المقاربات المصرية في الصراع السوداني
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
المقاربات المصرية في الصراع السوداني
د. أماني الطويل
يشكل السودان الدولة والشعب أحد أهم معطيات الأمن القومي المصري، ويشكل أيضا أحد المعضلات الممتدة، والتي تتطلب دوما من الدبلوماسية المصرية العريقة قدرة على المتابعة والتجديد والتحديث في آليات عملها، طبقا لمحددات استراتيجية محل اتفاق مصري، ولكنها ما زالت محل جدل سوداني مرتبط ببنية الدولة، وانقسامات الشعب السوداني المعروفة عرقيا وقبليا وسياسيا.
ويبدو لنا، أن هذه المرحلة من تاريخ الصراع السوداني تكتسب أهمية كبرى بتدشين منصة جنيف للتفاوض، والتي سوف تنعقد خلال الأيام القادمة؛ بهدف وقف الحرب، وذلك كمنصة جامعة للمجهودات الدولية والإقليمية السابقة، والتي شاركت فيها القاهرة بمجهود مقدر، خصوصا بعد تولي المبعوث الأمريكي للسودان توم بيريليو، مهام منصبه في فبراير الماضي، حيث حافظ على تشاور دائم مع القاهرة، بوتيرة اقتربت من عشرة لقاءات في مصر حتى الآن.
في هذا السياق، فإن تقديرات الدبلوماسية المصرية في هذه المرحلة تتطلب تسليط الضوء على محدداتها، وقدرتها على التكيف مع تطورات الأزمة السودانية، وكذلك طرح بعض الأفكار المتعلقة بمزيد من الفاعلية في المراحل المقبلة، خصوصا مع تولي السفير بدر عبد العاطي، مهام وزير خارجية مصر، والذي افتتح عمله كوزير بخطاب في مؤتمر القوى السياسية السودانية المعقود بالقاهرة خلال يوليو الماضي، نعتقد أنه يشكل خارطة طريق للعمل المصري في السودان خلال المرحلة القادمة.
ويمكن القول، إن محددات الدبلوماسية المصرية، وإن كانت قد حافظت على استقرارها الممتد، منذ مرحلة الاستقلال الوطني في دولتي وادي النيل، فإنها قد تميزت بقدرة على المرونة والتطوير بشكل لافت خلال المرحلة الأخيرة، وذلك على صعيدي بلورة الرؤية، وتحديث الآليات، خصوصا مع الأزمة السودانية الراهنة والممتدة، منذ اندلاع ثورة السودان عام ٢٠١٨، بمرحلتيها، الصراع السياسي، ثم الصراع العسكري.
المحددات الصلبة للدبلوماسية المصرية في السودان، يمكن بلورتها في عدد من النقاط هي: – أنه لا تخلِ عن الدور المصري، ولا استجابة لأي محاولة إقصاء للقاهرة، مهما كانت قوتها أو الأطراف المشاركة فيها، وذلك عطفا على الاتجاهات السابقة للإدارة الأمريكية، وبعض حلفائها الإقليميين من عدم مشاركة مصر في مجهودات تحجيم الصراع السياسي في السودان خلال الفترة الانتقالية، سواء في أطر المبادرة الرباعية أو غيرها.
احتواء السلوكيات العدوانية في الأداء السياسي من جانب بعض الأطراف السياسية السودانية، مهما كان حجمه أو تأثيره على مصر، حيث لم يكن لمصر أي ردود سلبية بشأن إلغاء اتفاقية التكامل معها من جانب الحكومة الديمقراطية الثالثة في السودان في ثمانينيات القرن الماضي، كما احتوت مصر أداء الجبهة القومية الإسلامية المعادي لمصر على مدى تاريخ حكم البشير لفترة ٣٠ عاما، رغم شططه السياسي والإعلامي ضد مصر، بل وانخراطه في محاولة اغتيال رئيس الجمهورية المصري عام ١٩٩٥، وأخيرا مرجعيته الفكرية المرتبطة بالإخوان المسلمين عدو النظام السياسي المصري الأول منذ عام ١٩٥٢.
