بعد محاولات استمرت عقودا كيف اقتحمت هوليود السوق الصيني والهندي؟
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
لطالما وضع صناع السينما، في الولايات المتحدة الأميركية، إستراتيجيات إنتاج وتوزيع تضمن تحقيق أكبر رقعة انتشار في الأسواق العالمية لزيادة الأرباح المتحققة من التصدير.
وبينما نجحت هوليود في تحقيق مرادها في الكثير من دول العالم، فقد مثل السوقان الهندي والصيني تحدياً صعباً بالنظر إلى كثافة الإنتاج المحلي وصعوبة منافسته في الشعبية.
غير أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحقيق هوليود خرقا كبيرا بهذين السوقين. فمثلا، بلغت إيرادات فيلم "ووركرافت" (Warcraft) في شباك التذاكر الصيني 220 مليون دولار عام 2016، بينما لم يحقق هذا العمل سوى 47 مليونا فقط في أميركا.
فكيف نجحت هوليود في تحقيق هذا التقدم في السوقين الآسيويين الصعبين؟
كيف بدأت علاقة هوليود بالهند؟صوب صناع السينما الأميركية أنظارهم إلى الهند في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي حين كانت هذه البلاد ترزح تحت حكم الاستعمار البريطاني، إذ كانت تمثل سوقاً واعداً بالنظر إلى عدد سكانها الهائل، ناهيك عن تطلع الهنود واهتمامهم المتزايد بالسينما بالرغم من تمسكهم بالصناعة المحلية التي تلاقى اهتماماً كبيراً منذ انطلاق السينما الصامتة عام 1913.
وتطورت السينما المحلية سريعاً، فكانت الهند من أوائل الدول التي تتجه إلى إنتاج الأفلام الناطقة عبر فيلم "عالم آرا" (Alam Ara) عام 1931، إلا أن المنتج ديفيد سيلزنتك مالك شركة "إم جي إم" الرائدة في هوليود، سارع بوضع إستراتيجات لجذب جمهور الهند إلى الأفلام الأميركية نهاية الثلاثينيات حين قرر أن يهتم بتوزيع إنتاجات الشركة هناك على نطاق واسع لم يحدث من قبل.
لذلك اهتم "أهل هوليود" بأن تكون الأعمال التي تعتمد على الإبهار البصري حاضرة على الخارطة السينمائية الهندية، خاصةً أنه الذوق الذي يميل له المشاهد المحلي. فعُرضت أهم أيقونات الأفلام الأميركية في الهند بالتزامن مع عرضها في موطنها الأصلي مثل فيلمي "ذهب مع الريح" (Gone with the Wind) و"ساحر أوز" (The Wizard of Oz) اللذين طرحا عام 1939، إلى جانب "بن هور" (Ben-Hur) عام 1959.
وبالفعل، حازت هذه الأفلام على استحسان السوق الهندي، مما مهد الطريق أمام الصناعة الهوليودية للانتشار في هذه البلاد، خاصةً خلال التسعينيات التي كانت شاهدة على مدى أهمية السينما الأميركية عند المواطن الهندي مع تعزيز سبل التعاون بين هوليود وبوليود.
هوليود تقف في وجه عقوبات السوق الصينيأما في الصين التي تعد صاحبة السوق الأضخم على صعيد المبيعات وتلعب دوراً هاماً في رواج الأفلام الأميركية، فجاءت بدايات الأعمال الهوليودية فيها بطيئة مقارنةً بالهند.
ففي البداية، اصطدمت الأعمال الأميركية بالقوانين السياسية والثقافية التي وضعها الحزب الشيوعي عام 1949، حيث تم إعلان الإغلاق التام في وجه الأفلام الأجنبية كجزء من سياسة الانعزال الثقافي والسياسي التي تبنتها الحكومة آنذاك.
كما أسهم الموقف الأميركي من الحرب الصينية الكورية مطلع الخمسينيات في تشديد هذا الحظر، مما أنعش صناعة الأفلام المحلية التي كانت تمر بأطوار رقابية متعددة حتى تزرع الفكر الشيوعي، خاصةً مع اندلاع الثورة الثقافية خلال الستينيات.
