بعد رفض الجيش السوداني المشاركة.. هل تفشل مفاوضات جنيف بقيادة الولايات المتحدة؟
تاريخ النشر: 19th, August 2024 GMT
تصر الولايات المتحدة الأمريكية على مشاركة الجيش السوداني في مفاوضات جنيف التي وضعت لها سقفًا مفتوحًا من الزمن يمتد لعدة أيام بغرض ممارسة ضغوط مختلفة على قيادة الجيش لإرسال وفده إلى جنيف.
وجاء اعتراض رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان على الاشتراطات الأمريكية الخاصة بأن يكون وفد التفاوض ممثلا للجيش وليس لمجلس السيادة، لأن في ذلك عدم اعتراف من الولايات المتحدة الأمريكية بمجلس السيادة، وهو ما يمكن أن ينسحب على كل دول العالم التي تعترف بالمجلس كسلطة تنفيذية لحكم السودان.
وجاء إصرار وزير الخارجية الأمريكي على مخاطبة الرئيس البرهان بالجنرال ليكشف عدم الاعتراف الأمريكي بمؤسسة الرئاسة السودانية وإصرارهم على أن البرهان مجرد وزير للدفاع أو قائد للجيش السوداني.
وكل ذلك مقصود ومرتب لتأسيس دولة بنظامين يكون قائد التمرد "حميدتي" جزءًا منها وشريكًا في اقتسام السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكل ما له علاقة بإدارة البلاد.
ويرى المراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط عبر جنيف لتثبيت محمد حمدان دقلو شريكًا رئيسيًا في السلطة والثروة والقرار السياسي بعد انتهاء مفاوضات جنيف وليس جزءًا من دولة قائمة يترأسها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وربما كان الهدف الرئيسي من اختطاف منبر التفاوض من جدة السعودية إلى جنيف في سويسرا هو إزالة صفة المتمرد من محمد حمدان دقلو وإلباسه ثوب رئيس ثان للدولة السودانية مع البرهان، وهو ما يعكس عدم ثقة واشنطن في البرهان ونظامه والتحايل على احتلال السودان والسيطرة عليه عبر حميدتي والدعم السريع الذي سبق أن تعاون مع واشنطن وحلفائها في مجالات كثيرة من بينها ما يسمى بمحاربة الإرهاب، ومكافحة تهريب البشر، وتسليم أمريكا وأوروبا ملفات ومعلومات كثيرة جدًا عن الحدود وصراعات الحدود في إفريقيا.
وكانت هناك تساؤلات كثيرة قد طرحها المحللون والمتابعون للشأن السوداني تدور في مجملها حول مصير منبر جدة ومخرجاته، وتوسعة ما يسمى بدائرة المسهلين للحوار السوداني- السوداني، واستبعاد جامعة الدول العربية بالرغم من دعوة الاتحاد الإفريقي للمشاركة، إضافة إلى اعتبار مصر مجرد مراقب في جولة جنيف، وجميع هذه التساؤلات تضع علامات استفهام كثيرة على الموقف الأمريكي الذي لا يمكن أن يكون قد تصالح فجأة مع إنسانيته وضميره ويعمل جاهدًا لإيجاد فرص حقيقية للسلام في السودان.
استبعاد جامعة الدول العربيةومن ضمن استراتيجية أمريكا في التعاطي مع الأزمة السودانية هي محاولة سلخه من محيطه العربي، ونزع صفة العروبة عن هذا الشعب الذي يمثل جسرًا بين العرب وإفريقيا، وهي تمارس هذا الدور في كل محطات التفاوض والنزاع والسلام مع السودان، وهي تستبعد جامعة الدول العربية ومصر على وجه الخصوص من المشاركة الحقيقية والفاعلة في تحديد مستقبل السودان.
وهو بالضبط ما حرصت عليه في مفاوضات جنيف عندما استبعدت عمدًا دعوة جامعة الدول العربية للحضور، على الرغم من قيامها بدعوة الاتحاد الإفريقي للمشاركة بالرغم من أن الاتحاد جمّد عضوية السودان لديه، ويرفض مشاركته في أي فعاليات ينظمها.
