الصراع على السلطة في السودان ومستقبل المتصارعين
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
الصراع الحالي في السودان بين القوات المسلحة السودانية (الجيش) وقوات الدعم السريع يُعدّ صراعًا مركبًا ينطوي على أبعاد داخلية وخارجية معقدة. بينما يدور الصراع على السلطة بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، فإن التدخلات الإقليمية والدولية تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مسار الأحداث.
البعد الدولي والإقليمي
منذ اندلاع الصراع، كان واضحًا أن الدول الإقليمية والدولية الكبرى تراقب الوضع في السودان عن كثب، وكل منها يسعى لتعزيز مصالحه الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. هذه المنطقة تعد حيوية على المستويين الاقتصادي والعسكري، حيث تسعى القوى الدولية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا لتعزيز نفوذها من خلال دعم أطراف محلية معينة. مصر والإمارات والسعودية كذلك تلعب أدوارًا بارزة، نظرًا لموقع السودان الجغرافي الاستراتيجي وتأثيره على أمن البحر الأحمر.
ردود أفعال القوى الدولية
الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، تراقب الصراع بقلق، لكنها تسعى في نفس الوقت إلى تجنب الانخراط المباشر خشية تكرار سيناريوهات فاشلة مشابهة في ليبيا واليمن. رغم ذلك، فإن هناك دعمًا غير مباشر من خلال فرض العقوبات ومحاولة التأثير على الأطراف المتصارعة عبر الوساطات الدولية.
الموقف السوداني الداخلي
تبدو القوى المدنية السودانية متأرجحة بين المعسكرين، لكنها تميل أكثر نحو الجيش بحكم تاريخه كجزء من مؤسسات الدولة الشرعية. ومع ذلك، فإن تعقيد الوضع العسكري وتورط الجنرالين في صراع عنيف يجعل من الصعب على القوى المدنية لعب دور حاسم، إلا إذا كانت مدعومة بقوة إقليمية قادرة على فرض تسوية سياسية.
السيناريوهات المحتملة
في ظل استمرار الصراع وغياب أي تسوية سريعة، يبدو أن الوضع في السودان مرشح لمزيد من التصعيد، وربما يؤدي ذلك إلى سيناريوهات مشابهة لما حدث في بعض الدول الإفريقية حيث انهارت الدولة المركزية وحلّت الفوضى. يمكن لقوات الدعم السريع أن تحاول فرض سيطرتها على البلاد، لكنها ستواجه تحديات كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي، خاصة مع تفاقم الانتهاكات الإنسانية والضغوط الدولية.
فإن السودان يواجه خيارين: إما الوصول إلى تسوية سياسية تتضمن إصلاحات جذرية تشمل جميع الأطراف، أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى التي قد تؤدي إلى تقسيم البلاد فعليًا بين قوى متصارعة. الدعم الإقليمي سيلعب دورًا حاسمًا في هذا السياق، حيث يمكن أن يُرجح كفة طرف على آخر، لكن هذا الدعم قد يأتي بشروط تتجاوز المصالح الوطنية السودانية لتشمل أجندات إقليمية ودولية أوسع.
تحليل دور القوى المدنية في الصراع السوداني الحالي يعتبر أمراً حاسماً لفهم المشهد السياسي المستقبلي في البلاد. رغم أن القوى المدنية تمثل شريحة كبيرة من الشعب السوداني، إلا أنها تعرضت لضغوط واختراقات من قبل تحالفات إقليمية ودولية، مما أثر على قدرتها على التأثير بفعالية في مسار الأحداث.
اختراق القوى المدنية وتحالفاتها
القوى المدنية السودانية، ممثلة في تحالف "قوى الحرية والتغيير" ومجموعات أخرى، تعرضت لاختراقات وضغوط من قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها في السودان. هذه التحالفات تشتمل على دول مثل الإمارات، مصر، والسعودية، التي تدعم أحياناً أحد أطراف النزاع بهدف التأثير على مسار الأحداث. تدخل هذه الدول في الشأن السوداني لم يكن دائماً لصالح القوى المدنية، بل غالباً ما سعت إلى تقويضها لصالح القوى العسكرية أو شبه العسكرية التي تتوافق مع مصالحها الجيوسياسية.
