◄ مختص بتكنولوجيا المعلومات: القانون يفتح فرصا جديدة في السوق الأوروبية رغم التحديات

الرؤية- سارة العبرية

في الأسبوع الأول من أغسطس الجاري، دخل "قانون الذكاء الاصطناعي" الذي أصدره الاتحاد الأوروبي حيّذ التنفيذ، إذ يعد هذا القانون خطوة تاريخية باعتباره أول تشريع من نوعه في العالم يختص بالذكاء الاصطناعي.

ويعود تاريخ هذا القانون إلى عام 2021، عندما اقترحت المفوضية الأوروبية أول إطار قانوني على الإطلاق بشأن الذكاء الاصطناعي، وتم الانتهاء منه في ديسمبر 2023؛ حيث يهدف هذا الإطار إلى معالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي ووضع أوروبا في مكانة رائدة على مستوى العالم.

ومن المتوقع أن يسهم القانون في تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في أوروبا، مما يعزز الثقة في هذه التكنولوجيا ويشجع على الابتكار، كما سيضمن القانون تطبيق معايير عالية للسلامة والأخلاقيات وتعزيز من الذكاء الاصطناعي المسؤول، مما يقلل من المخاطر المحتملة.

ولمراقبة التنفيذ الفعّال والامتثال لمقدمي نماذج  GPAI، سيتم إنشاء مكتب الذكاء الاصطناعي داخل المفوضية الأوربية، كما يمكن لمقدمي الخدمات النهائية تقديم شكوى بشأن انتهاك مقدمي الخدمات الأولية إلى مكتب الذكاء الاصطناعي، كما أنه يجوز لمكتب الذكاء الاصطناعي إجراء تقييمات لنموذج GPAI من أجل تقييم الامتثال عندما تكون المعلومات التي تم جمعها بموجب صلاحياتها لطلب المعلومات غير كافية، والتحقيق في المخاطر النظامية، لاسيما بعد تقرير مؤهل من اللجنة العلمية.

ويسمح القانون الأوروبي باستخدام الذكاء الاصطناعي أو حظره، وفقًا للمخاطر التي تجلبها هذه التكنولوجيا للنَّاس، كما يحدد الأنظمة عالية المخاطر التي يمكن استخدامها فقط في حال ثبت أنها تحترم الحقوق الأساسية وفق وكالة الأنباء العمانية.

ويحظر القانون الجديد أنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض التصنيف الحيوي (البيومتري)، والتي تستند إلى المعتقدات السياسية أو الدينية أو الفلسفية أو إلى العرق أو الميل الجنسي، كما يحظر الأنظمة التي تقيم الأشخاص على أساس السلوك أو السمات الشخصية، أو الأنظمة التي تستطيع استغلال السلوك البشري.

ويمنع القانون كذلك أنظمة توسيع أو إنشاء قواعد البيانات الخاصة بالوجوه، والتي تلتقط على نحو عشوائي عبر الإنترنت، أو من خلال التسجيلات الصوتية والمرئية. وعلى الرغم من ذلك، يسمح القانون باستثناءات، بحيث تستطيع أجهزة الأمن استخدام كاميرات تحديد الهوية البيومترية، بإذن قضائي دائمًا، للحيلولة دون وقوع تهديد إرهابي، على سبيل المثال.

ويقول الدكتور صالح بن عبيد الخالدي مستشار في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إن قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الجديد يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المتعلقة بضمان تطوير واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة وموثوقة واحترامًا للحقوق الأساسية، موضحا: "من أبرز هذه الأهداف حماية حقوق الإنسان وضمان أن لا يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى انتهاك الحقوق الأساسية مثل الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية وعدم التمييز، بالإضافة إلى التأكد من تحقيق الشفافية؛ حيث يسعى القانون إلى زيادة الشفافية في أنظمة الذكاء الاصطناعي، حتى يتمكن المستخدمون من فهم كيفية عمل هذه الأنظمة واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استخدامها".