وفي بيانها، أكدت جامعة الدول العربية أنها لم تتلقَ دعوة للمشاركة في المحادثات المنعقدة في جنيف، على الرغم من قرار مجلس الأمن رقم 2736 الذي ينص على ضرورة التنسيق مع الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية. وأشارت الجامعة إلى أن دعوتها للمشاركة تعكس أهمية السودان كدولة عربية وجسر للتواصل العربي- الإفريقي.
وأكدت الجامعة تمسكها باحترام سيادة السودان وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية، بما في ذلك القوات المسلحة السودانية.
ويبدو أن هذا الموقف الواضح للحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، والحفاظ على جيش السودان، هو السبب الرئيسي لرفض واشنطن دعوتها للمشاركة في جنيف، وهو نفس الموقف الذي تحاول به أمريكا حصار الدور المصري في السودان ووضعه مجرد مراقب وليس مشاركا في جولة جنيف.
هل تنجح أمريكا؟وفي اهتمام مفاجئ، وغير مسبوق بالأزمة السودانية بعد مرور عام من الصراع بين الجيش والمتمردين، حشدت الولايات المتحدة الأمريكية كل قوتها لدعم مفاوضات جنيف، واختطاف منبر جدة، والزعم بأن هذه الجولة كفيلة بأن تنهي الصراع، وتحقق السلام.
وقال مبعوثها الخاص للسودان، توم بيرييلو، إن المشاورات التي تُجرى في جنيف تركز على التزام الأطراف بالاتفاقات المبرمة في جدة وتطبيقها، بالإضافة إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وتمكين تقديم المساعدات، وإسكات الأعمال العدائية، كما تهدف المشاورات إلى إنقاذ الأرواح وتخفيف معاناة السودانيين، وتحقيق وقف لإطلاق النار، وتعزيز وصول المساعدات، وإنشاء آليات تنفيذ تضمن تحقيق نتائج ملموسة.
وأكد أن الأزمة في السودان بلغت "درجات غير مسبوقة من الخطورة، حيث يواجه الملايين جوعًا حادًا ونزوحًا، في حين أدى الصراع المستمر إلى ارتكاب فظائع واسعة، بما في ذلك الاعتداءات على النساء والأطفال".
وجاء حديث بيرييلو متوازيًا مع صخب إعلامي غربي حول المجاعة في السودان، وعمليات قتل ونزوح المدنيين، وكأنها قد انطلقت فقط خلال الساعات الماضية، بغرض لفت أنظار الرأي العام العالمي إلى ما يسمى بالمجاعة الأسوأ في التاريخ حتى يحتشد الفاعلون خلف الموقف الأمريكي لإنهاء الأزمة السودانية ولكن على الطريقة والتطبيق والتصميم الذي وضعته واشنطن وليس على ما يريده الشعب السوداني من إنهاء حقيقي للأزمة عبر طرد التمرد ومعاقبة المتهم الحقيقي بارتكاب كل تلك الجرائم ووقف التدخل الدولي، ومنع تمزيق السودان، إضافة إلى إعادة القرار إلى أصحابه في الخرطوم بدلًا من واشنطن وعواصم الغرب.
وأمريكا التي خصصت مبعوثًا لها في السودان لم تتوقف عند هذا الحد، ولكن اهتمت في أعلى سلم دبلوماسيتها بالسودان، وعاود وزير خارجيتها أنطوني بلينكن الاتصال بعبد الفتاح البرهان مرة ثانية لحسه شخصيا على ترأس فريق التفاوض من قيادات الجيش السوداني إلى جنيف، وطلب منه المشاركة في صيغة أمر أمريكي لقائد الجيش السوداني الجنيرال عبد الفتاح البرهان، وكانت المهاتفة الأولى للبرهان في الشهر الماضي قد تضمنت إهانات شخصية من الوزير الأمريكي لرئيس مجلس السيادة السوداني، حيث رد البرهان بقوة وأكد أنه ليس جنديًا أو موظفًا لدى بلينكن حتى يصدر إليه الأوامر.
