سودانايل:
2025-06-08@03:59:33 GMT

حقائق بديلة – واقع واحد

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

حسام عثمان محجوب

24 أغسطس 2024

الكوميدي/المعلق السياسي الأمريكي الأشهر جون ستيوارت تناول في برنامجه في 3 يونيو الماضي حالة الاستقطاب الحادة في الولايات المتحدة، فعرض عدة نماذج لسياسيين وإعلاميين يعلقون على الحكم بالإدانة الجنائية للرئيس السابق دونالد ترامب تأييداً ومعارضةً، ولا سيما ما ذكره عدد منهم أن الشعب الأمريكي اليوم يعيش في واقعَين مختلفَين (two different realities).

خلص جون إلى أن "وسائل الإعلام الإخبارية قد قررت أنه لا يوجد شيء يسمى الواقع"، ورفض ذلك الحكم بشدة قائلاً أننا "جميعاً نعيش في واقع واحد، ومهمة وسائل الإعلام اختبار معاييرهذا الواقع ... بالنظر إلى الوراء وإعادة بناء حقائق ما حدث. ولكن ما تفعله بدلاً من ذلك التطلع إلى الأمام والتكهن بالمستقبل بشكل جامح".
لا أظن أن جون يجهل التبسيط الذي تنطوي عليه عبارته هذه، فالفلاسفة والعلماء ناقشوا كثيراً وجود "واقع موضوعي"، ويبدو منطقياً قبول أنه قد يكون هناك أكثر من واقع تحدده التصورات والقدرات الفردية والسياقات الثقافية والتفسيرات الفلسفية للأشخاص الذين ينظرون لهذا الواقع. ولكن الأهم في حديثه تحديده لمسؤولية الإعلام (ويمكن إضافة الكتاب والمثقفين) في اختبار نسخ الواقع الرائجة ونقدها.
يمكننا نقل هذا المنطق للواقع السوداني وتطبيقه من أي نقطة بداية، ولتكن لحظة اندلاع الحرب ونرجع لما قبلها حسب مقتضى الحال، حيث استحوذ على الخطاب السوداني الأعلى صوتاً "واقعان" متخيلان متضادان يتمثلان في "بل بس" و"لا للحرب *" (النجمة دلالة على طبعة قوى الحرية والتغيير/تقدم). هما متخيلان لأنهما لا يصمدان أمام الفحص والنقد، وهما متضادان في رؤيتهما وتفسيرهما وتحليلهما لأي صغيرة وكبيرة رغم اشتراكهما في الأدوات التي يستعملانها، ثم هما واقعان لأنه يبدو أن كثيراً من السودانيين شديدو الاقتناع بهما بكل تفاصيلهما وينظرون للعالم عبر عدساتهما.
وقد تقاصر الإعلاميون والمثقفون والكتاب عن وضع الخطابين تحت مجاهر الاختبار ونقدهما وتقديم الحقائق للإعانة على تركيب واقع أكثر موضوعية، يسمح بحوار أو نقاش ذوي معنى بين السودانيين والسودانيات، والبحث الجاد عن مخارج من كارثة الحرب الحالية أو لتخفيف آثار أزمات الوطن. بدلاً من ذلك انجرفت جموع كبيرة من أولئك "المثقفين" لتصدر أحد الخطابين، إيماناً أو يأساً أو ضعفاً أو رغبةً أو رهبةً أو انتهازيةً أو عمالةً أو خليطاً من كل ذلك. وذبحت في سبيل تبرير خياراتها المنطق والبديهيات. كما عجزت القوى السياسية صاحبة الخطاب المختلف عن إيصال صوتها للشعب السوداني، وخلق رأي جماهيري يسمح ببناء حراك شعبي يمكن أن يؤثر فعلاً على مجريات الحرب بأطرافها والقوى المؤثرة فيها.
في واقع "بل بس" الأكثر تطرفاً الحرب هي "تمرد" لقوات الدعم السريع على القوات المسلحة، وقد أشعلتها قوى الحرية والتغيير (قحت) ودولة الإمارات. البرهان قائد عسكري محنك، والجيش يحقق انتصارات عسكرية كبرى، وهو قادر على سحق الجنجويد المرتزقة الغرباء أعراب شتات غرب أفريقيا، ولذلك فيجب الاستمرار في بلهم حتى تتم إبادتهم. ثورة ديسمبر خطأ تاريخي ومؤامرة على الشعب السوداني، الذي أثبتت له هذه الحرب، حرب الكرامة، وطنية الكيزان وأهمية المؤسسات والمليشيات التي أسسوها أو تمكنوا منها مثل جهاز الأمن وهيئة العمليات/قوات العمل الخاص ومليشيا البراء بن مالك. الجيش هو أهم مؤسسات الدولة، ودعمه مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها حماية المواطنين، وانسحاباته المتتالية من المدن ليست هزائم وإنما تكتيكات عسكرية عالية. وفي هذا الواقع "لا للحرب" هي شعار استسلام للمليشيا كل من يؤيده تابع لقحت/تقدم التي تمثل الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع، وهي تشمل كل القوى التي اشتركت في ثورة ديسمبر وأيدتها، والذين يجب بلهم مباشرة بعد القضاء على الجنجويد.
وفي واقع "لا للحرب *" أطلق فلول النظام البائد الكيزان، ومعهم مصر، رصاصة الحرب الأولى من وراء ظهر قيادة الجيش السوداني للقضاء على الثورة السودانية مجسدة في قحت. الجيش السوداني من قيادته وحتى أصغر عساكره من الفلول، يسيره علي كرتي وقادة الكيزان. والكيزان هم المسؤولون عن استمرار هذه الحرب العبثية، والرافضون لإيقافها. الجيش والكيزان مسؤولون عن انتهاكات الحرب الفظيعة، وعن كل مخازي تاريخ السودان المعاصر وحالة البلاد المأساوية اليوم. حتى الاتهامات التي يمكن أن توجه لقوات الدعم السريع والجنجويد هي مسؤولية الجيش فهو من أخرجها من رحمه. الأولوية القصوى لإيقاف الحرب بغض النظر عن أي تفاصيل بما فيها الانتهاكات والجرائم المصاحبة للحروب، والحرب تتوقف بالتفاوض الفوري غير المشروط، ومن لا يتفق مع هذا الموقف فهو بلبوسي فلولي أو مغفل نافع. في هذا الواقع قوات الدعم السريع ليست امتداداً لمليشيا الجنجويد، وحميدتي ليس كوزاً، والكيزان والجيش حاولوا توريطه في انتهاكات ماضية وفي انقلاب 25 أكتوبر، ولكنه تخلى عنهم وانحاز للسلام والتحول الديمقراطي، وواجب القوى المدنية العمل معه وعدم المبادرة بالتشكيك في مواقفه.
هناك خصائص أخرى لهذين الخطابين، وأطياف متعددة بينهما، تتلاشى الحدود بين بعضها أحياناً، كما يظهر بالذات في حالة تماهي واقعي "لا للحرب *" و"جغم بس"، وهو خطاب قوات الدعم السريع بدون مساحيق تجميل. ولكن معظم ما يطرحه المؤثرون من ساسة وإعلاميين ومثقفين لا يخاطب قضايا الحرب بعمق يشي أن هناك فائدة ترجى منه أو من النقاش معه.
غالباً لن تتوقف هذه الحرب قريباً، والسودان لن يكون البلد الذي عرفناه، وقضاياه أصعب من التسطيح والاستهبال اللذين يمارسهما جل قادتنا. نحتاج أصواتاً أعلى لخطاب ينقد خطابات الزيف، بالقدر الذي يفيد في إعادة تركيب الواقع كما هو، للتفكير فيه والعمل على تغييره، دون التوحل في كثير من نجواهم ومعاركهم التي لا خير فيها؛ خطاب يبذل الطاقات المحدودة منطلقاً من وسط جماهير الشعب السوداني ومتوجهاً لها، ولا ينشغل بالمنحازين بوعي أو كبر لخطابات الزور والتضليل ولا بالهياكل المهترئة التي أنتجتها ورعتها.