وأشار- في تصريح لـ"الرؤية"- إلى أن من بين الأهداف ضمان المساءلة لتحديد المسؤوليات القانونية في حالة حدوث أضرار نتيجة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تعزيز الثقة في الذكاء الاصطناعي من خلال وضع قواعد واضحة لتنظيمها، مبينا أن قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي يتضمن عدة فئات بناءً على مستوى المخاطر المرتبطة بكل فئة، ومن أهم هذه الفئات أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات المخاطر غير المقبولة وهي الأنظمة التي تهدد بشكل مباشر سلامة أو سبل عيش الأفراد، مثل الأنظمة التي تستخدم للتلاعب بالسلوك البشري بشكل خفي، أو الأنظمة التي تستخدم لتقييم الموثوقية الاجتماعية بطريقة تمييزية. يحظر القانون هذه الأنظمة بشكل كامل، وأيضا أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات المخاطر العالية التي يمكن أن تسبب أضرارًا كبيرة، مثل أنظمة اتخاذ القرارات في مجالات العدالة الجنائية أو التوظيف، حيث تخضع هذه الأنظمة إلى متطلبات تنظيمية صارمة، بما في ذلك تقييم المخاطر والشفافية والإشراف البشري، وكذلك أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات المخاطر المحدودة التي تشكل مخاطر محدودة، مثل مرشحات البريد العشوائي أو برامج الترجمة الآلية والتي تخضع إلى متطلبات تنظيمية أقل صرامة.

ويرى الخالدي أن قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي يواجه العديد من التحديات والفرص بالنسبة للشركات العاملة في هذا المجال، ومنها زيادة التكاليف؛ أي يتطلب الامتثال للقانون استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبنية التحتية، وكذلك تعقيد العمليات حيث يجب على الشركات تعديل عملياتها ونموذج أعمالها لتلبية متطلبات القانون، إلا أن هذا القانون سوف يفتح فرصا جديدة في السوق الأوروبية للشركات التي تتمكن من تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي بشكل آمن وموثوق.

ويقول الدكتور صالح: "يمكن أن تواجه الشركات والأفراد الذين لا يمتثلون لأحكام قانون الذكاء الاصطناعي العديد من العقوبات الكبيرة، بما في ذلك فرض غرامات مالية كبيرة على الشركات التي تنتهك القانون، وحظر الأنشطة وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تشكل تهديدًا للصحة العامة أو الأمن، بالإضافة إلى المسؤولية المدنية حيث يمكن تحميل الشركات مسؤولية الأضرار التي تلحق بالأفراد نتيجة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل غير قانوني".

وتابع قائلا: "يمثل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي خطوة مُهمة نحو تنظيم هذا التكنولوجيا الناشئة، على الرغم من التحديات التي يفرضها على الشركات، إلا أنه يساهم في خلق بيئة أكثر أمانًا واعتمادًا للذكاء الاصطناعي".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: قانون الذکاء الاصطناعی الأوروبی أنظمة الذکاء الاصطناعی الأنظمة التی

إقرأ أيضاً:

“شبكة العنكبوت”: الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي

 

في صورة تعكس لنا كيف أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي والمُسيرات قادرة على تغيير قواعد الحرب، تمكنت أوكرانيا باستخدام عشرات الدرونز زهيدة الثمن من تعطيل قاذفات استراتيجية تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات في قلب العمق الروسي، قاصدة قواعد تبعد آلاف الكيلومترات عن كييف فيما يُعرف بـ”التفوّق الجغرافي البديل”، حيث لا يهم أين يقع الهدف بقدر ما يهم هل يمكن الوصول إليه بأسلوب غير تقليدي. حدث ذلك دون الحاجة إلى إطلاق صواريخ بعيدة المدى أو استخدام طائرات ضخمة، فقط أكواخ خشبية بأسقف قابلة للفتح ذاتياً محملة على شاحنات، انطلقت منها عشرات المسيرات نحو أهدافها متجاوزة أنظمة الدفاع الجوي الروسي.

وعلى الرغم من تفوق روسيا كماً وكيفاً منذ بداية الحرب، وامتلاكها للصواريخ البالستية والفرط صوتية وللقاذفات الاستراتيجية؛ فإن هذه العملية تظهر كيف أن الدرونز والذكاء الاصطناعي قادر على ترجيح كفة الطرف الأضعف والأقل من حيث القوة التدميرية، بما يعيد تعريف مفهوم “الردع”، ليصبح القدرة على استهداف نقاط ضعف العدو بذكاء وتكلفة منخفضة، وليس فقط امتلاك القوة المماثلة؛ فقد أثبتت هذه الحادثة أن روسيا غير قادرة على حماية عمقها الاستراتيجي، رغم تفوقها العددي والتقني.