وفي اتصاله الثاني، الأسبوع الماضي، لبس بلينكن ثوب رجل السلام، وأكد ضرورة المشاركة في محادثات السلام الجارية في سويسرا لتحقيق التنفيذ الكامل لـ”إعلان جدة” بشأن حماية المدنيين، وقال إن المجتمع الدولي اجتمع دعمًا لهذه المفاوضات التي تستضيفها سويسرا والمملكة العربية السعودية من أجل التوصل إلى الامتثال لإعلان جدة، ووقف الأعمال العدائية ووصول المساعدات الإنسانية وإنشاء آلية لمراقبة التنفيذ.
وفي رده على بلينكن، أكد البرهان رفضه توسيع دائرة المشاركين في جنيف، مشددًا على موقف السودان الثابت بالالتزام بتنفيذ إعلان جدة وفقًا للرؤية التي تم تقديمها لأطراف منبر جدة، وإن كان قد ترك الباب مفتوحًا للمشاركة في جنيف في حال تنفيذ الاشتراطات السودانية الخاصة برفض توسعة المشاركين في الحوار، ومشاركة الوفد السوداني ممثلا عن الحكومة ومجلس السيادة وليس عن الجيش.
ويرى المراقبون أن مضمون الأهداف التي دعا إليها بلينكن في اتصاله بالبرهان حول وقف إطلاق النار، وفتح ممرات آمنة للإغاثة، ووضع آلية لمتابعة التنفيذ، جميعها مطالب شدد عليها منبر جدة، وبالتالي كان من الأولى أن يتم تنفيذ هذه المطالب وفقًا لمنبر جدة دون الحاجة إلى نقل المفاوضات إلى جنيف لتنفيذ نفس المطالب، وهو ما يكشف عن أن الموقف الأمريكي يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى غير تلك المعلنة على لسان بلينكن أو المبعوث الأمريكي في السودان.
جبريل إبراهيم يفضحكشف جبريل إبراهيم، وزير المالية السوداني، عن لقاء جمعه بالسفير النرويجي أكد فيه أن أمريكا والغرب يرغبون في تجميد الوضع كما هو، مما يعني استمرار وجود الدعم السريع بين المدنيين، وهو أمر غير مقبول للشعب السوداني.
وقال "إبراهيم"، "المبعوث الأمريكي أخبرنا أن لا تظنوا بأن أمريكا تستطيع فرض قرار على الإمارات لوقف تقديم الأسلحة للدعم السريع، أو منعها لتقديم دعم مالي له، لأنها دولة قوية بمواردها المالية، لكننا نقوم بممارسة ضغوط عليها”.
وكشف جبريل إبراهيم عن محاولة إيقاع فتنة بين السودان والسعودية، حيث قال إن المبعوث الأمريكي أبلغنا أيضًا أن السعودية لا ترغب في تحقيق بيان جدة والداعي لانسحاب الدعم السريع من المدن والمؤسسات المدنية السودانية، وفتح ممرات آمنة للإغاثة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد من السعودية سوى تمويل ودفع فواتير الوفود المشاركة في المفاوضات في جنيف.
وأوضح أن "البرهان" أصر على أن يمثل الوفد الحكومة وليس الجيش، وأن يتولى قيادته وزير من الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، مشددًا على أننا لن نرسل وفدًا من الجيش إلى أي مفاوضات.
وهكذا يتضح من خلال كل تلك المحاولات الأمريكية لاختطاف منبر جدة إلى جنيف أن الإدارة الأمريكية قررت عدم تنفيذ بيان جدة الداعي للسلام، وأنها تخطط لتشريع وجود الدعم السريع كقوة عسكرية وسياسية فاعلة بعد الحرب عبر حشد دولي كبير خلف مطالبها.