الفاعلية في مواجهة المجهودات الإقليمية، خصوصا من إثيوبيا التي تسعى للسطو على طبيعة الهوية السودانية المتنوعة، ومحاولة بلورة معادلات سياسية داخلية أحادية، بما يخل بمجموعات سكانية واسعة، وهي فاعلية لم تعن أبدا الإقصاء لإثيوبيا من جانب مصر، بل أن الحضور الإثيوبي في مؤتمر دول جوار السودان في يوليو ٢٠٢٣، كان لافتا؛ نظرا للعلاقات الحرجة بين مصر وإثيوبيا على خلفية أزمة سد النهضة.
أما الملامح المستجدة للدبلوماسية المصرية في السودان؛ فيمكن بلورتها حاليا في الآتي:
طرح منهج الشراكة الإقليمية في حل الأزمة السودانية، ولعل هذا ما وضح في هندسة مؤتمر جوار السودان الذي حضرته كل الدول بلا استثناء، وكذلك الترحيب بمنصة جدة، واعتبارها المنصة المناسبة للتفاوض بين الأطراف العسكرية السودانية، وذلك في بيان مؤتمر القوى السياسية السودانية بالقاهرة، وأخيرا جاءت مباحثات الرئيس السيسي، غير الرسمية مع الشيخ محمد بن زايد، في العلمين واستقبال الرئيس التشادي إدريس ديبي، في نفس التوقيت؛ وذلك بهدف بلورة توازن يقود إلى إنهاء الحرب.
حالة تفهم أكبر وأعلى وأكثر دقة بتعقيد وتركيب المشهد السوداني، وهو ما يعني إدراك حدود مؤسسة الدولة في السودان وعلاقتها بمجتمعها، في معادلة نقول عنها ضعف الدولة مقابل قوة المجتمع، وذلك تأسيسا على أنماط الإنتاج الاقتصادي في السودان الغير مرتبطة بالدولة إلى حد كبير، وحجم ودور الدولة فيه، وكذلك التكوين السوداني الراهن القائم على الانتماءات الأولية دون الوطنية.
الانفتاح على كافة القوى السياسية السودانية، ومحاولة الحفاظ على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وهو موقف تم التعبير عنه في بيان رئاسة الجمهورية للترحيب بالثورة السودانية، بالقول إن “مصر تحترم خيارات الشعب السوداني”، على أن التطبيق الفعلي لهذه المقولة استلزم وقتا، وقد يكون هذا الوقت قد كلف مصر بعض الخسائر، وذلك في ضوء رسوخ مفاهيم البيروقراطية المصرية، وبطء حركتها ومركزية القرار فيها.
الركون إلى تقدير موقف يتبنى وقف الحرب، مهما كان ثمن ذلك، وهو الأمر الذي ترتب عليه الموقف الإيجابي من تكوين حكومة مدنية في السودان ناتجة عن توافق وطني جامع طبقا لأجندة داخلية تلبي المصالح الوطنية السودانية، طبقا لما تم التعبير عنه في مؤتمر القاهرة للقوى السياسية السودانية، ولعل هذا الموقف هو ما أتاح لمصر دورا تفاعليا مع كافة الأطراف السياسية السودانية، تم هندسته على مراحل، وعلى أسس ثنائية بين القاهرة، وكل طرف على حدة، وصولا إلى مرحلة متوقعة في حال نجاح منصة جنيف بجمع الأطراف على مائدة واحدة في خيار واقعي، فرضته توازنات القوى الداخلية كعنصر حاكم..
الفاعلية في إطار مجلس السلم والأمن الإفريقي؛ بشأن بلورة المبادرات الساعية إلى وقف الحرب السودانية، ومحاولة تطويق بعض من خطايا أطراف إقليمية في شرق إفريقية، وهي المجهودات التي انبثق عنها تنسيق بين جامعة الدول العربية، والاتحاد الإفريقي في الملف السوداني، أتاحت للجامعة العربية الحضور في اجتماع جيبوتي نهاية يوليو الماضي؛ بشأن التنسيق بين المبادرات الإقليمية والدولية بشأن السودان، بما لا يساهم في تعطيل مطلب وقف الحرب السودانية، ويمهد على صعيد مواز لمنصة جنيف المنبثقة عن منصة جدة في المرحلة المقبلة، والتي قد ينتج عنها وقف لإطلاق النار، كتطور يسعى وراءه الجميع على المستويين الإقليمي والدولي.