وراء هذا المشهد المعقد، يقف الذكاء الاصطناعي كمحرّك رئيسي غير مرئي، فبرمجة مسارات الطائرات وتفادي أنظمة الدفاع واستخدام أنظمة تمييز الأهداف داخل القواعد العسكرية، كل ذلك يشير إلى أن الخوارزميات أصبحت الآن جزءاً من مراكز اتخاذ القرار العسكري، لا مجرّد أداة للدعم.

عملية شبكة العنكبوت:

في عملية يُقال إنها استغرقت 18 شهراً من التحضير، تم تهريب عشرات الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى داخل روسيا، حيث خُزّنت في مقصورات خاصة داخل شاحنات نقل، ثم نُقلت إلى ما لا يقل عن أربعة مواقع مختلفة، تفصل بينها آلاف الكيلومترات، لتُطلق لاحقاً عن بُعد من المسافة صفر باتجاه قواعد جوية قريبة، واستطاعت أن تدمر نحو 34% من حاملات صواريخ كروز الاستراتيجية حسب تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقد استهدفت هذه المسيرات اثنتين من القواعد الجوية، فحسب بيان وزارة الدفاع الروسية: “أدى إطلاق طائرات مسيّرة انتحارية من مواقع قريبة جداً من مطارات منطقتي مورمانسك وإيركوتسك إلى اشتعال النيران في عدد من الطائرات”، وفي خطاب له قال زيلينسكي إن117 طائرة مسيّرة استُخدمت في الهجوم على القواعد الجوية الروسية.

وقد تمت عملية شبكة العنكبوت (Spider’s Web) – كما تمت تسميتها- على عدة مراحل، كانت المرحلة الأولى هي مرحلة تهريب الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى العمق الروسي عبر مراحل زمنية متقطعة، بعيدة عن أي نمط يمكن رصده. ولتفادي أعين الرصد والمراقبة، تم إخفاء هذه الطائرات داخل هياكل خشبية بدائية الشكل على هيئة أكواخ صغيرة تم تحميلها على شاحنات نقل تجارية؛ ما منحها غطاءً لوجستياً يخفي غايتها العسكرية.

وما بدا للبعض أنه مجرد وحدات تخزين متنقلة، كان في الواقع منصات إطلاق هندسية دقيقة، جُهزت بأسقف معدنية يمكن فتحها عن بُعد، وعند لحظة الصفر، انفتحت هذه الهياكل تلقائياً، لتخرج منها الطائرات واحدة تلو الأخرى، وتنطلق نحو أهدافها دون أن تترك مجالاً لرد فعل استباقي. كان الهدف الأول هو مطار أولينيا، ويبعد نحو 1900 كيلومتر من أوكرانيا، والمطار الثاني هو بيلايا ويقع على بعد نحو 4300 كيلومتر من أوكرانيا.

أما الطائرات المسيرة ذاتها، فهي على الأرجح من طراز FPV (First Person View) وهي نماذج مسيّرة صغيرة الحجم، وخفيفة الوزن، ومجهّزة بكاميرات لبث مباشر، تُدار عن بُعد أو تُبرمج مسبقاً، وتُستخدم عادة في ضربات انتحارية محددة الأهداف؛ إذ تُزوّد غالباً برؤوس حربية صغيرة؛ لكنها كافية لإتلاف طائرات أو إشعال حرائق داخل منشآت عسكرية حساسة، ويتراوح مداها الجغرافي بين 5 و20 كيلومتراً؛ لذا فقد تم التغلب على هذا التحدي الجغرافي من خلالها تهريبها مسبقاً إلى قرب القواعد الجوية المستهدفة في الشاحنات.