فشل جنيفويرجح المراقبون للشأن السوداني فشل مفاوضات جنيف للأسباب التالية:
1 ـ عدم مشاركة مجلس السيادة يفرغها من مضمونها، لأن القوة الفاعلة الحقيقية التي تسيطر على مفاصل الدولة وهي الجيش غير ممثلة في هذه المفاوضات.
2 ـ أن الأهداف الأمريكية من الجولة تتعارض تمامًا مع ما هو معلن من رغبة في تحقيق السلام، وأن جيمع الأطراف العسكرية والسودانية أصبحت على معرفة تامة بهذا الأمر.
3 ـ أن هناك من يرى أن أمريكا تحاول تجميد الوضع عند حدود إبقاء الدعم السريع بقوته الحالية، ووقف انتصارات الجيش السوداني إلى حين الانتهاء من انتخابات الرئاسة الأمريكية ربما تجهيزًا لتدخل عسكري مساند للدعم السريع مع الرئيس الأمريكي القادم.
4 ـ تغييب جامعة الدول العربية ومحاولة تهميش الدور المصري، مع استبعاد الفاعلين السودانيين يرجح فشل هذه المفاوضات التي يبدو وكأنها تدور بين طرف واحد.
أخيرًا، أظهرت مناقشات الأيام الأولى للمفاوضات توقفها عند المستوى النظري الذي لا يدفع في اتجاه الحل، ولكن فقط هي خطوات تجميد لوضع السودان حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واستباقًا لإجهاض العلاقات السودانية المتنامية مع روسيا من ناحية، ومع إيران وخاصة في مستوياتها العسكرية من ناحية ثانية.
اقرأ أيضاًلماذا تأخر تشكيل هيئة مكتب نقابة المحامين حتى الآن؟
وزير الإسكان يتابع تنفيذ وحدات «سكن لكل المصريين» في أكتوبر الجديدة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الفريق البرهان الجيش السوداني الولايات المتحدة الأمريكية الأزمة السودانية مفاوضات جنيف الرئاسة السودانية الولایات المتحدة الأمریکیة جامعة الدول العربیة الجیش السودانی مفاوضات جنیف مجلس السیادة الدعم السریع فی السودان إلى جنیف منبر جدة فی جنیف
إقرأ أيضاً:
من الأميري لاي عبد الله خليل إلى كبرون.. لماذا لا يشتكي ضباط الجيش السوداني من التهميش؟
لم تواجه المؤسسة العسكرية السودانية صعوبة في تسمية وزرائها في حكومة الدكتور كامل إدريس، حيث دفعت بالفريق ركن حسن داؤود كبرون وزيرًا للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى وزيرًا للداخلية. كلاهما، وفقًا لكثير من الشهادات، جاءت به الخبرة والكفاءة لهذا الموقع، وهو تقريبًا المعيار الذي وضعه رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس للدخول في تشكيلة حكومته التي وصفها بـ”حكومة الأمل”. لكن المثير في الأمر أن ذلك التعيين حظي بحفاوة لافتة داخل الأوساط العسكرية والاجتماعية، على حدٍ سواء، دون أن يفجر أي أزمة أو يجر الناس للحديث عن التهميش والمحاباة. فما هو السر وراء ذلك؟
القومية النبيلة
ربما لا يزال يرن في أذهان كثير من الناس صوت المساعد الراحل محمد علي عبد المجيد، المعروف بـ”شاعر الجيش”، وهو يجلجل بتلك القصيدة الشهيرة: “ما اتفاخرنا بيها قبيلة، ما فرقتنا رتب.. قائد حامية نوباوي، قائد ثاني حلفاوي، حضرة صول معلاوي. رقيب أول من الفاشر.. دمازين والمدينة عرب”. فمن النادر أن يحتج أحد الضباط، حتى من هم في المعاش، على ترقية أو نقل أو إعادة تعيين زملاءهم في مواقع حكومية، ما يشير الى معايير صارمة ومتعارف عليها داخلياً تحكم تلك القرارات.
