زاهي حواس ووسيم السيسي على صدى البلد
  • هيئة الكتاب تصدر جزءًا جديدًا من «تاريخ الدول والملوك» لابن الفرات ضمن سلسلة التراث الحضاري
  • فؤاد هنو يلتقي سفير اليونان: العلاقات الثقافية بين البلدين نموذج مُلهم للتواصل الحضاري
  • بابا الفاتيكان: السلام في أوكرانيا غير ممكن دون مساهمة أوروبية
  • المبعوث الأمريكي: تركيا قادرة على المساعدة في غزة ومسار تطبيع مع إسرائيل ممكن
  • وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية تؤكد تنفيذ مهامها وفق رؤية الحكومة
  • أزمة المنهج في الدراسات الإسلامية.. حين يتحوّل البحث إلى تقنيات بلا رؤية