وبحسب ما ورد في التقارير الإعلامية الأوكرانية، فإن الخسائر الواردة نتيجة عملية “شبكة العنكبوت” قد تكون كبيرة، وعلى الرغم من صعوبة التحقق من دقة حجم الخسائر؛ فإنها تشير إلى استهداف نحو 41 قاذفة استراتيجية من أصل نحو 120 تمتلكها روسيا، منها Tu-95 وهي قاذفة استراتيجية تستخدم في الهجمات بعيدة المدى، وTu-22 وهي قاذفة قادرة على ضرب أهداف برية وبحرية، وطائرات رادار من طراز إيه-50. أما الخسارة الأكبر فتتمثل في القاذفة Tu-160 الأسرع من الصوت، وقد تم تدمير طائرتين منها، وهو ما وصفه أحد المعلقين الأوكرانيين بأنه “خسارة لوحدتين من أندر الطائرات، كأنها أحصنة وحيدة القرن وسط القطيع”، خاصة أن الطائرات Tu-160 وTu-95 لم تعد تُنتج؛ مما يجعل استبدالها شبه مستحيل . من جهته، أعلن جهاز الأمن الأوكراني (SBU) أن الخسائر تُقدّر قيمتها الإجمالية بنحو 7 مليارات دولار .

ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أسهمت في التخطيط لهذه العملية، بدافع الضغط على الرئيس الروسي للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب. ففي أغسطس 2023 تحدثت كاثلين هيكس، نائبة وزير الدفاع الأمريكي، في خطاب بعنوان “الحاجة الملحة إلى الابتكار”The Urgency to Innovate أمام الجمعية الوطنية للصناعة الدفاعية، عن ضرورة تطوير نظم ذكية غير مأهولة ورخيصة نسبياً يمكنها القيام بعمليات عسكرية تكتيكية، وفي خطابها أعلنت عن مبادرة أطلقت عليها اسم “المستنسخ” Replicator، وهي استراتيجية تسعى من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير تقنيات تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن التضحية بها، يشمل ذلك أساطيل من الأسلحة والمعدات غير المأهولة والذكية والرخيصة نسبياً. وقد وصفت هيكس، هذه الأسلحة والمعدات بأنها “قابلة للتضحية”؛ بمعنى أنها يمكن أن تتعرض للتدمير دون التأثير في سلامة المهمة، ودون تكبد خسائر مالية باهظة، وهو ما حدث بالفعل في عملية شبكة العنكبوت، حيث تم إطلاق العشرات من الطائرات المسيرة رخيصة التكلفة للقيام بمهام انتحارية، مكبدة الروس خسائر كبيرة دون تحمل تكلفة مالية كبيرة.

تغير قواعد الحرب:

في المنظورات التقليدية، كان توازن القوى يُقاس بعدد الدبابات والمقاتلات وحجم الميزانيات العسكرية. أما اليوم، فإن الذكاء الاصطناعي يُدخل عاملاً نوعياً جديداً يتمثل في القدرة على إنشاء جيوش آلية من مركبات غير مأهولة رخيصة التكلفة، فضلاً عن قدراته الأخرى التي تتمثل في اتخاذ القرار الأسرع والأدق بناءً على تحليل لحظي للبيانات؛ مما يعني أن الجيوش الأصغر حجماً تستطيع أن تُعادل أو تتفوّق على قوى أكبر إذا امتلكت أنظمة ذكية لتحليل الحركة، والتوجيه، وتحديد الأهداف؛ أي إن توازن القوة لم يعد مرهوناً بمن يمتلك أكثر؛ بل بمن يفهم أسرع ويتصرف أذكى.

فلم تعد الأفضلية في التفوق النوعي وحده؛ بل بات العدد الكبير من الوسائل الذكية والمنخفضة الكلفة يشكل بحد ذاته سلاحاً نوعياً يعجز الخصم التقليدي أحياناً عن احتوائه، فتحولت المُسيرات إلى “صواريخ كروز” الطرف الضعيف، فهي رخيصة ومتوفرة بكثرة مقارنةً بنظم الدفاع الجوي الكفيلة بإسقاطها أو مقارنة بالأهداف القادرة على إصابتها، فإسقاط طائرة مسيّرة تجارية زهيدة الثمن لا يتعدى ثمنها بضعة آلاف من الدولارات باستخدام صاروخ باتريوت بقيمة 3.4 مليون دولار هو معركة استنزاف، وإن لم تسقط فهي قادرة على تخريب مقاتلات وقاذفات استراتيجية ثمنها عشرات الملايين من الدولارات.

