بعد تحذير «الصحة العالمية».. خريطة انتشار فيروس جدري القرود
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
تسبب تفشي فيروس جدري القرود في القارة الإفريقية، في حالة من الذعر والهلع الشديدين بين الناس، خاصة بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن انتشار جدري القردة في أفريقيا بات طارئة صحية عالمية، وهو أعلى مستوى تحذير يمكن أن تطلقه الهيئة.
ونرصد لكم في موقع «الأسبوع» كافة التفاصيل عن فيروس جدري القرود وخريطة بالدول التي ظهر بها إصابات بجدري القردة، وذلك في إطار اهتمام الموقع برصد أي تطورات تخص هذا النوع من الوباء.
أعلنت منظمة الصحة العامة في السويد، الخميس الماضي، رصد أول إصابة خارج إفريقيا بالسلالة الجديدة من جدري القرود، إذ أفادت الوكالة في بيان أنه تم تشخيص شخص في ستوكهولم بإصابته بجدري القرود، وأشارت الوكالة إلى أن هذه هي أول حالة يتم تشخيصها خارج القارة الإفريقية.
كانت أعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا، في خلال هذا الأسبوع، أن جدري القرود تفشي في إفريقيا بما يشكل حالة طوارئ صحية عامة، وتسبب في حدوث أكثر من 500 حالة وفاة، بما يدعي إلى مساعدات دولية لوقف انتشار الفيروس.
السعودية تنفي ظهور أي حالات جدري القرود في المملكةأصدرت هيئة الصحة العامة السعودية (وقاية) السبت، بيانا أكدت فيه أنه لم يتم رصد أي حالة مصابة بجدري القرود، حتى الآن داخل المملكة، مؤكدة على أن السعودية اتخذت كافة التدابير الوقائية، للعمل بشكل مكثف وبقوة لرصد أي أي حالة والحد من انتشار الفيروس أو تفشيه.
كشفت إدارة الصحة في إقليم خيبر بختون خوا الباكستاني، أنه تم رصد 3 حالات مصابة بفيروس جدري القرود، وأن الحالات لمسافرين قادمين من الإمارات، وأكدت المدير العام للخدمات الصحية "سليم خان" أن المرضى الثلاثة يخضعون للحجر الصحي.
حالات مصابة بفيروس جدري القرود في جمهورية الكونغوسجلت المؤشرات، توغل جدري القرود في جمهورية الكونغو وتفشى إلى دول مجاورة، إذ جرى تسجيل 27 ألف إصابة وأكثر من 1100 وفاة، معظمها بين الأطفال.
ما هو جدري القردة؟ينتقل جدري القردة من الحيوانات إلى البشر، خاصة أنه فيروس حيواني المصدر، يسهل انتشاره بين الأشخاص، يعرف بـ "جدري القردة" بعدما تم اكتشافه لأول مرة في مستعمرات القردة المحفوظة للبحث عام 1958. ولم يكتشف في البشر إلا في عام 1970.
قد يصيب معظم الفئات العمرية، ويمكن التعافي منه في غضون أسابيع قليلة، وفي معظم الحالات، تختفي أعراض المرض من تلقاء نفسها في غضون أسابيع قليلة، وأحيانا يؤدي إلى مضاعفات طبية.