husamom@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع هذا الواقع لا للحرب فی واقع

إقرأ أيضاً:

لماذا تتحرك واشنطن نحو السودان عبر مجموعة الرباعية؟

الخرطوم- بعد مرور نحو 5 أشهر على تسلم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامها، أطلقت واشنطن مساعيَ جديدة لوقف الحرب في السودان، التي تدخل عامها الثالث، بإعادة إحياء "المجموعة الرباعية" التي تشكلت لدعم التحول المدني عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، مع ملاحظة غياب بريطانيا وحلول مصر مكانها.

وعقدت الخارجية الأميركية اجتماعًا أمس الأول الثلاثاء، ضم نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو، والمستشار الأول لشؤون أفريقيا مسعد بولس، وسفراء السعودية ريما بنت بندر، ومصر معتز زهران، والإمارات يوسف العتيبة، ضمن ما يُعرف بـ"المجموعة الرباعية".

وقد برز غياب بريطانيا، التي كانت فاعلة في الشأن السوداني قبل اندلاع الحرب، ما اعتبره محللون مؤشرا على تراجع التوافق الأميركي البريطاني في الملف.

تداعيات الصراع

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية تامي بروس، في تصريح له، إن اللقاء يندرج ضمن الجهود الدولية لاحتواء تداعيات الصراع السوداني، وأوضح أن لاندو شدد على أن النزاع يشكل تهديدا للمصالح الإقليمية المشتركة، متسببا بأزمة إنسانية متفاقمة، مؤكدا رفض بلاده الحل العسكري ودعوتها إلى التركيز على المسار التفاوضي.

كما دعا دول الرباعية إلى تكثيف جهودها لحث الأطراف المتحاربة على وقف القتال، والتوصل إلى تسوية سياسية تؤمن الاستقرار في السودان.

إعلان

تأتي هذه التحركات عقب تعثر "منبر جدة"، الذي رعته واشنطن والرياض، حيث فشلت الأطراف في الالتزام ببنود الوثيقتين الموقعتين، خصوصا من قوات الدعم السريع التي لم تخل المواقع المدنية، مما أدى إلى تعليق المفاوضات منذ أواخر 2023.