وطبقا للمحددات سالفة الذكر، قد تواجه الدبلوماسية المصرية تحديات مستجدة، تتطلب المزيد من المرونة والتطوير للآليات المصرية في الأزمة السودانية متعددة الزوايا.
وفي هذا السياق نقترح الآتي:
في ضوء الحفاظ على فاعلية ووزن الدور المصري، فإن الاهتمام بالانفتاح التفصيلي على المكون المدني السوداني مسألة لها أهمية كبيرة في هذه المرحلة؛ للمساهمة بشكل جاد في محاولة تحقيق توافق سوداني داخلي، يؤسس لمرحلة استقرار.
كما أن المشاركة المصرية بالخبرة المحايدة في دعم القدرات السودانية بمتطلبات فض المنازعات وبناء السلم هو أمر مطلوب وقد يكون ذلك عبر مركز القاهرة للسلام وفض المنازعات التابع لوزارة الخارجية المصرية.
ويبدو أن انعدام الأمن الإنساني المترتب على الحرب السودانية يتطلب تفاكرا وتنسيقا بين أطراف متعددة في الدولة المصرية، ذلك أن هذا الملف له شقين الأول في السودان، والثاني في مصر، على صعيد أزمة الأمن اللا إنساني السوداني في الداخل، فإن تمويل الدور المصري يعد تحديا كبيرا لمصر، حيث تم الاتجاه، أن يكون بعون خليجي، بل وتم الإعلان عن تحالف مصري قطري قبل شهور في مبادرة، لم نشهد لها تفعيلا، وهو أمر مفهوم؛ نظرا لحالة تناقض المصالح النسبية بين الأطراف، أو الرغبة في الانفراد بالعون، وهو حق لمن يملك. من هنا نتطلع لدور من جانب مؤسسة الأزهر، أو وزارة الأوقاف لغوث السودانيين في الداخل من أموال الزكاة المصرية بعد استشارة دافعي الزكاة المصريين عبر القنوات الإعلامية، ذلك أن تقاسم الفقراء لزادهم هو أقوى تأثيرا وأكثر تقديرا من أي شيء آخر.
أما على صعيد الداخل المصري فإنه من المطلوب التفكير في السياسيات المصرية الراهنة، إزاء النازحين واللاجئين، ومدى تلبيتها للاحتياجات الفعلية لهم، وكذلك مدى قدرتها في تحجيم أي احتكاكات اجتماعية متوقعة، نتيجة صدمة الحرب وتداعياتها النفسية على البشر، وارتفاع سقف التوقعات السودانية من مصر.
وربما يكون من المطلوب التعاون مع منظمات المجتمع المدني المصري في هذا الملف عبر خلق منصة تفكير وحوار مباشر، وذلك في ضوء قصور قدرات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أمام الأعداد الهائلة من اللاجئين من مختلف الجنسيات في مصر، وكذلك عزوف قطاعات اجتماعية من الشرائح الوسطى في الطبقة الوسطى من التسجيل في المفوضية؛ نظر لقيود الحركة والقدرة على العمل في القطاع الرسمي التي يفرضها التسجيل.
إجمالا يبدو، أن منصة جنيف للتفاوض السوداني المتوقعة سوف تواجه العديد من التحديات المتعلقة بتعقيدات المشهد السوداني، وهو ما سوف يترتب عليه أعباء مصرية مستدامة، من المطلوب أن تتعرض طوال الوقت للمتابعة والتقييم وتحديث الآليات.
الوسومأماني الطويل الأمن القومي المصري الصراع السوداني مفاوضات جنيفالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أماني الطويل الأمن القومي المصري الصراع السوداني مفاوضات جنيف
إقرأ أيضاً:
كيف سيتجاوز رئيس الوزراء السوداني الجديد حقول الألغام المحيطة به؟
لو أنّ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، فتح نوافذ السيارة التي استقلها في طريقه من المطار الواقع جنوبي مدينة بورتسودان إلى وسطها، لسمع هدير مولدات الكهرباء، التي تنتشر في أنحاء هذه المدينة التي تمثّل العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، وذلك لمواجهة مشكلة الانقطاع الحاد والمتكرر للتيار الكهربائي، التي يعاني منها السكان هناك.