تفنيد مزاعم دقلو
سبق أن حاول عبد الرحيم دقلو، شقيق قائد التمرد، الإيحاء بأن قادة المؤسسة العسكرية ينحدرون من منطقة واحدة، مدعيًا في مقابلة مع سكاي نيوز أن “قادة الجيش كلهم من قرية واحدة”. إلا أن الفريق أول ركن ياسر العطا فند هذا الاتهام مباشرةً، مؤكدًا في رسالة لقادة ميليشيا الدعم السريع أن المؤسسة العسكرية تمثل كل أطياف الشعب السوداني. وأضاف العطا: “رئيس هيئة الأركان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين من جبل أم علي شمال شندي، بعده في الأقدمية الفريق مجدي إبراهيم من قبيلة التعايشة وقد عاش وترعرع في سنار، ثم يأتي أيضًا الفريق خالد الشامي النائب عمليات من ولاية الجزيرة، كذلك النائب إدارة الفريق الداروتي من ضاحية بحري، أما النائب تدريب فهو الفريق عبد المحمود حماد من بربر العجيمية، بينما الفريق ركن رشاد عبد الحميد قائد القوات البرية فهو من ولاية كسلا، أما قائد الدفاع الجوي الفريق عبد الخير عبد الله ناصر من أبناء كادقلي”.
وأردف العطا أيضًا بأن قائد البحرية الفريق محجوب بشرى من أبناء بورتسودان، والفريق صبير رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية من العيلفون شرق النيل، والفريق محمد الغالي الأمين العام لمجلس السيادة من دارفور، ووزير الدفاع السابق يس إبراهيم من الرهد أبو دكنة. وتساءل العطا: “هل كل هؤلاء من قرية واحدة أو قريتين يا عبد الرحيم دقلو؟”.
بطل معركة الكرامة
بعد تسمية الفريق كبرون وزيرًا للدفاع، كتب مبارك أردول، رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، على صفحته بالفيسبوك: “ألف مبروك الفريق حسن داؤود كبرون، لقد قلتها بأنك ستدافع عن السودان بدمك وروحك وأصبحت حاليًا وزيرًا للدفاع في السودان، ألف مبروك للسودان بك وزيرًا لدفاعه”. وقد رصد موقع “المحقق” تداول مقطع فيديو للفريق كبرون من مباني القيادة العامة وهو يتحدى الحصار، ووصفه البعض بأنه أحد أبطال معركة الكرامة، وقد جسد بثباته وفدائيته روح المؤسسة العسكرية التي تمثل النواة الصلبة للشعب السوداني.
من جانبه، وصف الكاتب الصحفي محمد عثمان إبراهيم وزير الداخلية الجديد الفريق شرطة بابكر سمرة بأنه “رجل محترم أتى به إلى وزارة الداخلية سجله المهني الممتاز في جميع أنحاء السودان، وهو السجل الخالي من الشبهات”، مضيفًا: “ترفع الفريق بابكر سمرة على السلطة فجاءته محمولة حملاً، وهذا درس للمتهافتين والطبالين والداخلين الخارجين من مكاتب الحكام”.
معايير قومية صارمة
في المشهد السياسي السوداني، تتصاعد غالبًا أصوات السياسيين المتذمرين من تجاوز قطار التوزير لهم، متهمين بعضهم البعض بالعمل على أساس الانتماءات القبلية أو الإقليمية. ولكن في المقابل، قلما نسمع شكاوى مماثلة من داخل المؤسسة العسكرية السودانية. فهل يعكس ذلك صورة مختلفة للجيش السوداني؟
يكمن جزء كبير من الإجابة في الطبيعة القومية المتجذرة للمؤسسة العسكرية السودانية. فمنذ تأسيسها، حرص الجيش على بناء هيكل يرتكز على الولاء للوطن أولًا وأخيرًا، بعيدًا عن الانتماءات الضيقة. تتجلى هذه القومية في مجموعة من المعايير والقوانين الصارمة التي تحكم عمليات التوظيف والترقيات وإسناد الأدوار القيادية داخل القوات المسلحة.