الدور المتوقع للقوى المدنية في المستقبل
في حالتي الفوضى أو التسوية، ستظل القوى المدنية لاعباً أساسياً، وإن كان ضعيفاً، في المشهد السوداني
في حالة الفوضى
إذا استمرت الحرب الأهلية أو تفاقمت، فإن القوى المدنية قد تجد نفسها عاجزة عن التأثير المباشر، لكن يمكنها أن تلعب دوراً في توفير الشرعية لأي تسوية سياسية مستقبلية. قد تستمر هذه القوى في تشكيل تحالفات جديدة مع قوى دولية تسعى إلى تحقيق الاستقرار في السودان. في هذه الحالة، قد تتحول القوى المدنية إلى معارضة مقاومة تسعى للحفاظ على مكتسبات الثورة وتحقيق حكم مدني في المستقبل البعيد.
في حالة التسوية:
إذا تم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، ستكون القوى المدنية مفتاحاً في تشكيل حكومة انتقالية أو حتى في عملية إعادة بناء الدولة. دورها سيكون مهماً في ضمان أن التسوية لا تقتصر على توزيع السلطة بين الأطراف العسكرية فقط، بل تشمل إصلاحات دستورية ومؤسسية تضمن مشاركة واسعة لمختلف فئات الشعب السوداني. هذه القوى يمكن أن تستفيد من الدعم الدولي لإعادة إحياء العملية السياسية وضمان أن تكون الحكومة القادمة أكثر شمولية وتمثيلاً.
التحديات المستقبلية
رغم هذه السيناريوهات، تواجه القوى المدنية تحديات كبيرة في توحيد صفوفها واستعادة ثقة الجماهير. استمرار التدخلات الخارجية والضغوط الإقليمية قد يعرقل جهودها، لكن مع ذلك، يبقى لها دور محوري، خاصة إذا نجحت في تشكيل تحالفات جديدة تستند إلى أجندة وطنية واضحة بعيداً عن الاستقطابات الإقليمية.
القوى المدنية في السودان، رغم ضعفها النسبي نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية، تظل عنصراً أساسياً لا يمكن تجاهله في أي تسوية سياسية مستقبلية. مستقبلها يعتمد بشكل كبير على قدرتها على التكيف مع الأوضاع الراهنة وبناء تحالفات جديدة تعزز من موقعها في المشهد السياسي السوداني.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة تسویة سیاسیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
كامل الوزير يلتقي وزير التنمية العمرانية السوداني لبحث آفاق التعاون
استقبل الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، المهندس صلاح حامد إسماعيل، وزير التنمية العمرانية والطرق والجسور بجمهورية السودان، لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك في مجالات النقل المختلفة، بحضور عدد من القيادات المعنية من الجانبين.
يأتي ذلك في إطار تعزيز العلاقات والتكامل الاستراتيجي بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان الشقيقة.
من جانبه أكد نائب رئيس الوزراء المصري خلال اللقاء أن العلاقات المصرية السودانية في مجال النقل تشهد تطوراً كبيراً على كافة المستويات، مشيراً إلى حرص الدولة المصرية على دعم جهود التنمية والبنية التحتية في السودان، ومشاركة الشركات المصرية في تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى.
وفي مجال النقل النهري، أوضح الفريق مهندس كامل الوزير أن التعاون بين الجانبين في مجال النقل النهري يمثل أحد ركائز الشراكة الاستراتيجية، حيث تم توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين الهيئة العامة للنقل النهري المصرية، وهيئة وادي النيل للملاحة النهرية، وسلطة الملاحة النهرية السودانية لتطوير الرصيف النهري الحالي لميناء وادي حلفا، بقيمة تعاقدية نحو 300 مليون جنيه مصري، بنسبة تنفيذ بلغت حتى الآن 69%.
كما يجري حالياً تزويد وصيانة المساعدات الملاحية بطول 350 كم بين أسوان ووادي حلفا، لتسهيل حركة نقل الركاب والبضائع. وتعقد اللجنة الفنية الدائمة المشتركة للنقل النهري بشكل منتظم، والتي كان آخرها في أغسطس 2021 بالخرطوم كما يوجد تعاون مشترك في مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، حيث تعد السودان من الدول الأعضاء باللجنة التوجيهية للمشروع.
أما بالنسبة لمشروعات الطرق والتنمية العمرانية، أكد نائب رئيس الوزراء المصري أن القيادة السياسية في السودان أبدت رغبة واضحة في إسناد مشروعات التنمية العمرانية لشركات مصرية متميزة في مجالات البنية التحتية، مثل شركة المقاولون العرب، الهيئة العامة للطرق والكباري، الشركة المصرية لإنشاء وصيانة مرافق النقل، شركة النصر العامة للمقاولات (حسن علام) مشيراً إلى تطلع السودان إلى إعادة تأهيل كباري "الحلفايا" و"شمبات" بولاية الخرطوم في أقرب وقت، في ظل استعداد مصر الكامل لدعم هذه الجهود التنموية.