لكن مع الانفتاح الاقتصادي بقيادة الزعيم دينغ شياو بينغ نهاية السبعينيات، رفعت بعض هذه القوانين مع استمرار التضييق على الأفلام الأميركية، فتم السماح بعرض 20 فيلما أجنبيا فقط سنوياً بدور العرض الصينية، وكان أبرز الأفلام الأميركية التي عرضت آنذاك "المرشح المنشوري" (The Manchurian Candidate) عام 1981 و"إي تي: المخلوق الفضائي" (E.T. the Extra-Terrestrial) للمخرج المخضرم ستيفن ستيلبرغ عام 1982 الذي حقق صدى واسعا هناك وكان له تأثير خاص على رواج الإنتاجات الهوليودية في الصين فيما بعد.
وشهدت تلك الفترة فرض قوانين جديدة على الأعمال الأميركية، من بينها تحديد مواسم محددة لعرض الأفلام الأجنبية، والتي كانت بعيدة عن مواعيد العطلات والإجازات، كما فُرضت شروط على صعيد التوزيع حيث يتم تقسيم نسبة الأرباح ما بين الشركات المنتجة في هوليود وشركات التوزيع المحلية.
وبعد بداية الألفية الجديدة، وفي أعقاب انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، خففت بكين القيود على صناعة السينما، إلا الانفراجة الكبرى بالمنطقة جاءت عام 2012 إبان الاتفاقية التي عمل عليها كلٌ من جو بايدن نائب الرئيس الأميركي حينها ونظيره الصيني جين بينغ، وسمحت بزيادة عدد الأفلام الأجنبية التي يتم عرضها إلى 34 فيلما سنوياً على أن يكون معظمهم بتقنية ثلاثية الأبعاد التي تناسب تفضيلات المشاهد الصيني.
وجاءت هذه الخطوة بعدما أيقنت الحكومة الصينية مدى أهمية النشاط السينمائي على الاقتصاد، حيث فرضت ضريبة على التذاكر تبلغ 11% مع زيادة الطلب المحلي على الصناعة الأجنبية بنمو الطبقة الوسطى وارتفاع مستوى الدخل.
كيف سعت هوليود لاستمالة الصينيين والهنود؟ومع بداية التسعينيات، بدأت السينما الأميركية في أخذ خطوات جادة للاقتراب من المشاهد الصيني والهندي أكثر، وذلك عبر الإنتاج المشترك للأعمال المناسبة لجمهور الدولتين، مثل أفلام "كتاب الأدغال" (Jungle Book) الذي طرح عام 1994 بإنتاج أميركي هندي، وتم تصوير جزء كبير منه بالهند، كما قدمت هوليود لائحة طويلة من الأعمال الأميركية الصينية، على رأسها "شجار في برونكس" (Rumble in the Bronx) عام 1995 والذي كان سببا في الانطلاقة الحقيقية للممثل الصيني جاكي شان بالسينما الأميركية.
كما اهتم المنتجون الأميركان بتصوير بعض الأفلام في المدن الصينية والهندية حتى لا يشعر المشاهد هناك بالغربة، مما أسهم في ارتفاع معدل السياحة في البلدين مثل فيلم "الجدار العظيم" (The Great Wall) الذي صدر عام 2016 وتم تصويره في أهم معالم الصين وساهم في زيادة نسب السياح حسب وزارة الثقافة والسياحة.
كما كسرت بعض شركات الإنتاج الأميركية حاجز اللغة باللجوء لدبلجة الأعمال إلى الصينية والهندية، مثل شركة "ديزني" التي دبلجت "الأسد الملك" (The Lion King) و"حكاية لعبة" (The Toy Story) بالإضافة لدبلجة عدد كبير من الأفلام إلى الصينية، مثل "أفاتار" (Avatar) و"الحديقة الجوراسية" (Jurassic Park).
كما يتم الاهتمام دائماً بأن تكون الدولتان بين الخطط التسويقية للأفلام، لذلك جرت العادة بإقامة عروض خاصة لأهم الإنتاجات الهوليودية بحضور أبطالها في هونغ كونغ ومومباي ونيودلهي. فمثلا، حضر الممثل الأميركي توم كروز العرض الخاص بفيلمه "مهمة مستحيلة: بروتوكول الشبح" (Mission: Impossible – Ghost Protocol) بالهند عام 2011، وكانت الصين من ضمن المحطات الترويجية لفيلمي "السرعة والغضب 7″ (Fast & Furious 7) و"المنتقمون: عصر الترون" (Avengers :Age of Ultron).