وكانت الولايات المتحدة قد طرحت مبادرة لعقد محادثات في سويسرا بين الحكومة السودانية والدعم السريع، في أغسطس/آب الماضي، لكن الخرطوم رفضت نقل المفاوضات من جدة، وأصرت على تنفيذ الاتفاق السابق قبل أي حوار جديد.

وفي فبراير/شباط، سلمت الخارجية السودانية للأمم المتحدة خارطة طريق لحل الأزمة، تتضمن مقترحات للمرحلة الانتقالية وشروط وقف إطلاق النار.

وشهدت الأسابيع الأخيرة تحركات من المبعوث الأممي رمطان لعمامرة، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، ومنظمة "إيغاد"، أو ما يُعرف بـ"الآلية الثلاثية"، حيث رحب هؤلاء بشكل منفصل بتعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء، في خطوة نحو جهود مشتركة لوقف الحرب وتقريب مواقف الأطراف.

موقف الحكومة

وفي تعليقها على تحرك الرباعية، قالت مصادر دبلوماسية سودانية للجزيرة نت، إن الحكومة لم تتلقَ دعوة رسمية من واشنطن، لكنها تُبدي تحفظها على مشاركة أي دولة تدعم "مليشيا الدعم السريع".

وأكدت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن الحكومة السودانية حريصة على السلام، وقد شاركت في مفاوضات جدة، إلا أن قوات الدعم السريع استغلت الهدن للتوسع العسكري، كما صرح قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" أخيرًا برفضه العودة لطاولة التفاوض.

من جهته، رحب تحالف "صمود" بنتائج اجتماع الرباعية، واعتبره خطوة مهمة في سبيل إنهاء الحرب، خاصة في ما يتعلق بوقف إطلاق النار، وتسهيل إيصال المساعدات، وحماية المدنيين.

وفي حديث للجزيرة نت، قال المتحدث باسم التحالف، جعفر حسن، إن إنهاء الحرب يتطلب ضغوطا متواصلة على الأطراف، للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، والشروع في عملية سياسية تفضي إلى سلام دائم ونظام ديمقراطي مدني.

إعلان انخراط أميركي حذر

ويعتقد الباحث السياسي محمد علاء الدين، أن إدارة ترامب لم تولِ أفريقيا اهتمامًا يُذكر، ومنشغلة بملفات أخرى، كما أنها لم تُكمل بعد تشكيل فرقها المعنية بالشأن الأفريقي في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، ما حال دون بلورة سياسة واضحة تجاه السودان.

وقال علاء الدين للجزيرة نت، إن إحياء الرباعية يعكس رغبة واشنطن بالتفاعل مع الملف السوداني عبر شركائها، لا منفردة، لتخفيف ضغوط داخلية من الكونغرس، وأخرى من منظمات حقوقية تتهمها بالتقصير تجاه دعم بعض الدول لقوات الدعم السريع، المتهمة بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

ويرى أن نجاح الرباعية مشروط بتسوية الخلافات وضرورة تفعيل دور الجامعة العربية، وصياغة مقاربة تُراعي تطلعات الشعب السوداني للسلام، دون إعادة قوات الدعم السريع إلى المشهد.

أما المتحدث السابق باسم الخارجية السودانية، العبيد مروح، فيرى أن الرباعية ستظل عاجزة لأسباب منها تبني المجتمع الدولي -وفي مقدمته واشنطن- لمقاربة تعتبر الحرب "نزاعا بين الجيش والدعم السريع" فقط، ما يقصي الحكومة من التفاوض، وأدى إلى فشل محادثات سويسرا قبل انطلاقها.

لكنه في المقابل أكد أن التحرك الأميركي لا يتعارض مع جهود الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، و"إيغاد"، بل يندرج ضمن سقف الرباعية ومظلتها الأميركية.

مقالات مشابهة

  • شوقي علام: كتاتيب القرية هي المدرسة الأولى التي نتعلم ونتربى فيها
  • غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي
  • “نهب ما تبقى من المساعدات”.. الخارجية تدين السلوك البربري لمليشيا الدعم السريع
  • إيلون ماسك يحذف تدويناته التي شن فيها هجوما لاذعا على ترامب وأشعل ضجة
  • ???? حين ضاق الخناق .. هل قرر العالم أخيرًا التخلص من مليشيا الدعم السريع؟
  • خاص لـ”العنوان 24″: ميليشيا الدعم السريع تلجأ إلى الاتجار بالبشر لتعويض خسائر جنودها
  • الدعم السريع تستهدف استاد الأبيض غرب السودان بمسيرات أثناء مباراة كرة قدم
  • لماذا تتحرك واشنطن نحو السودان عبر مجموعة الرباعية؟
  • مقتل وإصابة العشرات في الفاشر بقصف من قوات الدعم السريع
  • مقتل 14 شخصا في قصف لميليشيا الدعم السريع لسوق نيفاشا بالسودان