وفي قطاع الموانئ البرية أوضح الوزير أن الهيئة العامة للموانئ البرية والجافة تقوم بتنسيق دائم لتيسير إجراءات العبور من والى السودان، وتسهيل حركة التبادل التجاري، وعبور الافراد، والمركبات، وعبور المساعدات الإنسانية الى دولة السودان الشقيقة من خلال زيادة أعداد العاملين بكل من مينائي أرقين وقسطل لاستيعاب الكثافات، وكذلك زيادة الخدمات الإدارية خدمات الاعاشة لخدمة العابرين. والسعي لتسريع إجراءات التخليص الجمركي لتجنب التكدسات.
كما تم مناقشة التعديلات الجديدة التي أقرها الجانب السوداني بشأن رسوم العبور، وأثرها على حركة التجارة والاتفاق على مقترح الجانب المصري بتشكيل لجنة مشتركة لحل العقبات التشغيلية والإجرائية في المعابر البرية.
وفي مجال النقل البري أشار الوزير إلي أنه تم مناقشة أبرز التحديات في النقل البري، خاصة تأخر إصدار التأشيرات للسائقين المصريين، وما يتطلبه من تسهيل الإجراءات ومد فترة التأشيرة إلى 6 أشهر متعددة الدخول، وكذلك الحاجة لتكثيف العمل في المعابر السودانية لتقليل فترات الانتظار وتيسير عبور الشاحنات
و أكد نائب رئيس الوزراء المصري علي أهمية مشروع الربط السككي بين البلدين، حيث أنه جارى التنسيق مع الجانب السوداني لبدء تنفيذ دراسة الربط السككى بين البلدين بتمويل من خلال منحة من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية
كما تم مناقشة أوجه التعاون في مجال النقل البحري، حيث أكد الوزير علي استعداد هيئة ميناء الإسكندرية لاستقبال البضائع السودانية المصدرة والمستوردة، وإعادة شحنها إلى السودان عبر الوسائط المختلفة.
كما تم بحث التعاون المستقبلي في مجال النقل البحري من خلال التعاون بين الشركة القابضة للنقل البحري والبري، التي تتمتع بخبرات فنية وتشغيلية واسعة في مجالات تداول مختلف أنواع البضائع، بما في ذلك الحاويات والبضائع الصب والعامة، إلى جانب خبرتها في إدارة وتشغيل محطات الموانئ وبين ميناء بورتسودان السوداني حيث يهدف هذا التنسيق والتعاون إلى إعداد رؤية متكاملة لتشغيل الميناء، بما يضمن الكفاءة التشغيلية وتعظيم العائدات. كما سيتم فتح المجال أمام شركات القطاع الخاص، من خلال الغرف الملاحية، لدراسة المشروع وتقديم العروض المناسبة، بما يسهم في دعم التعاون الإقليمي وتعزيز دور الموانئ في حركة التجارة والخدمات اللوجستية بالمنطقة.
وفي ختام اللقاء، أكد الفريق مهندس كامل الوزير أن التنسيق المشترك بين البلدين في قطاع النقل يسهم في دعم العلاقات الاقتصادية والتجارية، ويعزز من فرص التكامل الإقليمي والتنمية المستدامة، مؤكداً حرص مصر على تقديم كل سبل الدعم للأشقاء في السودان في هذه المرحلة الهامة.
كما أعرب المهندس صلاح حامد إسماعيل، وزير التنمية العمرانية والطرق والجسور بجمهورية السودان، عن سعادته بزيارة جمهورية مصر العربية، مؤكدًا أن الزيارة شكّلت فرصة هامة للاطلاع على الرؤى التنموية المشتركة، ومناقشة أولويات المرحلة المقبلة من المشروعات التي يمكن التعاون فيها بين الجانبين.
وأشار الوزير إلى أهمية تعزيز الشراكة مع الشركات المصرية الكبرى، خاصة في مجالات النقل والبنية التحتية، بما يحقق المنفعة المتبادلة ويسهم في دفع جهود التكامل الاقتصادي بين البلدين الشقيقين.
اقرأ أيضاً«كامل الوزير» يلتقي مستثمري المناطق الصناعية في البحيرة غدا
باستثمارات 5 ملايين دولار.. كامل الوزير يفتتح مصنع إنتاج كباسات التبريد بسوهاج