وتعد مشاركة بعض الممثلين الصينيين والهنود بالأفلام الأميركية جزءاً من إستراتيجية التسويق لكسب السوقين، وبالفعل نجح بعضهم في الاندماج داخل هوليود مثل النجمة الهندية بريانكا شوبرا التي بدأت رحلتها هناك مع مشاركتها في فيلم "باي ووتش" (Baywatch) عام 2017، وكذلك مواطنتها دبيكا بادكون التي انطلقت هناك مع فيلم "إكس إكس إكس: عودة إكساندر كايج" (XXX: Return of Xander Cage) في 2017 أيضاً.
وعلى الصعيد الصيني، هناك مئات الأسماء التي وضعت بصمتها الخاصة على الصناعة الأميركية على رأسهم الممثل توني لونغ تشيو واي ومواطنته زانغ زيي، وغيرهم ممن تمكنوا من الظفر بأهم الجوائز.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السینما الأمیرکیة
إقرأ أيضاً:
لأول مرة في التاريخ.. الفائض التجاري الصيني يتجاوز تريليون دولار
بكين- رويترز
تجاوز الفائض التجاري للصين تريليون دولار لأول مرة مع اتجاه المصنعين الساعين لتفادي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شحن مزيد من صادراتهم إلى أسواق غير أمريكية في نوفمبر؛ إذ قفزت الصادرات إلى أوروبا وأستراليا وجنوب شرق آسيا.
وانخفضت الشحنات إلى الولايات المتحدة بما يقرب من الثلث مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.
وقالت تسي تشون هوانغ، الخبيرة الاقتصادية المتخصصة في الشأن الصيني لدى (كابيتال إيكونوميكس) "التخفيضات الجمركية التي جرى الاتفاق عليها في إطار الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين لم تُسهم في رفع الصادرات إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي، لكن نمو الصادرات الإجمالي تعافى مع ذلك".
وأضافت "نتوقع أن تظل صادرات الصين متماسكة، مع استمرار البلاد في كسب حصة أكبر من السوق العالمية العام المقبل".
وتابعت "يبدو أن دور إعادة توجيه التجارة في تعويض العبء الذي تفرضه الرسوم الأميركية لا يزال آخذا في الازدياد".
وأظهرت بيانات جمركية اليوم الاثنين أن الصادرات الصينية نمت بشكل عام بمقدار 5.9 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر، لتتحول عن الانكماش البالغ 1.1 بالمئة الذي سجلته في أكتوبر تشرين الأول، وتتجاوز توقعا بنموها بمقدار 3.8 بالمئة في استطلاع أجرته رويترز.
وارتفعت الواردات 1.9 بالمئة، مقارنة بصعودها بمقدار واحد بالمئة في أكتوبر. وكان الاقتصاديون يتوقعون زيادة تبلغ ثلاثة بالمئة.
وبلغ الفائض التجاري للصين 111.68 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني، وهو أعلى مستوى منذ يونيو حزيران، وبارتفاع من 90.07 مليار دولار جرى تسجيلها في الشهر السابق. وجاء ذلك أعلى من التوقعات البالغة 100.2 مليار دولار.
وتجاوز الفائض التجاري لأول 11 شهرا من العام تريليون دولار للمرة الأولى.
وكثفت الصين جهودها لتنويع أسواق صادراتها منذ فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر تشرين الثاني 2024، وسعت إلى توطيد العلاقات التجارية مع جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي. واستفادت أيضا من الانتشار العالمي لشركاتها لإقامة مراكز إنتاج جديدة تتيح لها وصولا برسوم جمركية منخفضة إلى الأسواق.
وانخفضت الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة بواقع 29 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني، في حين نمت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بمقدار 14.8 بالمئة على أساس سنوي. وارتفعت الشحنات إلى أستراليا 35.8 بالمئة، واستقبلت اقتصادات جنوب شرق آسيا سريعة النمو سلعا أكثر بواقع 8.2 بالمئة خلال الفترة نفسها.
وجاء تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة على الرغم من الأنباء التي ذكرت أن أكبر اقتصادين في العالم اتفقا على تقليص بعض الرسوم الجمركية ومجموعة من الإجراءات الأخرى بعد اجتماع ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية في 30 أكتوبر.
ويبلغ متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الصينية 47.5 بالمئة، أي أعلى بكثير من عتبة 40 بالمئة التي يقول اقتصاديون إنها تؤدي إلى تآكل هوامش أرباح المصدرين الصينيين.