ولو تمعّن إدريس، الذي وصل للتوّ إلى هذه المدينة لتولّي مهام منصبه، في المشهد، لرأى العديد من المدارس والجامعات الواقعة على جانبي الشارع الذي سلكه موكبُه، وقد تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين الفارّين من ويلات الحرب.
كما كان سيتسنى له أن يلاحظ بوضوح خزانات الوقود الضخمة، المدمَّرة والمحترقة، على الجانب الأيمن من الطريق الرئيسي، والتي تعرضت للاستهداف من قبل قوات الدعم السريع، باستخدام الطيران المُسيّر قبل نحو أسبوعين.
وقد تشكل هذه المشاهد -إنْ كان قد رآها – مؤشراً لما ينتظره من تحديات جسيمة ومشكلات معقدة، منذ اللحظة التي قبِل فيها المنصب، الذي عيّنه فيه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان.
تصريحات إدريس -على الأقل- توحي بأنه على دراية بحجم التحديات التي سيتعين عليه مواجهتها؛ إذ قال عقب أدائه اليمين الدستورية أمام البرهان: “سأكرّس كل وقتي وجهدي من أجل أن ينعم المواطن السوداني بحياة كريمة”.
وفي مستهل أنشطته بعد أداء القسم، التقى إدريس المبعوث السويسري الخاص لمنطقة القرن الأفريقي سيلفان أستير.
ولد كامل إدريس، الذي يشارف الآن على الـ 70 من عمره، في قرية الزورات في أقصى شمالي السودان، حيث تعيش المجتمعات النوبية السودانية.
وحصل على بكالوريس الحقوق من جامعة القاهرة، وليسانس الفلسفة من جامعة الخرطوم، قبل أن ينال درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف في سويسرا.
وتقلّد إدريس العديد من المناصب المرموقة في منظمات تابعة للأمم المتحدة، مثل الأمين العام للملكية الفكرية ” الوايبو”، ورئيس الاتحاد الدولي لحماية المصنّفات النباتية، وعضو لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي.
لم يعرَف لهذا الرجل انتماء حزبي واضح، لكنه صاحِب طموح سياسي، إذ سبق أن ترشح لمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي أُجريت عام 2010 ضد الرئيس السوداني وقتذاك عمر البشير، وذلك في اقتراع كانت قوى المعارضة الرئيسية قد قاطعته، وفاز فيه البشير باكتساح.
ولرئيس الوزراء السوداني الجديد، إسهامات سابقة في الحياة السياسية في بلاده، عندما نجح في التوسط في عام 1999، بين رئيس الوزراء السابق، الصادق المهدي، وزعيم المعارضة التاريخي، وقتها حسن الترابي، في مدينة جنيف السويسرية.
تعيين رئيس الوزراء الجديد في السودان، يأتي في وقت تشهد فيه البلاد حرباً دامية ومستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين، أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد ما يزيد على 14 مليون شخص من ديارهم، إلى جانب إلحاق دمار هائل وغير مسبوق بالبنية التحتية، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
ويرى رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أسامة عبد الماجد، أن أمام رئيس الوزراء الجديد ثلاث مهام رئيسية: تأمين “معاش الناس” من خلال توفير الغذاء، والمياه الصالحة للشرب، والخدمات الصحية، بالإضافة إلى تحقيق الأمن والتنمية.
ويضيف: “الطريق أمام كامل إدريس ليس مفروشاً بالورود، فهناك حزمة من التحديات، سواء الاقتصادية أو الأمنية، إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالسودان. لكن تظل الأولويات الثلاث كما ذكرت هي معاش الناس، والأمن والتنمية”.
وظلّ منصب رئيس الوزراء شاغراً، منذ أن أطاح البرهان بالحكومة الانتقالية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021.
وقبيل وصول إدريس إلى بورتسودان، ألغى البرهان توجيهات سابقة، كانت تمنح أعضاء مجلس السيادة، صلاحية الإشراف على الوزارات والوحدات الحكومية، وهو ما يمنح رئيس الوزراء صلاحيات أوسع.