هل تنبأت بانتشار جدري القرود؟.. ليلى عبد اللطيف تثير الجدل من جديد
بعد تحذيرات الصحة العالمية.. هل جدري القرود أخطر من فيروس كورونا؟
مرض جدري القرود في مصر.. وزارة الصحة تكشف طرق انتشاره
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: منظمة الصحة العالمية جدري القرود جدري القردة أعراض جدري القرود جدري القرود في مصر جدري القرود في السعودية أسباب جدري القردة فیروس جدری القرود جدری القرود فی جدری القردة
إقرأ أيضاً:
الطاقة في زمن الاضطراب.. قراءة سياسية - اقتصادية في خريطة الأسواق العالمية
علياء السعيدية
خلال متابعتي لبيانات أسواق الطاقة اليابانية، والتي أراها أداة ممتازة لفهم العلاقة العميقة بين الطاقة والاقتصاد والسياسة كونها تكشف بدقة كيف تتفاعل الأسعار مع كل حدث عالمي أو محلي يتضح سبب اختيار اليابان إنشاء سوق فوري للكهرباء في وقت مبكر. فهذا السوق لم يكن إطارًا للتداول فقط، بل جاء بوصفه حلًا عمليًا لتحديات متراكمة. فاليابان بوصفها دولة تعتمد بشكل واسع على استيراد النفط والغاز كانت في حاجة إلى نظام يخفّف من آثار تقلبات الأسعار العالمية، وفي الوقت نفسه يساعد الشركات على مواجهة التغيرات المناخية اليومية التي تؤثر مباشرة على تكلفة إنتاج الكهرباء. ومن خلال هذا السوق، تمكنت اليابان من تحويل مشكلاتها إلى نظام مرن وشفّاف يعكس واقع العرض والطلب، ويمنح الشركات قدرة أكبر على التكيف والاستجابة.
ومع تبيّن دوافع إنشاء هذا السوق الفوري، وكيف أصبح أداة للتعامل مع التحديات اليومية والاقتصادية، يبرز سؤال مهم: كيف يتصرف هذا النظام عند وقوع أزمة حقيقية؟ وجاء عام 2022 ليقدّم الإجابة الأصعب. ففي هذا العام واجهت أسواق الطاقة اليابانية اضطرابًا غير مسبوق، ارتفع على إثره سعر الكهرباء بشكل حاد، ليصل إلى ذروته التاريخية متجاوزًا 80 ينًا للكيلو واط وفقًا لبيانات السوق.
سلسلة من الأحداث المتتابعة — بدءًا من صدمة أسعار الغاز العالمية، مرورًا بتوقف عدد من المفاعلات النووية، ووصولًا إلى موجات الطقس القاسية — دفعت الحكومة اليابانية والجهات التنظيمية إلى إعادة النظر في قوانين إدارة سوق الطاقة، وهو سوق حر يتمتع بدرجة عالية من الشفافية والانضباط.
إن وضوح التقلبات في تلك الفترة يمنحنا رؤية واقعية لما يحدث خلف الكواليس، وكيف تتفاعل الأنظمة المرِنة حتى في دولة منظمة كاليابان مع الصدمات المفاجئة، وتحاول امتصاصها وإعادة التوازن للسوق.
وعند الحديث عن الصدمات، فلا شك أنك سمعت العبارة المتكررة «الحرب الروسية رفعت أسعار النفط»، غير أن وقع هذه العبارة لم يكن واحدًا في كل مكان فدول تضررت بشدة، ودول أخرى استفادت. وقد أدركتُ آنذاك جانبًا من هذا الضرر، إذ كانت سنوات 2021–2022 من الأعوام الثقيلة التي شهد فيها العالم تضخمًا كبيرًا قد لا يعود إلى مستوياته السابقة بسهولة.
لكن الأسواق اليابانية دفعتني لاحقًا إلى النظر في المسألة من زاوية مختلفة، لا كفرد ينتمي إلى دولة مصدّرة للطاقة، بل كمقيمة في دولة مستوردة بالكامل. ففي اليابان، فقد السوق توازنه في تلك الفترة، إذ شهد قطاع الطاقة موجة غير مسبوقة من الضغوط أدّت إلى خروج عدد كبير من مزوّدي الكهرباء من السوق.
ووفقًا لبيانات الصناعة: «حتى مارس 2023، تم إجبار 195 شركة من مزوّدي الكهرباء على إعلان إفلاسها أو إغلاق أبوابها أو الخروج من السوق نهائيًا».
ماذا حدث فعلا !
رفعت روسيا أسعار الطاقة عبر سياسة واحدة فقط: خفض إمدادات النفط والغاز عن أوكرانيا، ثم عن أوروبا، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حدث في سبعينيات القرن الماضي عندما أوقفت الدول العربية إمدادات النفط. ويبدو أن روسيا رأت في هذا الأسلوب تكتيكًا مناسبًا لإعادة إحيائه من جديد. ومع تطوّر الأحداث، تحوّل ما كان يُنظر إليه سابقًا باعتباره “تفصيلًا عابرًا” في سلاسل الإمداد إلى نقطة ارتكاز عالمية، وجعل من أوكرانيا دولة محورية بصورة مفاجئة. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل كنّا نمنح موقعها هذه الأهمية قبل اندلاع الأزمة؟ لست متأكدة، لكن العالم وجد نفسه مضطرًا اليوم لفهم دورها وتأثيرها الحقيقيين.
أما اليابان، التي تستورد جزءًا من احتياجاتها من النفط والغاز من روسيا، فقد واجهت بعد اندلاع الأزمة سلسلة من الصعوبات المتراكمة. فقد تعقّدت عمليات الشحن، وارتفعت تكاليف النقل والتأمين، وأضيفت علاوة مخاطر على كل شحنة. والأسوأ أن أوروبا — بعد انقطاع الغاز الروسي عنها — استحوذت على معظم المعروض العالمي من الغاز الطبيعي المسال، ما دفع اليابان إلى شراء احتياجاتها من السوق الدولية بأسعار أعلى بكثير.
وفوق هذه الأزمات المتلاحقة، جاء المناخ ليُضاعف حجم المشكلة؛ إذ شهدت اليابان في ذلك العام موجات حر وبرد قاسية رفعت الطلب على الكهرباء بشكل مفاجئ، بينما كانت عدة محطات نووية متوقفة نتيجة مشكلات السلامة المتراكمة في السنوات السابقة. ولا يمكن تجاهل أن العالم كله كان آنذاك لا يزال يتلمّس طريقه للخروج من تبعات جائحة كورونا.
وبين هذه الضغوط المتشابكة، قدّمت اليابان مثالًا مهمًا في إدارة الأزمات، رغم وجود نقطة ضعف واضحة تمثلت في انخفاض هامش الاحتياطي من الطاقة لديها. وقد دفع ذلك الحكومة إلى إعادة النظر في سياسات واستراتيجيات إدارة الطاقة في البلاد.
وفي خضمّ هذا الاضطراب العالمي، برز النفط والغاز الأمريكيان فجأة كحل جاهز وفعّال، ليس لأنهما الأرخص دائمًا، بل لأنهما الأكثر توفرًا والأبعد عن الصراعات الجيوسياسية المباشرة. فقد وجدت أوروبا نفسها، بعد انقطاع الغاز الروسي، تعتمد بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، التي تحوّلت خلال أشهر من “مصدّر مهم” إلى المنقذ الأكبر للطاقة الأوروبية.
وبينما كانت أوروبا تشتري كل ما تستطيع من الشحنات، ظهر تأثير ذلك على آسيا بأكملها، إذ ارتفع الطلب العالمي وازدادت المنافسة لدرجة جعلت الغاز الأمريكي خيارًا جذابًا لليابان أيضًا، رغم تكاليف الشحن العالية. ومع ذلك، وفّر الغاز الأمريكي لليابان مصدرًا مستقرًا نسبيًا، بعيدًا عن المخاطر المرتبطة بروسيا أو الشرق الأوسط.
لقد بدا النفط والغاز الأمريكيان، في تلك اللحظة، وكأنهما يشكّلان شبكة أمان مؤقتة للاقتصاد الصناعي العالمي؛ حلاً سريعًا لظرف ضاغط، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام سؤال أعمق: هل يمكن التعويل على هذا النموذج على المدى الطويل، أم أنه كان مجرد استجابة اضطرارية لأزمة غير مسبوقة؟
دور استقرار مضيق هرمز
وفي الصورة المقابلة، كان الشرق الأوسط — على الرغم من ابتعاده الجغرافي عن أوروبا — يقف في قلب الأزمة بطريقة لا يمكن تجاهلها. فقد بقيت الدول الخليجية خلال تلك الفترة أكثر مصادر الطاقة استقرارًا في العالم؛ لا تعطلها حرب، ولا تربطها صراعات مباشرة مع أوروبا أو آسيا، الأمر الذي جعلها لاعبًا حاسمًا في توازن السوق العالمي. ومع ارتفاع أسعار النفط، استفادت دول المنطقة من زيادة العائدات، وفي الوقت نفسه اكتسبت وزنًا سياسيًا أكبر؛ لأن جميع الدول الصناعية — من اليابان إلى ألمانيا — كانت تعتمد على بقاء إمدادات الخليج مستقرة ومستمرة.
