في فقد البروف مصطفى محمد خوجلي

كتب د. محمد عبد الحميد
في فقد البروف مصطفى محمد خوجلي
وفقدناك أيها الملاك
عادة ما ينعى الناعون أناساً فتشعر بالحزن والألم يعتصرك حتى العظم، وقد يندر أن ينعي الناعون آخرين فتشعر أنك من أهل الحظوة... فقد نعى الناعي البروفسور مصطفى محمد خوجلي أحد أكابر علماء الجغرافيا في السودان إن لم يكن أكبرهم طُرا وأعظمهم شأناً.

.. فغمرني شعور غامر بالغبطة موشح بحزن نبيل إذ أكرمني الله بصحبة هذا الإنسان الجميل ردحاً مقدراً من الزمان فاق العقدين من السنين. ومن فرط الحظوة أنني قد كنت زميلاً في مقام تلميذ، وتلميذ في مقام زميل.. فكثيراً ما أتعرف على علماء أفذاذ من خلال أعمالهم الفكرية، ومنجزاتهم العلمية، فأتحسر أن قد تعرفت عليهم وهم في العالم الآخر... غير أن الزمان قد قيض في احد أجل مكرماته أن أتعرف علي الأستاذ الجليل بروفسير مصطفى خوجلي وعلى معين مورده العذب علماً وأيُّ علم. وذوقاً وأيُّ ذوق. وأدباً وأيُّ أدب. واحتراماً وأيُّ إحترام، فأخذت أعبُ من ذلك المنهل الرقراق وما أبليت من ذلك " المورد العجيب " من ظمأ. وإذ بالناعي ينادي أن المعين المنساب قد تغور في باطن الأرض ولن نستطيع له طلبا. وأن اليتم العلمي قد أناخ بكلكله على أكتافي، فصرت كمن يتخبط من مس الفقد..
ففقدت في محطات التيه بوصلة الوصول.
و فقدت في غياهب الديجور نجم وضيء.
وفقدت إذ تغشتني مضاضة الزمان بسلم الأرواح.
وفقدت عند عاتيات الكروب مواطن التحنان.
وفقدت عند فالتات الخطوب أعنة الرسو.
وفقدت إثر عاديات الدهور صدر رحيب.
وفقدت في زمان البلايا معالم الهداية.
فقد إسترد الله وديعته بعد أن أطلت في سماء هذه الدنيا بشموخ مغلف بالتواضع. وكبرياء مجلل ببهاء العلماء ومهابتهم.. وتساميٍ على كل وضيعٍ من أوضار دار الفناء.. فذهب لدار الخلود راضياً مطمئناً تشيعه دعوات التلاميذ الذين عرفوا فضل ذلك الإنسان الملاك.

د. محمد عبد الحميد

[email protected]  

المصدر: سودانايل