هذا الاختلال الصارخ بين “تكلفة التهديد” و”تكلفة الرد عليه” يكشف عن معضلة استراتيجية لم تجد الجيوش الكبرى بعد حلاً جذرياً لها: كيف يمكن مواجهة سلاح بسيط ومنتشر، دون الإفراط في استخدام وسائل دفاع باهظة وغير مستدامة. ومن هنا، يتّضح أن الحرب لم تعد تُخاض فقط على أساس من يمتلك السلاح الأقوى؛ بل أيضاً على من يستطيع الإنهاك بأقل تكلفة وأكبر مرونة، وهو بالضبط ما يجعل الطائرات المسيّرة، حين تقترن بالخوارزميات، سلاح المرحلة المقبلة.

هذا التطور يُعيد تعريف مفهوم “التفوق” من خلال “الكم” و”الضخامة” إلى التفوق النوعي، فحينما يمتلك الخصم المزيد من السفن والمزيد من الصواريخ والمزيد من المقاتلين، في مقابل محدودية الأسلحة والأفراد التي يمتلكها الطرف الآخر؛ تصبح الأسلحة القابلة للتضحية في هذه الحالة فعالة أمام الكتل الضخمة مرتفعة التكلفة. وفي هذه الحالة تستطيع الجيوش الصغيرة زيادة فاعليتها وتأثيرها أمام الجيوش الضخمة عبر أدوات ذكية ورخيصة، وبالمثل تستطيع الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية أن تمتلك ميزة نسبية من خلال هذه التقنيات في مواجهة الجيوش النظامية؛ مما يغير من معادلة التفوق العسكري.

كما أن المفهوم التقليدي للردع تأثر أيضاً بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ لم يعد بمقدور أي خصم أن يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تنفّذه وما هي قادرة عليه، فهي تقنيات مربكة لساحة المعركة ولأدوات القتال التقليدية، كما أنها قللت من فاعلية الردع التقليدي؛ لأنها جعلت كلفة الهجوم منخفضة، فحين تتاح وسائل الضرب بتكلفة زهيدة يصبح من السهل المبادرة فيسقط معها الردع؛ ومن ثم أصبحنا أمام بيئة ردعية جديدة، لم تعد تقوم على وضوح العقوبة؛ بل على ضبابية القدرة وتعدّد سيناريوهات التهديد، حيث الخوف لا يأتي مما نعرفه؛ بل مما لا نستطيع التنبؤ به.

وما حدث في عملية شبكة العنكبوت أثبت مفهوم “شبكية” الحرب؛ أي لامركزيتها، فمجموعة من المسيرات، التي قد يتم تجميعها محلياً، تتحكم فيها مجموعة من الخوارزميات، وتنطلق من شاحنات قد تكون ذاتية القيادة في مناطق متفرقة من الدولة، وتتوجه لضرب قواعد عسكرية شديدة التأمين أو حتى بنية تحتية حرجة أو اغتيال قادة سياسيين وعسكريين، دون الحاجة إلى وجود مقاتلين على الأرض أو إرسال صواريخ عبر الحدود، وبعد كل ذلك قد لا يتبنى هذه العملية أحد ويظل المتهم الرئيسي هو “الذكاء الاصطناعي”.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • شراكة بين «إيزي ليس» و«بيغ بير إيه آي» و«فيجيلكس» لتعزيز حلول الذكاء الاصطناعي
  • إيزي ليس توقع شراكة استراتيجية لتعزيز حلول الذكاء الاصطناعي
  • سام ألتمان: الذكاء الاصطناعي القادم لن يكرّر.. بل يبتكر
  • السبع يوضح أهم مميزات ⁧‫الذكاء الاصطناعي‬⁩ في نظام ⁦‪ iOS 26
  • NYT : إليكم المخاطر المترتبة على نشر ترامب للحرس الوطني بلوس أنجلوس
  • الأنبار تتجه لتنفيذ خطوة إستراتيجية مهمة لتأمين الوقود
  • تعرف على أبرز الوظائف المستقبلية في عصر الذكاء الاصطناعي
  • “شبكة العنكبوت”: الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي
  • أبل ستتيح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها للمطورين
  • ما هي المهن التي تمنح أعلى الرواتب في أوروبا؟