وبالنسبة لليابان تحديدًا، فإن اعتمادها المرتفع على نفط الشرق الأوسط جعل استقرار هذه المنطقة مسألة أمن قومي؛ فمضيق هرمز الذي يمر منه أكثر من 75% من واردات اليابان من النفط، ظلّ خلال الأزمة نقطة حساسة؛ وأي توتر فيه ينعكس فورًا على الأسعار داخل طوكيو. ولهذا تابعت اليابان مجريات الأحداث في الشرق الأوسط بدقة، ليس من منطلق سياسي فقط، بل لأنها تعلم أن جزءًا كبيرًا من طاقتها اليومية — من المصانع إلى المنازل — يمر عبر الخليج.
وفي هذا السياق، فإن أي اضطراب في الشرق الأوسط يجعل النفط الأمريكي أكثر جاذبية في السوق الدولية، ويرفع إيرادات الولايات المتحدة، إذ ينتج الشرق الأوسط أكثر من ثلث إنتاج النفط العالمي، ويمر عبره أكثر من 25% من شحنات النفط والغاز في العالم. ولذلك يُعد استقرار بعض الدول في المنطقة — مثل سلطنة عُمان — عنصرًا محوريًا في استقرار الإمدادات العالمية. ومن هنا يمكن فهم سبب الحماس الأمريكي في معالجة بعض أزمات المنطقة، مقابل الفتور والاكتفاء بالتنديد في أزمات أخرى.
ويبرز هنا عنصر آخر لا يلتفت إليه الكثيرون: وهو الأمن البحري. فقوة الأساطيل البحرية أصبحت عاملًا أساسيًا لضمان سلامة تدفقات الطاقة. وعند حدوث أزمات، توفر الولايات المتحدة — بحكم وجودها البحري وعلاقاتها مع دول المنطقة — مستوى من “الأمن المكلف” لناقلات النفط والغاز. فعلى سبيل المثال، يمر أكثر من 75% من واردات اليابان من النفط والغاز عبر مضيق هرمز، وفي صورة أوسع تعتمد معظم دول آسيا على هذا الممر البحري الحيوي. وتؤمّن الولايات المتحدة جزءًا من مسارات النقل البحري في الشرق الأوسط، لكن هذا التأمين ليس مطلقًا، بل هو تأمين جزئي مراقَب باستمرار مع بقاء المخاطر قائمة.
ويأتي في صدارة هذا الدور الأسطول الخامس الأمريكي، المتمركز في البحرين، والمسؤول عن المنطقة التي تشمل الخليج، ومضيق هرمز، وبحر عُمان، والخليج العربي. وهو وجود يعكس استمرار أهمية الشرق الأوسط في معادلة الطاقة العالمية، مهما تعددت البدائل المؤقتة.
ماذا لو توقفت الحرب
لن تعود أسعار الطاقة إلى الهدوء؛ لأن أوروبا لن تعتمد مجددًا على الغاز الروسي، وستواصل شراء الغاز الطبيعي المسال بكثافة من الولايات المتحدة وقطر، وهو ما سيُبقي الأسعار مرتفعة نسبيًا على المستوى العالمي. وستستفيد اليابان جزئيًا من تحسن ظروف الشحن، لكنها ستظل تدفع أسعارًا أعلى بفعل المنافسة الأوروبية المستمرة على الغاز المسال. أما عُمان فقد تستفيد من بقاء أسعار النفط عند مستويات جيدة نتيجة استمرار التوترات السياسية في عدد من المناطق المنتجة. وفي كل الأحوال، فإن هذا السيناريو لا يعيد العالم إلى ما قبل 2022، بل يُبقي المخاطر الجيوسياسية حيّة، ويجعل الطاقة أكثر تكلفة وفي بيئة يغلب عليها عدم اليقين لسنوات طويلة.
أما إذا توقفت الحرب بسلام، وتوصلت روسيا وأوكرانيا إلى تسوية سياسية، فستنخفض فورًا “علاوة المخاطر” التي رفعت أسعار الطاقة منذ عام 2022. وسيتراجع مستوى الأسعار إلى حدود أقرب للطبيعية، ما يجعل أوروبا تقلل وتيرة شرائها الهائلة للغاز، ويخفف الضغط على الأسواق، ويمهّد لعودة التوازن تدريجيًا. وفي هذا السياق، ستكون اليابان من أبرز المستفيدين عبر انخفاض تكاليف الكهرباء وهدوء السوق. وقد تتأثر عُمان بانخفاض أسعار النفط، لكنها ستستفيد في المقابل من استقرار الشحن والتجارة العالمية. وفي هذا السيناريو، يعود الاقتصاد العالمي إلى وتيرة أكثر طبيعية، وتتراجع موجات التضخم، وتصبح سلاسل الإمداد أقل هشاشة مقارنة بسنوات الأزمة.
وقد يُطرح هنا سؤال جوهري: لماذا لا تُحدث جميع الحروب الأثر نفسه في سوق الطاقة العالمي؟ وسوريا واحدة من أوضح الأمثلة. فعلى الرغم من عودتها إلى المشهد السياسي العربي، لم ينعكس ذلك على أسواق الطاقة؛ لأنها لم تعد لاعبًا فعليًا في إنتاج أو تصدير النفط والغاز. فقد تعرّضت البنية التحتية للطاقة لدمار واسع خلال سنوات الحرب، وبقي الإنتاج المتبقي محدودًا ومجزأ، بينما تمنع العقوبات الدولية — وخصوصًا الأمريكية — أي انتعاش حقيقي في هذا القطاع، إذ تقيد تصدير النفط وتحدّ من تدفق الاستثمارات، وهو ما يفسر سعي دمشق إلى إعادة علاقاتها الخارجية من موقع الضرورة لا الرغبة.
يضاف إلى ذلك أن سوريا ليست ممرًا رئيسيًا لخطوط الطاقة العالمية، ولذلك فإن استقرارها السياسي يظل مهمًا للمنطقة، لكنه غير قادر على تغيير توازنات سوق الطاقة الدولي التي تتحكم بها دول أكبر إنتاجًا وتأثيرًا في المعروض العالمي.
تعافي العراق.. خريطة
جديدة للطاقة العالمية
إذا تعافى العراق اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، فإن انعكاسات هذا التعافي لن تبقى داخل حدوده، بل سيشعر بها العالم بأسره. فالعراق ليس بلدًا هامشيًا في معادلة الطاقة العالمية، بل يُعد أحد أهم المنتجين، ويملك قدرة كامنة يمكن أن تعيد رسم موازين السوق الدولية. وفي حال تحقق سيناريو التعافي، سيرتفع إنتاج النفط والغاز بشكل كبير، إذ يمتلك العراق خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم، بينما لا تزال كميات ضخمة منه غير مستغلة بسبب الحروب والفساد وضعف البنية الأساسية. وإذا تمكن العراق من رفع إنتاجه إلى أكثر من سبعة ملايين برميل يوميًا — وهو قادر على ذلك — فإن دخوله بهذه القوة سيضيف مصدرًا ثابتًا وكبيرًا للسوق، مما يُشكّل ضغطًا مباشرًا على الأسعار العالمية ويدفعها نحو الانخفاض بفعل دخول لاعب ثقيل بقدرات إنتاجية واسعة.
والحقيقة أن الولايات المتحدة ستفقد جزءًا من نفوذها في حال صعود العراق مجددًا، لأن أوروبا — التي أصبحت تعتمد على النفط والغاز الأمريكيين بعد الحرب الأوكرانية — ستجد بديلًا أكثر استقرارًا وأقل تكلفة في الإمدادات العراقية والخليجية. فمعظم النفط الأمريكي هو نفط صخري مرتفع التكلفة، ويحتاج إلى أسعار عالمية عالية ليستمر في المنافسة، بينما يستطيع العراق ضخ كميات كبيرة بتكلفة أقل وبوتيرة إنتاج أكثر استقرارًا. ومع تراجع اعتماد أوروبا على الطاقة الأمريكية، ستخسر واشنطن ورقة ضغط مؤثرة استخدمتها خلال السنوات الماضية في إدارة علاقاتها السياسية والاقتصادية مع القارة الأوروبية.
وعلى مستوى الخليج، يمكن النظر إلى تعافي العراق باعتباره عامل استقرار أكثر منه مصدر قلق. فعودة العراق إلى وضع مستقر تخلق محيطًا إقليميًا أقل توترًا، وتخفف الضغوط الأمنية والاقتصادية على دول الخليج. كما أن استقرار العراق يفتح الباب أمام تعاون اقتصادي أوسع، سواء عبر مشاريع الربط الكهربائي، أو تطوير شبكات الغاز، أو تعزيز التجارة البينية. ومع أن ارتفاع إنتاج العراق يعني دخول لاعب كبير آخر إلى السوق، إلا أن دول الخليج تمتلك خبرة طويلة في إدارة التوازنات داخل «أوبك»، ما يجعل توسع الطاقة الإنتاجية للعراق فرصة لتعزيز الموقف الجماعي بدل تقويضه. وباختصار، فإن نهضة العراق يمكن أن تمهّد لشرق أوسط أكثر استقرارًا، وهذا مكسب مباشر لدول الخليج قبل غيرها.
ومع تتبّع هذه السلسلة المتشابكة من الأزمات — من صدمة الغاز الروسي إلى تنافس أوروبا وآسيا على إمدادات الغاز المسال، ثم دور الشرق الأوسط والولايات المتحدة، وصولًا إلى سيناريوهات ما بعد الحرب — يتضح أن أسواق الطاقة ليست مجرد أسعار ترتفع وتنخفض، بل منظومة حساسة تتأثر بكل قرار سياسي وبكل درجة حرارة وبكل اضطراب بحري أو بري. إنّ التجربة اليابانية في عام 2022 لم تكشف هشاشة السوق فقط، بل كشفت أيضًا قوة الأنظمة المرنة وقدرتها على امتصاص الصدمات، إذا توفرت الشفافية والحوكمة والقدرة على التحوّل السريع. وهذا ما يجعل دراسة الطاقة اليوم مفتاحًا حقيقيًا لفهم شكل العالم في العقود القادمة.
وفي النهاية، تظهر لنا هذه الأحداث أن استقرار الطاقة في أي دولة لم يعد قضية فنية أو اقتصادية فحسب، بل أصبح قضية وجودية تمسّ الأمن الوطني، والسياسة الخارجية، واستقرار حياة الفرد اليومية. كما أن المشهد العالمي لن يعود بسهولة إلى ما قبل 2022، سواء انتهت الحرب بتسوية أو سيطرة أو استمرار. لكن ما يمكن الجزم به أن الدول التي تُعيد بناء سياساتها الطاقية بذكاء — مثل اليابان اليوم، أو العراق في حال تعافيه، أو دول الخليج عبر تعزيز دورها — ستكون الأكثر قدرة على التكيّف، والأقدر على تحويل الأزمات إلى فرص. وهنا بالضبط تكمن أهمية قراءة أسواق الطاقة: فهي ليست تنبؤًا بالأسعار، بل قراءة لمستقبل العالم نفسه.
علياء بنت سعيد السعيدية متخصصة في علوم هندسة الطاقة والمعلوماتية