يؤكد اللواء ركن معاش عادل كارلوس أن المؤسسة العسكرية محكومة بمعايير قومية صارمة، مشيرًا إلى أن معايير الاختيار والتعيين في القوات المسلحة هي شروط واجبة وفرض عين لأي وصف وظيفي.
وشدد كارلوس في حديثه لـ”المحقق” على أن ضباط الجيش يكافحون للحفاظ على التقاليد العسكرية السامية، ودافعهم في أي تحرك هو حب الوطن والولاء للأرض، والدفاع عنها بالأرواح. ولذلك، “لا مجال أبدًا للحديث عن التهميش والتجاهل، فالجميع سواسية ورفاق خنادق”، حد وصفه.
أساس الترقيات
تعتمد المؤسسة العسكرية على نظام دقيق لانتقاء كوادرها، بدءًا من مراحل التجنيد وحتى اختيار الضباط، إذ يتم التركيز على الكفاءة والقدرات الفردية والولاء الوطني، بعيدًا عن أي اعتبارات جهوية أو قبلية، أو حتى سياسية، فيما تخضع عمليات الترقي في الرتب العسكرية _وفقًا لقانون القوات المسلحة_ لمعايير واضحة تعتمد على الأداء، الخبرة، الدورات التدريبية المكتملة، والقدرة على القيادة، وتضمن هذه المعايير الموحدة تكافؤ الفرص نسبيًا بين الضباط من مختلف الوحدات، مما يقلل من الشعور بالتهميش أو الظلم.
أشهر وزراء الدفاع
ثمة قائمة شهيرة لضباط تقلدوا وزارة الدفاع في السودان، ويبدو أن السمة التي تجمع بينهم هى التخرج من الكلية الحربية، مصنع الرجال وعرين الأبطال، التي صهرت معدنهم في قالب سوداني واحد، وأبرزهم الأمير لأي عبد الله خليل الذي تولى حقيبة الدفاع في الفترة ما بين العام (1956 _ 1958)، وهو من مواليد العاصمة القديمة أم درمان، وأيضاً الفريق إبراهيم عبود الذي ولد بمنطقه محمد قول على ساحل البحر الأحمر، وآدم موسي مادبو الذي عمل وزيرًا للدفاع في الفترة من ( 1967_ 1968) وهو ابن ناظر الرزيقات في دارفور. كذلك اللواء خالد حسن عباس، والفريق أول ركن عبد الماجد حامد خليل الذي شغل هذا الموقع لفترتين تقريبًا، والمشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي ينحدر من ولاية شمال كردفان، والفريق مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين، الذي ينحدر من منطقة دنقلا، والفريق جمال الدين عمر أول وزير دفاع في الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، فهو من ولاية نهر النيل. وآخر الشخصيات التي تقلدت هذه الوزارة اللواء يس إبراهيم من شمال كردفان، لتنتقل الآن إلى جنوب كردفان. وقد تنقلت هذه الوزارة المهمة عبر حقب تاريخية مختلفة، وشغلها وزراء من شرق السودان إلى أقصى الغرب، ومن شماله ووسطه وجنوبه، والراجح أن هذا التوزيع الجغرافي لم يكن مقصودًا بذاته، بل غالبًا ما جاءت هذه الشخصيات إلى مناصبها بحكم التراتبية العسكرية.
مؤكد أن القوات المسلحة السودانية تحاول بطرق مختلفة تنحية كافة الانحيازات السياسية والقبلية، وحتى وإن كانت حاضرة في بعض الحقب التاريخية، فمن الواضح أن آليات وقوانين الجيش تهدف إلى التقليل منها قدر الإمكان، وفقًا لآراء خبراء عسكريين استطلعهم موقع “المحقق”، حيث تتبع منهجًا صارمًا يعتمد على الكفاءة والخبرة الطويلة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، وهذا بالضرورة يتطلب دراسة ومتابعة دقيقة لسجلات الضباط ومسيرتهم المهنية.
المحقق – عزمي عبد الرازق