ويرى عبد الماجد، أن فرص نجاح إدريس في أداء مهامه تبدو كبيرة، نظراً لإلمامه باهتمامات السودانيين، قائلاً: “الفرصة أمامه أكبر، خاصةً أنه يدرك جيداً ما يريده الناس، وله خبرة سابقة حين ترشح للرئاسة في انتخابات 2010”.
وعلى النقيض من ذلك، ترى الكاتبة الصحفية شمائل النور، أن مهمة إدريس مليئة بـ”المطبّات”، وتعتبر أن فرص نجاحه ضعيفة للغاية، لكنها غير منعدمة.
وتوضح شمائل النور في حديثها لبي بي سي، بالقول “الوضع الحالي لا يسمح بقيام حكومة مدنية أو انتقال ديمقراطي، كما يُروّج، في ظل استمرار الحرب”.
وترى شمائل النور، أن التحدي الأكبر أمام إدريس يتمثل في غياب التوافق، قائلة إن رئيس الوزراء الجديد “لم يأتِ باتفاق أو إجماع، بل إن الحليف الرئيسي للجيش، وهي القوات المشتركة، تعارض تشكيل الحكومة في الوقت الراهن. وأبرز المعارضين هو رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، ما يعني أن رئيس الوزراء لن يعمل في أجواء سلِسة، بل سيواجه عراقيل كثيرة”.
ومع ذلك، تستدرك الصحفية بقولها: “قد ينجح إدريس فقط، إذا ركّز على الجانب التنفيذي، وأحجم عن التدخل في الشأن السياسي، أو محاولة الضغط على الجيش للدخول في مفاوضات مع الدعم السريع”.
منذ أن نفذ قادة الجيش، بالاشتراك مع حليف الأمس -وعدوّ اليوم- قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، الانقلاب على الحكومة المدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، عاد السودان للعُزلة الدولية، بعد أن اعتبرت الأمم المتحدة أن ما حدث يمثل انقلاباً عسكرياً، كما علَّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان فيه.
وسعت الحكومة السودانية، التي لا تزال تخوض حرباً ضارية ضد قوات الدعم السريع، إلى إنهاء تجميد عضوية السودان، لأكثر من مرة، لكنْ دون جدوى.
ويعتبر رئيس تحرير صحيفة الشعب الإلكترونية، أن رئيس الوزراء الجديد يمكنه أن يُسهم، بحكم علاقاته الدولية، في إعادة السودان إلى وضعه الطبيعي، مع الوضع في الاعتبار أن منظمَتَي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي رحبّتا بقرار تعيينه.
غير أن الكاتبة الصحفية شمائل النور ترى أن البرهان عيّن إدريس في منصب رئيس الوزراء، ليتمكن عبره من مخاطبة المجتمع الدولي وفَك العُزلة، قائلة “إذا أراد الجيش أن يعود لطاولة المفاوضات، فإن رئيس الوزراء هو الأنسب لمخاطبة المجتمع الدولي، لما له من ارتباطات دولية، وبالتالي، يمكن اعتبار تعيينه مؤشراً على رغبة الجيش في وقف الحرب عبر التفاوض”.
وفي كل الأحوال، يتعيّن على رئيس الوزراء الجديد في السودان، تشكيل حكومة منسجمة ورشيقة، لتضطلع بدورها في التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهها.
ولكن لا يبدو أن تحقيق هذا الهدف سيكون يسيراً، على ضوء أن الفصائل المسلحة والقوى السياسية التي ظلت مساندة للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع -ومن بينها كتائب البراء بن مالك، ذات التوجهات الإسلامية والمحسوبة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير- تبحث عن موطئ قدم لها داخل التشكيل الوزاري، في ظل تأكيدات البرهان نفسه في أوقات سابقة أنه لن ينسى كل الفصائل التي قاتلت معه، وفي ظل إشارته إلى أن هذه الفصائل ستكون مُمثَّلة في أي حكومة مستقبلية يتمّ تشكيلها.
محمد محمد عثمان – بي بي سي نيوز عربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب